الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

من ویکي‌وحدت

الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع: المراد من الملازمة هو أنه کل ما حکم به العقل يجب أن يحکم به الشرع. ذهب إلى هذه الملازمة المعتزلة و الشيعة ونفى هذه الملازمة الأشاعرة و أهل السنّة و الأخباريون من الشيعة.

الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

من البحوث المترتّبة على ثبوت التحسين والتقبيح العقليين هو البحث في الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، أي إذا حكم العقل بحسن أمر ما فهل يأمر الشرع بذلك الأمر؟ وإذا حكم العقل بقبح أمر ما فهل ينهى الشرع عن ذلك الأمر؟ [١]
ذهب إلى هذه الملازمة المعتزلة و الشيعة ونفى هذه الملازمة الأشاعرة، و أهل السنّة، و الأخباريون من الشيعة [٢]. وخالف صاحب (الفصول الغروية) أصوليي الشيعة [٣].
وبرّر الشيخ المظفر ذهاب الأخباريين وصاحب (الفصول) إلى عدم القول بالملازمة بأنّ نظرهم كان منصبّا على غير المستقلاّت العقلية، من قبيل: القول بـ القياس و الاستحسان وما شابه، ولا يقصدون المستقلاّت العقلية التي تطابقت عليها آراء العقلاء [٤].

أدلّة القائلين بالملازمة

تناول الشيخ السبحاني هذه الملازمة من خلال تقسيمه أحكام العقل إلى قسمين، ومن خلال ذلك حدّد محلّ النزاع:
الأوّل: إدراكه لمثل مدح المحسن وذمّ المسيء، وإدراكه كذلك بأنّ حكم العقل هنا يستلزم حكم الشرع كذلك.
الثاني: إدراكه وجود مصلحة في الفعل ومفسدة فيه، وفي هذه الحالة لا يرى ملازمة بين ما يدركه وبين حكم الشارع؛ لأنّ العقل عاجز عن الإدراك والإحاطة بالمصالح والمفاسد. وهذه طبيعة مدركات العقل [٥].
وفي سياق الاستدلال على هذه الملازمة يذهب السيد الخويي إلى أنّ حكم العقل يتصوّر على ثلاثة أقسام:
الأوّل: أن يدرك العقل وجود مصلحة أو مفسدة فى فعل من الأفعال فيحكم بالوجوب أو الحرمة، لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد عند أكثر الإمامية و المعتزلة.
الثاني: أن يدرك العقل الحسن والقبح كإدراكه حسن الطاعة وقبح المعصية، فيحكم بثبوت الحكم الشرعي في مورده؛ لقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
الثالث: أن يدرك العقل أمرا واقعيا مع قطع النظر عن ثبوت شرع وشريعة، نظير إدراكه استحالة اجتماع النقيضين أو الضدين، وهو العقل النظري.
بالنسبة إلى الأوّل فلا يمكن إدراك حكم، إذ لا يحيط العقل بجميع جهات المصالح والمفاسد فإنّ «دين اللّه‏ لا يصاب بالعقول» [٦].
وبالنسبة إلى الثاني فهو ممّا لا يمكن إنكاره، لكنّه حكم في طول الحكم الشرعي، وفي مرتبة معلوله، فإنّ حكم العقل بحسن الإطاعة وقبح المعصية إنّما هو بعد صدور أمر مولوي من الشارع، فلا يمكن استكشاف حكم شرعي به.
بالنسبة إلى الثالث، فهذا ممّا يمكن استفادة حكم شرعي منه دون شكّ، لكن النقاش هنا في كبراه، وهي حجيّة القطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة، لكن يرفض السيّد الخوئي تشكيك الأخباريين في الكبرى، ويقول في النهاية بعدم تمامية ما ذكروه من أدلّة المنع من العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة [٧].
واستدلّ الشيخ المظفر عليها بأنّ الملازمة حاصلة باعتبار كون الشارع عاقلاً، بل رئيس العقلاء، فإذا حكم العقلاء جميعهم بحسن شيء حكم الشارع وفق رأيهم [٨].
وقد اختلفت عبارات الأصوليين الشيعة في الاستدلال على هذه الملازمة برغم التزامهم المسلك ذاته [٩].

