الارتكاز

من ویکي‌وحدت

الارتكاز اصطلاح في اصول الفقه بمعنی الأمر المرکوز في الذهن أو الفكرة الثابتة في الذهن، الراسخة في عمقه، بحيث يصعب رفع اليد عنه إحساساً، وإن اطّلع دليلاً على خلافه. والبحث هنا في أنّه هل هذا الأمر المرکوز حجة أو لا؟

تعريف الارتکاز لغةً

الارتكاز هو الثبات، يقال: ركزت الرمح إذا غرزته في الأرض، وارتكز الشيء ثبت، ويقال للمعدن «ركاز»؛ لأنّه ثابت الأصل في الأرض لا تنقطع مادته. والمركوز في العقول الثابت فيها. [١]

تعريف الارتکاز اصطلاحاً

هو ما رسخ في الذهن من مفاهيم ومناسبات الأحكام وموضوعاتها والملازمات بينها. كارتكاز الاعتماد على خبر الثقة عند العقلاء كافة، أو ارتكاز حرمة حلق اللحية عند المتشرعة منهم، وكذا ارتكاز حرمة هتك الكعبة والقرآن عند المسلمين. وقد عرّفه بعض الأصوليين بأنّه: «الفكرة الثابتة في الذهن، الراسخة في عمقه، بحيث يصعب رفع اليد عنه إحساسا، وإن اطّلع دليلاً على خلافه».[٢]

الألفاظ ذات الصلة

السيرة: وهي استمرار عادة الناس وتبانيهم العملي على فعل شيء أو تركه[٣]، فالملحوظ في السيرة كونها سلوكا خارجيا، بينما الارتكازات أمور نفسانية بحتة. إلاّ أنّ السيد الشهيد الصدر عمّم مصطلح السيرة للمرتكزات العقلائية وإن لم يصدر منهم بالفعل سلوك خارجي على طبقها، وجَعَل العنوان الجامع المواقف العقلائية سواء تجسدت في سلوك خارجي أم لا. [٤] وقد ذكر السيد محمد تقي الحكيم بين السيرة ـ عقلائية كانت أم متشرعية ـ وبين ارتكاز المتشرعة فرقا من ناحية الدلالة، هذا نصه: «إنّ سيرة العقلاء أو المتشرعة بحكم كونها فعلاً أو تركا لا لسان لها، فهي مجملة من حيث تعيين نوع الحكم، وإن دلت على جوازه بالمعنى العام عند الفعل، أو عدم وجوبه عند الترك، ولكن ارتكاز المتشرعة يعيّن نوعه من وجوب أو حرمة أو غيرها».[٥] وعلى كلّ حال فبعض الارتكازات إمّا أن تكون من السيرة ـ كما يرى ذلك السيد الشهيد ـ أو تكون منشأ للسيرة مطلقا كما سيأتي بيانه.

أقسام الارتكاز

يمكن تقسيم الارتكاز ـ بحسب من يتحقق فيهم ـ إلى أقسام متعددة، إلاّ أنّ ما ورد في عبارات الأصوليين يرجع إلى قسمين:

1. ارتكاز العقلاء

وهو ما ثبت في أذهان العقلاء بما هم عقلاء، بقطع النظر عن خلفياتهم الدينية أو الثقافية الخاصة، كارتكاز رجوع الجاهل إلى العالم أو ارتكاز الأخذ بخبر الثقة. وقد يعبّر عن هذا الارتكاز بالعقلي أو العرفي، كما عبّر عنه بعضهم بالارتكاز الاجتماعي. [٦] ولعلّ هذه التعبيرات المختلفة بنكتة اختلاف مناشئ الارتكاز العقلائي، وسوف يأتي التعرّض لذلك.

