الدوران
الدوران: وهو توقف الحکم علی وجود الوصف، أي أن الوصف علة لوجود الحکم. كالسكر بالنسبة إلى عصير العنب، فإنّ السكر إذا حصل يوجب تحريم العصير، وإذا انعدم السكر كما لو تحوّل العصير خلاً فإنّ الحرمة ترتفع عندئذٍ.
تعريف الدوران لغةً
الدور: مصدر دار يدور دورا ودورانا. والدوار: نصب من أنصاب الجاهلية كانوا يدورون حوله كالطواف[١].
يقال: دار يدور دورانا. والدواري: الدهر؛ لأنّه يدور بالناس أحوالاً[٢].
تعريف الدوران اصطلاحاً
الدوران من مسالك العلّة المختلف فيها، وقد عرّف بأن يوجد الحكم عند وجود الوصف وأن يرتفع عند ارتفاعه. ويبدو وجود اتّفاق على تعريفه اصطلاحا بهذا التعريف، ولكن الاختلاف في استخدام مفردات التعريف، فقد استخدم بعض مفردة حدوث أو ثبوت مكان «وجود» كما استخدمت مفردة انعدام مكان «ارتفاع»[٣].
وقد عبّر الأقدمون من الأصوليين عن الدوران بالجريان كذلك الطرد والعكس[٤]، ووصفه البعض بالوجودي وبالعدمي كذلك[٥].
وقد يصوّر الدوران في محلّ واحد كالسكر بالنسبة إلى عصير العنب، فإنّ السكر إذا حصل يوجب تحريم العصير، وإذا انعدم السكر كما لو تحوّل العصير خلاً فإنّ الحرمة ترتفع عندئذٍ، أو بالحبوبات فإنّ الربا يجري فيها ما دامت حبوبا مطعومة، وبمجرّد أن تخرج عن كونها حبوبا مطعومة، كما لو زرعت وأصبحت قصيلاً، فتنتفي عنها حالة الربا. وقد يصوّر في محلّين، كالسكر في عصير العنب، فهو موجود في عصير العنب، والحرمة حاصلة، وغير موجود في عصير الليمون فالحرمة منتفية[٦].
وقد اشتقّت ألفاظ من مفردة الدوران، هي: المدار ويراد منه الوصف الذي يترتّب عليه الحكم، والدائر وهو الحكم المترتّب على الوصف[٧].
الألفاظ ذات الصلة
1. الطرد أو اطّراد العلّة
وهو أن يوجد الحكم عند وجود الوصف أو استمرار حكم الوصف[٨]، ويسمّى الدوران الوجودي كذلك، وفرقه عن الدوران في أنّ الاطراد اقتران العلّة بالحكم وجودا لا عدما، بينما في الدوران يكون هذا الاقتران وجودا وعدما[٩]. راجع: اطّراد العلة
2. العكس أو انعكاس العلّة
انعکاس العلّة هو أن ينتفي الحكم عند انتفاء العلّة أو انعدام الوصف[١٠]، ولا يوجد عند عدم وجوده، ويسمّى الدوران العدمي، وقد عدّه البعض من شروط العلّة[١١]. وفرقه عن الدوران في أنّه يستبطن اقترانا بين عدم الوصف مع عدم الحكم فقط، أي الاقتران عدمي فحسب بينما في الدوران يكون الاقتران عدما ووجودا.
حجية الدوران
اختلف الأصوليون في حجّية الدوران من حيث إفادته عليه الوصف أو عدم إفادته ذلك، ووردت عنهم آراء:
الرأي الأوّل: كونه يفيد علية الوصف
واستدلّ عليه بمجموعة من الاعتبارات و الاستحسانات العقلية، مثل:
أنّ اقتران وصف بحكم وانتفاء الحكم بانتفاء الوصف يوجب القطع أو الظنّ بأنّ الحكم دائر مدار ذلك الوصف[١٢].
وأنّ هذا شأن العلل في العقليات فكذلك يكون في الشرعيات[١٣].
