عبد المجيد سليم

من ویکي‌وحدت

عبد المجيد سليم: شيخ الأزهر، ومفتي الديار المصرية في وقته، وأحد مؤسّسي دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة.

عبد المجيد سليم.jpeg
الاسم عبد المجيد سليم‏
الاسم الکامل عبد المجيد سليم‏
تاريخ الولادة 1299 ه / 1882 م
محلّ الولادة مصر
تاريخ الوفاة 1379 هـ / 1954 م
المهنة شیخ الأزهر، ورائد من روّاد الوحدة والتقريب
الأساتذة الشيخ محمّد عبده
الآثار
المذهب

ولادته

ولد الشيخ عبد المجيد سليم سنة 1882 م في قرية ميت شهالة من قرى المنوفية بمصر.

تعليمه ومناصبه=

بعد دراسته الأوّلية دخل جامعة الأزهر، وتخرّج منها بشهادة العالمية سنة 1908 م، وقد أخذ عن الشيخ محمّد عبده، وكان أُستاذاً للشيخ محمود شلتوت. ولقّب بابن سينا؛ لنبوغه في الفلسفة.

وبعد إكمال دراسته عمل قاضياً ومدرّساً وعضواً في مجلس الاستفتاء، وولّي مشيخة الأزهر الشريف مرّتين: سنة 1950 م لمدّة عام واحد، وسنة 1952 م لمدّة عامين، وإفتاء الديار المصرية نحو عشرين عاماً، يقال: أصدر ما يقارب 16 ألف فتوى‏، بينها ما يرجع إليه الفقهاء والقانونيّون.

أخلاقيّاته

كان الشيخ عبدالمجيد من الأعضاء الناشطين في جماعة التقريب، وكان صريحاً وشجاعاً، وبسبب صراحته هذه استعفى‏ من رئاسة الأزهر سنة 1946 م؛ لأنّ الحكومة أرادت التدخّل في شؤون الأزهر، وقد غضب منه بشدّة رئيس ديوان البلاط الملكي وهدّده بالأخطار التي سيواجهها نتيجة لعمله هذا، فأجابه الشيخ بكلّ صراحة وشجاعة: «مادمت ماشياً بين بيتي والمسجد فلن يهدّدني أيّ خطر».

وفاته

بعد سنين من السعي الدؤوب في مجال التقريب والوحدة الإسلامية توفّي في القاهرة يوم الخميس العاشر من صفر سنة 1374 ه المصادف لسنة 1954 م.