2. ارتكاز المتشرعة

وهو ما ثبت في أذهان المتدينين أو المتشرعة من مفاهيم وملازمات منعكسة من مجمل سلوك الشارع ونصوصه ولايعلم مصدرها على وجه التحقيق، كحرمة حلق اللحية عند بعضهم. هذا وقد ذكر السيد محمد تقي الحكيم أنّ هذا المصطلح شاع على ألسنة المتأخرين من أساتذته، مستظهرا أنّ مرادهم منه ـ مضافا إلى توفر السيرة على الفعل أو الترك بالنسبة إلى شيء ما ـ شعور معمّق بنوع الحكم الذي يصدر عن فعله أو تركه المتشرعون لايعلم مصدره على التحقيق. [٧] وقد يعتبر من جملة مرتكزات المتشرعة المرتكزات الإسلامية بشكل عام، كارتكاز حرمة هتك الكعبة أو القرآن وغيره.

منشأ الارتكاز

للارتكاز مناشئ متعددة نذكر منها:

1. الفطرة والغريزة

بمعنى أنّ هناك مفاهيم وملازمات تكونت بشكل فطري وغريزي في ذهن الإنسان دون التأثر بالعوامل الخارجية، بل جرت عليها الفطرة فصارت من المرتكزات، ولذا ذهب النائيني إلى أنّ جريان الفطرة على شيء يجعله من المرتكزات[٨]، وهذا الارتكاز من قبيل العمل على وفق الحالة السابقة عند الشك، قال الأنصاري: «إنّ العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات...» [٩]، أو النية فإنّها مركوزة في جبلة العقلاء، حتى أنّ الإنسان لايكاد يفعل فعلاً خاليا عن القصد والداعي[١٠] ومن خصائص الارتكاز الناشئ عن الفطرة عدم اختلاف العقلاء فيه عادةً، ولذا فإنّ طريقتهم مبتنية عليه كما صرّح بذلك المحقّق النائيني، قائلاً: «إنّ مبدأ الطريقة العقلائية لايخلو: إمّا أن يكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر، قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة، واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقةً لهم، واستمرت إلى أن صارت من مرتكزاتهم، وإمّا أن يكون مبدؤها أمر نبي من الأنبياء بها في عصر حتى استمرت، وإمّا أن تكون ناشئة من فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها اللّه‏ تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام. ولايخفى بُعد الوجه الأول، بل استحالته عادةً، وكذا الوجه الثاني، فالمتعيّن هو الوجه الثالث...». [١١] هذا وقد عدّ بعض الأصوليين من أهل السنّة العمل بالقياس من الأمور المركوزة في فطرة الناس. [١٢]

2. التشريعات

وقد ينشأ الارتكاز بإيحاء من التشريعات، ويسمّى بارتكاز المتشرعة، وذكر السيد الصدر قدس‏سره: أنّ الارتكازات المتشرعية تعتمد في نشوئها عادة على بيان الأئمة عليهم‌السلام[١٣]، باعتبار أنّ بيانات الأئمة عبارة عن تشريعات. هذا وقد أوضح السيد محمد تقي الحكيم كيفية نشوء ارتكازات المتشرعة، بقوله: «... وتكوّن الارتكاز في نفوس الرأي العام لايحتاج ـ من وجهة نفسية ـ الى أكثر من إمرار فتوى ما في جيلين أو ثلاثة على الحرمة مثلاً، ليصبح ارتكازا في نفوس العاملين عليها»[١٤]

3. الاشتهار

كما قد يحصل الارتكاز عن طريق الدعاية ووسائل النشر والإعلام ونحوها، ممّا يوجب تلقينا نفسيّا للمجتمع. [١٥]

ما ينشأ من الارتكاز

أ ـ السيرة

طبيعة الإنسان الجري وفق مرتكزاته، فعندما تكون له ارتكازات عقلائية أو متشرعية، فإنّها تستدعي منه العمل على وفقها، عند ذاك يحصل تطابق عملي بين أفراد العقلاء أو المتشرعة، هذا التطابق العملي هو المسمّى بالسيرة. فإن كانت هذه السيرة ناشئة من المرتكزات العقلائية يقال لها السيرة العقلائية، وإن كانت ناشئة من مرتكزات المتشرعة يقال لها السيرة المتشرعية. [١٦]

