انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «سمرقند»

من ویکي‌وحدت
Halimi (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
Halimi (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
سطر ٦٤: سطر ٦٤:
ولهاتين المدينتين اصول تاريخية قديمة جدا، وقد هاجمتهما في طول التاريخ قبائل وعشائر كثيرة. فهجمات الإغريق، والكوشانيين، والهون، وقبائل الترك قبل الإسلام، وهجوم المسلمين في القرون الإسلامية الأولى، والهجمات المدمرة للمغول فيما بعد، هي امثلة على هذه الهجمات.
ولهاتين المدينتين اصول تاريخية قديمة جدا، وقد هاجمتهما في طول التاريخ قبائل وعشائر كثيرة. فهجمات الإغريق، والكوشانيين، والهون، وقبائل الترك قبل الإسلام، وهجوم المسلمين في القرون الإسلامية الأولى، والهجمات المدمرة للمغول فيما بعد، هي امثلة على هذه الهجمات.
وقد اثرت سمرقند وبخارى في التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة كثيرا؛ حتى إن سمرقند كانت مركزا سياسيا، وكانت بخارى قاعدة دينية لهذه المنطقة.وكانت لهاتين المدينتين العظيمتين حضارة قديمة، وارث ثقافي مشرق جدا، وكانتا لعصور طويلة مهدا للحضارة والأدب والفن والثقافة، وكانتا لسنين طويلة تتمتعان بهيبة سياسية واقتصادية وفنية. واليوم ايضا هما تعدان من اكبر واهم مدن آسيا الوسطى،⁵٧ ومن دون شك، فإن هذه الأهمية تنبع من ارثهما الثقافي المشرق، ومكانتهما وأصولهما التاريخية، وهي مرتبطة باتصال قديم بتاريخ وثقافة ارض إيران.
وقد اثرت سمرقند وبخارى في التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة كثيرا؛ حتى إن سمرقند كانت مركزا سياسيا، وكانت بخارى قاعدة دينية لهذه المنطقة.وكانت لهاتين المدينتين العظيمتين حضارة قديمة، وارث ثقافي مشرق جدا، وكانتا لعصور طويلة مهدا للحضارة والأدب والفن والثقافة، وكانتا لسنين طويلة تتمتعان بهيبة سياسية واقتصادية وفنية. واليوم ايضا هما تعدان من اكبر واهم مدن آسيا الوسطى،⁵٧ ومن دون شك، فإن هذه الأهمية تنبع من ارثهما الثقافي المشرق، ومكانتهما وأصولهما التاريخية، وهي مرتبطة باتصال قديم بتاريخ وثقافة ارض إيران.
== مواضيع ذات صلة ==
*[[أوزبكستان]]
*[[بخارى]]


== الهوامش ==
== الهوامش ==

مراجعة ١٩:٤٦، ٦ أكتوبر ٢٠٢٥


الخطوة الثانية للثورة

سمرقند Samarqand ثاني أكبر مدينة ازبكستان ومركز ولاية سمرقند ومن المدن ذات الهوية والمُثِيرَة للأحداث في المشرق الإسلامي، التي على مدى تاريخها البارز قد قطعت منعطفات وصعوبات مختلفة، وقد ذكرها التاريخ والأدب بافتخار، وتُعَدُّ هذه المدينة العظيمة من أهمِّ مدن ما وراء النهر، التي كانت دائمًا مصاحبة لأساطير وتاريخ إيران، وقد ربَّت في أحضانها العديدَ من الشعراء والعلماء والعلماء ذوي الأسماء المشهورة الناطقين بالفارسية، وتتمتع هذه المدينة بتاريخ طويل وهي من أشهر مدن بلاد ما وراء النهر وإقليم الصغد. هاجمها العديد من القبائل والعشائر مثل الإغريق (٣٢٨ ق.م)، والهياطلة (٥ م)، والأتراك (٥٥٧ م)، والمغول (٦١٧ ق)، وغيرهم، ولكن مع هذا، كانت سمرقند مركزًا لنشر معارف الإسلام ومهدًا لعلماء أتقياء على مدى القرون، وقد قدَّمت شخصيات بارزة للإسلام العالمية التي ذاع صيت بعضها في جميع أنحاء العالم.

