انتقل إلى المحتوى

الزهد

من ویکي‌وحدت
زهد

الزهد، أحد أبرز الفضائل الأخلاقية، ومن يمتلك هذه الصفة يُطلق عليه زاهد. الزهد هو عدم الرغبة وعدم الارتباط بالدنيا. من آمن بـ الله وارتبط قلبه بآخرة دائمة، يعتبر متاع الدنيا أمانة أعطاها الله له لاختباره؛ لذا لا يُخدع بمتاع الدنيا ولا يفرح بامتلاكه ولا يحزن لفقدانه. عدم الحاجة، الصبر أمام حرام، سهولة التغلب على المصائب، والشوق إلى الآخرة، هي من ثمرات الزهد.

مفهوم وماهية الزهد

من وجهة نظر علماء اللغة، يعني الزهد تجاه شيء ما الابتعاد عنه والرضا بالقليل منه[١]. في ثقافة العلماء الأخلاق، "الزهد" هو الابتعاد القلبي والعملي عن الدنيا، إلا بقدر ما يحتاجه الإنسان بشكل ضروري.

بعبارة أخرى، الزهد هو الابتعاد عن الدنيا من أجل الآخرة وفصل القلب عن غير الله. من هذا التعريف، يتضح أولاً أن الزهد ينطبق على من لديه القدرة على الحصول على الدنيا والتمتع بها. ثانيًا، يجب أن يكون سبب ابتعاده عن الدنيا هو حقارتها مقارنة بالآخرة. إذا كان ترك الدنيا بسبب عدم القدرة على الحصول عليها أو بهدف غير رضى الله وطلب الآخرة، مثل كسب رضا ومحبة الناس أو الهروب من صعوبة الحصول عليها، فلا يُعتبر ذلك زهدًا[٢].

قيمة الزهد

نظرة سريعة إلى التعابير التي وردت حول الزهد في آيات وروايات توضح المكانة الرفيعة للورع والزهد تجاه الدنيا في النظام الأخلاقي الإسلام. من بين ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الزهد في الدنيا يسبب راحة القلب والجسد[٣]." وقال: "من يزهد في الدنيا، فإن المصائب تصبح سهلة عليه[٤]." وكذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام): "عدم الرغبة في الدنيا يتيح للقلب الفراغ للانشغال بالآخرة[٥]." وأخيرًا، أعلن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "بدون عدم الرغبة في الدنيا، فإن تذوق حلاوة الإيمان سيكون محرماً على قلوبكم[٦]."

درجات الزهد

ذكر علماء الأخلاق أنواعًا ودرجات مختلفة للزهد، وسنذكرها بإيجاز.

مراتب الشدة والضعف في الزهد

يتم تقسيم الزهد من حيث شدة وضعف الابتعاد عن الدنيا إلى ثلاث درجات:

  1. الشخص يدير ظهره للدنيا بينما لديه رغبة فيها، ويبتعد عنها بجهد وتعب.
  2. الشخص يبتعد عن الدنيا برغبة وسهولة، دون أن يكون لديه رغبة فيها. لأنه يعتبر الدنيا صغيرة وحقيرة مقارنة بلذات الآخرة. هو في الحقيقة يقوم بصفقة، حيث يتخلى عن شيء أقل قيمة في انتظار الحصول على شيء أثمن، وهو راضٍ عن هذه الصفقة.
  3. أعلى درجة من الزهد هي ترك الدنيا برغبة وشغف، دون أن يشعر بفقدان شيء. لا يشعر بأنه قام بصفقة؛ كما لو أن شخصًا مرّ بجانب حفنة من التراب ليصل إلى ياقوتة، فلن يشعر أبدًا بأنه فقد شيئًا مقابل الحصول على شيء أثمن.

مراتب الزهد من حيث ما يتم الابتعاد عنه

  1. الابتعاد عن محرمات؛ أي الزهد تجاه المحرمات، والذي يُطلق عليه "الزهد الواجب".
  2. الابتعاد عن الشبهات؛ الزهد تجاه ما يساعد على بقاء الإنسان بعيدًا عن ارتكاب المحرمات.
  3. الزهد تجاه ما هو أكثر من الحاجة من الأشياء حلال؛ أي الطعام، والملبس، والمسكن، وأدوات الحياة، وما شابه ذلك، والاكتفاء بالحد الضروري.
  4. الزهد تجاه كل ما يسبب لذة للنفس، حتى بالنسبة للحد الضروري من الدنيا. بمعنى أن الاستفادة من الحد الضروري لا تكون للذة، وليس أنه يجب التخلي عن الحد الضروري من الدنيا، فهذا أمر غير ممكن. هذه الدرجة من الزهد ونوعها السابق، هما الزهد في الحلال.
  5. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
  6. طوبى لمن يتواضع أمام الله ويزهد فيما أُحِلَّ له، دون أن يبتعد عن سيري[٧].
  7. الابتعاد عن كل ما هو غير الله، حتى عن نفسه. بالطبع، الانتباه إلى بعض الأشياء مثل الطعام والملبس والتواصل مع الناس في حدود الضرورة لا يتعارض مع هذه الدرجة من الزهد؛ لأن الانتباه الكامل إلى الله لا يمكن أن يحدث إلا من خلال بقاء الإنسان على قيد الحياة، وحياته تعتمد على الحصول على الضروريات. كما نقل عن الإمام الصادق (عليه السلام):
  8. الزهد هو مفتاح باب الجنة والبراءة من النار، وهو ترك كل شيء يُغفل الإنسان عن الله، وعدم الشعور بالأسف لفقدان الدنيا وعدم التعالي بسبب تركها[٨].

