حجية السبر والتقسيم

مراجعة ١٨:٣٧، ٥ أبريل ٢٠٢٣ بواسطة Wikivahdat (نقاش | مساهمات) (استبدال النص - '====' ب'=====')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

حجية السبر والتقسيم: وهو من وجهة نظر علماء المنطق صورة من صور البرهان و القياس الاستثنائي الذي يستخدم في الاستدلالات العقلية، وذات قيمة احتمالية معيّنة؛ ومرادهم منه هو كونه من مسالك العلة المستنبطة، وعملية يقوم بها القائس أو المجتهد لإثبات وصف ما كونه علّة ومؤثّرا في الحکم؛ واختلف الأصوليون في حجية السبر والتقسيم علی أقوال نأتي بها لکن لابد للقارئ الکريم قبل هذا أن يطالع مفهوم السبر والتقسيم و أقسامها.

حكم حجية السبر والتقسيم

جلّ المناقشة الواردة في حجية السبر والتقسيم تنصبّ على المنتشر منه دون المنحصر، وذلك لما تقدّم من انعدام المنحصر في الشرعيات، لكنّ الكثير من الأصوليين لم يصرّح بهذا، وقد أطلقوا على العموم عبائر في هذا المجال ممّا قد يبدو منه الشمول لكلا القسمين، إلاّ أنّ بعضا قد صرّح بأنّ البحث منصبّ على المنتشر[١].

الأقوال في حجية السبر والتقسيم

وقد وردت عدّة أقوال في السبر والتقسيم:

القول الأول: كونه حجّة في العمليات

أي الشؤون العملية أو المتعلّقة بالأعمال في قبال العلميات، وهي التي تتعلّق بالعلم فقط؛ لكونه موجبا لغلبة الظنّ. واختار هذا إمام الحرمين، وابن برهان وغيرهما[٢].

القول الثاني: حجّية السبر والتقسيم للناظر دون المناظر

رأي بالتفصيل، وهو حجّية السبر والتقسيم للناظر (أي المجتهد) دون المناظر (أي المستدلّ أو المعترض على القياس)، أي أنّه ينفع لإبطال مذهب الخصم، ولا ينفع لتصحيح مذهب المستدلّ، إذ لا مانع من أن يقال: ما أبطلته باطل وما اخترته باطل، والحكم في الأصل الذي وقع البحث فيه غير معقول المعنى، فلا يصلح السبر لإثبات معنى الأصل، وإنّما يصلح لإبطال مذهب الخصم. ذهب إليه الآمدي[٣].

القول الثالث: أنّه حجّة للناظر والمناظر

ولا معنى للتفريق بينهما؛ لأنّه لا معنى للمناظرة إلاّ إظهار مأخذ الحكم. وهو مذهب أكثر الشافعية، ورأي جمهور المالكية وبعض الحنابلة و المعتزلة[٤]، ورأي الرازي[٥].

الاستدلال علی الأقوال الثلاثة والرد عليها

وقد استدلّ مثبتو حجّية السبر والتقسيم باُمور:
الأوّل: إجماع الفقهاء.
ومن الواضح أنّ الكثير من الأصوليين يرفضون حجية السبر والتقسيم، فادّعاء الإجماع غير واقعي.
الثاني: كون السبر والتقسيم يوجب الظن، وهو الدليل على أصل القياس، فكذلك على مسالك العلّة فيه. وهذا الدليل مبني على حجّية الظن، الأمر الذي يرفضه البعض مثل الشيعة.
الثالث: قوله تعالى: «وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين»[٦].
ويوضح البعض الاستدلال بهذه الآية بالنحو التالي: «وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلّها. ولو كانت الأحكام والشريعة عموما خالية من الحكمة ما كانت رحمة، بل نقمة؛ باعتبار أنّه لا يعود للمكلّفين من التكاليف غير التعب وذلك من باب سبر الواقع[٧].
واعتبره بعض آخر دليلاً قطعيا، واستدلّ عليه بأنّه ممّا نطق به القرآن ضمنا أو صريحا في موارد كثيرة، فقد استخدمه للاستدلال على بعض المضامين الواردة في القرآن، فالنطق به ضمنا ورد في قوله تعالى: «مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ»[٨]، ويقال في توضيح الاستدلال بالآية: «فلفظ «ما» في قوله: «مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ» عام في جميع الأجنة سواء منها ما كان حيّا أو ميتا، لكنّهم لمّا قالوا: «وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء» علمنا أنّ القول الأوّل يتضمّن أنّ ما يخرج من الأجنة حيّا فهو لذكورهم وما يخرج ميتا فهو مشترك بين الذكور والإناث كما هو مفهوم كلامهم»[٩].
ومن الموارد التي نطق بها صراحة هو قوله تعالى: «ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»[١٠]. وقد عدّت هذه الآيات دليلاً قطعيا على هذا المسلك[١١].