سبب تسمية سمرقند

هناك روايات مختلفة حول كلمة سمرقند وسبب تسميتها، واختلط في هذا الأمر الخيال بالواقع، ويعتبر بعض الباحثين أن "سمرقند" معرَّبة عن "سمركند" الفارسية الوسطى (بهلوية) و"مركنده" أو "ماري كاندي" اليونانية، واعتبر بعضهم أن "سمران" هو الاسم العربي لسمرقند، ويعتقد عدد من المؤرخين والجغرافيين أن شخصًا من ملوك اليمن يُدعى "شِمر" (شمر أبو كرب أو شمر بن إفريقيس) احتل منطقة سمرقند الحالية ودمَّرها، ولذلك سُمِّيت "شمركند"؛ أي الأرض التي دمرها شمر. ثم تحول هذا اللمة بسبب ثقله بالتدريج إلى "سمرقند". يكتب حمد الله المستوفي في هذا الشأن: [١]. "... وبعده (الإسكندر) في عهد ملوك الطوائف، خرَّبها شخصٌ اسمه "سمر" من نسل تُبَّع بسبب عداوة وقعت له مع أهل هذه المنطقة "وكند"؛ أي لم يترك أي عمران قائم. ثم سموها "سمركند"، فعربها العرب وقالوا سمرقند". ويذكر صاحب "برهان قاطع" رواية أخرى حول سبب تسمية سمرقند: سمرقند معرَّبة عن "سمركند" ومعناها المركَّب "قرية سمر"، وكان "سمر" اسم ملك من الترك والترك. يقال للقرية "كند"، وقد بناها هذا الملك ثم تحولت مع مرور الزمن إلى مدينة. يتحدث أبو طاهر خواجة السمرقندي في كتابه "السمرية" أكثر في هذا الشأن.

الخلفية التاريخية

سمرقند من المدن القديمة جدًا في آسيا الوسطى، ويعود تاريخ بنائها إلى ماضٍ بعيد، كما أن الوثائق والمستندات والآثار التاريخية المكتوبة في هذه المدينة تعود أيضًا إلى القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد، قد قال المؤرخون الكثير عن مؤسس سمرقند، على سبيل المثال، اعتبرتها بعض الروايات من بناء "أفراسياب"، البطل شبه الأسطوري في شاهنامة الفردوسي، وكتب الأديب الملك الفراهاني في هذا الشأن: "بناها أفراسياب وجعلها دار ملكه، ثم تعرضت للخراب والدمار بالتدريج". وأول باني لسمرقند حسب قول القزويني في "آثار البلاد" هو "كيكاوس بن كيقباد". وعدَّ بعض المؤرخين والجغرافيين "تُبَّع" باني سمرقند. فيكتب الجيهاني: "سمرقند من بناء التبع، وكتبوا أن من صنعاء اليمن إلى سمرقند ألف فرسخ". ويقول ابن حوقل أيضًا: "يعتقد بعض الناس أن التبع هو باني مدينة سمرقند وأن ذا القرنين أتمها". ويكتب الإصطخري كذلك: "رأيت بابًا في سمرقند، مغطى بالحديد، ومكتوب على جزء منه شيء. سألتهم عنه فقالوا: هذا الباب وضعه التبع ومكتوب على هذا الحديد باللغة الحميرية أن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ"[٢].

وعدَّ بعض الجغرافيين الإسكندر (٣٣٠-٣٢٣ ق.م) مؤسس هذه المدينة. أقدم وصف موجود في الأبحاث الحديثة في هذا الشأن هو ما كتبه ابن الفقيه، حيث يعرف فيه بمدينة سمرقند وأسوارها وأبوابها. واعتبر الإسكندر باني سمرقند. ويقول ياقوت كذلك ويضيف أن الإسكندر أقام سورًا عظيمًا حول سمرقند وحولها إلى قلعة حصينة. أما موضوع حول باني سمرقند، فهو موجود في "السمرية". يقول كاتب هذا الكتاب: "بداية عمارة قلعة هذه المدينة كانت من "كيكاوس"، والعمارة الثانية من الملك "تُبَّع"، والملك تُبَّع كان ملكًا في جهة ولاية اليمن والعربستان وقد فتح هذه المدينة، والعمارة الثالثة كانت للملك الإسكندر، حيث وضع الملك الإسكندر على دور قلعة سمرقند سورًا منفصلًا ويسمونه الآن "سور القيامة"، والعمارة الرابعة لها كانت من الأمير تيمور كوركان". ويعتبر الباحثون الروس المعاصرون، الذين يحددون زمن ظهور هذه المدينة بـ ٥٣٠ قبل الميلاد، فأقاموا مراسم الذكرى ٢٥٠٠ لتأسيسها في عام ١٩٧٠ ميلادي. وعلى أي حال، فإن لسمرقند خلفية تاريخية طويلة [٣].