ب ـ الإجماع

ذكر بعض الاصوليين أنّ الإجماع ناشئ من مرتكزات شرعية أيضا، إلاّ أنّ هذه المرتكزات متلقاة من قبل الفقهاء المتقدمين خاصةً، لاتصال عهدهم بعهد الرواة وحملة الحديث والمتشرعين المعاصرين للمعصومين؛ لأنّ هؤلاء هم الذين يمكن أن يكشفوا عن ارتكاز عام لدى طبقة الرواة دون الفقهاء المتأخرين. قال السيد الصدر قدس‏سره: «تلقي هذا الارتكاز... هو الذي يفسّر حينئذٍ إجماع فقهاء عصر الغيبة المتقدمين، على الرغم من عدم وجود مستند لفظي مشخَّص بأيديهم».[١٧] وهذا الارتكاز من إيحاء السنّة، وإنّه وسيط بين إجماع أهل النظر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة، والدليل الشرعي المباشر من المعصوم، فالارتكاز هو الكاشف الحقيقي عن الدليل الشرعي في الإجماع. وعلى هذا يكون مراده من الإجماع، هو الذي يتلقى ارتكازا من الطبقات السابقة. [١٨]

الارتكاز قرينة لبية

أ ـ دور الارتكاز في تحديد الظهور وحجّيته

القرائن اللبيّة هي التي لا لسان لها حتى يعرف منها سعة دائرة مدلولاتها أو ضيقها، إلاّ أ نّها يستفاد منها تحديد ظهورات الأدلة المقترنة بها. وقد اعتبر الأصوليون الارتكاز من القرائن اللبيّة المتصلة بالأدلة. قال النائيني: «لا عبرة بظاهر الدليل بعد ما كان المرتكز العرفي... على خلاف ما يقتضيه ظاهر الدليل ابتداءً» معلّلاً ذلك بقوله: «لأنّ المرتكز العرفي... يكون قرينة صارفة عمّا يكون الدليل ظاهر فيه ابتداءً».[١٩] قال السيد الصدر: «إنّ المرتكزات العرفية والعقلائية تتدخل أيضا في تكوين الظهور، وإنّها تعتبر بمثابة القرائن اللبيّة المتصلة بالكلام التي تتصرّف وتتحدد من ظهور اللفظ والمراد منه توسعةً أو تضييقا».[٢٠] قال في المحكم: «الرجوع للدليل ليس بالنظر إلى ظهوره البدوي، بل ظهوره المستقر الثابت بعد ملاحظة جميع القرائن، ومنها المناسبات الارتكازية».[٢١]، وفي موضع آخر قال: «بعد الالتفات للمناسبات الارتكازية العرفية لايبقى للدليل ظهور على خلافها، بل يستقر ظهوره على طبقها؛ لأ نّها من سنخ القرائن المتصلة به».[٢٢]

