الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الشبهة»

من ویکي‌وحدت
لا ملخص تعديل
سطر ١٤٧: سطر ١٤٧:


=المصادر=
=المصادر=
{{الهوامش|2}}


[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]
[[تصنيف: اصطلاحات الأصول]]

مراجعة ٢٢:٠٥، ١٦ أغسطس ٢٠٢١

الشبهة: وهو الشک أي تردّد الذهن في طرفي النقيض من غير رجحان. وقد فرّق بعضهم بين الشک وبين الشبهة بأنّ متعلّق الشبهة هي الاُمور الخارجية الواقعة خارج الذهن، بينما الشكّ هو حالة نفسية يتردّد معها الذهن بين الإثبات والنفي ويتوقّف علی الحکم. وللشبهة أقسام متعدّدة باعتبارات مختلفة کالشبهة الحکمية والموضوعية، وکالشبهة الوجوبية والتحريمية، وکالشبهة البدوية والمقرونة بالعلم بالإجمالي، وکالشبهة المفهومية والمصداقية، ولتوضيح معنی الشبهة وتقسيماتها نقدم هذه المقالة للقرّاء الکرام.

تعريف الشبهة لغةً

ما التبس أمره وتشابه فلم يتميز ولم يظهر، يقال: اشتبهت الاُمور وتشابهت، ومنه اشتباه القبلة [١].

تعريف الشبهة اصطلاحاً

المراد من الشبهة عند الأصوليين الالتباس والشكّ أيضا، فمثلاً في الشبهة المفهومية يراد من الشبهة فيها الشكّ والالتباس في مراد المتكلّم من اللفظ أو الشكّ في أصل الوضع أو الاستعمال [٢].

الألفاظ ذات الصلة

الشكّ

الشكّ لغةً: نقيض اليقين وجمعه شكوك، يقال: شكّ في الأمر وتشكك إذا تردّد فيه بين شيئين، سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر [٣].
واستعمله الأصوليون تارة في الحالة النفسانية المقابلة لوصفي القطع والظنّ، وهو تردّد الذهن في طرفي النقيض من غير رجحان [٤]. واُخرى في مطلق الاحتمال الذي لم يرق إلى مستوى الظنّ المعتبر [٥].
وفرّق بعضهم بينه وبين الشبهة بأنّ متعلّق الشبهة هي الاُمور الخارجية (الواقعة خارج الذهن) بينما الشكّ هو حالة نفسية يتردّد معها الذهن بين الإثبات والنفي ويتوقّف عن الحکم كما تقدّم [٦].

أقسام الشبهة

قسمت الشبهة إلى عدّة تقسيمات نشير إليها فيما يلي:

القسم الأول: الشبهة البدوية والشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي

تطلق الشبهة البدوية غالبا على المشتبه الذي لم يقارن علما إجماليا بتكليف [٧].
وتلاحظ هذه الشبهة تارة في الشبهات الوجوبية واُخرى في التحريمية وثالثة في الأقلّ والأكثر، وعلى أيّ تقدير قد تكون الشبهة حكمية وقد تكون موضوعية كما سيأتي بيانه [٨].
ومقابل هذه الشبهة ـ الشبهة البدوية ـ هناك شبهة مقرونة بالعلم الإجمالي التي هي عبارة عن الشكّ الواقع في أطراف العلم الإجمالي، بحيث يكون ارتكابه مظنّة للضرر الاُخروي، سواء أكانت الشبهة وجوبية أم تحريمية، حكمية أم موضوعية.
فلو علم إجمالاً بوجوب الظهر أو الجمعة، فالشبهة في كلّ صلاة وجوبية مقرونة بالعلم الإجمالي، وكذا إذا علم بوجوب إكرام زيد وشكّ في أنّه هذا أو ذاك [٩].