اسم سمرقند مثل بخارى غير موجود في نقش بيستون، وبناءً على المصادر، فإن وصول الجيوش والحكام الأخمينيين إليها غير معروف، ولكن الإسكندر الكبير دخل هذه المدينة في ٣٢٨ قبل الميلاد أثناء فتح حدوده الشرقية. فأمر بقتل شباب المدينة وأخذ شعبها عبيدًا. ثم اقتلعها من جذورها وأسس مدينة جديدة بالقرب منها. ربما يكون هذا هو السبب في أن بعض الأشخاص اعتبروا الإسكندر باني سمرقند. بعد احتلال هذه المنطقة، أقام مبانٍ في سمرقند وأنشأ مستوطنات بدوية في المنطقة كانت لقرون طويلة ملاذًا للثقافة والحضارة الهلنستية. كان الإغريق يسمون سمرقند "ماركاندا". لم تكن لسمرقند روعة وعظمة خاصة في عصر الساسانيين (٢٢٤-٦٥١ م)؛ حتى استخرجها الهياطلة من سيطرة الساسانيين. كما أن أمراء مستقلين كانوا يحكمون هذه المدينة في عصر اضمحلال قوة الساسانيين في سمرقند ومدن ما وراء النهر الأخرى، ويُذكرون في المصادر التاريخية باسم "ترخون" أو "إخشيد".

عندما جاء الإسلام إلى هذه المنطقة واستولى المسلمون عليها بالكامل، كان يتم تعيين ولاة من قبل جهاز الخلافة لإدارة هذه المنطقة؛ حتى أن الخليفة العباسي المأمون أسند ولاية سمرقند في عام ٢٠٤ هجري إلى أبناء أسد بن سامان. وكان حكم هذه المنطقة في عصر الطاهريين والصفاريين أيضًا بأيدي آل سامان. وبعد استيلاء السامانيين (٢٨٧ هـ)، أصبحت إدارتها تحت إشراف الحكومة المركزية لهذه السلالة، وتمتعت سمرقند بأهمية وروعة مدهشة. كانت سمرقند تُدار قبل استيلاء الغزنويين (٣٥١-٥٨٢ هـ) بواسطة ولاة محليين؛ حتى أن السلطان محمود الغزنوي (٣٨٦-٤٢١ هـ) ضم هذه المنطقة إلى نطاق حكمه، لذلك، كانت سمرقند في عصر السلاجقة تُدار بأيدي ولاة معينين من قبل ملوك السلاجقة. طالت نيران الغزو والتدمير للمغول وجنكيز خان ساحة سمرقند أيضًا، فتحولت هذه المدينة إلى مقبرة وخراب. لكن لم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت في عصر التيموريين (٧٧١-٩١٦ هـ) عاصمةً للحكومة، واستعادت روعتها وعظمتها السابقة، وتحولت إلى أحد أهم المراكز العلمية والثقافية في العالم الإسلامي. عند غزوه للبلاد، كان تيمور يجلب معه إلى سمرقند رجالًا عظماء وفنانين من المدن التي احتلها ليقيموا مبانٍ رائعة وقصور فاخرة، وبذلك أصبحت سمرقند أكثر مدن إمبراطورية تيمور عمرانًا. وقد اهتمام خلفاء تيمور، وخاصة أولغ بيك (٨٥٠-٨٥٣ هـ)، بسمرقند. على سبيل المثال، أشهرها بإقامة المدارس والمراكز العلمية، وخاصة مرصد سمرقند المشهور [٤]. استمر حكم سمرقند حتى عصر الصفويين (٩٠٥-١١٤٨ هـ) بأيدي أحفاد تيمور؛ حتى استولى عليها الشاه إسماعيل الصفوي (٩٠٥-٩٣٠ هـ). بعد ذلك أيضًا، كانت إدارة هذه المنطقة حتى القرن التاسع عشر الميلادي بأيدي عملاء لملوك إيران، وفي فترة أخرى بأيدي الأوزبك؛ حتى انضمت في عام ١٨٦٨ ميلادي إلى أراضي الاتحاد السوفييتي، وتناقصت روعتها بالتدريج. لكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وتأسيس الجمهوريات المستقلة حديثًا، أصبحت مركزًا إداريًا لجمهورية أوزبكستان، واستردت هيبتها التاريخية.