ب ـ دور الارتكاز في جريان الأصول العملية

وكذلك يكون الارتكاز قرينة لبيّة مقيدة لإطلاق الأصول العملية المؤمِّنة الجارية في أطراف العلم الإجمالي. توضيح ذلك: ممّا هو معروف أنّ الشك في التكليف يكون مجرى للأصول العملية المؤمِّنة. وفي حالة العلم الإجمالي يصبح لدينا علم بالجامع وشك بدوي في الأطراف، والشك البدوي مجرى لأصالة البراءه، فتكون جميع أطراف العلم الإجمالي مجرى لهذا الأصل العملي، ممّا يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية. وهذا وإن لم يكن فيه محذور عقلي إلاّ أ نّه مخالف للارتكازات العقلائية التي تكون بدورها قرينة لبيّة مقيدة لإطلاق أدلة الأصول العملية الجارية في أطراف العلم الإجمالي، ومن هنا قال السيد الصدر: «إنّ الصحيح هو إمكان جريانها في جميع الأطراف عقلاً، غير أنّ ذلك ليس عقلائيا، ومن هنا كان الارتكاز العقلائي موجبا لانصراف أدلة الأصول عن الشمول لجميع الأطراف».[٢٣] وفي معرض جوابه عن إمكان إثبات الترخيص في المخالفة القطعية بذلك، قال: «وإن كان افتراضا معقولاً ثبوتا ولكنه على خلاف الارتكاز العقلائي، لأنّ الغالب في الأغراض العقلائية عدم بلوغ الأغراض الترخيصية إلى تلك المرتبة، وهذا الارتكاز بنفسه يكون قرينة لبيّة متصلة على تقييد إطلاق أدلة الأصول، وبذلك نثبت حرمة المخالفة القطعيه للعلم الإجمالي عقلاً».[٢٤]

التعليلات الارتكازية

كثيرا ما ترد أحكام الشارع معلّلة، وهذه التعليلات تارةً تكون من مخترعات الشارع، وأخرى أمور مرتكزة في أذهان العقلاء. والأولى تسمى بالتعليلات التعبّدية، مثل قول الإمام الرضا عليه‏‌السلام: «إنّما جوّزنا الصلاة على الميّت بغير وضوء لأ نّه ليس فيها ركوع ولا سجود...». [٢٥] والثانية تسمى بالتعليلات الارتكازية، من قبيل ما ورد عن الأ ئمة عليهم‏‌السلام: «فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك».[٢٦] وقد ذكروا مثالاً عرفيا لتوضيح القسمين، وهو أ نّه لو قال: «أكرم زيدا لأ نّه عالم»، فهذا التعليل «لأ نّه عالم» ارتكازي، فالعرف يدرك أنّ العلم مناط للإكرام. أمّا لو قال: «أكرم زيدا لأ نّه طويل» فهذا تعليل تعبّدي؛ لأ نّه لايناسب الارتكاز، فالطول صفة لا تصح في نظر العقلاء أن تكون علّة لوجوب الإكرام. [٢٧] قال الروحاني: «التعليل الارتكازي، فهو ما كان واردا على حسب مرتكزات العرف، بحيث يرى مناسبة بين التعليل والمعلّل، وقد عرفت أنّ من موارد التعليل المذكور في بعض أخبار الاستصحاب من (أنّ اليقين لاينقض بالشك) فإنّ العرف ـ بحسب ارتكازاته ـ يرى مناسبة بين التعليل والحكم المعلّل به، بلحاظ أنّ اليقين أمر مبرم، فلا ينقض بما ليس كذلك كالشك».[٢٨] ثمّ إنّ ما تتميّز به التعليلات الارتكازية عن التعبّدية هو كونها آبية عن التخصيص، فلو جاءت في مورد معيّن فإنّها لا تخصص به، بل تشمل جميع الموارد المماثلة المشتملة على تلك العلّة، ولذا قال السيد محسن الحكيم: «القضية الارتكازية لا تختص بباب دون باب، بل تعمّ جميع الأبواب... إذ لو بنى على تخصيصه بباب الوضوء كان التعليل تعبّديا لا ارتكازيا...». [٢٩] ومن هنا استظهر بعض العلماء: أنّ عدول الشارع عن التخصيص إلى الحكومة في بعض الموارد التي يكون الحكم فيها بعلّةٍ ارتكازية، إنّما هو تجنبا للاصطدام بالمشاعر والأحاسيس والمرتكزات الذهنية المحترمة لدى الجمهور، ففي مورد الظن قال تعالى: «إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا» وعندما جاء إلى خبر الثقة لم يقل إنّه مخصَّص من هذهِ القاعدة، بل عدَّه علما ـ بناءً على مسلك الطريقية ـ فأخرجه من تحت الظن اعتبارا وتعبّدا بالحكومة، فإضفاء صفة العلمية عليه يجعل العمل على وفقه مستساغا في نظر العرف، بخلاف ما لو أمر بالعمل على طبقه مع بقائه على صفة الظنية. [٣٠]

