الملازمات العقلية
الملازمات العقلية: جاء عنوان الملازمات العقلية ضمن بحوث الدليل العقلي كأحد الأدلّة لمعالجة ما لا نصّ فيه، والمراد منه دراسة صغريات كبرى الدليل العقلي أي حجّيّة العقل، فمن خلال هذا العنوان تتدارس قضايا كلّية يمكن استخدامها في قياس منطقي لاستنباط الأحكام الشرعية، وهي من قبيل: استحالة اجتماع الأمر والنهي أو إذا وجب أمر وجبت مقدّمته، فذيل هذا العنوان يبحث عن كلّ قضية عقلية برهانية يمكن استخدامها لـ استنباط حكم شرعي.
أفسام الملازمات العقلية
قسّمت الملازمات العقلية إلى مستقلاّت عقلية وغير مستقلاّت عقلية.
المستقلات العقلية
يُراد من المستقلاّت العقلية: القضايا التي يستقلّ العقل بإدراكها دون الاستعانة بقضايا اُخرى خارج العقل، فلا يلاحظ فيها خطاب الشرع مثلاً.
غير المستقلات العقلية
ويُراد من غير المستقلاّت العقلية: هي القضايا التي لا يستقلّ العقل بإدراكها، بل يدركها بعد ضمّ مقدّمة اُخرى تؤدّي إلى حكم العقل[١]. وسمّيت المستقلاّت وغير المستقلاّت العقلية بالملازمات العقلية، باعتبار حكم العقل بالملازمة بين حكم الشرع وبين أمر آخر، سواء كان عقليا أو شرعيا أو غيرهما [٢]. وممّا ورد من تعريف للدليل العقلي الذي تنضوي تحته هذه الملازمات كونه الدليل الذي تكون إحدى مقدّماته أو كلاهما عقليين. ومثال كون المقدّمتين عقلية هو حكم العقل بحسن شيء أو قبحه (وهي مقدّمة) و (كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع) وهي مقدّمة اُخرى وعقلية كذلك، وتُدعى هذه القضايا من الدليل العقلي بالمستقلاّت العقلية. ومثال أن تكون إحدى المقدّمتين عقلية والاُخرى غير عقلية هو حكم العقل بوجوب المقدّمة عند وجوب ذيها، وتُسمّى هذه القضية العقلية غير المستقلّة العقلية. والتسمية باعتبار أنّ العقل استعان بمقدّمة غير عقلية ولم يصل إلى الوجوب الشرعي إلاّ من خلال تلك المقدّمة غير العقلية، وهي وجوب ذي المقدّمة، التي تبحث في الفقه. فكبرى القياس التي تشكّل الدليل العقلي هنا هي الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل، وتبحث هذه الكبرى تحت عنوان الحسن والقبح أو ما شابه، بينما تبحث صغرى القياس في الدليل العقلي في غير علم الاُصول، كوجوب ذي مقدّمة[٣]. من جانب آخر، رفض البعض تقسيم الملازمات العقلية إلى مستقلاّت وغير مستقلاّت وذهب إلى أنّ الملازمات التي تبحث في اُصول الفقه بنفسها عقلية محضة، فلا داعي لهذا التقسيم[٤]. كما أنّ بعضا مثل الأخبارية والفاضل التوني يرى أنّ البحث في المستقلاّت وغير المستقلاّت العقلية لا ثمرة فيه؛ باعتبار أنّ كلّ ما يُذكر تحت عنوان هذا البحث ورد في الكتاب أو السنة، وفيه آية أو خبر، فلا داعي لبحثه، وإذا كانت هناك فائدة فقليلة الجدوى، فمثل أصالة الإباحة أو الاحتياط يغنيان عن البحث عن العقل كمعالج للشؤون المستحدثة التي تفتقد النصّ المباشر إلاّ أنّ المحقّق القمّي يرى حجية الظن من ضمن مصاديق هذا البحث، مع العلم أنّ رحا الفقه تدور حول هذه الملازمة[٥].
