الفرق بين المراجعتين لصفحة: «البانتشاسيلا»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
(٥ مراجعات متوسطة بواسطة نفس المستخدم غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''البانتشاسيلا''': مذهب وتيّار فكري معاصر ترك تأثيره في [[العالم الإسلامي]]. وتتناول هذه المقالة بالبحث والتمحيص هذا التيّار من حيث: تعريفه، وتأسيسه، وأفكاره ومعتقداته، وشخصيّاته. | |||
=تمهيد= | |||
[[المذاهب]] جمع مذهب، وهو: ما يذهب إليه الشخص ويعتقده صواباً ويدين به، سواء أكان ما يذهب إليه صواباً في نفس الأمر أم كان خطأً.. ومعنى هذا أنّ المذاهب تختلف باختلاف مصادرها وباختلاف مفاهيم الناس لها من دينية وغير دينية وما يتبع ذلك من اختلاف في فنونها من فقهية أو لغوية أو رياضية أو علوم عقلية تجريبية أو فلسفات أو غير ذلك. | |||
ويجب معرفة أنّه لا يخلو إنسان أو مجتمع من مذهب يسير بموجبه مهما اختلفت الحضارة أو العقلية للشخص أو المجتمع تمشياً مع سنّة الحياة ومع ما جبل عليه الإنسان الذي ميّزه الله عن بقية الحيوانات بالعقل والتفكير وحبّ التنظيم والسيطرة على ما حوله وابتكار المناهج التي يسير عليها إلى آخر الغرائز التي امتاز بها الإنسان العاقل المفكّر عن غيره من سكّان هذه المعمورة. | |||
وقيل لها: مذاهب فكرية، نسبةً إلى الفكر الذي تميّز به الإنسان عن بقية المخلوقات التي تشاركه الوجود في الأرض، ويعرّف بأّنه صنعة العقل الإنساني ومسرح نشاطه الذهني وعطاؤه الفكري فيما يعرض له من قضايا الوجود والحياة، سواء أكان صواباً أم خطأً. | |||
وقد نسبت المذاهب إلى الفكر؛ لأنّها جاءت من ذلك المصدر (وهو الفكر)، أي: أنّها لم تستند في وجودها على الوحي الإلهي أصلاً أو استعانت به وبما توصّل إليه الفكر من نتائج جاءته إمّا عن طريق الوحي أو التجارب أو أقوال من سبق أو أفعالهم، وقد تكون تلك النتائج صحيحة وقد تكون خاطئة في نفس الأمر. | |||
وأمّا بالنسبة إلى استنادها إلى الوحي فقد لا يكون ذلك، بل ربّما كانت تلك الأفكار محاربة له فتنسب إلى مؤسّسيها، فيقال: الفكر الماركسي أو الفكر الفلسفي اليوناني أو غير ذلك من الأفكار التي تنسب إمّاإلى شخصيات مؤسّسيها أو إلى بلدانهم أو إلى اتّجاهاتهم وغير ذلك. | |||
ومن هنا يتّضح أنّه إذا أطلق لفظ الفكر فإنّ المراد به هو ما يصدر عن العقل من شتّى المفاهيم والمبتكرات الدينية أو الدنيوية. | |||
أن البانتشاسيلا هي خمسة مبادئ أعلنت غداة استقلال إندونيسيا المسلمة ليسير الشعب على | ومن هنا سمّيت مذاهب فكرية نسبةً إلى المذهب الذي تنسب إليه كلّ طائفة ونسبةً كذلك إلى أفكارها التي تعتنقها مبتكرة لها أو مقلّدة. | ||
=التعريف= | |||
البانتشاسيلا (أو المبادئ الخمسة المتلاحمة) هي: خمسة مبادئ رئيسة أعلنت غداة الاستقلال سنة 1945م ووضعت في دستور دولة [[إندونيسيا]] المسلمة، ليسير على هديها الشعب الإندونيسي المسلم، بديلاً عن العقيدة الإسلامية. | |||
=التأسيس وأبرز الشخصيات= | |||