المدن والقرى

كانت سمرقند تضم الكثير من العمران والمدن، وكانت ورغسر، ومايمرغ، وسنجرفغن، وساودار، ودرغم من أهمها. وكانت أشتخن، وكشانية (كشاني)، ووذار تقع في شمال سمرقند. وكانت كشانية – أو كيسانية حسب قول الإصطخري – والتي كانت تسمى قلب بلاد الصغد، تتمتع بأهمية خاصة وكانت مدينة عامرة. فيقول ابن حوقل في هذا الشأن: "منطقة كشانية هي أعمار مدن الصغد. وهذه الكشانية وأشتخن متقاربتان في الكبر، إلا أن الكشانية أكبر وأعمر وقراها أوفر نعمة، وأهلها أكرم وأتم زينة في المظهر، وأغنى من جميع أهل الصغد".¹ وكانت المدن المهمة كرمينية، ودبوسية، وربنجان، تقع بين سمرقند وبخارى، كما كانت كش ونخشب في نواحي سمرقند الجنوبية. وكانت نخشب – التي كان العرب يسمونها نسفًا – موضع ولادة المقنع إمام أصحاب الثياب البيض، وكانت ذات أهمية كبيرة [٥].

الأهمية الثقافية والدينية

لسمرقند تاريخ طويل واسم ذائع الصيت؛ لأنها كانت منذ القدم مهدا للعلم والمعرفة. وبالطبع لم تكن سمرقند في العصر القديم بمثل الأهمية في العصر الإسلامي، لكن بعد دخول الإسلام، وضعت هذه المدينة – مثلها في ذلك مثل الكثير من مدن بلاد ما وراء النهر – نفسها في طريق النمو والازدهار، وقام منها كثير من العظماء والعلماء، فنشروا اسمها في أنحاء البلاد الإسلامية كافة.

وقد اثر بعض علماء سمرقند وكبارها في نشر الإسلام في هذه المنطقة تأثيرا كبيرا، ومحمد بن مسعود العياشي المعروف بالعياشي السمرقندي من اشهر هؤلاء. وقد عاش في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري، وربما كان معاصرا لثقة الإسلام الكليني. وشخصية ابي عبد الله جعفر الرودكي السمرقندي؛ اي ابي الشعر الفارسي، هي من الشخصيات الأخرى التي اذاعت اسم سمرقند في تاريخ ادب هذه المنطقة.² وكانت لغة اهل هذه المنطقة مثل بخارى، هي اللغة الصغدية، وكانت تعد لهجة من الفارسية.

