مذهب الصحابي

مذهب الصحابي: المراد بمذهب الصحابي: هو ما ثبت عن أحد أصحاب رسول اللّه‏(ص) من فتيا أو قضاء في مسألة شرعية لم ينعقد عليها إجماع وليست ممّا لا مجال فيها للاجتهاد. قال السيّد الحكيم: «ويريدون بمذهب الصحابي القول والسلوك الذي يصدر عن الصحابي ويتعبّد به من دون أن يعرف له مستند».

مذهب الصحابي


وقد قسّم البعض فتوى الصحابي التي هي من مصاديق مذهب الصحابي إلى الأقسام التالية:
أوّلها: أن يكون سمعها من النبي(ص).
ثانيها: أن يكون سمعها ممّن سمعها من النبي(ص).
ثالثها: أن يكون فهمها من آية من القرآن الكريم فهما خفيا علينا.
رابعها: أن يكون قد اتّفق عليه ملؤهم ولم ينقل إلينا الأقوال المفتي وحده.
خامسها: أن يكون رأيه لكمال علمه باللغة دلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنّا.
سادسها: أن يكون فهم ما لم يروه عن النبي(ص)، وأخطأ في فهمه وعلى هذا التقرير لا يكون قوله حجّة [١].
والسؤال المطروح هل يأخذ المجتهد بمذهب الصحابي أو لا؟
لا خلاف بين الاُصوليين أنّ قول الصحابي على صحابي ليس حجّة، وإنّما الكلام على غير الصحابي ولهذا: ذكر العلماء في مذهب الصحابي عدّة أقوال:

القول الأوّل في مذهب الصحابي

إنّه ليس حجّة مطلقا. وهو مذهب جمهور الأشاعرة [٢]، و المعتزلة، و الشيعة [٣]، و الشافعي في قول هو الراجح لدى الشافعية، وأحمد في رواية عنه، واختاره بعض متأخّري الحنفية و المالكية [٤].
أنكر ابن حزم الأخذ بقول الصحابي بناءً على أنّه لا يسوّغ تقليد أحد لا من الصحابة ولا من غيرهم لا من الأحياء ولا من الأموات ويعتبر الأخذ بقول الصحابي من غير حجّة من السنّة الثبوتية تقليدا غير جائز في دين اللّه‏ تعالى [٥]، ونسب الشوكاني هذا القول أي أنّه ليس بحجّة مطلقا إلى جمهور العلماء [٦].

القول الثاني في مذهب الصحابي

إنّه حجّة شرعية مقدّمة على القياس، وبه قال أئمة الحنفية [٧].
ونقل الآمدي: عن ابن أنس والرازي والبردعي من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي في قولٍ له، وأحمد بن حنبل في رواية له أنّه حجّة مقدّمة على القياس [٨].

القول الثالث في مذهب الصحابي

إنّه حجّة إذا انضم إليه القياس فيقدّم إذا تعارض مع قول صحابي آخر وهو مذهب الشافعي في الجديد [٩]، وأما رأي الشافعي في القديم فإنّه حجّة مطلقة [١٠]، وعليه مالك [١١]، وأكثر الحنفية [١٢].
ونقل عن الشافعي في القديم على أنّ مذهب الصحابي حجّة بشرط الانتشار ولم يخالفه أحد [١٣]، وفرّع الشافعية على القول القديم للشافعي فروعٍ سبعة [١٤].
على أنّه اختلفت كلمات علماء الشافعية في حجّية مذهب الصحابي عند الشافعي.
قال أكثر الاُصوليين من الشافعية أنّ قول الصحابي حجّة عند الشافعي في القديم [١٥]، واختلفوا في مذهبه الجديد على أقوال:
أ ـ قال الأكثر: إنّه ليس بحجّة في الجديد وقيّده إمام الحرمين وابن السبكي بما لم يكن من الأحكام التعبّدية [١٦].
ب ـ وقال العلائي وابن القيم: إنّ قول الصحابي حجّة في القديم والجديد [١٧].
ج ـ ذكر القفال وابن القفال: إنّ الشافعي يرى في الجديد أنّ قول الصحابي حجّة إن عضده القياس [١٨].
د ـ وقال ابن القيم: لا يحفظ للشافعي في الجديد حرف واحد أنّ قول الصحابي ليس بحجّة [١٩].
وهذا يدلّ على أنّ قول الصحابي حجّة عند الشافعي في القديم والجديد، ويؤيّد ذلك ما ذكره صاحب البحر المحيط [٢٠].
وبعض المحقّقين قال: إنّ الشافعي استدلّ في الجديد بقول الصحابي في كثير من المواضع [٢١].

القول الرابع في مذهب الصحابي

التفصيل: إن كان ممّا لا يدرك بالرأي فهو حجّة واتّفق الحنفية على ذلك.
وإن كان يدرك بالرأي واشتهر ولم يعرف له مخالف فهو حجّة باتّفاق الحنفية أيضا.
وإن كان يدرك بالرأي ولم يشتهر فذهب أبو الحسن الكرخي من الحنفية إلى أنّه ليس حجّة [٢٢].

القول الخامس في مذهب الصحابي

ذهب قوم إلى أنّ قول الخلفاء الراشدين هو الحجّة [٢٣] للحديث [٢٤] وهنالك من قال يجب اتّفاق الخلفاء الراشدين، وهذا يدخل تحت الإجماع [٢٥].