ومع غضّ النظر عمّا أورده المخالفون من ردود على هذه الاعتبارات العقلية فإنّ القائلين بهذا الرأي اختلفوا في أنّ إفادة الدوران توجب القطع بالعلّية أو توجب الظنّ، فبعض قال بإيجابه القطع، وهو منسوب إلى بعض المعتزلة[١٤] وبعض أصحاب الشافعي[١٥].
وقال بعض آخر بإفادته الظن بشرط عدم المانع والمزاحم، وهو مذهب منسوب إلى جمهور أصوليي أهل السنة[١٦].
الرأي الثاني: كون الدوران لا يفيد العلّية أصلاً
وهو مذهب منسوب الى جمهور العلماء[١٧] وعامّة اُصوليي الحنفية[١٨] واُصوليين، مثل: الآمدي[١٩] وبعض الشيعة من الذين أبدوا رأيا في هذا المجال مثل السيّد المرتضى[٢٠].
استدلّ على هذا الرأي بعدّة اُمور:
منها: من المحتمل أن يكون الوصف ملازما للحكم فقط لا علّة له، من قبيل: ملازمة الرائحة لبعض الأشياء.
ومنها: إنّ الدوران لا يكشف عن العلّية بالضرورة، وهو غير مختصّ بحالة العلّية؛ لأنّه يحصل مع المتضايفين والمتعاكسين.
ومنها: إنّ الأحكام تعتمد المصالح والمفاسد التي لا يعلمها إلاّ اللّه، ولا يمكن الحكم بالعلّية بمجرّد التلازم[٢١].
الرأي الثالث: التفصيل
وهو للغزالي، حيث قال بأنّ الدوران أو الطرد والعكس بحدّ ذاته لا يدلّ على العلّية إلاّ إذا اقترن بـ السبر والتقسيم وسبر أغوار الصفات للتأكّد من كون الصفة علّة؛ لأنّ مجرد حدوث الحكم بحصول الصفة وزواله بزوالها لا يدلّ على العلّية، فالرائحة من هذا القبيل تقترن دائما بالشيء الذي يصدر منه رائحة، لكن لا من باب العلّية بل من باب الملازمة للعلّة أو كونه جزء علّة[٢٢].
المصادر
- ↑ . ترتيب جمهرة اللغة 1: 660 مادّة «دور».
- ↑ . معجم مقاييس اللغة 2: 310، مادّة «دور»، واُنظر: لسان العرب 2: 1337 مادّة «دور».
- ↑ . نهاية السئول 4: 117، المحصول الرازي 2: 347، إرشاد الفحول 2 : 181.
- ↑ . البحر المحيط 5: 255.
- ↑ . مذكرة اُصول الفقه: 260.
- ↑ . نبراس العقول: 375، مباحث العلّة في القياس: 475، القياس حقيقته وحجيته: 294.
- ↑ . نهاية السول 4: 118.
- ↑ . اُنظر: روضة الناظر: 172.
- ↑ . البحر المحيط 5: 248، تجريد الاُصول: 105، المهذب في علم اُصول الفقه المقارن 5: 2140.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 207، كشف الأسرار 4: 77، اُصول الفقه (الخضري بك): 322.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 375، البحر المحيط 5: 143.
- ↑ . نهاية السول 4: 121 ـ 127، القياس حقيقته وحجّيته: 294 ـ 295، مباحث العلّة في القياس: 475 ـ 489.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 854.
- ↑ . نبراس العقول: 379.
- ↑ . مباحث العلة في القياس: 476.
- ↑ . المحصول الرازي 2: 347 ـ 352، البحر المحيط 5: 243.
- ↑ . مذكرة اُصول الفقه: 262.
- ↑ . مباحث العلّة في القياس: 476.
- ↑ . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 260 ـ 263.
- ↑ . رسائل الشريف المرتضى 4: 304.
- ↑ . ميزان الاُصول 2: 856، نهاية السول 4: 121 ـ 126، مباحث العلّة في القياس: 476 ـ 482.
- ↑ . المستصفى 2: 157، واُنظر: البحر المحيط 5: 247، نبراس العقول: 376.