وكانت هذه المدينة – التي كانت مركزا للمانويين في ما وراء النهر – ذات اهمية خاصة من الناحية الدينية ايضا. فقد كان المانويون اقلية مستقلة وحرة في هذه المنطقة. ويذكر صاحب "حدود العالم" هذا الموضوع قائلا: إنهم كانوا يسمون في ذلك الوقت النغوشاك [٦]. ويتحدث الشهرستاني في "الملل والنحل" بعد شرحه عن مذهب المزدكية، عن وجود اتباع لبعض فرقها في الصغد وسمرقند. وكانت ديانة المسيحية ايضا من الديانات التي كان لها اتباع خاصة في منطقة سمرقند. فقد ذكر ابن حوقل – الذي سافر إليها بعد سنوات من دخول الإسلام – قرية باسم "شاوذار" في جنوب سمرقند. وكانت هذه القرية – بالإضافة إلى دير مشهور باسم "درة كرد" – تعد مركزا للمسيحيين، وكانت جماعات كبيرة منهم تذهب إليها كل عام للعبادة. ومع أن الديانات والمذاهب كان لها اتباع وقواعد للدعوة في سمرقند، إلا أن اي منها لم يستطع ان يسبق دين الإسلام، او ينمو ويزدهر مثله. فقد كانت هذه المدينة في عصر الحكومات الإسلامية مركزا لعظماء الدين، وبذل علماء هذه الديار جهدا كبيرا في نشر الدين والمذهب فيها. وهذا ما جعل سمرقند تعد من الناحية الدينية ايضا ذات اهمية كبيرة.

العظمة والعمارة

كانت سمرقند – بسبب ما تتمتع به من سمات جغرافية واقتصادية ملائمة – تعد من اهم مدن ما وراء النهر، وقد وصفها غالبية الجغرافيين باعظم واجمل مدن هذه المنطقة.وقد ذكر اليعقوبي في "البلدان" سمرقند باسم "كورة"، وسمّاها احد اعظم واشرف واقوى بلاد هذه المنطقة. وكتب المقدسي عن سمرقند ايضا فقال: إنها مدينة قديمة، غنية، محترمة، ومركز جميل، مريح، ومزدهر. والعبيد كثيرون، والماء وفير، والطريق مفتحة للحياة المزدهرة. وقد كتب ابن الفقيه عن إقليم سمرقند فقال: "ليس في الدنيا بلد اطيب هواء، ولا احسن منظرا من سمرقند" وقد وصف كاتب "السمرية" احوال الجو في سمرقند وثمارها فقال: "في الفصول الأربعة هواء هذه المدينة حسن معتدل، وبناء على ذلك يسمونها سمرقند الفردوس" [٧]. ويرجح أن الأهم بين العوامل التي ساهمت في خضرتها وعمارتها هو مناخها الملائم، وخصوبة المنطقة، ومرور نهر الصغد بجانب هذه المدينة. وقد ادى التنوع وجودة المناخ في هذه المنطقة إلى ازدهار الزراعة، ومن ثم انتاج منتجات مختلفة؛ حتى إن جميع اهالي ما وراء النهر كانوا ينتفعون بالمنتجات الزراعية لسمرقند. وكانت البندق واللوز من صادرات قرى سمرقند، كما كانت تنتج انواع مختلفة من الحبوب والفواكه في هذه المنطقة، إلا أن سمرقند كانت مشهورة بورقها الجيد. فقد كان الورق من السلع الثمينة على طريق الحرير، وكان ناتجا لفن اهل هذه الديار، وكان يصل سنين طوالا إلى ابعد اماكن العالم، مسببا اعجاب الجميع.

