الفقه الإباضي

من ویکي‌وحدت

الفقه الإباضي: العلم المتضمّن للمسائل الفقهية لأحد المذاهب الإسلامية المعروفة (الإباضية)، والإباضية هم أتباع مذهب عبداللّه ابن أباض بن ثعلبة التميمي من بني مرّة بن عبيد رهط الأحنف بن قيس المتوفّى سنة 85 ه‍، وقد خرج هذا في أيّام مروان بن محمّد وخالف كثيراً من الفرق الإسلامية.وقيل: هم من قرية في اليمامة، فهم ينسبون إليها، وكذلك ينسبون إلى جابر بن زيد الأزدي المتوفّى سنة 93 ه‍ بالبصرة، وكان يوصف بالعلم والمعرفة والتقوى.

صورة تعبيرية

مدخل

من أبسط معاني الفقه في اللغة هوَ الفهم، فيُقال: فَقِهَ فُلان، أي: فهم، وأفقه فُلاناً، أي: أفهمه، ويُقال: فقهَ الشيخُ المسألة، أي: عقِلَها وفهمها وعرف المُراد منها. وقد وصفَ الله سُبحانهُ وتعالى تسبيحَ كُلّ شيءٍ له وبأنّنا لا نفهُم هذا التسبيح بقولهِ: (ولكن لا تفقهونَ تسبيحهُم)، أي: لا نفهم هذا التسبيح.

ويقع المعنى الاصطلاحي للفقه على نوعين أو يُفسّرُ اصطلاحاً على أمرين، وهُما: أن يُقصد بهِ معرفة الأحكام الشرعية المُتعلّقة بأعمال المُكلّفين وأقوالهم، والمُكتسبة من أدلّتها التفصيليّة.. وهذه الأدلّة التفصيليّة هيَ القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة وما يتعلّق بهما من إجماع واجتهاد.. فهذهِ المعرفة للأحكام الفقهيّة تكون بالفهم الصحيح لمصادر التشريع الرئيسيّة، وهيَ: كلامُ الله تعالى الذي لا يأتيهِ الباطل من بينِ يديهِ ولا من خلفه، وأيضاً سُنّةُ النبيّ مُحمّد (عليهِ الصلاةُ والسلام)، وهيَ: كُلّ ما وردَ عنهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو صفة، وكذلك إجماع الأمّة بعُلمائها على حُكمٍ من الأحكام. أمّا المعنى الآخر للفقه فالمقصود بهِ: الأحكام الشرعيّة نفسها، أي: أنَّ أحكامَ الصلاة وأحكامَ الصيام والزكاة والحجّ والبيوع والمُعاملات بشتّى أنواعها هيَ فقه، فكُلّ هذهِ الأحكام وغيرها يُقصد بها أيضاً فقه، ففي الأمر الأوّل أنتَ تعرف الأحكام الشرعيّة وتفهمها، وهذا فقهٌ، والحُكم نفسهُ هوَ أيضاً فقه.

أمّا المذهب فهو: الطريقة والمعتقد الذي يذهب إليه صاحبه، ويبنى منه مراجع الدين. وهو مجموعة من الآراء والنظريات العلمية، ارتبط بعضها ببعض ارتباطاً يجعلها وحدة منسّقة لفكر أو مدرسة. ومنه المذاهب الفقهية، والعقدية، والأدبية، والعلمية، والفلسفية.

الاستنباط عند الإباضية

في العام 1903 كتب الأستاذ دنكان مكدونالد: ((إنّنا نعلم القليل نسبياً عن الفقه الإباضي. فالدراسة الشاملة للفقه الإباضي ذات أهمّية قصوى؛ لأنّه يعود في تسلسل نشأته إلى ما قبل تشكيل أيّ من المدارس الفقهية الأخرى)).

على أنّ الدراسة الشاملة للفقه الإباضي لم تجر منذ ذلك الوقت كما كان هذا العالم البحّاثة يأمل . وبدلاً من ذلك فقد عومل الفقه الإباضي من قبل الذين درسوا الفقه الإسلامي بالقليل من الاهتمام وكان يشار إليه على الدوام بأقوال عامّة قليلة القيمة .

ومع أنّ شاخت كان يعي حقيقة أنّ مذهب الفقه الإباضي ينسب إلى التابعي جابر بن زيد، فإنّه ختم ملاحظته بشأنه بالقول: إنّ الإباضيّين استمدّوا فقههم من المذاهب الإسلامية القائمة.