القسم الثاني: الشبهة الحكمية والموضوعية

تطلق الشبهة الحكمية و الشبهة الموضوعية على الشكوك التي تقع مجرى للأصول العملية ومثالها الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب، و أصالة البرائة، و التخيير، و الاحتياط، و قاعدة الطهارة وغيرها.
فالاُولى: هي الشكّ المتعلّق بالحكم الشرعي الكلّي مع كون منشأه عدم النصّ في المسألة أو إجماله أو تعارضه مع نصّ آخر.
والثانية: هي الشكّ المتعلّق بالموضوع الخارجي مع كون منشأه اشتباه الاُمور الخارجية، فإذا شكّ في كون هذا المائع خمرا أو خلاً، فهنا تحصل شبهة موضوعية تكون مجرى لـ أصالة البرائة [١٠].

القسم الثالث: الشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية

المراد من الشبهة التحريمية هي الشبهة التي يكون متعلّق الشكّ فيها الحرمة، كما لو وقع الشكّ في حرمة العصير العنبي.
وهذه الشبهة تارة تكون حكمية واُخرى موضوعية، أمّا الاُولى: فهي ما يكون متعلّق الشكّ والشبهة فيها حكم من الأحكام الشرعية الكلّية، كالشكّ في حرمة التدخين.
وأمّا الثانية: فهي ما يكون متعلّق الشكّ فيها موضوعا خارجيا، كالشكّ في طهارة ماء معين، أو أنّ هذا المائع المعين خل أو خمر [١١].
والمراد من الشبهة الوجوبية هي الشبهة التي يكون متعلّقها الوجوب وهي تارة تكون حكمية واُخرى موضوعية.
أمّا الشبهة الوجوبية الحكمية فهي ما لو كان متعلّق الشكّ هو الوجوب الكلّي، بمعنى الشكّ في أصل جعل الوجوب لطبيعة كلّية، كما لو وقع الشكّ في جعل الوجوب لطبيعة صلاة الجمعة.
وأمّا الشبهة الوجوبية الموضوعية فهي ما لو كان متعلّق الشكّ هو الوجوب الجزئي، بمعنى أنّنا نحرز جعل الوجوب لطبيعة من الطبائع إلاّ أنّ الشكّ في الوجوب نشأ عن عدم إحراز مصداقية موردٍ للطبيعة المحرز وجوبها، فلو كنّا نحرز جعل وجوب الصدقة على طبيعة الفقير إلاّ أنّنا شككنا في وجوب الصدقة على زيد للشكّ في مصداقيته لطبيعة الفقير بسبب الجهل بحاله مثلاً، فالشكّ ليس في جعل الحکم الكلّي للطبيعة وإنّما في انطباق الحكم المعلوم على هذا المورد [١٢].

القسم الرابع: الشبهة في الفعل والمحل

ذكر بعض أصولي الجمهور بأنّ أصحابهم قسموا «الحدود» إلى قسمين:
الاُولى: شبهة في الفعل وتسمّى شبهة الاشتباه، والثانية: شبهة في المحلّ.
والاُولى: تتحقّق في حقّ من اشتبه عليه الحلّ والحرمة فظنّ غير الدليل دليلاً فلابدّ من الظنّ، وإلاّ فلا شبهة أصلاً، كظنّه حل وط‏ء جارية زوجته أو أبيه أو أمه، ووط‏ء المطلقة ثلاثا في العدّة، ووط‏ء العبد جارية مولاه، ففي هذه المواضع لا حدّ إذا قال: ظننت أنّها تحلّ لي، ولو قال: علمت أنّها حرام عليّ، وجب الحدّ. والثانية: الشبهة في المحلّ، تتحقق في ستّة مواضع: جارية ابنه، والمطلقة طلاقا بائنا بالكتابات، والجارية المبيعة إذا وطأها البائع قبل تسليمها للمشتري، والمجعولة مهرا إذا وطأها الزوج قبل تسليمها إلى الزوجة، والمشتركة بين الواطئ وغيره، والمرهونة إذا وطأها المرتهن في رواية كتاب الرهن، وعلمت أنّها ليست بالمختارة.
ففي هذه المواضع لا يجب الحدّ وإن قال: علمت أنّها عليّ حرام؛ لأنّ المانع هو الشبهة في نفس الحکم [١٣].