في سنة 1945م عقدت لجنة الإعداد للاستقلال في إندونيسيا، لوضع أسس للدولة المقبلة، واحتدم الخلاف بين القوى الإسلامية والوطنية ـ كما يقال عنهم ـ حول أساس الدولة، هل هو [[الإسلام]] أو اللّادينية؟ | |||
في أثناء ذلك وضع ([[سوكارنو]])ـ وهو أوّل رئيس لإندونيسيا بعد الاستقلال- المبادئ الخمسة (البانتشاسيلا) لتكون أساس وفلسفة الدولة. وأنجزت اللجنة التساعية التي ضمّت الزعماء الإسلاميّين والزعماء الوطنيّين مهمّتها في وضع ميثاق [[جاكرتا]]، وتمّ التوقيع عليه في 22 يونيو 1945م. وهذا الميثاق أصبح مقدّمة لدستور سنة 1945م بعد إلغاء جملة: "مع وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية على معتنقيها". ويقال: إنّ سبب إلغاء هذه الجملة هو صدور إنذار من [[النصارى]] ـ وهم قلّة قليلة في إندونيسيا ـ بعدم المشاركة في النضال لنيل الاستقلال إذا لم تحذف هذه العبارة. | |||
وهكذا ضاع أمل الإسلاميّين في إنشاء دولة إسلامية في إندونيسيا نتيجة فكر الدول الأوربية وتلاميذها من القادة العلمانيّين. | |||
وكان سوكارنو ـ واضع المبادئ الخمسة ـ يحكم إندونيسيا مثل باقي العسكريّين الذين استولوا على السلطة في دول [[العالم الثالث]] بالحديد والنار. | |||
وعرف سوكارنو ببعده عن الإسلام طوال فترة حكمه، وقد لقيت الدعوة الإسلامية في إندونيسيا أشدّ العنت إبّان حكمه. | |||
الرئيس ([[سوهارتو]]) الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري وأقصى سوكارنو عن الحكم سار على نهجه في صبغ إندونيسيا المسلمة بالصبغة العلمانية، وأطلق يد كلّ أعداء الإسلام للعمل في البلاد وفتح أبواب إندونيسيا للتنصير ونشر الفساد والتحلل الأخلاقي في البلاد،ى على ما قيل. | |||
=الأفكار والمعتقدات= | |||
تقوم البانتشاسيلا على خمسة مبادئ هي: | |||
1.الإيمان بالله الواحد الأحد (الربّانية المتفرّدة). | |||
2.القومية، وتنادي (بالوحدة الإندونيسية). | |||
3.الديمقراطية، أو (الشعبية الموجّهة بالحكمة في الشورى النيابية). | |||
4.الإنسانية العادلة المهذّبة. | |||
5.العدالة الاجتماعية. | |||
على أساس أنّ هذه المبادئ هي نقاط التفاهم بين جميع [[الطوائف]] في إندونيسيا. | |||
هذه المبادئ الخمسة بقيت مبادئ نظرية محضة، أو شعارات مرفوعة ـ وذلك كما هو الحال في الحكومات العسكرية في العالم الإسلامي ـ تخفي وراءها [[العلمانية]] التي تسعى إلى سلخ الشعب المسلم في إندونيسيا عن الإسلام شيئاً فشيئاً. | |||
لا يقصد بـ (الإيمان بالله) (المبدأ الأوّل من المبادئ الخمسة) الإيمان القائم على العقيدة الصحيحة والوحي الإلهي المجرّد من كلّ المؤثّرات، وفكرة الله عند سوكارنو (المنظِّر لهذه المبادئ): (أنّ الإنسان الذي لايزال يعيش على الزراعة يشعر بحاجة إلى الله، وإذا بلغ مرحلة الصناعة لم يعد يرى ثمّة ضرورة لوجود الله). إذاً المقصود بوجود هذا المبدأ (الإيمان بالله) هو الخداع والتمويه على الحقيقة اللّادينية للبانتشاسيلا. | |||
