لا قدرة على إضعاف سلاح المقاومة (ملاحظة)
لا قدرة على إضعاف سلاح المقاومة، عنوان مذكرة تتناول موضوع قرار حكومة «نواف سلام» الأخير الذي صدم لبنان؛بقلم: [١] ربما يكون تعبير «إميل لحود» الذي وصف به قرار يوم الأربعاء 6 أغسطس 2025م لهذه الحكومة هو الأبلغ؛ «خيانة وطنية أثناء الحرب». لذلك أعلن الرئيس اللبناني السابق أن هذه الحكومة يجب أن تُحل وأن يُحاكم رئيسها بتهمة «الخيانة للبنان أثناء الحرب» مع الكيان الصهيوني. بالتزامن مع طرح هذا القرار في مجلس الوزراء، أرسل جوزف عون وقائد الجيش اللبناني عبر نبيه بري رئيس البرلمان وحليف حزب الله رسالة إلى المقاومة في لبنان مفادها أنهم لا ينوون استخدام «القوة» لتنفيذ القرار القاضي بنزع سلاح حزب الله، وهذا من جهة يتناقض مع هذا القرار لأن قرار الحكومة ألزم الجيش بأن يقدم خطته لنزع سلاح حزب الله إلى الحكومة قبل نهاية هذا الشهر الميلادي، وأن يُنجز ذلك قبل نهاية السنة الميلادية الجارية ـ أي خلال خمسة أشهر أخرى. ومن جهة أخرى، تعبر هذه التصريحات عن التناقض بين إقرار وتنفيذ نزع سلاح حزب الله. في الواقع، أهم المؤسسات اللبنانية المكلفة بتنفيذ هذا القرار اعترفت بعدم قدرتها على تنفيذه.
تم إقرار قرار حكومة لبنان على الرغم من أن وزراء الشيعة بالإضافة إلى وزير واحد من أهل السنة ـ من جماعة الإسلام اللبناني الحليفة لحزب الله ـ غادروا جلسة مجلس الوزراء فور طرح النقاش وقبل التصويت. العرف السائد في لبنان أن قرارات البرلمان والحكومة لا تُعتد بها إلا بمشاركة الطوائف الثلاث الرئيسية في لبنان (الشيعة، الموارنة، السنة) في التصويت عليها. نواف سلام، بتجاوز هذا العرف القانوني، استند إلى أغلبية أصوات 17 عضوًا في الحكومة وأبلغ الجيش بتنفيذ القرار، مع علمه أن الجيش عمليًا لا يملك هذه السلطة، وبسبب وجود مؤيدي الشيعة، والمسيحيين، والسنة من حزب الله في تركيبة الجيش، إذا نُفذ قرار الحكومة فإن الجيش سينهار. لهذا السبب أعلن قائد الجيش صراحة عدم جاهزية الجيش لتنفيذ قرار يؤدي إلى تحدٍ داخلي عميق. حول هذا القرار والحالات التي من المرجح أن تنشأ بعده.
نزع سلاح المقاومة
نقاش نزع سلاح حزب الله في لبنان هو جزء من خطة أكبر بعنوان «نزع سلاح المقاومة» التي طُبقت خلال الأشهر الماضية بالتزامن ضد مكونات المقاومة في المنطقة. الهدف من هذه الخطة هو تغيير الوضع الجذري في غرب آسيا، أو ما يسميه الغربيون الشرق الأوسط. ثلاث دول هي أمريكا، السعودية، والكيان الصهيوني ـ بالترتيب ـ تسعى إلى نزع سلاح المقاومة في كل المنطقة للوصول إلى «غرب آسيا الجديد» أو الشرق الأوسط الجديد. من وجهة نظر هذه الدول الثلاث، التي لكل منها مجموعاتها، المقاومة بلا سلاح غير قادرة على الحفاظ على موقعها المتميز في العلاقات العسكرية ـ الأمنية وحتى السياسية. وهم يعتقدون أن المقاومة في فلسطين، لبنان، العراق، اليمن وإيران استطاعت بإظهار قوة السلاح أن تمنح الشعوب الأمل في مواجهة نظام الهيمنة وعملائه الإقليميين. لذلك، إذا حدث نزع السلاح، فإن الأمل الاجتماعي بالمقاومة يتحول إلى يأس، وتُخفض مجموعات المقاومة المعروفة في المنطقة إلى مستوى مجموعات ذات تأثير محدود ومقارنة بمجموعات أخرى، وبتدريج تُفقد فعاليتها. السعودية تنظر إلى نزع سلاح المقاومة كجسر للوصول إلى الشرق الأوسط الذي تصبو إليه. وكذلك أمريكا والكيان الصهيوني يعتبران إضعاف محور المقاومة ومكوناته مقدمة لتنفيذ أي خطة ناجحة في هذه المنطقة. هكذا، يتم في آن واحد نزع سلاح المقاومة في غزة (أثناء الحرب!)، ونزع سلاح حزب الله في لبنان، ونزع سلاح حركات المقاومة في العراق، وإشراك المقاومة في اليمن، وتقييد سلاح إيران. هنا يتضح أمر مهم وهو أن قوة أمريكا في المنطقة في مجالات مختلفة (السياسية، الثقافية، التكنولوجية والاقتصادية) تعتمد على قوة السلاح، وإذا تضررت هذه القوة فلن تستطيع تحقيق إنجاز في المجالات الأخرى.