القسم الخامس: شبهة الكعبي

وهي شبهة معروفة أخذت قسطا وافرا من أبحاث الأصوليين، والمراد منها: أنّ أفعال المكلّفين الاختيارية لا تخلو إمّا أن تكون واجبة أو محرّمة، وليس هناك فعل اختياري للمكلّف يخلو عن هذين الحكمين، ولهذا تعنون هذه الشبهة بشبهة انتفاء المباح [١٤].
والمقصود من الإباحة هي الإباحة بالمعنى الأعم الشامل لـ الاستحباب و الكراهة.
وهذه الشبهة ترتكز على ركيزتين:
الاُولى: إن ترك الحرام في الخارج يتوقّف على فعل من الأفعال؛ لاستحالة خلو المكلّف مِن فعل ما، وعليه فإذا لم يشتغل بغير الحرام وقع في الحرام لا محالة إذا كان الاشتغال بغير الحرام واجبا مقدّمة لترك الحرام.
الثانية: إنّ الفعل الاختياري يحتاج في حدوثه وبقائه إلى المؤثّر فلا يستغني الحادث في بقائه عن المؤثّر، كما لا يستغني عنه في حدوثه.
فالنتيجة على ضوء هاتين الركيزتين: هي أن ترك الحرام حدوثا وبقاءً متوقّف على إيجاد غيره من الأفعال الاختيارية في الخارج، وبما أنّ إيجاده مقدّمة لترك الحرام فيكون واجبا بوجوب مقدّمي؛ لأنّه لا يمكن فرض مباح في الخارج، وهذا معنى القول بانتفاء المباح وانحصار الأفعال بالواجب والحرام [١٥].
إلاّ أنّ هذه الشبهة مردودة من قبل جمهور الأصوليين[١٦].

القسم السادس: الشبهة العبائية

وهي شبهة أثارها السيّد الجليل إسماعيل الصدر حاصلها: أنّه لو وقعت نجاسة على أحد طرفي عباءة ولم يعلم أنّه الأعلى أو الأسفل، ثُمّ طهر أحد الطرفين وليكن الأسفل مثلاً، فإنّ تلك النجاسة المعلومة الحدوث تصبح نفسها مشكوكة الارتفاع فينبغي أن يجري استصحابها، بينما أن مقتضى جريان استصحاب النجاسة في هذه العباءة أن يحكم بنجاسة البدن ـ مثلاً ـ الملاقي لطرفي العباءة معا، مع أنّ هذا اللازم باطل؛ لأنّ ملاقي أحد طرفي الشبهة المحصورة محكوم عليه بالطهارة إجماعا.
وهنا لم يلاق البدن إلاّ أحد طرفي الشبهة وهو الطرف الأعلى وأمّا الطرف الأسفل ـ وإن لاقاه ـ فإنّه قد خرج من طرف الشبهة ـ حسب الفرض ـ بتطهيره يقينا، فلا معنى للحكم بنجاسة ملاقيه.
والنكتة في هذه الشبهة أنّ هذا الاستصحاب يبدو من استصحاب الكلي من القسم الثاني، ولا شكّ في أنّ مستصحب النجاسة لابدّ أن يحكم بنجاسة ملاقيه، بينما هنا لا يحكم بنجاسة الملاقي، فيكشف ذلك عن عدم صحّة الاستصحاب الكلّي من القسم الثاني [١٧].
واُجيب عن هذه الشبهة:
بأنّ هذا الاستصحاب ليس من استحصاب الكلي، بل هو فرع آخر أطلقوا عليه (استصحاب الفرد المردد) وقد اتّفقوا على عدم صحّة جريانه [١٨].

