الفرق بين المراجعتين لصفحة: «ابن تيمية»
لا ملخص تعديل |
|||
| سطر ٦: | سطر ٦: | ||
== الولادة == | == الولادة == | ||
«أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلي» وُلد عام 661 هـ وتوفي عام 728 هـ. ولد بعد سقوط [[بغداد]] عاصمة [[الخلافة العباسية]] على يد [[التتار]] بخمس سنوات في مدينة «حران» (مدينة في [[الشام]])، وهاجر مع عائلته إلى [[دمشق]] في سن السابعة بسبب ظلم التتار. حران التي أصبحت الآن مدينة مدمرة في [[تركيا]]، كانت في السابق مدينة مزدهرة ثقافيًا، وذكر ابن تيمية في مؤلفاته أنها مركز الصابئة و[[عبادة الأصنام]] والفلاسفة. وقد وصفها كبار رجال [[الكنيسة]] بأنها «هيلينوبوليس» أو «مدينة الكفار والمشركين»<ref>[https://www.alwahabiyah.com/fa/questionview/4522/%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%db%8c%d9%85%db%8c%d9%87-%da%a9%db%8c%d8%b3%d8%aa%20https://www.alwahabiyah.com من موقع alwahabiyah.com]</ref>. | «أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلي» وُلد عام 661 هـ وتوفي عام 728 هـ. ولد بعد سقوط [[بغداد]] عاصمة [[العباسيون|الخلافة العباسية]] على يد [[التتار]] بخمس سنوات في مدينة «حران» (مدينة في [[الشام]])، وهاجر مع عائلته إلى [[دمشق]] في سن السابعة بسبب ظلم التتار. حران التي أصبحت الآن مدينة مدمرة في [[تركيا]]، كانت في السابق مدينة مزدهرة ثقافيًا، وذكر ابن تيمية في مؤلفاته أنها مركز الصابئة و[[عبادة الأصنام]] والفلاسفة. وقد وصفها كبار رجال [[الكنيسة]] بأنها «هيلينوبوليس» أو «مدينة الكفار والمشركين»<ref>[https://www.alwahabiyah.com/fa/questionview/4522/%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%db%8c%d9%85%db%8c%d9%87-%da%a9%db%8c%d8%b3%d8%aa%20https://www.alwahabiyah.com من موقع alwahabiyah.com]</ref>. | ||
تحررت حران في عهد [[عمر بن الخطاب]] على يد «عياض بن غنم». بعد اعتناق أهل حران للإسلام، تأثروا بشدة بحكام [[بني أمية]]، حتى أنهم بسبب دعايات بني أمية لم يعتبروا صلاة الجمعة صحيحة إلا مع اللعن على [[علي بن أبي طالب|الإمام علي(عليه السلام)]]. وعندما صدر أمر بمنع سب [[أهل البيت]] في زمن [[عمر بن عبد العزيز]]، رفض أهل حران ذلك وقالوا: الصلاة بدون لعن «أبو تراب» غير صحيحة! | تحررت حران في عهد [[عمر بن الخطاب]] على يد «عياض بن غنم». بعد اعتناق أهل حران للإسلام، تأثروا بشدة بحكام [[بني أمية]]، حتى أنهم بسبب دعايات بني أمية لم يعتبروا صلاة الجمعة صحيحة إلا مع اللعن على [[علي بن أبي طالب|الإمام علي(عليه السلام)]]. وعندما صدر أمر بمنع سب [[أهل البيت]] في زمن [[عمر بن عبد العزيز]]، رفض أهل حران ذلك وقالوا: الصلاة بدون لعن «أبو تراب» غير صحيحة! | ||
مراجعة ١٤:٥٣، ١٧ ديسمبر ٢٠٢٥
تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني المعروف بـابن تيمية، من علماء أهل السنة ومؤسس فكر السلفية والوهابية. فهم عقائد الوهابيين مرتبط بفهم ابن تيمية وعقيدته. في هذا المقال يُستعرض حياته، شخصيته، تحصيله العلمي وأسس فكره.
كان ابن تيمية من المذهب الحنبلي، وسعى لنشر مذهب الحنابلة، ورفض مثل الحنابلة علم الكلام واعتبر المتكلمين مبتدعين! في مسألة صفات الله، كما هو عند الحنابلة، قبل ألفاظ الصفات الإلهية الواردة في النصوص دون تفسير، وعمّم رفض أي نوع من «العقلانية». إلى جانب دعمه منهج وعقائد أهل الحديث، أضاف عقائد جديدة لم تكن معروفة قبل عصره[١].