حجّية الارتكاز

لم يتعرض الأصوليون من غير الإمامية لحجّية الارتكاز، والذي جاء في كلمات الإمامية هو: أنّ الارتكاز الذي يكون حجّة ما كان ممضى من قبل الشارع، وهذا يستدعي كون الارتكاز متصلاً بزمانهم عليهم‏‌السلام . لذا ذكر روح اللّه‏ الخميني أ نّه لا عبرة بالارتكاز غير المتصل بزمانهم[٣١]، وقال السيد مصطفى الخميني: «الارتكاز المتأخر غير الممضى ليس حجّة».[٣٢] والإمضاء قد يستفاد من سكوت الشارع وعدم ردعه عن الارتكاز أو العمل الجاري على طبقه، كما في السيرة والإجماع، وقد يستفاد من خلال النصوص الواردة فيه كما ذكر بعضهم في حجّية الأمارة والأصل، فإنّ ما ورد فيهما ليس تأسيسا لهما، بل إمضاء للارتكاز العقلائي. [٣٣] يظهر أنّ السيد الشهيد له تفصيلات في المقام يمكن استفادتها من كلماته في مبحث السيرة، فإنّه قد تقدم منه: أنّ السيرة في بعض معانيها قد تطلق على الارتكازات العقلائية[٣٤]. كما قد تكرر منه أنّ الإمضاء ليس للفعل الخارجي بل للنكتة العقلائية[٣٥]، وأيضا سبق وأن بيّنا أنّ السيرة مطلقا إنّما تنشأ من الارتكاز، فالحجّية ـ في مبحث السيرة ـ تدور وجودا وعدما مدار الارتكاز، وبالتالي فما ذكره قدس‏سرهمن التفصيلات لإثبات حجّية السيرة تكون جارية في الارتكازات . و عليه فالارتكازات يمكن ان تكون على أنحاء: الأول: الارتكازات التي تنقّح موضوع الحكم الشرعي ثبوتا أو إثباتا. والأولى: مثل مقدار النفقة التي يجب على الزوج في حال أراد إمساكها بمعروف. والثانية: مثل ارتكاز خيار الغبن، فإنّه كاشف نوعي عن اشتراط ضمني، وهو عدم التفاوت المالي الفاحش بين العوضين وهذا النحو من المرتكزات حجّة ولايحتاج إلى معاصرة لزمان المعصوم فضلاً عن إمضائه. بل لو كان هناك ارتكاز في زمن المعصوم وتبدل إلى غيره لايكون المعاصر منه حجّة. الثاني: الارتكازات التي تنقّح ظهور الدليل. ويطلق عليها المناسبات العرفية والمرتكزات الاجتماعية المرتبطة بفهم النص. وهذا النحو من الارتكازات لايكون حجّة ما لم يكن معاصرا للمعصوم؛ لأنّ الحجّة إنّما هو ظهور النص، فمع احتمال عدمه في زمن النص لايمكن التمسّك به. نعم هذا الارتكاز غير محتاج إلى إمضاء من قِبل الشارع. الثالث: الارتكازات التي يراد الاستدلال بها على كبرى الحكم الشرعي، وهذهِ على نوعين: الأول: الارتكازات العقلائية، مثل ارتكاز حجّية خبر الثقة عندهم. وهي لا تكون حجّة ما لم نحرز شرطين: 1 ـ معاصرتها لزمن المعصوم. 2 ـ اتخاذ المعصوم موقفا ملائما معها كاشفا عن إمضائه لها، والذي أدناه السكوت والتقرير. من هنا ربّما لاتكون قيمة شرعية للمرتكزات العقلائية المستحدثة، أمثال ما يتمسك به لإثبات بعض الاختصاصات المعنوية، كحق التأليف والنشر على حدّ الاختصاصات المادية الساذجة المتمثلة بالحيازة مثلاً. الثاني: الارتكازات المتشرعية، مثل ارتكاز مسح القدم ببعض الكف لا بتمامها عند المتشرعة، وهذه الارتكازات تكتشف من خلال قيام سيرة منهم على وفقها، لا من معاصرتها لزمن المعصوم. نعم، لايشترط إحراز إمضائها؛ لأ نّه لا معنى لاحتمال الردع عنها لكشفها عن البيان الشرعي كشفا إنيا كشف المعلول عن علّته، فهي وليدة البيان الشرعي على وفقها فكيف يحتمل الردع عنها؟! وهذا بخلاف الارتكازات العقلائية، فإنّها ليست معلولةً للشارع بل هي مقتضى طبعهم. [٣٦] غير أنّ السيد محمد تقي الحكيم اعتبر هذين الشرطين ـ المعاصرة للمعصوم وإحراز الإمضاء ـ ممّا لا تتمّ الحجّية بدونهما، حيث قال: «وحجّية مثل هذا الارتكاز [المتشرعي] لا تتمُّ إلاَّ إذا علمنا بوجوده في زمن المعصومين وإقرارهم لأصحابه عليه، ومثل هذا العلم يندر حصوله جدا».[٣٧] وقد اعتبر بعض المعاصرين الارتكاز الناشئ من الفطرة تمام المقتضي للحجّية، فلا يحتاج إلى إمضاء من قِبل الشارع. [٣٨]