العلمانية و[[التغريب]] هما خلفية البانتشاسيلا، ومن هذا الباب دخلت الصليبية و[[الجمعيات التنصيرية]] من كلّ طائفة وملّة إلى إندونيسيا بتسهيلات من الحكومة الإندونيسية و[[الأمم المتّحدة]] باسم: رعاية الأمومة والطفولة ومكافحة الأمراض وفتح المستشفيات... الخ. وبلغ عدد الذين تركوا الإسلام واعتنقوا [[الكاثوليكية]] في إندونيسيا 20 ميلوناً ضمن سكّان الدولة المسلمة التي كانت مسلمة مائة بالمائة. | |||
الرابطة القومية هي التي تربط أفراد الشعب الإندونيسي بعضهم ببعض.. وهذه الرابطة صدى للدعوات القومية التي ظهرت في أوروبّا، وتسعى الآن للتخلّص منها وإحياء الانتماء لديهم للنصرانية و[[اليهودية]].. وهدف القومية الإندونيسية إبعاد العقيدة الإسلامية عن عوامل وحدة الشعب الإندونيسي، وبالتالي إبعاد الشعب عنها شيئاً فشيئاً. | |||
الإنسانية فكرة أصبحت مبدأً من المبادئ الخمسة، تخفي وراءها الدعوة اللّادينية والحقد على الإسلام؛ باعتبار أنّ الشعب الإندونيسي ليس كلّه مسلماً، وأنّ الذي يجمعهم هو الإنسانية. | |||
العدالة الاجتماعية مقولة جميع الحكّام العسكريّين في دول العالم الثالث، ولكن بدون ممارسة حقيقية، أو وجود واقعي.. وإلّا فلماذا انتشر الفساد واللصوصية والرشوة والمحسوبية بين المسؤولين في إندونيسيا وفي سواها ممّن نهج نهجها؟ | |||
انطلاقاً من التزام الحكومة بالبانتشاسيلا باعتبارها الأساس الوحيد المعترف به للسياسة العامّة للدولة فقد صدرت القوانين التي اعتبرت أيّة دعوة لتطبيق الدين الإسلامي دعوة تخريبية تهدّد أساس استقرار المجتمع. كما حاولت الحكومة عام 1973م منع المسلمين من التحاكم لقوانين الشريعة الإسلامية المتعلّقة بالزواج والطلاق والأحوال الشخصية، إلّا أنّ تلك المحاولة أسقطتها المظاهرة التاريخية الكبرى التي قام بها الشباب المسلم آنذاك. كما اتّجهت الحكومة لمنع حجاب الشابّات المسلمات، وألحقت جهاز (بوليس) بكلّ مصلحة حكومية لتتولّى مسؤولية مراقبة وملاحقة أنشطة الدعوة الإسلامية. | |||
وعلى أساس البانتشاسيلا اعترفت الحكومة بالنصرانية، وتمثّل 5 % والأديان الوثنية ([[البوذية]] 2 % و[[الهندوكية]] 2 % وباقي [[الوثنية]] 2 %) على الرغم من أن الإسلام يمثّل 88 % من عدد السكّان البالغ 160 مليون نسمة. | |||
وتعامل الحكومة ـ وانطلاقاً من البانتشاسيلا ـ الأديان معاملة متساوية، لذلك أتاحت للهيئات التبشيرية كامل الحرّية في نشر الديانة النصرانية بين المسلمين، وكذلك تقدّم الحكومة برامج متساوية على شاشة التلفاز لنشر تعاليم كلّ الأديان! ونظراً لأعمال البانتشاسيلا فإنّ عدد الكنائس والمعابد البوذية والهندوكية أصبحت مقاربة لعدد مساجد المسلمين. | |||
أدخلت الحكومة مبادئ البانتشاسيلا كمادّة أساسية في مجال التربية والتعليم في جميع المراحل التعليمية، وأعدّت دورات تدريبية لجميع موظّفي الحكومة والقطاع الخاص ّلدراسة مبادئها زعماً بأنّ البانتشاسيلا ليست ضدّ الإسلام والمسلمين، وإنّما تعني حرّية الأديان في [[التعايش السلمي]]. | |||