الولادة
«أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلي» وُلد عام 661 هـ وتوفي عام 728 هـ. ولد بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية على يد التتار بخمس سنوات في مدينة «حران» (مدينة في الشام)، وهاجر مع عائلته إلى دمشق في سن السابعة بسبب ظلم التتار. حران التي أصبحت الآن مدينة مدمرة في تركيا، كانت في السابق مدينة مزدهرة ثقافيًا، وذكر ابن تيمية في مؤلفاته أنها مركز الصابئة وعبادة الأصنام والفلاسفة. وقد وصفها كبار رجال الكنيسة بأنها «هيلينوبوليس» أو «مدينة الكفار والمشركين»[٢].
تحررت حران في عهد عمر بن الخطاب على يد «عياض بن غنم». بعد اعتناق أهل حران للإسلام، تأثروا بشدة بحكام بني أمية، حتى أنهم بسبب دعايات بني أمية لم يعتبروا صلاة الجمعة صحيحة إلا مع اللعن على الإمام علي(عليه السلام). وعندما صدر أمر بمنع سب أهل البيت في زمن عمر بن عبد العزيز، رفض أهل حران ذلك وقالوا: الصلاة بدون لعن «أبو تراب» غير صحيحة!
كانت مدينة حران مركزًا لتطور الفقه الحنبلي، وكان أسرة ابن تيمية من كبار مذهب الحنابلة فيها، ولا شك أن هذا الجو أثّر على تشكيل أفكار ابن تيمية العائلية والشخصية[٣].
التحصيل العلمي والشخصية العلمية
كان والده رجل دين حنبلي، فأرسله إلى مدارس الحنابلة ليتعلم الفقه الحنبلي[٤]. عاش ابن تيمية حتى عام 698 هـ في الشام كعالم حنبلي ولم يُرَ عليه انحراف حتى كتب رسالة «الرسالة الحموية» التي أظهر فيها انحرافًا، حيث أقرّ لله «جهة» و«اتجاه» وضمنًا اعتبره جسمًا[٥].
بدأ دراسته في دمشق عند والده «الشيخ عبد الحليم»، ثم درس عند عدة أساتذة في دمشق، بينهم نساء. وفقًا لـابن كثير، عندما توفي والد ابن تيمية عام 682 هـ كان عمره 21 سنة، وبعد عام جلس على كرسي التدريس. كان بارعًا في مجالات مثل الفقه، أصول الفقه، العلوم النقلية والعلوم العقلية. هذه المعلومات نقلها تلميذه ابن كثير، وكررها آخرون مثل ابن قيم الجوزية و«المقدسي».
كان ابن تيمية كاتبًا غزير الإنتاج، حيث قدّر «الذهبي» مؤلفاته بحوالي 300 مجلد، وذكر «الصفدي» أسماء كثيرة منها. لكن العلماء اختلفوا في تقييم شخصيته العلمية؛ فبعضهم وصفه بأنه عالم واعٍ وذو فضائل ربما مبالغ فيها، وآخرون أنكروا مكانته العلمية واعتبروه كاتبًا سريع القلم فقط[٦].
أساتذة ابن تيمية
من أساتذته: مجد الدين ابن عساکر، ابن أبویسر التنّوحی، قاسم الأربلي، أبو الفرج بن قدامة المقدسي، شمس الدين ابن عطاء، زين الدين ابن المنجّا، ابن عبد الدائم، زينب بنت مكي[٧].
تلاميذ ابن تيمية
أبرز تلاميذه ومفكروه في تحدي المجتمع الإسلامي هم:
- عبد المنعم بن نجيب حراني حنبلي؛
- عماد الدين أحمد بن إبراهيم واسطي، بغدادي، دمشقي، حنبلي؛
- فاطمة بنت عباس بن أبو الفتح بن محمد، المعروفة بأم زينب، حنبلي؛
- جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن علي، حنبلي؛
- شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، مصري دمشقي، صاحب مؤلفات مثل سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام؛
- محمد بن أبو بكر بن أيوب بن سعد زرعي، المعروف بابن قيم الجوزية؛
- محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن كتبي دمشقي، المعروف بابن شاكر كتبي؛
- عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير دمشقي، المعروف بـابن كثير[٨].
