نكاح المتعة: وهو نكاح جائز وبه قال علي (عليه السلام) على ما رواه أصحابنا. وروي ذلك عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع[١] وأبي سعيد الخدري وابن عباس والمغيرة بن شعبة[٢] ومعاوية بن أبي سفيان[٣] وسعيد بن جبير ومجاهد، وعطاء، خلافا لجميع الفقهاء. ولهذا النكاح في الفقه الإسلامي شروط و أحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

نكاح المتعة

وأما نكاح المتعة فتفتقر صحته إلى شرطين زائدين على ما تقدم من الشروط: أحدهما تعيين الأجر، والثاني تعيين الأجل، فإذا ذكر الأجر دون الأجل كان دواما، وإن ذكر الأجل فقط فسد العقد.
ويستحب ذكر ما عدا هذين الشرطين، نحو أن يقول: علي أن لا ترثيني ولا أرثك، وأن أضع الماء حيث شئت، وأنه لا سكنى لك ولا نفقة، وعليك العدة إذا انقضت المدة.
والمتمتع بها لا يتعلق بها حكم الإيلاء، ولا يقع بها طلاق، ولا يصح بينها وبين الزوج لعان، ويصح الظهار، وانقضاء الأجل يقوم في الفراق مقام الطلاق، ولا سكنى لها، ولا نفقة، ولا توارث بينهما، بلا خلاف بينهم، ولو شرط ذلك كله، لم يجب أيضا عند بعض أصحابنا، لأنه شرط يخالف السنة، وعند بعضهم يثبت بالشرط.

الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع

ويجوز الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع، ولا يلزم العدل بينهن في المبيت، ويلحق الولد بالزوج، ويلزمه الاعتراف به إذا وطئ في الفرج وإن كان يعزل الماء. [٤]
وهذا النكاح أعني نكاح المتعة مباح لا خلاف بين أصحابنا وبه قال علي (عليه السلام) على ما رواه أصحابنا. وروي ذلك عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع[٥] وأبي سعيد الخدري وابن عباس والمغيرة بن شعبة[٦] ومعاوية بن أبي سفيان[٧] وسعيد بن جبير ومجاهد، وعطاء، خلافا لجميع الفقهاء.