وممّا تجدر ملاحظته ما قيل من: أنّ الرئيس سوكارنو قد اقتبس مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإنسانية من الزعيم الوطني "سون يات سن"، وأضاف إليها مبدئي الألوهية ووحدة إندونيسيا. | |||
وهكذا انطلقت الجمعيات التنصيرية لتنصير المسلمين في إندونيسيا حتّى أصبح المُنَصَّرُون من المسلمين الإندونيسيين يتعدّون عشرين مليوناً انطلاقاً من البانتشاسيلا التي باركها الغرب. | |||
=الخلاصة= | |||
إنّ البانتشاسيلا هي خمسة مبادئ أعلنت غداة استقلال إندونيسيا المسلمة ليسير الشعب على هديها، وهي: الإيمان بالله الواحد الأحد والقومية والديمقراطية والإنسانية والعدالة الاجتماعية. وفي ظلّ هذه الشعارات النظرية عربدت العلمانية في إندونيسيا. ففي بيان المبدأ الأوّل قال سوكارنو منظِّر هذه المبادئ: "إنّ المزارع يشعر بحاجته إلى الله، أمّا الصانع فلا يرى ضرورة لوجوده"! وفي ظلّ هذه المبادئ تمّ تنصير الملايين من المسلمين في إندونيسيا، ومنعت الحكومة الحجاب ولاحقت الدعاة إلى الله. | |||
=مراجع للتوسّع= | |||
1.اختاروا إحدى السبيلين: الدين أو اللّادينية، للدكتور محمّد ناصر رئيس وزراء إندونيسيا السابق/ الدار السعودية للنشر/ ط 2، 1403هـ/ 1983م. | |||
2.صفحات من تاريخ إندونيسيا المعاصرة، لمحمّد أسد شهاب. | |||
3.مجلّة "الاعتصام" القاهرية/ عدد ربيع الآخر 1410هـ ـ نوفمبر 1989م. | |||
4.مجلّة "الدبلوماسي"/ العدد الثامن/ ذو القعدة 1407هـ ـ يوليو 1987م/ مقال: "البانتشاسيلا أساس الدولة في الجمهورية الإندونيسية". | |||
=المصدر= | |||
المقالة مقتبسة مع تعديلات من الموقع التالي: | |||
www.dorar.net | |||
[[تصنيف: مذاهب وتيّارات فكرية معاصرة]] | |||
[[تصنيف: العالم الإسلامي]] | |||
[[تصنيف: النظريات النقدية]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ٠٧:٤٣، ٢٧ أكتوبر ٢٠٢١
البانتشاسيلا: مذهب وتيّار فكري معاصر ترك تأثيره في العالم الإسلامي. وتتناول هذه المقالة بالبحث والتمحيص هذا التيّار من حيث: تعريفه، وتأسيسه، وأفكاره ومعتقداته، وشخصيّاته.
تمهيد
المذاهب جمع مذهب، وهو: ما يذهب إليه الشخص ويعتقده صواباً ويدين به، سواء أكان ما يذهب إليه صواباً في نفس الأمر أم كان خطأً.. ومعنى هذا أنّ المذاهب تختلف باختلاف مصادرها وباختلاف مفاهيم الناس لها من دينية وغير دينية وما يتبع ذلك من اختلاف في فنونها من فقهية أو لغوية أو رياضية أو علوم عقلية تجريبية أو فلسفات أو غير ذلك.
ويجب معرفة أنّه لا يخلو إنسان أو مجتمع من مذهب يسير بموجبه مهما اختلفت الحضارة أو العقلية للشخص أو المجتمع تمشياً مع سنّة الحياة ومع ما جبل عليه الإنسان الذي ميّزه الله عن بقية الحيوانات بالعقل والتفكير وحبّ التنظيم والسيطرة على ما حوله وابتكار المناهج التي يسير عليها إلى آخر الغرائز التي امتاز بها الإنسان العاقل المفكّر عن غيره من سكّان هذه المعمورة.