القسم السابع: الشبهة المحصورة وغير المحصورة

يطلق هذان العنوانان على المشتبهات الواقعة في أطراف العلم الإجمالي، فإذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الأثواب، فسوف يحصل عندنا علم إجمالي وشكوك تفصيلية بعدد محتملات المعلوم بالإجمال فإنّ كلّ واحد من الأطراف مشتبه ومشكوك، فإن كانت الأطراف قليلة معدودة، سمّيت الشبهة بـ الشبهة المحصورة، وإن كانت كثيرة، سمّيت بالشبهة غير المحصورة [١٩].
وقد اختلفوا في تحديد كلّ منهما، ومن تتبع أقوالهم في الشبهة غير المحصورة سوف يتّضح له معنى المحصورة أيضا. وأهمّ ما ذكروا لتحديد الشبهة غير المحصورة من اُمور، هي:
أ ـ تكثر أطرافها بحيث يعسر معها العدّ، ومثّل له في العروة الوثقى بنسبة الواحد إلى الألف [٢٠].
وربّما رجع إلى هذا المعنى ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدس‏سره مِن ضعف انطباق الاحتمال على كلّ واحد منها لكثرة الأطراف [٢١].
ب ـ عدم تمكن المكلّف عادة مِن المخالفة القطعية بارتكاب جميع الأطراف [٢٢].
وعلى هذا تختصّ الشبهة غير المحصورة على ضوء هذ القول بخصوص الشبهات التحريمية دون الوجوبية؛ لأنّ الأطراف وإن بلغت كثرتها ما بلغت، فإنّ المكلّف يتمكن مِن مخالفتها بتركها جميعا [٢٣].
ج ـ أن يكون بعض الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء، أو تكون الأطراف ممّا يعسر مخالفتها جميعا، أو يكون المكلّف مضطرا إلى بعضها، إلى غير ذلك ممّا يوجب انحلال العلم الإجمالي [٢٤].
د ـ الإرجاع إلى العرف [٢٥].

القسم الثامن: شبهة الكثير في الكثير

وهي ما كان المردّد بين الاُمور غير المحصورة أفرادا كثيرة نسبة مجموعها إلى المشتبهات كنسبة الشيء إلى الاُمور المحصورة، كما إذا علم بوجود خمسمئة شاة موطوءة في ألفين شاة، حيث إنّ نسبة مجموع المعلوم بالإجمال إلى المشتبهات كنسبة الواحد إلى الأربعة [٢٦].

القسم التاسع: الشبهة المصداقية والمفهومية

المراد من الشبهة المصداقية: هي الشكّ في دخول فرد من أفراد العامّ في الخاصّ مع وضوح مفهوم الخاصّ بأن كان مبيّنا لا إجمال فيه، نحو قوله عليه‌السلام: «كلّ ماء طاهر إلاّ ما تغيّر طعمه أو لونه أو ريحه، فشكّ أنّ ماءً معينا، أتغير بالنجاسة فدخل في حكم الخاصّ أم لم يتغيّر، فهو لا يزال باقيا على طهارته [٢٧]؟
وأمّا الشبهة المفهومية فالمراد منها: الشكّ في نفس مفهوم الخاصّ بأن كان مجملاً، كما إذا شكّ في المراد من خالد هل هو خالد بن بكر أو خالد بن سعيد عند قولنا: أحسن الظنّ إلاّ بخالد [٢٨]؟

القسم العاشر: شبهة ابن قبّة

وهي شبهة لها علاقة بواقع التعبد بالظنّ من حيث الإمكان والامتناع ، والغرض منها هو استحالة التعبّد بالظنّ عقلاً.
وحاصلها : أنّه يستحيل التعبد بالظن كخبر الواحد ؛ لدليلين:
الأوّل: إنّه لو جاز التعبّد بخبر الواحد في الإخبار عن النبي(ص) لجاز التعبّد به في الإخبار عن اللّه‏ تعالى، والتالي باطل إجماعا.
الثاني: إنّ العمل بـ خبر الواحد موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال؛ إذ لا يؤمن أن يكون ما أخبر بحلّيته حراما وبالعكس.
وهذا الوجه جارٍ في مطلق الظنّ، بل في مطلق الأمارة غير العلمية وإن لم يفد الظنّ [٢٩].
وأورد عليهما بردود كثيرة نحيل تفاصيلها إلى محالها .
ومن الملاحظ على هذه البحوث عدم تعرّض علماء العامّة إليها إلاّ في بحث شبهة الفعل والمحلّ، ولعلّ السرّ في ذلك عدم تعرّضهم؛ لفكرة الأصول العملية الجارية في الشبهات المحصورة وغيرها والشبهة التحريمية والوجوبية المقرونة بالعلم الإجمالي ولوجود أدلّة اُخرى عندهم في حالات الشكّ[٣٠].