عبد المجيد سليم والوحدة الإسلامية

ركّز الشيخ مجهوده في السنوات الأخيرة في الاشتغال بجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية. وقد جعلت هذه الجماعة من أهدافها أن تتفاهم الطوائف الإسلامية على ما ينفع المسلمين، وأن تعمل على نسيان الخلاف واستلال الضغائن من بينهم، وله في هذه الناحية كتابات ورسائل ومراسلات بينه وبين كثير من علماء البلاد الإسلامية.
وكان يقول: «لقد كان أصحاب رسول اللَّه (صلّى الله عليه و آله) والتابعون لهم بإحسان والأئمّة عليهم الرضوان يختلفون، ويدفع بعضهم حجّة بعض، ويجادلون عن آرائهم بالتي هي أحسن، ويدعون إلى سبيل ربّهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم نسمع أنّ أحداً منهم رمى غيره بسوء أو قذفه ببهتان، ولا أنّ هذا الاختلاف بينهم كان ذريعة للعداوة والبغضاء، ولا أنّ آراءهم فيما اختلفوا فيه قد اتّخذت من قواعد الإيمان وأُصول الشريعة التي يُعدّ مخالفها كافراً أو عاصياً للَّه‏تعالى، وقد كانوا يتحامون الخوض في النظريات وفتح باب الآراء في‏ العقائد وأُصول الدين، ويحتمون الاعتصام فيها بالمأثور؛ سدّاً لذريعة الفتنة، وحرصاً على وحدة الأُمّة، وتفرّغاً لما فيه عزّهم وسعادتهم وارتفاع شأنهم، ولذلك كانوا أقوياء ذوي عزّة ومهابة أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم.
ولكن المسلمين لم يلبثوا أن انحرفوا عن هذه السبيل، واتّخذوا من خلافاتهم عصبيات جامدة لا تعرف التفاهم، ولا تنزل عن حكم البرهان والعقل، وكانوا باختلافهم المذهبي كالمختلفين في الدين، يتبادلون سوء الظنّ، ويتراشقون التهم جزافاً، وينظر بعضهم إلى بعض في حذر وحيطة، بل أفضى بهم ذلك في كثير من الأحيان إلى التضارب والتقابل وسفك الدماء، وبذلك انحلّت عرى الأُمّة، وانفصمت وحدتها، وقدر عليها أعداؤها، ونزع اللَّه هيبتها من القلوب، وأصبحت غثاء كغثاء السيل، وانقلب الخلاف الذي كان رحمة ونعمة إلى بلاء وشرّ وفتنة! وصار مثله كمثل الخلاف في الأُصول والنزاع على الأُسس الأُولى للإيمان.
ولقد كان رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله) يخشى هذا التفرّق ويحذّر منه، وكان يشبّه المؤمنين بالجسد الواحد، ولم يكن شي‏ءء أبغض إليه بعد الكفر باللَّه من الاختلاف في التنازع ولو في الأُمور العادية.
إنّ هذه الأُمّة لن تصلح إلّاإذا تخلّصت من هذه الفرقة، واتّحدت حول أُصول الدين وحقائق الإيمان، ووسّعت صدرها فيما وراء ذلك للخلافات مادام الحكم فيها للحجّة والبرهان.
ولقد أدركنا في الأزهر على أيّام طلبنا للعلم عهد الانقسام والتعصّب للمذاهب، ولكن اللَّه أراد أن نحيا حتّى نشهد زوال هذا العهد وتطهّر الأزهر من أوبائه وأوضاره، فأصبحنا نرى الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي أُخواناً متصافية، وجهتهم الحقّ وشرعتهم الدليل، بل أصبحنا نرى بين العلماء من يخالف مذهبه الذي درج عليه في أحكامه؛ لقيام الدليل عنده على خلافه، وقد جرّبت طول مدّة قيامي بالإفتاء في الحكومة والأزهر- وهي أكثر من عشرين سنة- على تلقّي المذاهب الإسلامية ولو من غير الأربعة المشهورة بالقبول مادام دليلها عندي واضحاً وبرهانها لديّ راجحاً، مع أنّني حنفي المذهب، كما جريت وجرى غيري من العلماء على مثل ذلك فيما اشتركنا في وضعه أو الإفتاء عليه من قوانين الأحوال الشخصية في مصر، مع أنّ المذهب الرسمي فيها هو المذهب الحنفي، وعلى هذه الطريقة نفسها تسير «لجنة الفتوى بالأزهر» التي أتشرّف برئاستها، وهي تضمّ طائفة من علماء المذاهب الأربعة.
فإذا كان اللَّه قد برّأ المسلمين من هذه النعرة المذهبية التي كانت تسيطر عليهم إلى عهد قريب في أمر الفقه الإسلامي، فإنّا لنرجو أن يزيل ما بقي بين طوائف المسلمين من فرقة ونزاع في الأُمور التي يقوم عليها برهان قاطع يفيد العلم، حتّى يعودوا كما كانوا أُمّة واحدة، ويسلكون سبيل سلفهم الصالح في التفرّغ لما فيه عزّتهم، وبذلك السعي والوسع فيما يُعلي شأنهم، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل».
هذا، وإنّ الذين كانوا يعملون مع الشيخ عبد المجيد في دارالإفتاء يذكرون أنّه كان يقضي أيّاماً كثيرة في مراجعة فتوى واحدة؛ إذ كان من ديدنه أن يقرأ كتب السابقين في كلّ مذهب، وأن يطيل المراجعة المستأنية في الآراء المتشابهة، وأن يحاول التوفيق بين ما يتعارض من النصوص ويشتبه من الأحكام، وله من نفسه جلسات صامتة للتفكير المتّئد، ولم ينس أن يدرس آراء سابقيه من رجال الإفتاء، وأن يعارض وأن يحبّذ وفق ما يرتئيه، وقد يضطرّ إلى مخالفة زميل كبير له مقامه الفقهي، فيكتفي بالإشارة إلى رأيه معقّباً عليه بما فتح اللَّه به من النظر الجديد.