وقيل لها: مذاهب فكرية، نسبةً إلى الفكر الذي تميّز به الإنسان عن بقية المخلوقات التي تشاركه الوجود في الأرض، ويعرّف بأّنه صنعة العقل الإنساني ومسرح نشاطه الذهني وعطاؤه الفكري فيما يعرض له من قضايا الوجود والحياة، سواء أكان صواباً أم خطأً.
وقد نسبت المذاهب إلى الفكر؛ لأنّها جاءت من ذلك المصدر (وهو الفكر)، أي: أنّها لم تستند في وجودها على الوحي الإلهي أصلاً أو استعانت به وبما توصّل إليه الفكر من نتائج جاءته إمّا عن طريق الوحي أو التجارب أو أقوال من سبق أو أفعالهم، وقد تكون تلك النتائج صحيحة وقد تكون خاطئة في نفس الأمر. وأمّا بالنسبة إلى استنادها إلى الوحي فقد لا يكون ذلك، بل ربّما كانت تلك الأفكار محاربة له فتنسب إلى مؤسّسيها، فيقال: الفكر الماركسي أو الفكر الفلسفي اليوناني أو غير ذلك من الأفكار التي تنسب إمّاإلى شخصيات مؤسّسيها أو إلى بلدانهم أو إلى اتّجاهاتهم وغير ذلك.
ومن هنا يتّضح أنّه إذا أطلق لفظ الفكر فإنّ المراد به هو ما يصدر عن العقل من شتّى المفاهيم والمبتكرات الدينية أو الدنيوية.
ومن هنا سمّيت مذاهب فكرية نسبةً إلى المذهب الذي تنسب إليه كلّ طائفة ونسبةً كذلك إلى أفكارها التي تعتنقها مبتكرة لها أو مقلّدة.
التعريف
البانتشاسيلا (أو المبادئ الخمسة المتلاحمة) هي: خمسة مبادئ رئيسة أعلنت غداة الاستقلال سنة 1945م ووضعت في دستور دولة إندونيسيا المسلمة، ليسير على هديها الشعب الإندونيسي المسلم، بديلاً عن العقيدة الإسلامية.
التأسيس وأبرز الشخصيات
في سنة 1945م عقدت لجنة الإعداد للاستقلال في إندونيسيا، لوضع أسس للدولة المقبلة، واحتدم الخلاف بين القوى الإسلامية والوطنية ـ كما يقال عنهم ـ حول أساس الدولة، هل هو الإسلام أو اللّادينية؟ في أثناء ذلك وضع (سوكارنو)ـ وهو أوّل رئيس لإندونيسيا بعد الاستقلال- المبادئ الخمسة (البانتشاسيلا) لتكون أساس وفلسفة الدولة. وأنجزت اللجنة التساعية التي ضمّت الزعماء الإسلاميّين والزعماء الوطنيّين مهمّتها في وضع ميثاق جاكرتا، وتمّ التوقيع عليه في 22 يونيو 1945م. وهذا الميثاق أصبح مقدّمة لدستور سنة 1945م بعد إلغاء جملة: "مع وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية على معتنقيها". ويقال: إنّ سبب إلغاء هذه الجملة هو صدور إنذار من النصارى ـ وهم قلّة قليلة في إندونيسيا ـ بعدم المشاركة في النضال لنيل الاستقلال إذا لم تحذف هذه العبارة. وهكذا ضاع أمل الإسلاميّين في إنشاء دولة إسلامية في إندونيسيا نتيجة فكر الدول الأوربية وتلاميذها من القادة العلمانيّين.
وكان سوكارنو ـ واضع المبادئ الخمسة ـ يحكم إندونيسيا مثل باقي العسكريّين الذين استولوا على السلطة في دول العالم الثالث بالحديد والنار. وعرف سوكارنو ببعده عن الإسلام طوال فترة حكمه، وقد لقيت الدعوة الإسلامية في إندونيسيا أشدّ العنت إبّان حكمه.