وقد كتب القزويني في "آثار البلاد" في هذا الشأن: "ويخرج من سمرقند اشياء غريبة إلى الولايات؛ منها ورق يسمى السمرقندي، لا يكون في أي مكان بمثل جودته إلا في الصين" ويقول كاتب "حدود العالم" في وصف ورق سمرقند: "ويخرج منه الورق الخيطي الذي يحمل إلى العالم كله". وبناء على الروايات التاريخية، كانت منطقة سمرقند غنية بالموارد الطبيعية والمعدنية، وكان فيها وفرة من الفحم الحجري،¹⁶ بالإضافة إلى وجود الجص الأبيض، والزاج، والنوشادر، وحجر البناء. وكان غسل الذهب شائعا ايضا في مجرى نهر زرافشان (جيحون). وكان اكثر ما يجعل سمرقند مهمة هو موقعها الاستراتيجي الجغرافي؛ اي إن هذه المدينة كانت واقعية على طريق قوافل التجارة القادمة من الهند، وخراسان، والصين، وبلاد الترك،²⁰ وكانت السلع المختلفة من انحاء العالم المختلفة متوفرة في اسواق هذه المدينة.²١ ومن ثم، كانوا يسمون سمرقند الميناء التجاري العظيم لما وراء النهر. وكانت القرب والجوار من دائرة سلطة الصينيين من اهم عوامل ازدهار التجارة في هذه المنطقة وخاصة في سمرقند؛²٣ لأن تجار سمرقند كانوا في اغلب الاحيان يجارون الصينيين. ويكتب صاحب "حدود العالم" عن احوال التجارة في سمرقند: "سمرقند مدينة كبيرة وعامرة، ذات نعم كثيرة، وهي موضع تجار جميع العالم". ويصف الجيهاني سمرقند بانها الميناء التجاري لما وراء النهر: "سمرقند فرضة ما وراء النهر، ومجمع التجار، وجميع المتاع يحمل إليها، ومنها يحمل إلى المدن"[٨]. وكان موضع الاجتماع ومركز اسواق سمرقند هو مكان يسمى "راس الطاق"، وكان من اكثر الاماكن عمارة في المدينة،²⁶ وكانت فيه وجود كبير لسلع مختلفة متنوعة للشراء والبيع. وكانت تجارة العبيد في سمرقند ذات ازدهار خاص؛ حتى إن المصادر التاريخية تصفها بانها "موضع اجتماع عبيد ما وراء النهر، ومربي افضل العبيد". وكان شراء وبيع الغلمان والجواري الترك اكثر شيوعا واهمية من تجارة العبيد الآخرين، كما كانت الثياب المذهبة، واقمشة الديباج، وقدور النحاس، وسرج اللجام والحجمة للفرس، والزجاج من صناعات وصادرات سمرقند.

الفن والعمارة

تعد سمرقند من ناحية الآثار الفنية والمعمارية فريدة لا نظير لها في منطقة ما وراء النهر. واليوم، وبسبب حفريات العالمين بالآثار، يتم التوصل إلى الكثير من الآثار في هذه المنطقة تظهر براعة اهلها. ومجموعة "كنز جيحون" هي احدى هذه الآثار، وهي تمثل عظمة وضخامة ثقافة مهندسي الصغد، والذين كانوا اكثر القادرين على ايجاد مباني جميلة وعجيبة. وكان بناء الربط ودور البريد الجميلة نموذجا للعمارة المشرقة في هذه المنطقة، والتي كانت شائعة جدا هناك بسبب ازدهار التجارة. وبعد دخول الإسلام إلى المنطقة نمت عمارة هذه المنطقة وتطورت. وكانت المساجد والاماكن الدينية والمقابر الفخمة والكبيرة، في العصور اللاحقة، تجذب الكثير من الرحالة والعلماء إلى هذه المدن. وقد بقي معظم هذه المباني من عصر التيموريين – فترة عظمة وضخامة سمرقند – وتتجلى في هذه المدينة اسلوب عصر التيموريين. وتحكي آثار مثل مسجد بي بي خانوم، وضريح الأمير تيمور گوركان، ومدرسة أولغ بيك، ومرصدها المشهور، عن فن العمارة المشرق في هذه المنطقة.

الأماكن التاريخية

تشمل المعالم السياحية في مدينة سمرقند: مرصد أولوغ بيك، ومجمع ريغستان، ومقبرة "ألف جواد" (هزار أسب)، ومسجد بي بي خانوم، وورشة صناعة الورق.

مرصد أولوغ بيك

بُني في مدينة سمرقند بأمر من أولوغ بيك، السلطان التيموري، ويعتبر الكثير من الخبراء هذا المبنى أفضل مرصد في العالم الإسلامي وأكبرها في آسيا الوسطى، استُخدم في البناء كله الطابوق المحروق، وزُين برسوم هندسية من الطابوق والطلاء الزجاجي والفسيفساء الخزفية، المبنى دائري الشكل مكون من طابقين بقطر 48 متراً، محوره الرئيسي يتطابق مع الاتجاهات الجغرافية الأربعة الرئيسية على خط طول سمرقند، توجد قاعات العمل في الطابق الأرضي، وتقع "الزاوية الفخرية" لرصد الشمس والقمر على المحور الشمالي-الجنوبي.

