انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «النجف»

من ویکي‌وحدت
Halimi (نقاش | مساهمات)
أنشأ الصفحة ب' مدينة النجف أو النجف الأشرف هي مدينة عراقية تقع فيها مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أول أئمة الشيعةو خليفة بلا فصل للنبي الاكرم ص، وتُعتبر المدينة مركزًا لمحافظة النجف، وتُعدّ من أقدس المدن لدى الشيعة، فضلًا عن...'
(لا فرق)

مراجعة ١٩:٠٢، ١٤ مايو ٢٠٢٥


مدينة النجف أو النجف الأشرف هي مدينة عراقية تقع فيها مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أول أئمة الشيعةو خليفة بلا فصل للنبي الاكرم ص، وتُعتبر المدينة مركزًا لمحافظة النجف، وتُعدّ من أقدس المدن لدى الشيعة، فضلًا عن كونها مركزًا للقوة السياسية الشيعية في العراق، تشهد النجف حركة دائمة من الزائرين والمقبلين على الدراسة الدينية، مما أسهم في ازدهار تجارتها بشكل ملحوظ، كما كانت المدينة لقرون طويلة محطة رئيسية لقوافل الحجاج البرية المتجهة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، مما عزّز تواصلها مع المدن والمراكز الحضارية الأخرى.

تاريخ مدينة النجف

اختلف المؤرخون حول تاريخ نشأة هذه المدينة؛ فبعضهم يعيدها إلى ما قبل الإسلام، بينما ينفي آخرون وجودها قبل القرن الثالث الهجري، يذكر جعفر محبوبة أن النجف كانت منطقة عامرة بالسكان خلال حكم المناذرة والتنوخيين واللخميين، الذين اتخذوا من الحيرة عاصمة لهم، وكانت ثقافتها عربية أصيلة[١]. ومن جهته، يرى الدكتور كاظم الجنابي أن النجف لم تكن سوى منطقة تابعة للحيرة، وتحولت لاحقًا إلى مقبرة لأهالي الكوفة بسبب جفاف أراضيها [٢]. ويُروى عن ابن طاووس أن محمد بن علي بن رحيم الشيباني قال: "دخلنا النجف أنا وأبي وعمي ومجموعة من الزوار عام ٢٦٠ هجريًا تقريبًا، وكانت المنطقة قليلة السكان، ولم يكن عند قبر الإمام علي (عليه السلام) سوى حجرًا يدل عليه"[٣]. والتحقيق فهم دقيق لتاريخ النجف، لا بد من ملاحظة أمرين: تمتعت أرض النجف بتربة خصبة ومناخ معتدل، مما جعلها منطقة استجمام للساسانيين والمناذرة والعباسيين، حيث شُيدت فيها الأديرة والقصور الفاخرة. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المدينة كانت مأهولة بشكل دائم، إذ لم تذكر المصادر الجغرافية القديمة وجود سكان فيها آنذاك. يرجح الدكتور الجنابي أن النجف كانت منطقة صغيرة تابعة للحيرة، وأن وجود المباني الضخمة فيها يدل على سكنى مؤقتة أو موسمية، خاصة مع توفر الظروف البيئية المناسبة [٤].

كشف قبر الإمام علي (عليه السلام)

ارتبط ظهور قبر الإمام علي (عليه السلام) وبناء ضريحه بحدث تاريخي مهم. ففي عهد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، أُعلن عن موقع القبر لأول مرة، ورد في رواية صفوان أن الإمام الصادق (عليه السلام) أمر بإصلاح القبر بعد أن دلّ عليه، قائلًا: «نعم، أعلم شيعة الكوفة»، ثم قدم نقودًا لإعادة تعميره وتعرض القبر للتدمير بسبب فيضان، وبقي مهملًا حتى أعاد داود بن علي العباسي (ت. ١٣٣ هـ) ترميمه ووضع صندوقًا فوقه. لاحقًا، تهدم القبر مرة أخرى، فقام هارون الرشيد ببنائه وشيّد قبة عليه عام ١٧٠ هـ [٥]. في سنة ٣٣٨ هـ، بنى أبو علي عمر بن يحيى قبة بيضاء على مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وشُيّدت حولها غرف صغيرة كانت مخصصة لفقراء الشيعة. وفي أواخر القرن الرابع الهجري، أقام الشيعة منازل حول الحرم العلوي، وبدأت العمران بالانتشار وتُشير هذه الروايات إلى أن الاستيطان المهم حول قبر الإمام علي (ع) بدأ في أواخر القرن الثالث الهجري. ولا نملك سوى ما دَوَّنَه الرحالة عن النجف، ولعل أول مَنْ ذكرها هو الرحالة العربي ابن جبير (ت. ٥٠٨ هـ) الذي قال:«دخلنا النجف، وهي منطقة خلف الكوفة كأنها حدّ فاصل بين المدينة والصحراء، أرضها صلبة واسعة ممتدة. وفي غرب الكوفة، على بُعد فرسخ، يقع ضريح عظيم مشهور يُنسب لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وله بناء فخم» [٦].

