مناسبة الحکم والموضوع

مراجعة ١٤:٢٤، ١٢ سبتمبر ٢٠٢١ بواسطة Abolhoseini (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''مناسبة الحکم والموضوع:''' لم نأثر على هذا الاصطلاح المركّب في كلمات القدماء والمتقدّمين، لك...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

مناسبة الحکم والموضوع: لم نأثر على هذا الاصطلاح المركّب في كلمات القدماء والمتقدّمين، لكنّه موجود بكثرة في كلمات المتأخّرين والمعاصرين من اُصوليي الشيعة، برغم أنّ مفهومه قد يكون حاضرا في كلمات المتقدّمين كذلك. الاصطلاح الآخر المرادف لهذا الاصطلاح هو المناسبات الارتكازية، فقد استخدم هذا الاصطلاح الكثير من المتأخّرين والمعاصرين[١]، واستخدامهم له يحكي عن إرادة الترادف بينه وبين اصطلاح مناسبة الحكم والموضوع.

تعريف مناسبة الحكم والموضوع

يراد من هذا الاصطلاح ـ وفقا لما ورد في كلمات الاُصوليين[٢] ـ : كونه قرينة عرفية حالية ارتكازية لبيّة تحصل من جرّاء وجود علاقة خاصّة بين الحکم والموضوع من وجهة نظر عرفية تؤدّي إلى توسعة أو تضييق الموضوع أو الحكم.
ومن الطبيعي أنّ المراد من العرف في الكلام الخاصّ بالشؤون الدينية هو العرف الخاص، أي عرف المتشرعة، أمّا إذا كان الكلام في شأن غير ديني فلا بدّ أن يراد من العرف عموم العقلاء ولو كانوا من أديان وثقافات اُخرى.
بناءً على هذه القرينة وارتكازها في الأذهان فإنّ أهل العرف يرتبون عليها اُمورا مثل التوسعة والتضييق لكلام المتكلّم. كمثال عليه لو كان هناك الأمر التالي: «اغسل ثوبك من الدم» فإنّ العرف يرى عدم الموضوعية للثوب ولا يرى انحصار الموضوع بالثوب فقط، فإنّه لا خصوصية للثوب، بل إذا تلوّثت العباءة أو العمامة بالدم فعلى المكلّف أن يغسلهما؛ لكون الثوب ليس الموضوع الوحيد لهذا الحکم وورد في الكلام كمثال أو لكونه جاء في سؤال أو ما شابه، والعرف لا يرفع يده عن هذا التعميم والتوسعة، إلاّ إذا ورد دليل في هذا الخصوص يمنع من التوسعة والتعميم. وكذلك من قبيل: «ليسكب الرجل دلوا من الماء» فإنّ العرف لا يرى خصوصية للرجل، والأمر يشمل المرأة كذلك، كما لا خصوصية للدلو، بل يشمل أي وعاء آخر كذلك.
هذا فيما يخصّ الموضوع، والعرف يذهب إلى نفس المذهب فيما يخصّ الحكم (النجاسة في المثال) كذلك، فإنّه لا يرى موضوعية للدم فقط، بل الأمر يشمل كلّ نجاسة كذلك، فالأمر شامل للبول والغائط أيضا [٣].
وفي جانب التضييق قد يرد من الشارع هذا الأمر: «اغسل الثوب من البول مرّتين» فإنّ العرف يفهم من خلال قرينة (مرّتين) اختصاص عدد المرّات بالبول فقط، ولا يشمل الدم، بل قد يرى كفاية الغسل مرّة واحدة فقط.