دليل الإمامية

لنا ما يدل على مذهبنا أولا أن الأصل الإباحة، و التحريم يحتاج إلى دليل شرعي قطعي، وأيضا فإن هذا النكاح كان مباحا في عهد النبي (عليه السلام) بلا خلاف وإنما ادعي النسخ وعلى من ادعاه الدليل، وقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}[٨] وهذا مما طاب له منهن، وقوله: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}[٩] وفي قراءة ابن مسعود فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، ولفظة الاستمتاع لا تفيد عند الإطلاق إلا نكاح المتعة. [١٠]
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بالاستمتاع الالتذاذ هاهنا والانتفاع دون العقد المخصوص بدليل أن قوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} يتناول عقد الدوام بلا خلاف.
قلنا: لا يجوز حمل الاستمتاع على ما ذكر لأمرين: أحدهما: أنه يجب حمل الألفاظ الواردة في القرآن على ما يقتضيه العرف الشرعي، دون الوضع اللغوي، على ما تبين في أصول الفقه، والثاني: أن الإلتذاذ لا اعتبار به في وجوب المهر، لأنا لو قدرنا ارتفاعه عمن وطئ زوجته ولم يلتذ، لأن نفسه كرهتها، أو لغير ذلك، لوجب المهر بالاتفاق، فثبت أن المراد ما قلناه.
وأما إباحته تعالى بالآية نكاح الدوام، فغير مناف لما ذكرناه، من إباحة نكاح المتعة، لأنه سبحانه عم الأمرين جميعا، لقوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} ثم خص نكاح المتعة بقوله: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}.
ويؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين وعبد الله بن عباس وابن مسعود ومجاهد[١١] وعطاء من أنهم كانوا يقرؤن {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} والمراد بذلك على ما اتفق عليه أصحابنا، ورووه عن آل الرسول عليه وعليهم السلام: الزيادة من الزوج في الأجر، ومن الزوجة في الأجل.
واستدل المخالف بقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}[١٢] وادعاؤهم أن المتمتع بها ليست زوجة، لأنها لا ترث ولا تورث ولا تبين بالطلاق، ولا يلحقها حكم الإيلاء والظهار، ولا يصح بينها وبين زوجها لعان، ولا يلحق الولد بزوجها، ولا تعتد لانقضاء الأجل وللوفاة إذا كانت حرة كعدة الحرائر من الأزواج، ولا يحل للمطلق ثلاثا العود إلى الزوجة، ولا يجب لها سكنى ولا نفقة، ليس بشئ يعول على مثله، لأن الأحكام الشرعية إنما تثبت بالأدلة الشرعية، ولا مدخل فيها للقياس، وإذا ثبت ذلك، وكان الدليل الشرعي قد قرر هذه الأحكام في المتمتع بها، وجب القول بها، ولم يجز قياسها على غيرها من الزوجات.
على أن ما ذكروه من الميراث ينتقض بالقاتلة لزوجها، فإنها لا ترثه بالزوجية، وإذا كانت زوجته ذمية أو أمة، فإنها لا توارث بينها وبين زوجها.
وأما الطلاق فقد قام مقامه في الفرقة غيره في كثير من الزوجات، كالملاعنة، والمرتدة، والأمة المبيعة، والمالكة لزوجها، فما أنكروا أن يكون انقضاء الأجل يقوم في الفرقة مقام الطلاق، ولا يحتاج إليه.
وليس لأحد أن يقول: فالواقع الطلاق قبل انقضائه. لأن كل من أجاز النكاح إلى أجل، منع من وقوع الطلاق قبله، فالقول بأحد الأمرين دون الآخر، يبطله الإجماع.
وأما الإيلاء فإن الله تعالى علق حكم من لم يراجع ولم يكفر بالطلاق ولا يقع بالمتمتع بها طلاق، فلا يلحقها حكم الإيلاء مع أنه قد يكون أجل المتعة أقل من أجل المضروب في الإيلاء، وهو أربعة أشهر، فكيف يصح في هذا النكاح الإيلاء.
وأما اللعان فعند أبي حنيفة أن الشرط في وقوعه بين الزوجين أن يكونا حرين مسلمين، وعنده أن الأخرس لا يصح قذفه ولا لعانه، فلا يصح له التعلق في نفي زوجية المتمتع بها بانتفاء اللعان.
وأما الظهار فيقع بالمتمتع بها عندنا، ويلحق الولد بأبيه في هذا النكاح بخلاف ما ظنوه.
وأما العدة إذا انقضى أجلها فقرءان، وقد ثبت بلا خلاف أن عدة الأمة كذلك، وإن كانت زوجة، وإذا توفي زوجها قبل انقضاء الأجل فعدتها عندنا أربعة أشهر وعشرة أيام، كعدة المعقود عليها عقد الدوام.
وما يستدل به المخالف في تحريم المتعة من أخبار الآحاد وقد طعن أصحاب الحديث في رواتها، وضعفوهم بما هو مسطور، وعارضها أخبار كثيرة في إباحة المتعة، واستمرار العمل بها، حتى ظهر من نهي عمر منها ما نقله الرواة، وقوله: متعتان كانتا في عهد رسول الله حلالا إلا أنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة النساء و متعة الحج، يبطل دعوى المخالف أن النبي (عليه السلام) هو الذي حرمها، لأنه اعترف بأنها كانت حلالا في عهده، وأضاف النهي و التحريم إلى نفسه.
فإن قيل: كيف يصرح بتحريم ما أحله النبي (عليه السلام)، ولا ينكر على ذلك.
قلنا: ارتفاع النكير يحتمل أن يكون للتقية، ويحتمل أن يكون لشبهة وهي اعتقاد التغليظ والتشديد في إضافة النهي إليه وإن كان (صلى الله عليه وآله) الذي هو حرمها، أو اعتقاد جواز نهي بعض الأئمة عما أباحه الله إذا أشفق في استمراره عليه من ضرر في الدين.
وهذا الوجه هو الذي حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحج عليه، على أن المتمتع لا يستحق حدا من رجم ولا غيره باتفاق، وقد قال عمر: لا أوتي بأحد تزوج متعة إلا رجمته بالحجارة، وما أنكر أحد ذلك عليه، ومهما اعتذر عن ذلك كان عذرا في ترك النكير لتحريم المتعة. [١٣]
وما رووه من الأخبار في تحريم المتعة مع أنها آحاد، فيها اضطراب، لأن فيها أنه حرمها يوم خيبر في رواية ابن الحنفية عن أبيه. وروي الربيع بن سبرة[١٤] عن أبيه قال: كنت مع رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - بمكة عام الفتح، فأذن في متعة النساء، فخرجت أنا وابن عمي وعلينا بردان لنفعل ذلك، فلقيتني امرأة فأعجبها حسني، فتزوجت بها، وكان الشرط عشرين ليلة فأقمت عندها ليلة، فخرجت فأتيت النبي - (صلى الله عليه وآله) - وهو بين الركن والمقام فقال: كنت أذنت لكم في متعة النساء وقد حرمها الله إلي يوم القيامة، فمن كان عنده شئ من ذلك فليخل سبيلها ولا يأخذ مما آتاها شيئا، وفي هذا ما ترى من الاضطراب، فإنه كان بين الوقتين قريب من ثلاث سنين.
فإن قالوا: حرمها يوم خيبر، وأعاد تحليلها بمكة، فإن هذا ساقط بالإجماع لأن أحدا لا يقول: أن النبي (عليه السلام) أباحها دفعتين وحرمها دفعتين، ودخل بينهما نسخ دفعتين، وكيف يدعي نسخها وقد قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالا وأنا أنهي عنهما، وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج.
وابن عباس كان يفتي به. ويناظر فيها ومناظرته مع ابن الزبير فيها مشهورة ونظم الشعراء فيها القول فقال بعضهم:
«أقول للشيخ لما طال مجلسه * يا شيخ هل لك في فتوى ابن عباس»
«هل لك في قينة بيضاء تهكنه * يكون مثواك حتى يصدر الناس»
وقوله بذلك مجمع عليه ورجوعه من ذلك لا دليل عليه. [١٥]