علماء معاصرون لابن تيمية ومعارضوه
بعض كبار العلماء في عصر ابن تيمية عارضوه رسميًا، منهم:
- صفي الدين الهندي،
- كمال الدين زملكاني (ت 733 هـ)؛
- شهاب الدين الحلبي (ت 733 هـ)؛
- شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ)؛
- علي بن عبد الكافي السبكي (ت 756 هـ).
عندما باتت آراؤه المنحرفة تهدد المجتمع الإسلامي، أصدرت كبار علماء المذاهب الأربعة رسالة أعلنت فيها انحرافه عن الإسلام.
هؤلاء العلماء هم:
- «بدر بن جماعة» قاضي الشافعية؛
- «شهاب الدين جهبل» قاضي المالكية؛
- «محمد بن جريجري الأنصاري» قاضي الحنفية؛
- «أحمد بن عمر المقدس الحنبلي» قاضي الحنابلة[٩].
دراسة شخصية ابن تيمية العلمية
يمكن وصف مكانة ابن تيمية العلمية في جمل قصيرة: تقي الدين أحمد بن تيمية، مقارنة بسلفه مثل برهاني وابن بطّة، كان له مكانة علمية أعلى؛ سعى لتقديم أفكاره بدليل، وليس كما أهل الحديث الذين كانوا يصيغون أفكارهم دون دليل في إطار مناصب حزبية.
رغم أن مؤلفات ابن تيمية علمية، إلا أن أسلوبها ومنهجها يشبه الردود على أعدائه. معظم مؤلفاته ردود فعل على خصوم الصوفية، الشيعة، الأشاعرة، اليهود والمسيحيين. حيثما تناول نظرية، كانت تعكس روحه القتالية والعدائية تجاه معارضيه.
كان ابن تيمية في الكتابة والمناظرات حادًا وعنيفًا، ولم يحترم المنهج العلمي في نقاشاته. مثلاً، عند نقده للتصوف، كان يسبّ «محيي الدين»، «عفيف التلسماسي» و«ابن سبعين» بشدة؛ وفي تعابيره عن «الأشاعرة» استخدم ألفاظًا غير علمية وجهلة؛ وللإساءة إلى «نجم الدين كتبي» المعروف بـ«دبيران» في علم المنطق، كان يسميه «دبييران»؛ وعندما تعذر عليه الرد على العلامة الكبير «ابن مطهر الحلّي» وصفه بـ«ابن منجس»؛ وكتابه المعادي للشيعة «منهاج السنة» مليء بالاتهامات المبنية على ما سمعه من العامة أو تأثر بأفكار الشيعة الغلاة. في هذا الكتاب استخدم تعبيرات مثل «حماقات الشيعة» مما يدل على انحرافه عن العلم والمعرفة.
جانب آخر من شخصيته العلمية هو الفوضى الذهنية وغياب المنطق العلمي في فكره. لا يمكن التوصل إلى نتيجة محددة عنه؛ أحيانًا يعادي العقل ويشبهه بالوثن، وأحيانًا يستخدم استدلالات عقلية تقربه إلى المتكلمين؛ وأحيانًا تظهر أقواله تجسيمية تشبه الحشويين، وأحيانًا يرفض بعض مفسريه التشبيه والتجسيم بناءً على آراء منفردة له.
باختصار، لا يمكن رؤية نظام فكري واضح عند ابن تيمية، ومع كثرة مؤلفاته وتشتتها، يصعب دراسة فكره. لهذا، في عصره، كان علماء أهل السنة في حيرة بشأن أي رأي له يتبعون؛ أحيانًا يرونه عالمًا ملتزمًا بالسنة، وأحيانًا تدهشهم معارضاته لأسس فكر أهل السنة.
يبدو أن هذه الفوضى الفكرية عنده ناتجة عن تعارضاته الفكرية؛ فهو من جهة بسبب تعصبه يحاول السير في منهج السلف ولا يتجاوز حدود السلفية النقلية (أحمد بن حنبل)، ومن جهة أخرى، بسبب اطلاعه على الفلسفة والعلوم العقلية وأفكار أخرى، دخل في نقاشات عقلية وأدى إلى تعارض داخلي؛ ورغم أن تأملاته العلمية تدفعه في اتجاه آخر، إلا أنه بسبب تعصبه ورجعيته يختار الطريق الخطأ ويتجنب التفكير الجاد[١٠].