قرار معقد
قرار حكومة لبنان في الواقع قرار معقد لأعضاء من صوتوا عليه. في لبنان لا يوجد تحدٍ أكثر تعقيدًا من تحدي سلاح المقاومة، لأنه من جهة الجميع يعلم أن السلاح موضوع حيوي لأمن واستقرار لبنان، ومن جهة أخرى هو نقطة ارتكاز لبنان في المعادلات الأمنية والميزة التي تمنحه الأفضلية في مواجهة التحديات الأمنية ـ العسكرية. لعبة نواف سلام مع ميزة لبنان هي أسوأ لعبة في حكومته، وفعليًا ستؤدي إلى اختفائه من المشهد السياسي اللبناني، وعلى الأكثر خلال عشرة أشهر ـ حتى انتخابات مايو القادمة ـ سيغادر المشهد السياسي اللبناني نهائيًا. وكذلك جوزف عون سيفقد فرصة الاستمرار بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأنه بدون أصوات الشيعة لا يمكن لهما إعادة انتخابهما. لذلك يمكن القول إنهما أول ضحايا هذه الخطة. الانتخابات اللبنانية القادمة، مهما كانت تركيبتها، ستحتفظ الطائفة الشيعية بمقاعدها تقليديًا وبشكل حاسم، والانتخابات البلدية التي جرت قبل عدة أشهر والنتائج الحاسمة التي حققها حزب الله تثبت أن موقع الشيعة ومجموعتيهما حزب الله وحركة أمل في الساحة السياسية والاجتماعية اللبنانية قد ترسخ. لماذا قبل الأمريكيون والسعوديون بتضحية شخصيتين بذلا جهودًا كبيرة لإيصالهما إلى السلطة؟ الجواب يجب أن يُبحث في صعوبة التعامل مع حزب الله. هذا القرار أظهر أن تنفيذ خطة ضد حزب الله دون قبول التضحية لن ينجح.
مشروع سعودي وليس قرارًا وطنيًا
كما أعلن عدة شخصيات لبنانية بارزة، قرار نزع سلاح حزب الله ليس قرارًا وطنيًا، بل هو مشروع سعودي، أمريكي، إسرائيلي في ظل انشغال لبنان بالحرب، ولا يملك أي مبرر لبناني. دخل الأمريكيون بخطة من مرحلتين وضغطوا علنًا على جوزف عون ونواف سلام لقبول هذه الخطة. هنا سؤال أساسي: هل لم تكن هذه الدول الثلاث تعلم أن نزع سلاح حزب الله في بنية لبنان غير قابل للتنفيذ؟ بالتأكيد كانوا يعلمون. أمريكا، السعودية، والكيان الإسرائيلي لديهم تجربة 30 سنة ويعلمون أن نزع سلاح حزب الله، وهو في الواقع نزع سلاح لبنان، لا يحظى بدعم شعبي حتى بين المسيحيين والسنة، ولا يترافق مع إجماع ضروري بين المجموعات اللبنانية. لذلك، كان واضحًا للأمريكيين أن هذا القرار لن يُنفذ، أو كما يُقال إنه نسخة من خطة باراك؛ لكن لماذا أصروا على إقراره؟ لكي يضفوا شرعية على أعمال إسرائيل الإجرامية والإرهابية ويسهلوا عليها تنفيذ عمليات اغتيال مستقبلية. وكما أعلن الكيان الإسرائيلي يوم الخميس بعد هجمات إرهابية في بعض مناطق لبنان، والتي استشهد فيها قائد مرتبط بالحركة الإسلامية ـ السنية ـ اللبنانية المؤيدة لحزب الله، أنه مهد الطريق أمام لبنان لتنفيذ قرار الحكومة الأخيرة.
