انتقل إلى المحتوى

استعداد حزب الله لبنان (مذكرة)

من ویکي‌وحدت


الخطوة الثانية للثورة

استعداد حزب الله لبنان، عنوان مذكرة تتناول الوضع الراهن لـحزب الله لبنان واستعداداته[١]. يتمتع حزب الله في لبنان بوضع مستقر، كما أن الشيعة في هذا البلد لديهم وضع مستقر أيضاً. يشكل الشيعة 1.6 مليون من بين حوالي 4.5 مليون نسمة من سكان لبنان، أي حوالي 35 بالمئة. هذه الفئة، خلافاً للسكان المسيحيين وأهل السنة في البلاد، تشكل من جهة أغلبية نسبية ومن جهة أخرى تتمتع بتجانس سياسي. هذا الوضع أتاح للشيعة خلال العقود الماضية تجاوز العديد من العواصف دون أن ينكسروا. من قلب هذه الأغلبية النسبية للشيعة خرج حزب الله الذي يحظى بقبول جميع مكونات الشيعة، من مجلس الشيعة الأعلى إلى حركة أمل ومن جبال لبنان إلى الجنوب، ولهذا فإن أي محاولة لإضعاف حزب الله خلال العقود الأربعة الماضية، والتي تعاطفت معها العديد من التيارات الداخلية والإقليمية والدولية، واجهت دائماً جداراً صلباً من الشيعة ولم تحقق أي نتيجة. أي خطوة لإضعاف حزب الله، في ظل عدم وجود بديل له، تعتبر في المرحلة الأولى محاولة لإضعاف الشيعة، وفي المرحلة الثانية محاولة لإضعاف أمن وقدرة لبنان الدفاعية.

القرارات

صدرت حتى الآن ثلاث مرات قرارات تتعلق بالسيطرة على لبنان، وفي شهر آذر من العام الماضي صدر نص لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الإجراءات لم تؤدِ إلى إضعاف حزب الله. المجتمع اللبناني يعلم جيداً أنه لو لم يكن لسلاح حزب الله، لتعرض لبنان لمصير أسوأ من سوريا؛ لأن لبنان مقارنة بسوريا، من حيث السكان والجغرافيا وقوة الجيش والعلاقات الخارجية، أضعف بكثير. هناك أيضاً جدران رابعة وخامسة لمنع إضعاف حزب الله؛ جبهة المقاومة، الجمهورية الإسلامية وشعوب المنطقة تدرك أن حزب الله هو أهم عنصر في ضبط الكيان الصهيوني في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشام، وتتصدى لأي سياسة تهدف إلى إضعاف حزب الله، كما شهدنا في التطورات الأخيرة جهوداً من كبار الشخصيات الدينية والسياسية في المنطقة للحفاظ على قوة حزب الله.

حزب الله تحت الضغوط

حزب الله لبنان بسبب هذا الموقع تعرض مراراً لضغوط مختلفة، لكنه دائماً ما خرج منها بنجاح ووصل إلى موقع أكثر ثباتاً. تعرض حزب الله مرة واحدة خلال الحرب الأهلية اللبنانية - التي لم يكن له فيها دور - لضغوط، لكن النتيجة النهائية كانت اتفاق الطائف الذي رغم أنه صيغ من قبل معارضي حزب الله، إلا أنه أدى إلى تثبيت الموقع العسكري لحزب الله في لبنان. لاحقاً عندما اضطرت سوريا إلى سحب قواتها من لبنان، ظن البعض أن زمن إضعاف حزب الله قد حان، لكن في الواقع بعد ذلك توجه الاعتماد العسكري والأمني في لبنان من سوريا إلى حزب الله، مما منح الحزب موقعاً جديداً. خلال حرب 33 يوماً صدر القرار 1701 في 20 أغسطس 2006، الذي كان يهدف إلى نزع سلاح حزب الله، لكنه في الحقيقة أدى إلى تعزيز القوة العسكرية للحزب، حتى أن إسرائيل أطلقت عليه لقب "أكبر قوة صاروخية غير حكومية في العالم". وضع القرار 1701 إسرائيل أمام خيارين كلاهما كان على حساب تل أبيب؛ إما الالتزام بالقرار والتخلي عن أي عمل عسكري أو بحري ضد لبنان، أو خرق وقف إطلاق النار، وهو ما اختارته إسرائيل، مما أدى إلى تعزيز قوة حزب الله. ونتيجة لذلك، في عام 2023، دافع حزب الله عن غزة في حرب دون أن يواجه هجومًا إسرائيليًا مباشرًا.