أدلّة الأشاعرة علی نفي الملازمة

يذهب القائلون بعدم الملازمة إلى أنّ العقل يدرك حسن الأفعال والأشياء وقبحها، لكنّ هذا الإدراك لا يترتّب عليه حكم من تحريم أو وجوب، ولا ثواب ولا عقاب، بل هذه الاُمور بحاجة إلى دليل شرعي [١٠].
نسبه البعض إلى جمهور العلماء من السلف والخلف و الصحابة و التابعين [١١].
استدلّ على هذا الرأي بأدلّة نقلية وعقلية:

1 - الأدلّة النقلية

وهي عبارة عن آيات وروايات يبدو منها إثبات كون القبح والحسن مدركين قبل ورود الشرع:
منها: قوله تعالى: «لماذا تعبدونَ ما تنحتونَ واللّه‏ خلقكم وما تعلمون» [١٢]. فلو لم يكن الشرك قبيحا ولم يكن التوحيد حسنا ولم يكونا مدركين بالعقل لما خاطبهم اللّه‏ بهذا الخطاب، ولما عاتبهم، وكان شركهم كأكلهم وشربهم وباقي نشاطاتهم العادية ليس قبيحا إلاّ أن ينهى عنه.
ومن قبيل هذه الآية آيات اُخرى، مثل: الآية 4 من سورة القصص، والآية 10 و 11 من سورة الشعراء، والآية 50 من سوره هود [١٣].
ومنها: قوله تعالى: «يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات ويحرم عليهم الخبائث» [١٤]. وهذه الآية تدلّ على أنّ هناك موارد من المعروف والمنكر حاصلة قبل إرسال الرسول ثابتة في ذاتها صفة الطيب أو الخبث، وأنّ ما عمله الرسول هو أمره بها أو نهيه عنها، ولو كانت هذه الصفات حاصلة بعد الأمر بها أو النهي عنها لقال: يأمرهم بما يأمرهم وينهاهم عمّا ينهاهم. وآيات اُخرى مثل: الآية 90 من سورة النحل، والآية 21 من سورة الجاثية وغيرها [١٥].
ومنها: قول حذيفة: يا رسول اللّه‏، إنّا كنّا في جاهلية وشرّ، فجاء اللّه‏ بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال : «نعم، دعاة على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» [١٦].
ووجه الدلالة أنّ الصحابي دعا ما قبل الإسلام شرّا، وهو من الصفات القبيحة للأفعال، وأقرّ الرسول قوله، ما يعني الإقرار بالصفات القبيحة لبعض الأفعال قبل أن يرد أمر بهامن الشارع.