الرئيس (سوهارتو) الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري وأقصى سوكارنو عن الحكم سار على نهجه في صبغ إندونيسيا المسلمة بالصبغة العلمانية، وأطلق يد كلّ أعداء الإسلام للعمل في البلاد وفتح أبواب إندونيسيا للتنصير ونشر الفساد والتحلل الأخلاقي في البلاد،ى على ما قيل.
الأفكار والمعتقدات
تقوم البانتشاسيلا على خمسة مبادئ هي:
1.الإيمان بالله الواحد الأحد (الربّانية المتفرّدة).
2.القومية، وتنادي (بالوحدة الإندونيسية).
3.الديمقراطية، أو (الشعبية الموجّهة بالحكمة في الشورى النيابية).
4.الإنسانية العادلة المهذّبة.
5.العدالة الاجتماعية.
على أساس أنّ هذه المبادئ هي نقاط التفاهم بين جميع الطوائف في إندونيسيا.
هذه المبادئ الخمسة بقيت مبادئ نظرية محضة، أو شعارات مرفوعة ـ وذلك كما هو الحال في الحكومات العسكرية في العالم الإسلامي ـ تخفي وراءها العلمانية التي تسعى إلى سلخ الشعب المسلم في إندونيسيا عن الإسلام شيئاً فشيئاً.
لا يقصد بـ (الإيمان بالله) (المبدأ الأوّل من المبادئ الخمسة) الإيمان القائم على العقيدة الصحيحة والوحي الإلهي المجرّد من كلّ المؤثّرات، وفكرة الله عند سوكارنو (المنظِّر لهذه المبادئ): (أنّ الإنسان الذي لايزال يعيش على الزراعة يشعر بحاجة إلى الله، وإذا بلغ مرحلة الصناعة لم يعد يرى ثمّة ضرورة لوجود الله). إذاً المقصود بوجود هذا المبدأ (الإيمان بالله) هو الخداع والتمويه على الحقيقة اللّادينية للبانتشاسيلا.
العلمانية والتغريب هما خلفية البانتشاسيلا، ومن هذا الباب دخلت الصليبية والجمعيات التنصيرية من كلّ طائفة وملّة إلى إندونيسيا بتسهيلات من الحكومة الإندونيسية والأمم المتّحدة باسم: رعاية الأمومة والطفولة ومكافحة الأمراض وفتح المستشفيات... الخ. وبلغ عدد الذين تركوا الإسلام واعتنقوا الكاثوليكية في إندونيسيا 20 ميلوناً ضمن سكّان الدولة المسلمة التي كانت مسلمة مائة بالمائة.
الرابطة القومية هي التي تربط أفراد الشعب الإندونيسي بعضهم ببعض.. وهذه الرابطة صدى للدعوات القومية التي ظهرت في أوروبّا، وتسعى الآن للتخلّص منها وإحياء الانتماء لديهم للنصرانية واليهودية.. وهدف القومية الإندونيسية إبعاد العقيدة الإسلامية عن عوامل وحدة الشعب الإندونيسي، وبالتالي إبعاد الشعب عنها شيئاً فشيئاً.
الإنسانية فكرة أصبحت مبدأً من المبادئ الخمسة، تخفي وراءها الدعوة اللّادينية والحقد على الإسلام؛ باعتبار أنّ الشعب الإندونيسي ليس كلّه مسلماً، وأنّ الذي يجمعهم هو الإنسانية.
العدالة الاجتماعية مقولة جميع الحكّام العسكريّين في دول العالم الثالث، ولكن بدون ممارسة حقيقية، أو وجود واقعي.. وإلّا فلماذا انتشر الفساد واللصوصية والرشوة والمحسوبية بين المسؤولين في إندونيسيا وفي سواها ممّن نهج نهجها؟
انطلاقاً من التزام الحكومة بالبانتشاسيلا باعتبارها الأساس الوحيد المعترف به للسياسة العامّة للدولة فقد صدرت القوانين التي اعتبرت أيّة دعوة لتطبيق الدين الإسلامي دعوة تخريبية تهدّد أساس استقرار المجتمع. كما حاولت الحكومة عام 1973م منع المسلمين من التحاكم لقوانين الشريعة الإسلامية المتعلّقة بالزواج والطلاق والأحوال الشخصية، إلّا أنّ تلك المحاولة أسقطتها المظاهرة التاريخية الكبرى التي قام بها الشباب المسلم آنذاك. كما اتّجهت الحكومة لمنع حجاب الشابّات المسلمات، وألحقت جهاز (بوليس) بكلّ مصلحة حكومية لتتولّى مسؤولية مراقبة وملاحقة أنشطة الدعوة الإسلامية.