أما ابن بطوطة (ت. ٧٧٩ هـ) فوصف النجف في رحلته قائلًا: «نزلنا بمدينة النجف حيث ضريح علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، مدينة جميلة في أرض واسعة صلبة، تُعدّ من أحسن مدن العراق وأكثرها سكانًا ومتانة بناء، بها أسواق نظيفة. دخلنا من باب الحضرة إلى سوق البقالين والطباخين والخبازين، ثم سوق الفواكه والخياطين والغسالين والعطارين، حتى وصلنا الحرم الذي يزعم الناس أنه قبر علي (ع). أمامه مدارس وزوايا ومساكن عامرة آية في الجمال، جُدران الحرم مغطاة بطلاء بهيّ» ونقل يعقوب سركيس عن الرحالة تيكسيرا قوله: «وصلنا ظهر السبت ١٨ أبريل ١٦٠٤م (٢٣ ربيع الآخر) إلى النجف، مدينة كبيرة كان عدد منازلها قبل ٥٠-٦٠ عامًا نحو ٦٠-٧٠ ألفًا، لكن الخرائب الباقية تدل على عظمتها السابقة. أما اليوم فلا يتجاوز عدد منازلها ٥٠٠، يسكنها فقراء. يذكر أهلها أن التدهور بدأ بعد وفاة الشاه طهماسب الصفوي سنة ٩٨٤هـ/١٥٧٦م، إذ توقف الاهتمام بها. تُرى في المدينة بقايا أسواق تشهد على مجدها الماضي» [٧]. وصف الرحالة الفرنسي تافيرنيه النجف عام ١٦٣٨م قائلًا: «وصلنا إلى بلدة صغيرة كانت تُسمى الكوفة، وهي الآن تُعرف بـ«مشهد علي». ضريح علي (صهر النبي) فسيح، به أربع شمعدانات مضاءة وقناديل معلقة. يُتلى القرآن ليل نهار. لا يوجد سوى آبار قليلة ذات مياه مالحة وقناة جافة. الغذاء الوحيد هو التمر والعنب واللوز بأسعار مرتفعة، يُقدم الشيخ للزوار أرزًا مطهوًا بالماء والملح والزيت. عدم وجود مراعي زاد من نقص الغذاء» [٨]. أما الرحالة الألماني نيبور فكتب عن زيارته سنة ١٧٦٥م/١١٧٩هـ: «مشهد علي في أرض جرداء كجدة، يعاني نقصًا حادًا في الماء. يستخدمون مياه الآبار للطبخ والغسيل، وينقلون مياه الشرب على الحمير من مسافة ثلاث ساعات. البيوت مبنية من الطين على قواعد جيرية، بسقوف مقببة. سكانها خليط من السنة والشيعة، تشبه القدس في هيئتها واتساعها. سور المدينة به بابان: باب المشهد وباب النهر، بينما سُدّ باب الشام. السور مُتداعٍ في عشرين مكانًا. بالإضافة إلى الضريح العظيم، توجد ثلاث قاعات اجتماع أصغر» [٩].