المصادر

  1. سلمة بن عمرو بن الأكوع، أبو إياس، وأبو عامر، المدني، شهد بيعة الرضوان، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه: ابنه إياس، وبريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، والحسن بن محمد بن الحنفية وغيرهم، مات بالمدينة سنة 74 وهو ابن 80 سنة. تهذيب الكمال: 11 / 301 رقم 2462.
  2. المغيرة بن شعبة ابن أبي عامر بن مسعود توفي سنة (49) بالكوفة، أنظر ترجمته في تهذيب الكمال: 28 / 369 رقم 6132.
  3. معاوية بن صخر بن حرب أمية، أسلم يوم الفتح، واستخلفه أبو بكر على الشام ولم يزل واليا عليه خلافة عمر وعثمان ولم يبايع عليا (عليه السلام) فكان وقعة صفين وتوفي سنة (60). أسد الغابة: 4 / 433 الرقم 4977.
  4. الغنية : 355 - 356 .
  5. سلمة بن عمرو بن الأكوع، أبو إياس، وأبو عامر، المدني، شهد بيعة الرضوان، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه: ابنه إياس، وبريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، والحسن بن محمد بن الحنفية وغيرهم، مات بالمدينة سنة 74 وهو ابن 80 سنة. تهذيب الكمال: 11 / 301 رقم 2462.
  6. المغيرة بن شعبة ابن أبي عامر بن مسعود توفي سنة (49) بالكوفة، أنظر ترجمته في تهذيب الكمال: 28 / 369 رقم 6132.
  7. معاوية بن صخر بن حرب أمية، أسلم يوم الفتح، واستخلفه أبو بكر على الشام ولم يزل واليا عليه خلافة عمر وعثمان ولم يبايع عليا (عليه السلام) فكان وقعة صفين وتوفي سنة (60). أسد الغابة: 4 / 433 الرقم 4977.
  8. النساء: 3.
  9. النساء: 24.
  10. الخلاف: 4 / 340 مسألة 119.
  11. ابن جبر، المكي، أبو الحجاج القرشي المخزومي، روى عن: إبراهيم بن الأشتر النخعي، وروى عنه: أبان بن صالح، ولد (21) في خلافة عمر، ومات بمكة سنة (103). تهذيب الكمال: 27 / 228 رقم 5783.
  12. المؤمنون: 6.
  13. الغنية: 356 - 360.
  14. بن معبد، ويقال: ابن عوسجة، الجهني المدني، التابعي روى عن أبيه سبرة، وعمر بن عبد العزيز وروى عنه: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. تهذيب الكمال: 9 / 82 رقم 1862.
  15. الخلاف: 4 / 340 مسألة 119.