حکم الشبهة

نتعرّض فيما يلي إلى بعض أحكام الشبهات ونحيل الكلام في الباقي إلى محالها:

1 ـ حكم الحالة التي تكون فيها الشبهة بدوية أو مقرونة بعلم إجمالي

الرأي السائد عند الأصوليين أنّ الحالة التي تكون فيها الشبهة بدوية تجري عليها أصالة البرائة سواء كانت الشبهة وجوبية أو تحريمية؛ لأنّ الدليل على أصالة البراءة مطلق، الذي هو عبارة عن نصوص شرعية متعدّدة[٣١] أشهرها وأبرزها النصّ النبوي: «رفع عن أُمتي تسعة أشياء: ... وما لا يعلمون...» [٣٢].
وأمّا إذا كانت مقرونة بعلم إجمالي، فالمشهور هو الاحتياط [٣٣].

2 ـ حكم الحالة التي تكون فيها الشبهة غير محصورة أو محصورة

المشهور بين الاُصوليين أنّ أطراف العلم الإجمالي إذا كانت غير محصورة لا يكون العلم منجزا، فلا يجب الاحتياط.
وقد ذكروا عدّة أدلّة لعدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة أهمّها: عدم اعتناء العقلاء باحتمال التكليف إذا كان موهوما، وأنّ الدليل على لزوم الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي منحصر في النصوص الخاصّة، وحيث إنّ موارد تلك النصوص من قبيل الشبهة المحصورة فالتعدّي عنها وإثبات لزوم الاحتياط في أطراف الشبهة غير المحصورة يحتاج إلى دليل، وهو مفقود، كما أنّ القواعد تقتضي عدم لزوم الاجتناب، فالأظهر عدم وجوب الموافقة القطعية. وكذلك لا تحرم المخالفة القطعية؛ لأنّ احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كلّ طرف احتمالاً موهوما فهو في حكم العدم فلا تحرم المخالفة القطعية [٣٤].
وأمّا إذا كانت الشبهة محصورة فلا يجوز المخالفة القطعية وارتكاب كلا طرفي العلم الإجمالي أو أطرافه وطرح العلم الإجمالي [٣٥] وإن حكي عن ظاهر بعض جواز المخالفة [٣٦].
والمستند في عدم جواز المخالفة هو وجود المقتضي للحرمة وعدم المانع عنها، أمّا ثبوت المقتضي فلعموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه، فإنّ قول الشارع: «اجتنب عن الخمر» يشمل الخمر الموجود المعلوم المشتبه بين الاناءين أو أزيد، ولا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلاً.
وأمّا عدم المانع، فلأنّ العقل لا يمنع من التكليف (عموما أو خصوصا) بالاجتناب عن عنوان الحرام المشتبه في أمرين أو اُمور، والعقاب على مخالفة هذا التكليف. وأمّا الشرع فلم يرد فيه ما يصلح للمنع عدا ما ورد من قولهم عليهم‌السلام: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه...» [٣٧]، وغير ذلك.
بناءً على أنّ هذه الأخبار كما دلّت على حلّية المشتبه مع عدم العلم الإجمالي وإن كان محرّما في علم اللّه‏ تعالى، كذلك دلّت على حلّية المشتبه مع العلم الإجمالي.
إلاّ أنّها لا تصلح للمنع؛ لأنّها كما تدلّ على حلّية كلّ واحد من المشتبهين، كذلك تدلّ على حرمة ذلك المعلوم إجمالاً؛ لأنّه أيضا شيء علم حرمته.
ولا فرق في الحكم بين أن يكون الحرام المشتبه عنوانا واحدا مرددا بين أمرين أو كان المشتبه مرددا بين عنوانين بأن يكون أحد المائعين خمرا أو مغصوبا مثلاً [٣٨].
إلاّ أنّ الظاهر من صاحب الحدائق التفصيل بين كون المردد فردا من عنوان فيجب الاجتناب وبين كونه مرددا بين عنوانين فلا يجب [٣٩]. وهل تجب الموافقة القطعية بالاجتناب عن كلا المشتبهين؟ المشهور ذلك [٤٠].
وفي المدارك أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب [٤١]، وعن المحقّق الكاظمي في شرح الوافية دعوى الإجماع صريحا [٤٢].
وذهب جماعة إلى عدم الوجوب [٤٣]، وحكي عن بعض القرعة [٤٤].