على أنّ نضوج الرجل الفقهي يتّضح بجلاء فيما لم يسبق إليه من الآراء، حين تجدّ أُمور مستحدثة في عالم الاقتصاد أو الطبّ أو الاجتماع، فتتطلّب رأي الإسلام في هذا المستحدث، ويضطرّ الفقيه إلى القياس الأُصولي ليقرن النظير بالنظير، على حدّ تعبير الدكتور البيّومي... فمثلًا حين اشتدّت أزمة التموين في الحرب العالمية الثانية، واحتكر التجّار وسائل العيش، واضطرّت الحكومة إلى تسعير البضائع، وجد من يعارض في التسعير، فأصدر الشيخ فتواه بضرورته في مثل هذه الأزمات، وأبان نصوصاً كثيرة تحبّذ رأيه من كتب السلف، فأسكت بعض من يتصدّرون للفتوى بغير حقّ، وصارت فتواه عملًا ملزماً للجميع.
وإذا كانت الفتوى الدينية أبرز آثار الشيخ، فإنّها ليست وحدها آية فضله، فقد أُتيح له أن يقوم على رعاية الدراسات العليا بكلّيات الأزهر الشريف، فيشرف على مناهجها، ويناقش رسائلها، ويحضر بعض دروسها، والدراسات العليا لعهده تتشعّب في كلّيات الشريعة الإسلامية، واللغة العربية، وأُصول الدين... ومعنى ذلك أنّ إلمام الشيخ الكبير بعلوم الأزهر جميعها يؤهّله للمناقشة الجادّة في مواد هذه الكلّيات جميعها، فهو يناقش في أُصول الفقه كما يناقش في مسائل المنطق كما يناقش في فنون البلاغة ودقائق النحو والتصريف، ولا تكاد اليوم تجد عالماً من هذا الطراز المستوعب بعد أن شاع التخصّص بمعناه الهشّ، لا بمدلوله الدقيق.
كما كان الرجل الكبير على رأس جماعة صمّمت على ضرورة الإصلاح الأزهري للتعليم منهجاً وكتاباً وأُستاذاً في الفترة الثانية لعهد الإمام المراغي: لأنّ الأحداث العاصفة قد حالت دون تمام الإصلاح كما عناه الأُستاذ المراغي في مذكّرته الشهيرة التي تقدّم بها في مشيخته الأُولى، والتي أحدثت من الدوي ما اهتزّت له جنبات الأزهر، وأدّت إلى استقالته بعد أن قامت عقبات شديدة أمام تحقيق ما جاء بالمذكّرة الخالدة، ثمّ رجع الشيخ إلى عمله، ولكن ظروفاً ما قد وقفت دون استكمال وجوه الإصلاح، فرأى جماعة من خُلاصة رجال الإزهر، كالشيخ محمود شلتوت، والدكتور محمّد البهي، والأُستاذ محمّد محمّد المدني، والأُستاذ عبد العزيز عيسى، أن يلتفّوا حول الشيخ عبد المجيد سليم كي يجدوا منه عوناً على أداء رسالة الأزهر كما حدّدتها مذكّرة الأُستاذ الأكبر.
وقام الشيخ عبد المجيد سليم بواجبه الإصلاحي، وأُقيمت الندوات الهادفة في كلّيات الأزهر الثلاث، وكان اسم الشيخ شلتوت من أنشط الأسماء الداعية لسرعة العمل، وقد ساعده على ذلك انتماؤه إلى جماعة كبار العلماء. فجدّد من نشاطها، ودفع بها إلى تقدّم مأمول... الظاهر أنّ المراغي كان سعيداً بهذه الحركة؛ لأنّها ثمرة توجيهه وشعاع مصباحه، ولئن تأخّر في تنفيذ بعض دون بعض فذلك لأنّ القائم بالعمل المباشر يرى ما لا يراه من لا يزال على شاطئ يراقب الموج الهادر دون أن يسبح في الماء، ولن يتمّ الإصلاح المنشود دون أمد محدود، فالغاية بعيدة، والمطلب شاقّ مرهق، والمطايا لم تتعوّد السير السريع، وعلى اللَّه قصد السبيل.
هذا، ومن أكبر جهاده في جمع الكلمة الإسلامية دعوته إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية المعتبرة وتوجّهه لجماعة التقريب باذلًا جهده الحميد حتّى أصبح التقريب الآن هدفاً يسعى الجميع إلى تحقيقه مخلصين.
يقول الأُستاذ محمّد محمود رئيس محكمة الاستئناف العليا في تأبينه إذ أشار إلى أنّه «كان النجم اللامع في لجنة الأحوال الشخصية بوزارة العدل، إذ كانت تعرض الموضوعات والمسائل على اللجنة بعد سبق فحصها، وعندئذٍ يأخذ الشيخ عبد المجيد الكلمة، فيتولّى شرح المسائل، الواحدة تلو الأُخرى، مستعرضاً شتّى الآراء في كلّ مذهب من المذاهب، ومقرّراً الحكم الدقيق، ذاكراً رأي الأئمّة والمجتهدين من الفقهاء، مسايراً روح العصر، منتقلًا من فنّ إلى فنّ، وهو في ذلك كالبحر الدافق، حتّى إذا انتهى من عرضه المستوعب الجامع قامت اللجنة بالبحث والتمحيص لإعطاء الصيغة النهائية للمادّة القانونية».
وهكذا يكون الفقيه الأكبر سعة اطّلاع، وسلامة منهج، ودقّة استنباط.

المصدر

(انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي 4: 149، الأزهر في ألف عام 1: 306- 307 و 2: 382، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين 2: 293- 310، موسوعة ألف شخصية مصرية: 395، عظماء الإسلام: 413، نثر الجواهر والدرر 1: 817، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 689- 694، موسوعة طبقات الفقهاء 14: 392- 393، الإمام البروجردي... آية الإخلاص: 104- 106، المعجم الوسيط فيما يخصّ الوحدة والتقريب 1: 369- 371).