القول السادس في مذهب الصحابي

إنّ قول أبي بكر وعمر هو الحجّة [٢٦] للحديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر [٢٧]، ولكن لم يشترطوا الاتّفاق أي قول كلّ واحد منهما حجّة بدون الآخر [٢٨].
هذا وقد ذكر السبكي اثني عشر قولاً في حجّية مذهب الصحابي وعدمها، فليراجع [٢٩].

الاستدلال علی بطلان هذه الأقوال

واستدلّ الغزالي على بطلان هذه الأقوال قائلاً: إنّ من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمتهُ فلا حجّة في قوله، فكيف يحتجّ بقوله مع جواز الخطأ، وكيف تدعى عصمتهم من غير حجّة متواترة، وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف، وكيف يختلف المعصومان، كيف وقد اتّفقت كلمة الصحابة على جواز مخالفة الصحابي، فلم ينكر أبو بكر وعمر على مَن خالفهما بالاجتهاد [٣٠]؟
وأمّا رأي الامامية: فإنّ قول الصحابي ليس حجّه على الغير ما لم يستند إلى المعصوم، وأمّا إذا كان الصحابي إماما كالامام علي(ع) والحسن والحسين عليهماالسلام فيؤخذ بقولهم باعتبارهم معصومين لا بما هم صحابة، بل هم حجّة اللّه‏ على خلقه.
واستدلّ العلاّمة على عدم حجّية قول الصحابي بوجوه:
أوّلاً: قوله تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ» [٣١]. أمر بالاعتبار وهو ينافي التقليد.
الثاني: قوله تعالى: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ» [٣٢]، أوجب الرد عند الاختلاف إلى اللّه‏ ورسوله فلو رُدّ إلى مذهب الصحابي كان تركا للواجب.
الثالث: إجماع الصحابة على جواز مخالفة كلّ واحد من آحاد الصحابة ولم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما، بل ربّما رجعا إليه في قضايا كثيرة. فلو كان مذهب الصحابة حجّة لما جاز المخالفة له.
الرابع: الصحابي من أهل الاجتهاد، والخطأ ممكن عليه، فلا يجب على المجتهد التابعي اتباع مذهب الصحابي، كالصحابيين والتابعيين.
الخامس: الصحابة اختلفوا في مسائل كثيرة وذهب كلّ واحد منهم إلى خلاف مذهب الآخر، كما في مسائل الجد مع الأخوة، وقوله أنت عليّ حرام وغيرهما. فلو كان مذهب الصحابي حجّة على غيره من التابعين لكانت حجج اللّه‏ مختلفة متناقضة. ولم يكن اتّباع أحدهم أولى من الآخر.
السادس: قول الصحابي عن اجتهاد ممّا يجوز عليه الخطأ فلا يقدّم على القياس، وشأنه شأن التابعي.
السابع: التابعي المجتهد متمكّن من تحصيل الحکم بطريقةٍ فلا يجوز له التقليد فيه كالأصول [٣٣].

المصادر

  1. . اُنظر: أعلام الموقّعين 4: 148، اُصول الفقه محمّد أبو زهره: 214.
  2. . اُنظر: الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 385، المحصول (الرازي) 2: 562، إرشاد الفحول 2: 274.
  3. . اُصول الاستنباط الحيدري: 267، ذكرى الشيعة (الشهيد الأوّل) 1 : 23.
  4. . ابن حزم أبو زهرة: 433.
  5. . إرشاد الفحول 2: 274.
  6. . إرشاد الفحول 2: 274.
  7. . اُنظر: أعلام الموقّعين 4: 156، و 1: 30، كشف الأسرار البخاري 3: 406، اُنظر: اللمع: 194.
  8. . إرشاد الفحول 2: 274، الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 385، اُصول الفقه (الزحيلي) 2: 851.
  9. . الرسالة الشافعي: 598، البحر المحيط 6: 56، إرشاد الفحول 2 : 274.
  10. . المحصول الرازي: 562، البرهان 2: 132، الإحكام (الآمدي) 3ـ4: 385، التبصرة: 395.
  11. . تنقيح الفصول: 445، المذكرة الشنقيطي: 164.
  12. . اُصول الفقه للسرخسي 2: 105، كشف الأسرار البخاري 3: 219، فواتيح الرحموت 2: 186، تيسير التحرير 3: 182.
  13. . المحصول الرازي 2: 564، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 192.
  14. . المحصول الرازي 2: 565.
  15. . أعلام الموقعين 4: 120.
  16. . منع الموانع على جمع الجوامع: 455.
  17. . البحر المحيط 6: 56.
  18. . أعلام الموقعين 4: 120.
  19. . المصدر السابق 4: 120.
  20. . البحر المحيط 6: 56.
  21. . أعلام الموقعين 4: 120.
  22. . ميزان الاُصول 2: 697 ـ 698، اُصول الفقه الزحيلي 2: 851، أثر الأدلّة المختلف فيها في الفقه الإسلامي (البغا): 341، اُصول الفقه (الخضري بك): 357.
  23. . نهاية السول للأسنوي 3: 143، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 192.
  24. . مسند أحمد 4: 126.
  25. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 385.
  26. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 385.
  27. . سنن الترمذي 5: 271، المستدرك الحاكم 3: 75.
  28. . الإبهاج في شرح المنهاج 3: 192.
  29. . منع الموانع عن جمع الجوامع: 455.
  30. . المستصفى 1: 250.
  31. . الحشر: 2.
  32. . النساء: 59.
  33. . نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 4: 442 ـ 447.