وقف إطلاق النار

توصل العدو الإسرائيلي وحزب الله لبنان في يوم الثلاثاء 6 آذر 2024 إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد نحو ثلاثة أشهر من القتال، وكان ذلك بعد أن تكبدت إسرائيل في يوم الأحد 4 آذر ضربات قوية من حزب الله من الشمال وحتى عمق الأراضي المحتلة، وأدركت رغم استشهاد الأمين العام والعديد من القادة الكبار وجزء كبير من الصفوف، أن حزب الله حافظ على قدراته التسليحية وإرادة القيادة والتدابير العملياتية. منذ ذلك الحين، وعلى مدى أكثر من ثمانية أشهر، حافظ حزب الله على شروط وقف إطلاق النار رغم الانتهاكات المتكررة من قبل إسرائيل. والسبب في ذلك أن حزب الله رأى أن وقف إطلاق النار، رغم عيوبه، يصب في مصلحته؛ إذ يحتاج الحزب إلى التركيز على الجانب السياسي والاجتماعي للحفاظ على استقرار الأوضاع الداخلية في لبنان.

استقرار حزب الله


الخطوة الثانية للثورة

هذا التركيز أحبط محاولات مكثفة من الغرب والعرب لإشعال الفوضى في لبنان، التي كانت ستجعل لبنان هدفاً سهلاً لهجمات إسرائيلية، واليوم لبنان يتمتع بوضع سياسي مستقر نسبياً في ظل تصاعد الاضطرابات الإقليمية، وتعمل مؤسساته بشكل طبيعي، والوضع الداخلي أفضل مما كان عليه في السنوات الماضية. رغم أن وقف إطلاق النار في 6 آذر تم انتهاكه مرات عدة من قبل العدو، إلا أن هذا قد يؤدي قريباً إلى التخلي عنه من قبل حزب الله، كما أكد الشيخ نعيم قاسم عدة مرات خلال الشهرين الماضيين على احتمال ذلك. إذا استأنف حزب الله لبنان العمل العسكري ضد إسرائيل بعد نحو ثمانية أشهر، فإنه سيكسب شرعية جديدة داخلياً وإقليمياً.

الكراهية لإسرائيل وراعيها أمريكا

نظراً لأن إسرائيل وأهم داعم لها (أمريكا) تحظيان بأعلى مستويات الكراهية في أوساط الرأي العام الإسلامي، فإن استئناف العمل العسكري من قبل حزب الله سيزيد من تركيز الاهتمام عليه. تحاول أمريكا إيجاد حلول للأوضاع في لبنان، وأرسلت مرتين "توماس باراك" سفيرها في تركيا كمبعوث خاص إلى بيروت. قدم باراك خطة مرحلتين لمدة ثلاثة أشهر لعملية نزع سلاح تدريجية لحزب الله وتسليم أنفاقه، لكنها لم تلق قبولاً، رغم دعم بعض الأطراف الدولية والإقليمية لها. رفض الخطة يدل على أن حزب الله ليس في موقف انفعالي ولا يمكن فرض أي خطة عليه. بعد تعديل الخطة، عاد باراك إلى بيروت وقلص نطاق نزع السلاح، لكن حزب الله والمجتمع الشيعي وجزء كبير من الدولة والحكومة اللبنانية رفضوا الخطة مجدداً. في آخر تغريدة له، كتب باراك بشكل يائس ومهدد: "لم نعد نهتم ولن نكون مسؤولين عن الأحداث". حتى وقت كتابة هذه المذكرة، لم يصدر عن الحكومة الأمريكية أي رد رسمي على موقف لبنان، مما قد يعني احتمال تقديم خطة جديدة أضعف من تلك التي قدمها المبعوث الخاص.

وضوح منطق حزب الله


الخطوة الثانية للثورة

منطق حزب الله واضح، حيث يقول إن إسرائيل لم تلتزم بالقرار 1701، وكانت الطرف المنتهك في وقف إطلاق النار في 6 آذر. هناك نصوص واضحة بين لبنان وإسرائيل، وإذا كان هناك التزام، فهو بهذه النصوص. الحكومة اللبنانية تدرك أن صلاحياتها محدودة في مواجهة حزب الله وسلاحه، ولا يمكنها قبول ما لا يرضي حزب الله والشيعة. لذلك تسير الحكومة بحذر للحفاظ على الاستقرار الداخلي وبقاء الدولة. من الواضح أن حزب الله باعتباره صاحب المقاومة والسلاح هو من يحدد المصلحة.

النزاعات الإقليمية

الجميع يعلم أن النزاعات الإقليمية التي تقودها إسرائيل لم تنته بعد، ومن الممكن أن تندلع في أي لحظة. هذه الظروف توفر فرصاً كبيرة لحزب الله. يمكن للحزب الآن استئناف الحرب التي أوقفها في 6 آذر بقوة أكبر، وإلحاق الضرر بإسرائيل كما أجبرها ذلك اليوم على قبول وقف إطلاق النار. خلال هذه الأشهر الثمانية، عزز حزب الله تنظيمه، ودرس نقاط الضعف وعمل على تجاوزها وتقوية سلاحه، كما تابع العملية الداخلية في لبنان لكسب ثقة الأطراف غير الشيعية. لذلك يمكن القول إن حزب الله اليوم لا يقلق كثيراً من حيث التنظيم الداخلي أو القدرة على مواجهة إسرائيل. قد لا يرحب بالحرب، لكنه إذا واجهها، فإن الرد القوي، رغم تكلفته على لبنان، سيكون مقبولاً من الشعب والحكومة.

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. بقلم: سعد الله زارعي.

مصادر