القول الرابع: النافون لحجّية السبر والتقسيم

أهمّ النافين لحجّية السبر والتقسيم هم الشيعة، حيث يرونه وأمثاله ممّا يوجب الظنّ، وهو غير حجّة في الشرعيات إلاّ أن يكون هناك دليل دالّ على اعتباره شرعا. وجلّهم لم يتطرّقوا لهذا الموضوع، بل لأصل موضوعه، وهو القياس. واُولئك الذين تطرّقوا له رفضوا حجيّته لعدّة أدلّة:
الأوّل: رفض فكرة كون الأحكام كلّها ممّا تقبل التعليل.
الثاني: من المحتمل أن يكون الأصل معللاً بعلّة اُخرى غير ما ظنّه القائس وغير ما حصره من أوصاف.
الثالث: على فرض كون المقيس قد أصاب التعليل، لكن من غير الثابت أنّها تمام العلّة، ومن المحتمل كونها جزء العلّة، وهناك أجزاء اُخرى للعلّة لم يصل إليها القائس.
الرابع: من المحتمل أن يكون القائس قد أضاف شيئا أجنبيا إلى العلّة الحقيقة لم يكن له دخل في المقيس عليه.
الخامس: احتمال أن يكون في الأصل خصوصية في ثبوت الحكم قد غفل عنها القائس. ويُعلم ذلك من خلال التدبير في المسائل التي استخدم في استنباطها القياس، من قبيل المثال التالي: الغاصب يضمن إذا تلف المال تحت يده «المقيس عليه» والسارق أيضا يضمن وإن قطعت يده «المقيس» فتلف المال تحت اليد العادية هو الجامع. فـ تخريج المناط في مثل هذا المورد تخريج ظنّي وبحاجة إلى قيام دليل. وفي هذه الحالة ينبغي أن يكون للعقل إحاطة بأسرار الشريعة ومناطاتها، وهو أمر غير حاصل. والاستدلال على إمكان هذا من خلال الاستشهاد ببعض الأمثلة الواضح مناطها لا يكون دليلاً[١٢].
والأمر لم يقتصر على الشيعة فإنّ الكثير من أهل السنة لا يرونه حجّة بسبب أو آخر أو أبدوا مخالفتهم لهم ونقضوا حجّيته ولو نسبيا. فقد نفى بعضهم أن يكون السبر والتقسيم من مسالك العلّة، وذهب إلى أنّ السبر يرجع إلى اختبار أوصاف المحلّ وضبطها، والتقسيم يرجع إلى إبطال ما يظهر إبطاله منها، لكن أطلق عليها الأصوليون مسلكا تسامحا[١٣].
هناك منهم من اعتبره شرطا لا دليلاً؛ لأنّ الوصف الذي ينفيه السبر إمّا أن يقطع بمناسبته فهو التخريج أو يعرو عنها فهو الطرد، ولا يصحّ أن يعلل به أو لا يقطع بوجوده فيه ولا عدمها فهو الشبه، وعندئذٍ لا بدّ في العلّة من اعتبار وجود المصلحة أو صلاحيتها لذلك.
كما وصفه آخرون بأنّه خادم للوصف المناسب، أي به يتقيّد الوصف المناسب المختلط بغيره. وأقوال اُخرى تنفي أن يكون دليلاً[١٤].
ويذهب ابن تيمية إلى أنّ السبر والتقسيم غير يقيني؛ لجواز أن يكون الحكم ثابتا في الأصل لذات الأصل لا لخارج وإلاّ لزم التسلسل، وإن ثبت لخارج فمن الجائز أن يكون لغيرها أبدا وإن لم يطلع عليه مع البحث عنه...[١٥].

المصادر

  1. . إرشاد الفحول: 214.
  2. . البحر المحيط 5: 224، تعليل الأحكام في الشريعة: 181.
  3. . الإحكام الآمدي 3: 233 - 235، البحر المحيط 5: 225، إرشاد الفحول 2: 156.
  4. . مباحث العلة في القياس عند الاُصوليين: 451.
  5. . المحصول الرازي 5: 218 - 219.
  6. . الأنبياء: 107.
  7. . الإحكام الآمدي 3: 250.
  8. . الأنعام: 139.
  9. . مباحث العلّة في القياس عند الاُصوليين: 448 - 449.
  10. . الأنعام: 143 - 144.
  11. . مباحث العلّة في القياس عند الاُصوليين: 448.
  12. . مبادئ الوصول الحلّي: 225، اُصول الفقه (المظفر) 3 ـ 4: 192، اُصول الفقه المقارن فيما لا نص فيه: 111 - 114، الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت 1: 44 ـ 45.
  13. . إرشاد الفحول: 154.
  14. . البحر المحيط 5: 225.
  15. . مجموعة الفتاوى ابن تيمية 9: 198.