وعلى أساس البانتشاسيلا اعترفت الحكومة بالنصرانية، وتمثّل 5 % والأديان الوثنية (البوذية 2 % والهندوكية 2 % وباقي الوثنية 2 %) على الرغم من أن الإسلام يمثّل 88 % من عدد السكّان البالغ 160 مليون نسمة.
وتعامل الحكومة ـ وانطلاقاً من البانتشاسيلا ـ الأديان معاملة متساوية، لذلك أتاحت للهيئات التبشيرية كامل الحرّية في نشر الديانة النصرانية بين المسلمين، وكذلك تقدّم الحكومة برامج متساوية على شاشة التلفاز لنشر تعاليم كلّ الأديان! ونظراً لأعمال البانتشاسيلا فإنّ عدد الكنائس والمعابد البوذية والهندوكية أصبحت مقاربة لعدد مساجد المسلمين.
أدخلت الحكومة مبادئ البانتشاسيلا كمادّة أساسية في مجال التربية والتعليم في جميع المراحل التعليمية، وأعدّت دورات تدريبية لجميع موظّفي الحكومة والقطاع الخاص ّلدراسة مبادئها زعماً بأنّ البانتشاسيلا ليست ضدّ الإسلام والمسلمين، وإنّما تعني حرّية الأديان في التعايش السلمي.
وممّا تجدر ملاحظته ما قيل من: أنّ الرئيس سوكارنو قد اقتبس مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإنسانية من الزعيم الوطني "سون يات سن"، وأضاف إليها مبدئي الألوهية ووحدة إندونيسيا.
وهكذا انطلقت الجمعيات التنصيرية لتنصير المسلمين في إندونيسيا حتّى أصبح المُنَصَّرُون من المسلمين الإندونيسيين يتعدّون عشرين مليوناً انطلاقاً من البانتشاسيلا التي باركها الغرب.
الخلاصة
إنّ البانتشاسيلا هي خمسة مبادئ أعلنت غداة استقلال إندونيسيا المسلمة ليسير الشعب على هديها، وهي: الإيمان بالله الواحد الأحد والقومية والديمقراطية والإنسانية والعدالة الاجتماعية. وفي ظلّ هذه الشعارات النظرية عربدت العلمانية في إندونيسيا. ففي بيان المبدأ الأوّل قال سوكارنو منظِّر هذه المبادئ: "إنّ المزارع يشعر بحاجته إلى الله، أمّا الصانع فلا يرى ضرورة لوجوده"! وفي ظلّ هذه المبادئ تمّ تنصير الملايين من المسلمين في إندونيسيا، ومنعت الحكومة الحجاب ولاحقت الدعاة إلى الله.
مراجع للتوسّع
1.اختاروا إحدى السبيلين: الدين أو اللّادينية، للدكتور محمّد ناصر رئيس وزراء إندونيسيا السابق/ الدار السعودية للنشر/ ط 2، 1403هـ/ 1983م.
2.صفحات من تاريخ إندونيسيا المعاصرة، لمحمّد أسد شهاب.
3.مجلّة "الاعتصام" القاهرية/ عدد ربيع الآخر 1410هـ ـ نوفمبر 1989م.
4.مجلّة "الدبلوماسي"/ العدد الثامن/ ذو القعدة 1407هـ ـ يوليو 1987م/ مقال: "البانتشاسيلا أساس الدولة في الجمهورية الإندونيسية".
المصدر
المقالة مقتبسة مع تعديلات من الموقع التالي:
www.dorar.net