وخلافاً لما يعلنه فإنّ المذهب الإباضي أخذ منذ البداية خطّاً منفصلاً . لقد كانت له مرجعياته المستقلّة الخاصّة به، ومجموعاته الحديثية، وأعمال فقهائه.
ويبدو أنّ شاخت أنساق إلى هذه النظرة للأسباب التالية: النقص في المعلومات بشأن المصادر الأساسية للفقه الإباضي، والنظرة العامّة القائلة: بأنّ الإباضيّين فئة من حركة الخوارج. وبما أنّ الإباضيّين- حالهم حال السنّة- كانت لهم آراء مناقضة لآراء الخوارج حول نقاط معيّنة، فقد اعتقد أنّ الإباضيّين استمدّوا هذه الآراء من المذاهب السنّي. وهو أخيراً ينفي باتّاً حقيقة كون الخصائص المشتركة بين المذاهب الفقهية الإسلامية المختلفة هي أقدم من قيام هذه المذاهب.

ويعد الفقه الإباضي أحد أقدم المذاهب الباقية بين مذاهب الفقه الإسلامي، إن لم نقل: أقدمها. ويعود قيامه إلى التابعي جابر بن زيد الأزدي وزميله المعاصر له وتلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة. فقول مكدونالد: ((إنّ الفقه الإباضي لا بدّ أنّه جمع وصنّف، إلى هذا الحدّ أو ذاك، على يدي عبد الله بن إباض)) غير صحيح؛ فقد دلّ البحث الدقيق بأنّ عبد الله بن إباض لم يقدّم أيّ إسهام للفقه الإباضي، وأنّ دوره الرئيس انحصر في الكلام وفي العقيدة السياسية للإباضية.

والرجل الذي كان مسؤولاً فعلياً عن تأسيس مدرسة للفقه الإباضي هو جابر بن زيد. وهو محدث وفقيه.. وبسبب معرفته الواسعة بالقرآن وبأحاديث الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فقد كان قادراً أن ينشيء مذهباً مستقلّاً ، وأن يجذب إليه عدداً من المتعلّمين. وفي وقت لاحق راح هؤلاء يطوّرون آراء وينشرونها.

واتّخذ الفقه الإباضي شكله النهائي على يدي تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في سنواته الأخيرة، وعلى يدي الربيع بن حبيب تلميذ جابر بن زيد وأبي عبيدة معاً .
غير أنّ جابر بن زيد يظلّ الشخصية ذات الأهمّية الكبرى في تأسيس هذا المذهب. وبالإضافة إلى مهارته مفتياً صرف معظم حياته لإصدار الأحكام الشرعية وضبط آرائه باستشارة صحابة الرسول الأحياء والتابعين البارزين، وكان كذلك صلة الوصل الأساسية يبن أتباع مذهبه وأولئك الصحابة الذين لعبوا الدور الرئيس في صياغة الآراء حول الشؤون الدينية والشرعية ونشرها.

والدور الطليعي الذي لعبه جابر في تأسيس المذهب الإباضي معترف له به بوضوح من قبل الإمام الثاني للإباضية أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة: "كلّ صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضالّ. ولولا أنّ الله منّ علينا بجابر بن زيد لضللنا" . وحقيقة كون جابر صاحب مذهب فقهي مستقلّ أمر اعترفت له به المرجعيات السنّية أيضاً. يقول أبو زكريا النووي (ت 676) في كتابه ((تهذيب الأسماء)) بعد الحديث عن جابر بن زيد ومدرّسيه وتلاميذه: ((اتّفقوا على توثيقه وجلالته، وهو معدود في أئمّة التابعين وفقهائهم، وله مذهب يتفرّد به)).

وقد كانت مصادر الأحكام الشرعية المعروفة لدى جابر-والتي استخدمها- هي: القرآن، والسنّة، وآراء الصحابة (الآثار)، ثمّ رأيه الخاصّ.

أشهر الفقهاء عند الإباضية

من أشهر فقهاء المذهب الإباضي: الثميني، وأبو غانم، ومحمّد بن إبراهيم الكندي، ومحمّد بن سعيد الكدمي، ومحمّد بن عبداللّه بن عبيدان، وموسى بن عيسى البشري.

أشهر الكتب الفقهية عند الإباضية

من أشهر كتب المذهب في علم الفقه: التكميل لبعض ما أخلّ به كتاب النيل للثميني، كتاب النيل وشفاء العليل للثميني، المدوّنة الكبرى لأبي غانم، الورد البسّام في رياض الأحكام للثميني، بيان الشرع لمحمّد بن إبراهيم الكندي، الجامع المفيد لمحمّد بن سعيد الكدمي، جواهر الآثار لمحمّد بن عبداللّه بن عبيدان، مكنون الخزائن وعيون المعادن لموسى بن عيسى البشري.

المصدر

المقال مقتبس مع تعديلات من الموقع:

www.istiqama.net