3 ـ حکم شبهة الكثير في الكثير

اختلف الاُصوليون في حكم هذه الشبهة التي تقدّم معناها بسبب اختلاف مسالكهم في عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، فعلى مسلك الشيخ الأنصاري قدس‏سره [٤٥] من أنّ الملاك في عدم التنجيز كون احتمال التكليف موهوما لا يعتني به العقلاء، كان العلم الاجمالي هنا منجزا؛ لأنّ احتمال التكليف في كلّ واحد من الأطراف كما في المثال المتقدّم [٤٦] من قبيل: تردد الواحد إلى الأربعة، ومثله لا يعدّ موهوما كما هو ظاهر.
وأمّا على مسلك النائيني قدس‏سره [٤٧] وأنّ الوجه في عدم التنجيز عدم حرمة المخالفة القطعية؛ لعدم التمكّن منها ووجوب الموافقة القطعية متفرع عليها، فلا بدّ من الالتزام بعدم تنجيز هذا العلم الإجمالي هنا أيضا؛ لأنّ المخالفة القطعية لا تتحقّق إلاّ بارتكاب جميع الأطراف، وهو متعذر أو متعسر عادة، فلا تجب الموافقة القطعية أيضا، فلا يكون العلم الإجمالي منجزا لا محالة [٤٨].

4 ـ حكم الحالة التي تكون فيها الشبهة تحريمية أو وجوبية

تقدّم أنّ الشبهة التحريمية تارة تكون حكمية واُخرى موضوعية
وذكر الاُصوليون أنّ منشأ الشكّ في الشبهة الحكمية التحريمية هو أحد اُمور ثلاثة:
أ ـ فقدان النصّ.
ب ـ إجمال النصّ.
ج ـ تعارض النصّين [٤٩].
وأمّا منشأ الشكّ في الشبهة الموضوعية التحريمية فهو اشتباه الاُمور الخارجية [٥٠]، وعلى ذلك فالبحث يكون في محورين:

المحور الأوّل: الشبهة التحريمية

وفيها مسائل أربعة:
أ ـ الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النصّ.
ب ـ الشبهة الحكمية التحريمية لأجل إجمال النصّ.
ج ـ الشبهة الحكمية التحريمية لأجل تعارض النصّين.
د ـ الشبهة الموضوعية التحريمية لأجل خلط الاُمور الخارجية.

=المسألة الاُولى: في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النصّ

إذا شكّ في حرمة شيء لأجل عدم النصّ عليها في الشريعة، فقد ذهب الاُصوليون إلى البراءة [٥١] مستدلّين عليه بالكتاب و السنة، أمّا الكتاب فكقوله تعالى: «...وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» [٥٢]، وبعث الرسول كناية عن البيان الواصل للمكلّف؛ لأنّه لو بعث الرسول ولم يكن هناك بيان أو كان ولم يصل إلى المكلّف، لما صحّ التعذيب ولقبح عقابه. فالدافع لقبح العقاب هو البيان الواصل، بمعنى وجوده في مظانه على وجه لو تفحص عنه المكلّف لوجده ولعثر عليه.
والمفروض أنّ المجتهد تفحص في مظان الحكم ولم يعثر على شيء يدلّ على الحرمة لا بالعنوان الأولي ولا بالعنوان الثانوي، فينطبق عليه مفاد الآية، وهو أنّ التعذيب فرع البيان الواصل والمفروض عدم التالي فيكون المقدّم مثله. وغيرها من الآيات.
وأمّا السنة فقد استدلّوا بأحاديث منها حديث الرفع وهو ما رواه الصدوق عن أبي عبد اللّه‏ عليه‌السلام قال: «قال رسول اللّه‏(ص): رفع عن أمّتي تسعة أشياء: الخطأ و... وما لا يعلمون...» [٥٣]. بتقريب أنّ المراد من الرفع هو رفع جميع الآثار أو الآثار البارزة سواء تعلّق الجهل بالحكم كما في الشبهة الحكمية أو بالموضوع كما في الشبهة الموضوعية، ويستثنى من ذلك ـ من الرفع ـ ما دلّ الدليل على عدم رفعه.