2 - الأدلّة العقلية

وهي عبارة عن وجوه عقلية:
منها: قول الفقهاء بوجود علل وحكم ومناسبات للأحكام تدعو الشارع للحكم وفقها، ولا يتسنّى هذا إلاّ بعد معرفتهم بالمصالح والمفاسد الناشئة عن الأفعال، ما يعني أنّ من الأفعال ما هو حسن لذاته ومنه ما هو قبيح لذاته.
ومنها: ممّا جبلت عليه فطرة الإنسان هو التفرقة بين الأفعال واعتبار بعضها حسنة وبعضها الآخر قبيحه، وإنكار هذا الأمر إنكار للفطرة الإنسانية، غاية الأمر أنّ الشرع متوافق مع الفطرة فيأمر بما هو حسن وينهى عمّا هو قبيح.
واستدلّوا على عدم المؤاخذة الشرعية على ما يدركه العقل فقط، بل ينبغي وجود أمر أو نهي شرعي بأدلّة من الكتاب والسنة.
منها: الآية الكريمة: «وما كُنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً» [١٧] وذلك أنّ اللّه‏ بإحسانه ورحمته لا يعذّب أحدا إلاّ بعد إرسال الرسل.
ومنها: قوله تعالى: «رُسلاً مبشّرين ومنذرين لئلاّ يكون للناس على اللّه‏ حجّة بعد الرسل» [١٨].
فمنطوق الآية أنّ اللّه‏ بعث الرسل لكي يكونوا حجّة على الناس، ومفهومها: إنّ اللّه‏ لا يعذّب أحدا حتّى تقوم الحجّة بالرسالة، فالإدراك ليس كافيا، بل لا بدّ من قيام الحجّة ببعثة الرسل.
وغيرها من الآيات من قبيل: الآية 131 من سورة الأنعام، والآية 134 من سورة طه [١٩].
واستدلّ نفاة الملازمة كذلك باُمور اُخرى من قبيل:
1 - الحسن والقبح ذاتيان، بينما الوجوب والحرمة شرعيان، ولا ملازمة بين الذاتي والشرعي [٢٠].
2 - برغم أنّ الحسن والقبح عقليان إلاّ أنّه لا يمكن الالتزام بالملازمة المزبورة باعتبار الآية الكريمة: «ومَا كُنّا معذّبين حتّى نبعثَ رسولاً» الظاهرة في أنّ العقاب لا يكون إلاّ بعد بعثة الرسول. وكذا غيرها من الأخبار ممّا تدلّ على أنّه لا حساب دون توسّط تبليغ الحجّة.
3 - حكم العقل بأنّه من البعيد إيكال اللّه‏ بعض أحكامه إلى مجرّد إدراك العقول مع شدّة اختلافها في الإدراكات ما لم ينضبط بنصّ أو شارع وإلاّ أدّى إلى الاختلاف والتنازع [٢١].
4 - إنّ الملازمة تحصل لكن الحاصل منها لا يسمّى حكما شرعيا، ولا يترتّب عليه العقاب والثواب؛ وذلك لأنّ الأحكام المستفادة من هذه الملازمة لم تبلّغ من الشرع، ولم يبلغنا التكليف بها؛ لأنّ وجود خطاب شرعي معتبر في تحقّق الحكم وليس مجرّد التصديق من الشارع.
وقد أورد الشيخ الأنصاري بعض الإشكالات على هذا الاستدلال [٢٢]، كما وردت استدلالات اُخرى كذلك، وعموم هذه الاستدلالات لا تخلو من نقاشات وردود [٢٣].

الهوامش

  1. . الرسائل الأربع السبحاني: 7 ـ 8.
  2. . فوائد الاُصول 3: 58 ـ 60، اُصول الفقه المظفر 1ـ2: 291، رسالة في التحسين والتقبيح (السبحاني): 120.
  3. . الفصول الغروية: 337.
  4. . اُصول الفقه المظفر 1ـ2: 297.
  5. . رسالة في التحسين والتقبيح السبحاني: 122 - 124.
  6. . مستدرك الوسائل 17: 262، أوائل المقالات: 228.
  7. . مصباح الاُصول 2: 55 - 56.
  8. . اُصول الفقه المظفر 1ـ2: 293.
  9. . القوانين المحكمة: 249، فوائد الاُصول 3: 60 - 62. الفصول الغروية: 342 - 343.
  10. . تشنيف المسامع 1: 46.
  11. . التحسين والتقبيح العقليان 1: 402 - 414.
  12. . الصافات: 58 - 59.
  13. . مجموع فتاوى ابن تيمية 11: 681 - 682، التحسين والتقبيح العقليان 1: 456 - 458.
  14. . الأعراف: 157.
  15. . التحسين والتقبيح العقليان 1: 458 - 461.
  16. . صحيح البخاري 5 ـ 6: 46 ـ 47 كتاب المناقب باب 26 ح 133.
  17. . الإسراء: 15.
  18. . النساء: 65.
  19. . التحسين والتقبيح العقليان 1: 464 - 469.
  20. . تشنيف المسامع بجمع الجوامع 1: 133 - 139، الوافية: 175 - 177.
  21. . الوافية: 172 - 174.
  22. . اُنظر: الملازمة بين حكم العقل والشرع عند الشيخ الأنصاري: 131 ـ 132.
  23. . اُنظر: الفصول الغروية: 316 - 363، فوائد الاُصول 3: 57 - 64، منتهى الاُصول 2: 171 - 174.