الإمام علي (عليه السلام) في رده على سؤال حول ماهية الزهد يقول: كل الزهد قد اجتمع في كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: "لا تحزنوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم"[٩]. ومن لا يحزن على الماضي ولا يفرح بالمستقبل، فقد زهد من الجانبين[١٠].

درجات ثلاثية من حيث الابتعاد عن الدنيا

  1. زهد الخائفين من الله: الإنسان يبتعد عن الدنيا طلبًا للنجاة من النار وسائر عذابات الآخرة.
  2. زهد المأمولين: أي الابتعاد عن الدنيا على أمل الحصول على ثواب الله ونعيم الجنة.
  3. زهد العارفين: لا يهتم بالألم والمعاناة ليطلب الخلاص منها، ولا ينشغل باللذات ليطلب الاستمتاع بها، بل يكون شغله الشاغل هو شوقه لرؤية وملاقاة ربه. هذا الزهد هو هم أهل المعرفة فقط[١١].

من خلال ما تم ذكره في تعريف الزهد ودرجاته، يتضح أن المقصود من الدنيا ليس فقط المال والثروة والطعام والملبس وما شابه ذلك؛ لأن الابتعاد عن كل هذه الأمور سيكون سهلاً على من يحب أن يُعرف بالزهد ويُمدح بالتقوى. بل إن الدنيا تشمل السلطة والمقام وكل الاستمتاعات النفسية الممكنة من الدنيا. الزهد الحقيقي يعني الابتعاد وعدم الارتباط بالمال والمقام. الزاهد الحقيقي هو من يكون الفقر والغنى والمدح والذم والعز والذلة في نظر الناس سواء، ولا يسعى إلا في طلب محبة الله ورضاه.

آثار الزهد

بعض من أهم آثار الزهد، التي بدورها تمثل مفهومًا أخلاقيًا عامًا، هي كما يلي:

القناعة

في الأدب العربي، القناعة تعني الرضا بالقليل من العطاء[١٢] والرضا بحصته[١٣]. في المصادر الأخلاقية الإسلامية الشائعة، جاءت "القناعة" مقابل "الحرص"، وهي عبارة عن ملكة نفسية تجعل الإنسان يرضى بحاجته من الأموال ولا يُلقي بنفسه في مشقة السعي للحصول على المزيد منها[١٤].

القناعة لها آثار وفوائد كثيرة، ومن جهة أخرى، تمنع العديد من الرذائل الأخلاقية بل وحتى الجرائم القانونية. بناءً على ذلك، تم تشجيعها بشدة في النظام الأخلاقي الإسلام. في القرآن الكريم جاء: زَهْرَهَ الْحَیاهِ الدُّنْیا لِنَفْتِنَهُمْ فِیهِ وَ رِزْقُ رَبِّکَ خَیْرٌ وَ أَبْقی (131/طه).

يقول الإمام علي (عليه السلام) حول قيمة القناعة: "لقد بحثت عن الغنى ولم أجده إلا في القناعة. كونوا قانعين لتكونوا أغنياء[١٥]." القناعة ليست فقط فضيلة أخلاقية، بل تحمل العديد من القيم الأخلاقية. الإمام رضا (عليه السلام) عندما يجيب على شخص يسأله عن حقيقة القناعة، يشير إلى هذه الآثار: القناعة تؤدي إلى ضبط النفس والكرامة والراحة من عناء الطموح والعبودية أمام الدنيا. لا يسير في طريق القناعة سوى اثنين: إما عابد يطلب أجر الآخرة، أو عظيم يبتعد عن الناس الدنيئين[١٦]. في الواقع، لا يوجد خيار للإنسان سوى أن يكون قانعًا في الدنيا، وإلا سيظل دائمًا يحترق بنار الطمع والحرمان. شكى رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) أنه يسعى للحصول على الرزق ويحقق ذلك، لكنه لا يرضى ويطلب المزيد، فقال: إذا كان ما يكفيك يجعلك غنيًا، فإن أقل شيء في الدنيا يجعلك غنيًا، وإذا لم يجعلك ما هو كافٍ غنيًا، فلن يجعلك كل الدنيا غنيًا[١٧].