صراع داخلي
لكن جانبًا من هذا القرار يضع لبنان على حافة صراع داخلي. حزب الله لبنان، رغم قوته الواسعة التي لا يملك الآخرون القدرة على منافستها، لا يرحب بالصراع الداخلي، بل إن الصراع الداخلي خط أحمر له، وهو أحد أهم أسباب شعبيته. لذلك هناك ضبط نفس من جانب واحد؛ فهل سيكون الضبط نفسه من الطرف الآخر؟ حزب الله، لكي لا يستفز الطرف المقابل، رغم أنه كان بإمكانه تنظيم تجمعات مليونية في شوارع بيروت وبقية المدن اللبنانية بعد قرار البرلمان، اكتفى بتظاهرات محدودة ورمزية بالدراجات النارية في بيروت وبعض المدن الأخرى. لذلك أظهر حزب الله أنه يتصرف بحكمة في هذا الشأن. لكن كيف ينظر الطرف الآخر إلى هذا المشهد؟ الحقيقة أن السعودية والكيان الصهيوني لا يترددان في استخدام عملائهما لإثارة الفوضى، ومستعدون لجعل الشعب اللبناني ضحية سياساتهم. لذلك يمكن القول: من المرجح أن يتدخل أنصار السعودية والنظام الذي يقوده الكيان الإسرائيلي في لبنان بهدف دفع حزب الله لقبول نزع السلاح، ومن الطبيعي أن تكون قوات سمير جعجع المعروفة بـ«القوات اللبنانية» أكثر قابلية للتحريض. لكن في النهاية من الواضح أن تأجيج الفوضى في لبنان، رغم أنه خسارة للطرفين، سيضر أكثر بالسعودية والكيان الإسرائيلي؛ لأن الشيعة إذا أرادوا يمكنهم السيطرة بالكامل على الجزء الجنوبي من وسط بيروت حتى الحدود الجنوبية والشرقية والغربية. وهم الوحيدون الذين يملكون القدرة على السيطرة على لبنان. لذلك يبدو أنه إلى جانب أسباب الفوضى هناك أسباب أخرى تزيد الأمل في عدم وقوع فوضى وإيجاد طرق لحل المسألة والحفاظ على سلاح المقاومة.
ردود الفعل
أعرب العلامة راجا ناصر عباس جعفري، السياسي ورئيس مجلس وحدة المسلمين في باكستان، عن قلقه الشديد من قرار حكومة لبنان بنزع سلاح مقاتلي حزب الله، واعتبر هذا الإجراء تهديدًا مباشرًا لأمن وسيادة لبنان الوطنية. وحذر من أن حكومة لبنان أصبحت أسيرة أعداء الإسلام، وأنها تسعى من خلال نزع سلاح المدافعين عن الوطن إلى كسب رضا الكيان الصهيوني. ودعا القوى الوطنية في لبنان والعالم الإسلامي إلى الوقوف صفًا واحدًا وبحزم في مواجهة هذه المؤامرة التي تستهدف المقاومة وسلاحها المشروع لمواجهة الاحتلال.<ref>تحذير «مجلس وحدة المسلمين» في باكستان من تبعات نزع سلاح حزب الله، قناة تجمع تقريب المذاهب الإسلامية على إيتا.</ref
مواضيع ذات صلة
الهوامش
- ↑ سعدالله زارعي.
المصادر
- قرار لا قدرة على إضعاف سلاح المقاومة (مذكرة يومية)، موقع صحيفة كيهان، تاريخ نشر المقال: 8 أغسطس 2025م، تاريخ الاطلاع: 9 أغسطس 2025م.