وذكرت المستشرقة الإنجليزية ليدي درور في رحلتها عام ١٩٢٣م/١٣٤٢هـ: «النجف مدينة جميلة، لكن شوارعها غير معبدة». وبعد عشر سنوات تقريبًا، جاء في «دليل أرض العراق» (١٩٣٥م): «شوارعها عريضة مُعبدة في معظمها، مبانيها ضخمة، وأسواقها منظمة خاصة السوق الكبير الممتد من السور الشرقي حتى صحن الإمام علي (ع). بالمدينة ثلاث مدارس حكومية وأخرى محلية ومدارس دينية عديدة، ومساجد تحتوي على قبور العلماء. سور المدينة العظيم بُني عام ١٢٣٢هـ/١٨١٦م بأمر محمد حسين خان علاف وزير فتح علي شاه القاجاري، وله أربعة أبواب». في سنة ١٩٤٥م/١٣٦٩هـ، قررت بلدية النجف إحداث تغيير جذري فشقت شارعًا حول الصحن العلوي، وهُدمت أسواق قديمة لتحل محلها مباني حديثة. ظهرت شوارع مثل شارع الرسول مقابل باب القبلة، وشارع الطوسي، وشارع الإمام الصادق، وشارع زين العابدين. أُنشئت أكبر أسواق النجف (بطول ٥٠٠ متر) مع فروع متعددة. لكل حي سوقه الخاص، لكن لا توجد أسواق متخصصة بسلعة واحدة. أصبحت النجف - باستثناء بعض أحيائها - مدينة حديثة نابضة بالحضارة. حتى عام ١٩٧٤م/١٣٩٤هـ، أُنشئت أحياء متكاملة الخدمات، ذات شوارع واسعة وحدائق ومدارس ومباني حكومية. اشتهرت النجف بحوزتها العلمية العريقة، التي كانت الأبرز عالميًا قبل صعود مدينة قم، ولا تزال تضم علماء كبارًا. ارتبطت مكانة الحوزة العلمية في النجف بوجود مرقد الإمام علي (ع)، حيث كانت ملاذًا للعلماء المسلمين عبر العصور. سابقًا، كان الطلاب يتوجهون إلى النجف لإكمال دراستهم الدينية على يد علماء كبار - كثيرون منهم إيرانيون - لكن اليوم انتقل هذا الدور إلى حوزة قم [١٠].

الجغرافيا

النجف إحدى المدن العراقية المقدسة، تقع في محافظة تحمل نفس الاسم، وتُعتبر قبلة آمال محبي أهل البيت (ع) لوجود مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، أول أئمة الشيعة. يبلغ عدد سكان المدينة 563,000 نسمة، وتقع على بُعد 77 كيلومترًا جنوب شرق كربلاء و10 كيلومترات جنوب الكوفة. يُشير وجود مدينة الحيرة الأثرية المجاورة لها، والتي تمتعت بحضارة مزدهرة في تاريخ العراق، إلى عراقة المنطقة. يحدّها من الشمال "وادي السلام"، ومن الغرب "البحر الجاف لمدينة النجف"، وصحراء متصلة ببادية الشام تمتد حتى السعودية والأردن وسوريا [١١].

سبب التسمية

سُميت "النجف" لارتفاعها عن الأراضي المجاورة، ولشكلها المستطيل أو الدائري الذي لا تجتمع عليه المياه. وذكر ياقوت الحموي أنها ساحل بحر مالح كان متصلًا بالحيرة قديمًا. يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 70 مترًا. وقيل في تسميتها: إنها كانت مكانًا مرتفعًا زمن طوفان نوح (ع)، ثم تشكلت فيها بحيرة واسعة عُرفت بـ"النِّي"، وبعد جفافها سُميت "نِي جَفّ" [١٢].

أسماء أخرى

عُرفت المنطقة بأسماء عديدة مثل "الغري" أو "غرّيان" (من الجذر "غَرِي" بمعنى الجمال)، و"حد العذراء"، و"حوار"، و"جودي"، و"وادي السلام"، و"ظهر"، و"ربوة"، و"بانقيا"، و"مشهد". يُطلق على سكانها "غرويّون"، نسبةً إلى "الغري" [١٣].

الموقع الجغرافي

تقع النجف على حَدّ فاصل بين المدينة والصحراء، حيث تحيط بها رمال ترفع درجات الحرارة أحيانًا إلى 50°م. عانت المدينة تاريخيًا من ندرة المياه، رغم أن آبارها كانت تُروي 20 ألف نخلة في القرن السابع الهجري [١٤]. وصفها ابن جبير بأنها "أرض صلبة واسعة تُنعِش البصر بجمالها". اليوم، تتألف النجف -مثل كربلاء- من قسمين: المدينة الحديثة والقديمة.

التحليل اللغوي

يرى الدكتور مصطفى جواد أن اسم "النجف" (الذي يعني في اللغة: التلّ أو المرتفع) يُشير إلى طبيعتها كسَدّ طبيعي يصدّ المياه عن محيطها دون أن تغمرها موسوعة العتبات المقدسه، [١٥].