لكن كيف يمكن الوصول إلى القناعة؟ بالإضافة إلى الطرق العامة، تم اقتراح بعض الأساليب الخاصة؛ من بينها، الإمام الصادق (عليه السلام) في توجيه له في هذا الصدد يقول: انظر إلى من هو أضعف منك، ولا تنظر إلى من هو أغنى منك؛ لأن هذا الأمر يجعلك راضيًا بما قُسم لك[١٨].

العفة وعدم الحاجة إلى أموال الناس

في الأدب العربي، "العفة" تعني ضبط النفس أمام الشهوات والأمور غير المرغوبة[١٩]. بالإضافة إلى العفة الجنسية وعفة الكلام، من بين استخدامات العفة في الأدب والنصوص الدينية هو ضبط النفس عن طلب المساعدة من الآخرين[٢٠].

الهوامش

  1. ر. ك: راغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن، ص 384؛ ابن منظور: لسان العرب، ج 3، ص 196 و197.
  2. ر. ك: نراقي، محمد مهدي: جامع السعادات، ج 2، ص 55 و56.
  3. الشيخ الصدوق: خصال، ص 73، ح 114.
  4. الشيخ الطبرسي: مكارم الأخلاق، ج 2، ص 341، ح 2660.
  5. الكُليني: ج 2، ص 16، ح 5.
  6. المصدر نفسه، ص 128، ح 2.
  7. المصدر نفسه، ج 8، ص 169، ح 190؛ الحراني: تحف العقول، ص 30. وكذلك ر. ك: الصدوق: فقيه، ج 4، ص 400، ح 5861 وتفسير العياشي، ج 2، ص 211، ح 42.
  8. الغيلاني، عبد الرزاق: مصباح الشريعة، ص 137.
  9. الحديد، آية 23.
  10. نهج البلاغة، حكمة 439، وكذلك ر. ك: الكليني، الكافي، ج 2، ص 128، ح 4؛ والشيخ الصدوق، أمالي، ص 714، ح 984، وخصال، ص 437، ح 26.
  11. ر. ك: نراقي: جامع السعادات، ج 2، ص 65 ـ 74؛ فيض الكاشاني، محسن: المحجة البيضاء، ج 7، ص 357 ـ 364.
  12. ابن الأثير: النهاية، ج 4، ص 114.
  13. ابن منظور: لسان العرب، ج 8، ص 298.
  14. نراقي، مولى محمد مهدي: جامع السعادات، ج 2، ص 101.
  15. علامة المجلسي: بحار الأنوار، ج 69، ص 399، ح 91.
  16. المصدر نفسه، ج 78، ص 349، ح 6.
  17. الشيخ الكليني: الكافي، ج 2، ص 139، ح 10.
  18. المصدر نفسه، ج 8، ص 244، ح 338.
  19. ر. ك: ابن فارس: مقاييس اللغة، ج 4، ص 3.
  20. ر. ك: ابن منظور: لسان العرب، ج 9، ص 253. الآن بعد أن تعرفنا على مفهوم الزهد، نجد تفسيرات أخرى للزهد مثل الرهبنة التي تُعتبر بدعة من الرهبان. قال النبي (صلى الله عليه وآله) صراحة: "لا رهبانية في الإسلام"؛ (بحار، 15، ب 14) عندما أُبلغ عن مجموعة من الصحابة الذين أدبروا عن الحياة، وابتعدوا عن كل شيء واعتزلوا وعبدوا، عاتبهم بشدة، وقال: "أنا نبيكم، ولست كذلك." من خلال ذلك، أوضح النبي أن الإسلام هو دين اجتماعي، وليس زهدًا. علاوة على ذلك، فإن التعاليم الشاملة والمتكاملة في الإسلام في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية تستند إلى احترام الحياة والاهتمام بها، وليس الابتعاد عنها. بعيدًا عن كل ذلك، فإن الرهبنة والابتعاد عن الحياة تتعارض مع النظرة الفلسفية المتفائلة للإسلام حول الوجود والخلق. لا ينظر الإسلام إلى الوجود والخلق بسلبية كما تفعل بعض العقائد والفلسفات، ولا يقسم الخلق إلى قسمين: قبيح وجميل، نور وظلام، حق وباطل، صحيح وخطأ، بشكل غير مناسب. مجموعة آثار الشهيد مطهري ج14 ـ سيّرة في نهج البلاغة ص515.

المصادر

الزهد في الإسلام - پرسمان الجامعيين https://www.porseman.com