كيفية استفادة التوسعة والتضييق

ممّا يمكن مناقشته هنا هو كيفية استفادة التوسعة والتضييق من مناسبات الحكم والموضوع. ويبدو أنّها تتمّ من خلال الكشف عن علّة الحكم أو مناطه وملاكه، والعلّة المستفادة من هذه المناسبة هي التي توسّع وتضيّق، ومناسبات الحكم والموضوع قرينة لهذه الاستظهارات. وهذا ممّا يستشفّ من كلمات الفقهاء، كما جاء هذا في الموارد التالية:
وردت نصوص أنّ القرن من عيوب المرأة التي تترتّب عليها بعض الآثار الشرعية، ثُمّ وقع اختلاف في كون القرن لحما أو عظما أو شيئا آخر، فبعض ذهب إلى إمكانية القول بأنّه شامل لجميع الموارد لإمكان استكشاف العلة من خلال مناسبة الحكم والموضوع، وهي المنع من الوط‏ء، حيث قال: «الذي يسهل الخطب هو إمكان دعوى القطع بمشاركة كلّ من العظم واللحم النابتين في الباطن واللحم الخارج من القبل في الحكم من جهة مناسبة الحکم و الموضوع، حيث يستفاد من جهتها أنّ العلة للحكم هو المنع عن الوط‏ء»[٤]. فقد أوضح هذا النصّ أنّ مناسبة الحكم والموضوع هي التي كشفت عن علة الحكم، وهي المنع عن الوط‏ء.
وفي المرأة التي تركت الإحرام بسبب طمثها ودخلت الحرم ورد في رواية أنّ عليها أن ترجع إن كان لها مهلة، ثُمّ يعلّق عليها أحد الفقهاء بقوله: «والرواية وإن وردت في الطمث إلاّ أنّه يعلم من مناسبة الحكم والموضوع أنّ المناط في وجوب الرجوع إلى الميقات أو الخروج من الحرم بقدر ما لا يفوت الحجّ، ثُمّ الإحرام منه هو الجهل بالحكم أو نسيانه للإحرام من الميقات، ولا خصوصية في الطمث، بل الملاك ترك الإحرام لعذر من جهل ونسيان»[٥]. وهذا الكلام فيه تصريح بأنّ مناسبة الحكم والموضوع تكشف عن الملاك الذي هو بمثابة العلة للحكم.
وقول الميرزا النائيني: «فإنّ مناسبة الحكم والموضوع في مثل: «قلّد المجتهد الحي» أو «أعط الزكاة للفقير» تقتضي أن يكون لوصف الاجتهاد والفقر دخل في جواز التقليد وإعطاء الزكاة ويكون هو الموضوع لذلك، بحيث يدور بقاء الموضوع وارتفاعه ببقاء الوصف العنوان وارتفاعه»[٦]. وفي هذا الكلام وضوح وتصريح بأنّ المناسبة تحكي عن الوصف، ويراد من الوصف هو ملاك الحكم ومناطه، وهو نفسه الذي ورد تحت عنوان المناسب في موضوع المناسبة كأحد مسالك العلة، حسب ما يبدو من هذا التعبير.
ويقول الشهيد الصدر: «مناسبات الحكم والموضوع المركوزة في الذهن التي تخلع على دليل الخطاب الشرعي ظهورا عرفيا لتحديد الملاك وتشخيص الأهمّ منها والمهمّ»[٧]. فقد أوضح الشهيد هنا أنّ المناسبات المذكورة يمكنها أن تحدّد ملاك الحکم.
وهكذا موارد اُخرى[٨]. وهي تحكي عن تلازم بين اكتشاف علة الحكم أو مناطه أو ملاكه وبين مناسبة الحكم والموضوع، برغم أنّ مناسبات الحكم والموضوع لا تنحصر في كشف الملاك، بل تتجاوز وتشمل كلّ ما يمكن تسميته قرينة وكلّ ما يمكن استفادته من القرينة.

الألفاظ ذات الصلة

المناسبة

يعرّف اُصوليو أهل السنة المناسب و المناسبة بـ المصلحة والمفسدة أو الوصف الظاهر المنضبط الذي يمكن أن يكون علّة للحكم[٩]. وباعتبار علاقة مناسبة الحكم والموضوع بمسألة إمكان هذه المناسبة أن تحكي أو تكشف عن علّة الحكم أو ملاكه أو مناطه، فإنّ هذه العلاقة توهم بكون المناسبة هنا هي نفسها المناسبة التي وردت في أصول فقه أهل السنة كأحد مسالك العلة في القياس. هذا محتمل لكن هناك احتمال آخر، وهو وجود اختلاف بينهما برغم وجود وجوه لـ الشبه وبرغم وجود عبارات وردت عن اُصوليي وفقهاء الشيعة توهم كونها نفس المناسبة موضع بحث أهل السنة. ويمكن رفض الترادف بينهما بالشواهد التالية:
أوّلاً: اختلاف ألفاظ الاصطلاحين فأحدهما مناسبة والآخر مناسبة الحكم والموضوع، أي مع إضافة مفردتي الحكم والموضوع في الاصطلاح الشيعي.
ثانياً: لم يُشر أحد إلى أنّ المناسبة في كتب الشيعة كونها وصفا ظاهرا منضبطا أو شيئا من هذا القبيل، بينما يصرّح في المناسب كونه وصفا ظاهرا منضبطا.
ثالثاً: لم يشر أحد من اُصوليي أهل السنّة إلى أنّها قرينة أو ارتكاز، ولم يستخدم هذا التعبير فيها أصلاً بينما يصرّح بهذا المعنى في عبارات الشيعة.
رابعاً: عدم اعتقاد الشيعة بأكثر أصناف القياس يبعد احتمال إرادة هذا المعنى الذي له صلة بموضوع القياس.
ويمكن التوفيق بين الاحتمالين من خلال القول: بأنّ مناسبة الحكم والموضوع يشير إلى ارتكاز عقلائي كاشف عن ملاك ومناط الحكم، وهو الذي يشكّل أساسا ومنشأ للمناسبة كأحد مسالك العلّة؛ باعتبار لزوم أن يكون هناك منشأ للمناسبة التي يُدعى كونها مسلكا للعلّة، ولا يبعد أن يكون هذا المنشأ هو الارتكاز العرفي الذي يُعرف تحت عنوان مناسبة الحكم والموضوع في اُصول فقه الشيعة.
وعلى أي حال، فإنّ الموضوع لم ينقّح بالمقدار الكافي لذلك نرى وجود مجال لتبلور هكذا شبهات دون حل قطعي. وهو بحاجة إلى دراسات أكثر تحدّد بالضبط العلاقة بين الاصطلاحين.