النجف من الناحية السياسية

لعبت فئتان رئيسيتان دورًا محوريًا في النجف: عامة الناس المُسلحين القادرين على المقاومة، والعلماء الذين تولّوا قيادة الحراك وتوجيهه. ولا يُمكن تجاهل صلات المدينة بالقبائل المحيطة، النابعة من روابط روحية وعقائدية. كما تمتع شباب النجف الواعي بثقافته بقدرة كبيرة على إيقاظ روح التحدي والعزة لدى الناس. بمراجعة السنوات المحيطة بالحرب العالمية الأولى، يبرز دور العلاقة الوثيقة بين المرجعية الدينية والجماهير في إبقاء الحركات المناهضة للاحتلال حية. فلم تعرف النجف السكينة خلال تلك الفترة، بل شهدت نشاطًا متواصلًا على جميع الأصعدة. كانت النجف من أوائل المدن العراقية التي انتشرت فيها المطابع، وتفاعلت مع الحركات التحررية في إيران وتركيا عبر إصدار المنشورات وتبني المواقف، مثل إعلان الجهاد ضد روسيا المحتلة لشمال إيران، والوقوف إلى جانب ليبيا ضد إيطاليا، مما يعكس وعي أبنائها ورفضهم للهيمنة الأجنبية [١٦]. مهدت هذه الخلفية لاندلاع أحد أكبر الحركات الشعبية تأثيرًا في النجف: ثورة ١٩١٨م/١٣٣٧هـ ضد الاحتلال البريطاني. بعد سقوط بغداد، سعت بريطانيا لبسط نفوذها على كامل العراق. حاول المحتلون إخضاع النجف عبر شراء الذمم وإغراء الزعماء بالقروض المالية، لكن المواجهة اندلعت عندما دخلت قواتهم الهندية المدينة، ورد المدافعون بإسقاط طائرة بريطانية، ما دفع البريطانيين إلى فرض الحصار . بتاريخ ١٩ آذار ١٩١٨م/٦ جمادى الثانية ١٣٣٦هـ، اغتالت "جمعية النهضة الإسلامية" الكابتن مارشال واثنين من جنوده، وهاجمت دار الحكم القديم وأحرقتها. لكن غياب دعم القبائل المجاورة سمح للجنرال ساندرز بإحكام الحصار، مما أجبر الثوار على الاستسلام بعد شروط قاسية شملت إعدام ١١ شخصًا ونفي ١٢٣ آخرين إلى الهند [١٧]. لم يكن فشل الثورة نهاية المطاف، بل شكّل بداية حراك متجدد. تصدّرت النجف المشهد مجددًا خلال انتفاضة ١٩٢٠م/١٣٣٩هـ ضد الاحتلال، بعد اعتقال شيخ شعلان أبو جون. أصدر آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي فتوى تاريخية تحث على المطالبة بالحقوق ثم الدفاع المسلح، مما حشد الجماهير وأربك البريطانيين [١٨]. واصلت النجف دورها الرافض للهيمنة عبر مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي ١٩٢٢م، بإصدار فتوى تحرّم المشاركة وتُخرج الناخبين من «دائرة الإسلام». كما لعبت دورًا محوريًا في إسقاط الاتفاقيات الجائرة مثل معاهدة ١٩٣٠م/١٣٤٩هـ، ودعمت الثورات المتتالية حتى انتصار ثورة ١٩٥٨م/١٣٨٧هـ التي أنهت الحكم الملكي المدعوم بريطانيًا [١٩].

ظلت النجف -برمزيتها الدينية ووعي شعبها- حصنًا للتحرر ودعم الحركات المناهضة للاستعمار في العراق والعالم العربي، مؤكدةً مكانتها كقلعة للمقاومة ورمزًا للكرامة[٣٧].

  1. ماضی النجف و حاضرها، ص١۶
  2. تخطیط مدینة الکوفه، ص٣٢
  3. فرحةالغری، سید بن طاووس، ص١٢٢
  4. الدیارات، ص٢٣٠
  5. دلیل النجف الاشرف، ص٢٣
  6. رحلة ابن جبیر، ص١۶٣ و ١۶۴
  7. مباحث عراقیة، القسم الثانی، ص٣٣۵
  8. العراق فی القرآن السابع عشر، ص٢۴ و ٢۵
  9. مشاهدات نیبور فی رحلته من البصرة الی الحلة سنة١٧۶۵م، ص٧٧-٧٩
  10. فی بلاد الرافدین، صور و خواطر، لیدی درور، ص٧١-٧٣
  11. یاقوت حموی، معجم البلدان، 5/271؛
  12. ابن بابویه، علل الشرایع، 22
  13. شیخ باقر آل محبوبه، ماضی النجف وحاضرها، بیروت دارالاضواء، 1406 ق، 1/8
  14. یاقوت حموی، معجم البلدان، 5/271.
  15. جعفر الخلیلی، مقاله دکتر مصطفی جواد، ص9
  16. فصول من تاریخ العراق القریب، جعفر خیاط، ص١٢٧
  17. ثورة النجف، عبدالرزاق الحسنی، ص٢۴-٣۴
  18. الحرکة الوطنیة فی العراق ١٩٢١-١٩٣٣
  19. احرار العراق، انتفاضة العراق الاخیرة، ص۵٢-۵۵