مصاديق المستقلاّت وغير المستقلاّت العقلية
لم نعثر على من حدّد عدد المستقلاّت العقلية أو سردها، لكن الظاهر انحصار المستقلاّت العقلية بقضية التحسين والتقبيح العقليين[٦]، كما يبدو وجود تساهل من قبل الاُصوليين من حيث استعمال صيغة الجمع فيها، بل تأكّد هذا التساهل من خلال استخدام تعابير مثل: «جميع المستقلاّت العقلية»[٧] ما يؤكّد وجود أكثر من قضية، أو مثل: «جملة من المستقلاّت العقلية»[٨] ما يؤكّد وجود أكثر من قضية وفي هذا الكلام إشارة إلى بعضها. أو تُذكر أحيانا قاعدة الحسن والقبح كمثال للمستقلاّت مثل: «المستقلاّت العقلية هي المسألة... كمبحث الحسن والقبح العقليين»[٩] والتعبير بكافٍ التمثيل يحكي وجود أمثلة عديدة اُخرى. لكن لا يبعد أن يراد من هذه التعابير الإشارة إلى المصاديق الجزئية لقاعدة الحسن والقبح العقليين، وهي مثل استحقاق العقاب والثواب على بعض الأعمال مثل ردّ الأمانات وخيانتها أو حفظ النفس المحترمة وعدم حفظها، التي تعدّ مصاديق جزئية للحسن والقبح. وهذا هو الذي يبدو من تعابير بعض الفقهاء كذلك[١٠]. أمّا مصاديق غير المستقلاّت العقلية فكثيرة، وهي مثل: مسألة إجزاء الامتثال عن امتثال آخر، ومقدّمة الواجب واجبة، و مسألة الضد، ومسألة اجتماع الأمر والنهي، ومسألة دلالة النهي على الفساد، فإنّ هذه المسائل بمجملها استخدم فيها قياس منطقي إحدى مقدّماته عقلية والاُخرى شرعية أو غير شرعية (عرفية أو لفظية)[١١]. وإدراج هكذا بحوث ضمن بحث غير المستقلاّت العقلية بدر من المتأخّرين عكس ما كان عليه المتقدّمون، بل يرفض بعض المتأخّرين إدراجها تحت غير المستقلاّت العقلية، ويراها من بحوث الألفاظ أو كونها من مبادئ الاُصول أو تحت عناوين اُخرى، وناقشوا في الموضوع[١٢] الذي ثمرته تنحصر في منهجية تناول المسائل الاُصولية دون وجود ثمرة عملية.
المصادر
- ↑ . تعليقة على معالم الاُصول القزويني 5: 37 و 476، اُصول الفقه (المظفر) 2: 263 ـ 264، بحوث في علم الاُصول 1: 58.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 2: 264.
- ↑ . المصدر السابق: 266.
- ↑ . المحكم في اُصول الفقه 2: 158.
- ↑ . مطارح الأنظار 2: 420 ـ 427، بدائع الأفكار الرشتي: 10.
- ↑ . اُصول الفقه المظفر 2: 268 و 3: 137.
- ↑ . فوائد الاُصول 4: 55 و 456.
- ↑ . نهاية الدراية في شرح الكفاية 2: 9.
- ↑ . بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 3: 26.
- ↑ . اُنظر: حاشية الكفاية السيّد الطباطبائي 1: 149، القواعد الفقهية (اللنكراني): 350 ـ 351، غاية الآمال 2: 324.
- ↑ . اُنظر: فوائد الاُصول 1 ـ 2: 261 ـ 262، و 399 ـ 400، اُصول الفقه المظفر 2: 301 ـ 421، منتهى الاُصول 2: 161، بحوث في علم الاُصول (الشاهرودي) 1: 33.
- ↑ . الرافد في علم الاُصول: 42 ـ 50، المحكم في اُصول الفقه 1: 13 ـ 14 و 2: 155 ـ 434، منتقى الاُصول 2: 100 ـ 101.