الحكم

دليل حجّيّة مناسبة الحكم والموضوع

باعتبار أنّ هذا الموضوع من المستحدثات الاُصولية فلم ينل الكثير من البحث، وقد أرسل من قبل أكثر الاُصوليين إرسال المسلّمات دون البحث في حجيته وملابساته.
من جانب آخر، لم نأثر من خالف أو شكّك في اعتبار مناسبة الحكم والموضوع، بل كلّ من ذكرها تقريبا أرسلها إرسال المسلّمات دون أي معارضة من قبل أحد. وقد يكون هذا لاعتبارهم مناسبة الحكم والموضوع قرينة، وهي لا تحتاج إلى دليل، بل شأن القرائن في هذا المجال هو المساعدة في تكوين الظهور، ولها دور في هذا المضمار دون الحاجة إلى البحث عن دليل عليها.
رغم هذا يمكن إيراد الاُمور التالية كأدلّة على حجّيّتها:

الدليل الأوّل: الارتكاز

وهو ما أثرناه في عبارات بعض العلماء، فهناك من وصف مناسبة الحكم والموضوع بالارتكازية أينما استخدمها تقريبا [١٠]، وكذا فعل غيره لكن أحيانا وليس دائما [١١]. وكأنّهم يريدون القول بأنّ الارتکاز العرفي هو جوهر وماهية أو دليل مناسبة الحكم، وهي كقرينة تستخدم من قبل العرف، وتصرف الكلام أحيانا إلى معانٍ خاصّة.

الدليل الثاني: كونها داخلة ضمن قاعدة الظهور العرفي

فإنّ العرف يذهب إلى وجود مناسبة بين الحكم والموضوع تضيّق أحيانا وتوسّع أحيانا اُخرى، وتكشف عن مراد المتكلّم لا يستفاد من اللفظ لوحده.

الدليل الثالث: الأساليب العرفية

بما أنّ المتكلّم مهما كان فإنّه يتكلّم وفق الأساليب العرفية، ومنها: قاعدة مناسبة الحكم والموضوع، وباعتبار علمه بهذه الأساليب فلا بدّ أنّه قاصد للعمل والكلام وفقها [١٢].
ويمكن أن يكون الثالث تتميما للدليل الثاني وليس دليلاً مستقلاًّ، وقد يكونان مستلهمين من الدليل الأوّل، وهو الارتكاز باعتبار أنّ حجيته ناشئة عن تشكيله ظهورا عرفيا معتمدا من قبل العقلاء.

المصادر

  1. . اُنظر: مستمسك العروة 1: 211، شرح العروة الوثقى الشهيد الصدر 1: 135 و208، تعاليق مبسوطة (الفياض) 7: 80، مصباح المنهاج 1: 322، و3: 486، مباحث الاُصول (الحائري) 3: 275 و442، المباحث الاُصولية (الفياض) 2: 382.
  2. . اُنظر: أجود التقريرات 2: 410، مصباح الفقاهة 5: 285، فقه الصادق 13: 30، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 8: 345، الهداية في الاُصول 4: 151، مصباح المنهاج الطهارة 3: 105 و182، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 301.
  3. . اُنظر: دروس في علم الاُصول 1: 263، الدروس الحيدري 2: 148 ـ 155، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 8: 344 ـ 346.
  4. . جامع المدارك الخوانساري 4: 369.
  5. . كتاب الحجّ الكلبايكاني 1: 230.
  6. . فوائد الاُصول 4: 259.
  7. . بحوث في علم الاُصول الشاهرودي 7: 98.
  8. . تعاليق مبسوطة الفياض 6: 15، و10: 598، فقه الصادق 8: 19، مصباح المنهاج (التقليد): 81، مصباح المنهاج (الطهارة) 3: 486.
  9. . مباحث العلّة في القياس: 399، الفائق في اُصول الفقه 2: 264، تحرير المنقول: 312.
  10. . تعاليق مبسوطة الفياض 1: 61 و2: 56 و 64 و 72، المباحث الاُصولية 2: 175 و 318، و3: 209 و 4: 177 و 427.
  11. . فوائد الاُصول 4: 580، براهين الحجّ للفقهاء والحجج الكاشاني 1: 198 و 205 ـ 206، مصباح المنهاج (التقليد): 224.
  12. . اُنظر: دروس في علم الاُصول 1: 263، الدروس الحيدري 2: 148 ـ 155، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 8: 344 ـ 346، كما وردت تفاصيل اُخرى في هذا المجال في محاضرات الاُستاذ الشيخ محمّد باقر الإيرواني.