المسألة الثانية: الشبهة الحكمية التحريمية لإجمال النصّ

فلو تردّد الغناء بين كونه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب، فيكون الترجيع المطرب قطعي الحرام، والترجيع بلا طرب مشكوك الحكم، فيكون مجرى البراءة [٥٤].

المسألة الثالثة: الشبهة الحكمية التحريمية لتعارض النصّين

فلو دلّ الدليل على الحرمة ودلّ دليل آخر على الإباحة، ولم يكن لأحدهما مرجّح، فلا يجب الاحتياط بالأخذ بجانب الحرمة؛ لعدم الدليل عليه. نعم، ورد الاحتياط في رواية وردت في «غوالي اللآلي» نقلها عن العلاّمة رفعها إلى زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال في الخبرين المتعارضين: «خذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر». إلاّ أنّ الرواية ضعيفة السند لا يحتجّ بها.

المسألة الرابعة: الشبهة الموضوعية التحريمية

إذا دار الأمر بين كون الشيء حراما ومباحا لأجل الاشتباه في بعض الاُمور الخارجية، كما إذا شكّ في حرمة مائع أو إباحته للتردد في أنّه خل أو خمر، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ مقتضى الأصل الإباحة؛ للأخبار، كقوله عليه‌السلام: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه...» [٥٥].

المحور الثاني: الشكّ في الشبهة الوجوبية

إذا شكّ في وجوب شيء وعدمه ففيها أيضا مسائل أربع؛لأنّ الشبهة إمّا حكمية أو موضوعية، ومنشأ الشكّ في الحكمية إمّا فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين فتصبح المسائل أربع كالآتي:
أ ـ الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل فقدان النصّ كالدعاء عند رؤية الهلال.
ب ـ الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل إجمال النصّ كاشتراك لفظ الأمر بين الوجوب والاستحباب.
ج ـ الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل تعارض النصّين.
د ـ الشبهة الموضوعية لأجل الاشتباه في بعض الاُمور الخارجية، كما إذا تردّدت الفائتة بين صلاة أو صلاتين.
و الحکم في جميع هذه المسائل البراءة إجماعا [٥٦].