المصادر

  1. الصحاح 3 : 880 ، لسان العرب 2 : 1568ـ1569 مادة «ركز».
  2. قاعدة لا ضرر ولا ضرار السيستاني : 249ـ250.
  3. أصول الفقه المظفر 3 ـ 4 : 176.
  4. بحوث في علم الأصول الهاشمي 4 : 234.
  5. الأصول العامة للفقه المقارن : 194.
  6. الرافد في علم الأصول : 24.
  7. الأصول العامة للفقه المقارن : 194.
  8. فوائد الأصول 4 : 332.
  9. فرائد الأصول 3 : 95.
  10. روض الجنان : 2 : 687ـ688.
  11. فوائد الأصول 3 : 192 ـ 193.
  12. أعلام الموقّعين 1 : 218.
  13. بحوث في شرح العروة الوثقى الصدر 3 : 45 ـ 46.
  14. الأصول العامة للفقه المقارن : 194.
  15. قاعدة لا ضرر ولا ضرار السيستاني : 251.
  16. انظر : المحكم في أصول الفقه 5 : 20.
  17. دروس في علم الأصول 2 : 162.
  18. المصدر السابق.
  19. فوائد الأصول 4 : 585 ـ 586.
  20. بحوث في علم الأصول الهاشمي 4 : 235.
  21. المحكم في أصول الفقه 5 : 101.
  22. المحكم في أصول الفقه 5 : 101.
  23. دروس في علم الأصول 2 : 372.
  24. المصدر السابق : 51 ـ 52.
  25. وسائل الشيعة 1 : 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، باب 1 وجوبه للصلاة ونحوها ح9.
  26. وسائل الشيعة 3 : 483، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب 44 حكم من علم بالنجاسة أثناء الصلاة ح1.
  27. حقائق الأصول 2 : 402.
  28. منتقى الأصول 6 : 418 ـ 419.
  29. حقائق الأصول 2 : 402.
  30. قاعدة لا ضرر ولا ضرار السيستاني : 251 ـ 252.
  31. تهذيب الأصول 2 : 540.
  32. تحريرات في الأصول 5 : 246.
  33. تنقيح الأصول العراقي : 47.
  34. بحوث في علم الأصول الهاشمي 4 : 234.
  35. انظر : المصدر السابق : 246.
  36. بحوث في علم الأصول 4 : 234 ـ 238.
  37. الأصول العامة للفقه المقارن : 194.
  38. المحكم في أصول الفقه 5 : 20.