ريغستان

ريغستان هو المجمع التاريخي في مدينة سمرقند، ويحيط به 3 مدارس. مدرسة أولوغ بيك: بُنيت هذه المدرسة المطلة على الساحة بأمر من أولوغ بيك بن شاه روخ. للمبنى أربعة مآذن تطل على الساحة. صُمم فناء مربع الشكل مجاوراً للغرف (الخلايا) لتعليم الطلاب العلوم الدينية. مدرسة شيردار: يشبه الجزء الخارجي لهذه المدرسة مدرسة أولوغ بيك، لكن تاريخ بنائها أحدث. للمدرسة إيوان كبير ومآذن عالية. الواجهة الخارجية مزخرفة بالفسيفساء، والداخلية مزينة برسومات نباتية. مدرسة التذهيب (طلاکاری): سُميت بهذا الاسم لأن قبتها مبنية من الذهب. بُنيت بين عامي 1024 و 1039 هجري. في زوايا المبنى توجد أبراج صغيرة، وهي تختلف عن مآذن المبنين السابقين. واجهة المبنى متناظرة، والجزء الخارجي مغطى بالفسيفساء، ومدخلها على شكل عقد.

ملاحظة ختامية

إن هوية وشهرة بلاد ما وراء النهر منذ القدم مأخوذة من ولاية الصغد ومدينتيها الكبيرتين: سمرقند وبخارى. وكانت هاتان المدينتان واقعتين على نهر زرافشان (جيحون)، وبسبب ذلك كانتا تتمتعان بأرض خصبة ومناخ جيد جدا.وقد اثنى غالبية الجغرافيين الذين زاروا هذه المنطقة وقدروا الجغرافيا الطبيعية والمناخ والوضع الملائم لهاتين المدينتين، وسموهما "احد الجنان الأربع في الدنيا". ولهاتين المدينتين اصول تاريخية قديمة جدا، وقد هاجمتهما في طول التاريخ قبائل وعشائر كثيرة. فهجمات الإغريق، والكوشانيين، والهون، وقبائل الترك قبل الإسلام، وهجوم المسلمين في القرون الإسلامية الأولى، والهجمات المدمرة للمغول فيما بعد، هي امثلة على هذه الهجمات. وقد اثرت سمرقند وبخارى في التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة كثيرا؛ حتى إن سمرقند كانت مركزا سياسيا، وكانت بخارى قاعدة دينية لهذه المنطقة.وكانت لهاتين المدينتين العظيمتين حضارة قديمة، وارث ثقافي مشرق جدا، وكانتا لعصور طويلة مهدا للحضارة والأدب والفن والثقافة، وكانتا لسنين طويلة تتمتعان بهيبة سياسية واقتصادية وفنية. واليوم ايضا هما تعدان من اكبر واهم مدن آسيا الوسطى،⁵٧ ومن دون شك، فإن هذه الأهمية تنبع من ارثهما الثقافي المشرق، ومكانتهما وأصولهما التاريخية، وهي مرتبطة باتصال قديم بتاريخ وثقافة ارض إيران.

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. التبریزی (برهان)، محمد حسین بن‌ خلف، (۱۳۶۱)، برهان قاطع، به اهتمام محمد معین،
  2. جیهانی، ابوالقاسم بن احمد، (۱۳۶۸)، اشکال العالم، ترجمه عبدالسلام کاتب
  3. الحموی رومی بغدادی، شهاب‌الدین ابی‌عبدالله یاقوت بن‌ عبدالله،
  4. همدانی، ابن‌اسحاق، (ابن فقیه) و ابوبکر احمد بن‌ محمد (۱۳۴۹)، مختصرالبلدان
  5. بن‌حوقل، محمد، (۱۳۶۶)، سفرنامه ابن حوقل (ایران في صورة الارض)
  6. ابویوسف پیشاوری، بی‌نا، (۱۳۷۲)، حدود العالم من المشرق الی المغرب، ترجمه میرحسین شاه،
  7. الهمدانی، ابن‌اسحاق، (ابن فقیه) و ابوبکر احمد بن‌ محمد (۱۳۴۹)، مختصرالبلدان
  8. ابویوسف پیشاوری، بی‌نا، (۱۳۷۲)، حدود العالم من المشرق الی المغرب، ترجمه میرحسین شاه،