المصادر

  1. . لسان العرب 2: 1971 مادّة «شبه»، المصباح المنير 1: 304 مادّة «شبه».
  2. . دروس في اُصول فقه الإمامية 2: 502، واُنظر: اُصول الفقه المظفر 1: 199.
  3. . لسان العرب 2: 2074 مادّة «شكك»، المصباح المنير 1: 320 مادّة «شكك».
  4. . نهاية السؤل 1: 40، البحر المحيط 1: 78.
  5. . فرائد الاُصول 3: 23، نهاية الأفكار 3: 5، اصطلاحات الاُصول: 151.
  6. . دروس في اُصول فقه الإمامية 2: 502.
  7. . اُنظر: فوائد الاُصول 3: 376، اصطلاحات الاُصول: 145.
  8. . اصطلاحات الاُصول: 145، واُنظر: دروس في علم الاُصول 1: 143 ـ 144.
  9. . دروس في علم الاُصول 1: 389.
  10. . اُصول الفقه المظفر 4: 273، واُنظر: نهاية الأفكار 2: 201، 366، اصطلاحات الاُصول: 147 ـ 148، الموجز في اُصول الفقه 2: 130 ـ 131.
  11. . اُنظر: أجود التقريرات 3: 288، دروس في علم الاُصول 1: 143 ـ 144.
  12. . اُنظر: المعجم الاُصولي صنقور 2: 205 ـ 206، الموجز في اُصول الفقه 2: 132.
  13. . الاشباه والنظائر 2: 372، واُنظر: كشف الاسرار شرح البزدوي 4: 559.
  14. . اُنظر: القوانين: 108، فوائد الاُصول 1: 312، اُصول الفقه المظفر 2: 362، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 61، الإحكام (الآمدي) 1: 124.
  15. . محاضرات في اُصول الفقه 3: 39.
  16. . اُنظر: البحر المحيط 1: 279 ـ 281، فوائد الاُصول 1: 312، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 61، زبدة الاُصول 2: 20.
  17. . اُصول الفقه المظفر 4: 335 ـ 336، واُنظر: نهاية الأفكار 4: 131، فوائد الاُصول 4 : 422 ، أجود التقريرات 4 : 92 ، منتقى الاُصول 6 : 174.
  18. . اُصول الفقه المظفر 4: 336.
  19. . اُنظر: فوائد الاُصول 4: 116، مصباح الاُصول 2: 372، زبدة الاُصول الروحاني 3: 254، اصطلاحات الاُصول: 148 ـ 149.
  20. . العروة الوثقى 1: 108 ـ 109، م 1.
  21. . فرائد الاُصول 2: 271.
  22. . فوائد الاُصول 4: 118.
  23. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 517.
  24. . الاُصول العامّة للفقه المقارن: 534، اُنظر: زبدة الاُصول 3: 355.
  25. . زبدة الاُصول 3: 355.
  26. . نهاية الأفكار 3: 335 ـ 336.
  27. . لمحات الاُصول تقرير بحث البروجردي للسيّد الخميني: 323، اُصول الفقه المظفر 1: 202.
  28. . اُصول الفقه المظفر 1: 199.
  29. . فرائد الاُصول 1: 105 ـ 106، واُنظر: المعالم: 189، القوانين: 432، منتقى الاُصول 4: 251، تسديد الاُصول 2: 34.
  30. . اُنظر مباحث الاُصول الحائري 3: 19.
  31. . دروس في علم الأصول 1: 143، وانظر: الكفاية: 379، حقائق الأصول 2: 371، تحريرات في الأصول 6: 175.
  32. . الوسائل 15: 369 ب 56، ح 1.
  33. . دروس في علم الاُصول 1: 123، اصطلاحات الاُصول: 146.
  34. . زبدة الاُصول 3: 354، 358.
  35. . فرائد الاُصول 2: 199 ـ 200.
  36. . اُنظر: فرائد الاُصول 2: 200.
  37. . الوسائل 17: 89 ب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
  38. . فرائد الاُصول 2: 209.
  39. . الحدائق 1: 517.
  40. . فرائد الاُصول 2: 210.
  41. . المدارك 1: شرح ص 107.
  42. . كما نسبه الشيخ الأنصاري، اُنظر: فرائد الاُصول 2: 210.
  43. . المدارك 1: 107، الذخيرة: 138، القوانين: 153.
  44. . حكاه الشيخ الأنصاري عن بعض الأصحاب، اُنظر: فرائد الاُصول 2 : 208.
  45. . فرائد الاُصول 2: 274.
  46. . المتقدّم عند بيان معنى شبهة الكثير في الكثير.
  47. . فوائد الاُصول 4: 118.
  48. . اُنظر: مصباح الاُصول 2: 379 ـ 380.
  49. . فرائد الاُصول 2: 441، واُنظر: نهاية الأفكار 2: 201، فوائد الاُصول 3: 328.
  50. . اُنظر: نهاية الأفكار 2: 201.
  51. . الموجز في اُصول الفقه 2: 113، واُنظر: نهاية الأفكار 3: 262.
  52. . الإسراء: 15.
  53. . الوسائل 15: 369 ب 56، ح 1.
  54. . نهاية الأفكار 3: 262.
  55. . الوسائل 17: 89 ب 4، ح 4.
  56. . الموجز في اُصول الفقه 2: 332.