ظروف عصر ابن تيمية
أفكار كل عصر مرتبطة بالظروف السياسية، الاجتماعية والدينية لذلك العصر. بمعنى آخر، الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السيئة لا تزيل الأمن فحسب، بل تهيئ الأرضية لظهور أفكار منحرفة وخرافية في المجتمع؛ لأن المجتمع الذي يعاني مشاكل في مجالات مختلفة لا يستطيع مواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية والعقائدية. لذلك، عند دراسة أسباب نشوء السلفية العقائدية، لا بد من النظر إلى الظروف الاجتماعية والسياسية لتلك الفترة.
عصر ابن تيمية، أي النصف الثاني من القرن السابع والنصف الأول من القرن الثامن، شهد أحداثًا متعددة. من جهة، ضعف المسلمين في الحروب الصليبية التي بدأت عام 489 هـ واستمرت حتى 690 هـ (أكثر من قرنين)، مما أسفر عن ملايين القتلى والجرحى ودمار واسع؛ ومن جهة أخرى، غزو المغول للعالم الإسلامي عام 617 هـ كان أشد وقعًا من الحروب الصليبية، وأسفر عن خراب كبير، وأدى في 656 هـ إلى سقوط الخلافة العباسية على يد هولاكو خان. انهيار الخلافة الإسلامية، التي كانت نموذج الحكم المثالي لأهل السنة، ترك آثارًا مدمرة في العالم السني، خصوصًا في مجال النظريات السياسية، حيث صار السؤال الأساسي: في غياب الخلافة، ما هو النظام الشرعي للحكم؟ وكان هذا من أهم هموم ابن تيمية. وصف ابن الأثير آثار الغزو المغولي بأنها مدمرة لدرجة لا يمكن وصفها، وتمنى لو لم يولد أصلاً. خلال تلك الفترة، دُمرت مكتبات كثيرة، وانعزل كبار العلماء والأدباء، واستمر العالم الإسلامي في تدهوره المتسارع.
من ناحية أخرى، لم تكن منطقة الشام وخصوصًا دمشق أفضل حالًا من بقية مناطق العالم الإسلامي. بين 658 و712 هـ، تعاقب أكثر من خمسة عشر واليًا على دمشق. ضعف الخلافة العثمانية وحكم المماليك خلق وضعًا تحكم فيه القوة العسكرية لا السياسة والكفاءة.
لا شك أن الفوضى السياسية أثرت على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. في تلك السنوات، ضربت المنطقة كوارث طبيعية مثل الفيضانات والمجاعات والأمراض والزلازل؛ ففي 656 هـ انتشر وباء الكوليرا في الشام وقتل أعدادًا كبيرة لدرجة أن دور الغسل لم تستطع استيعاب الجثث. في 680 هـ غمرت الفيضانات دمشق، وفي 718 هـ حدثت مجاعة في شمال الشام وموصل أدت إلى هجرة وقتل كثيرين. وفي 720 هـ ضرب زلزال قوي مصر والشام.
مثل هذه الكوارث في مسقط رأس ابن تيمية، ترافق مع سوء إدارة الحكام، وأدى إلى نتائج كارثية للمجتمع. غياب المحتوى والأزمة المعنوية أتاحا فرصة لظهور فرق منحرفة مثل:
- الكرامية، من فرق أهل السنة الذين يؤمنون بالتجسيم والتشبيه؛
- النصيرية، فرقة من فرق الغلاة الشيعة الذين يعتقدون أن روح الله حلت في الإمام علي(عليه السلام)، ويعتبرون ابن ملجم أفضل خلق الله لأنه حرر الروح الإلهية من الجسد؛
- اليزيدية، التي تعطي مكانة عالية ليزيد وأثارت فتنة كبيرة في مناطق الشام؛
- الفرق الصوفية الجديدة، التي نشأت بسبب جهل المجتمع، وهي ليست من التصوف السني الأصيل، بل نشأت في بيئة اجتماعية ملوثة وتحمل اسم التصوف فقط.
في تلك الفترة، كان هناك حاجة ملحة لظهور فكر تقريبي يعتمد على المصادر الدينية والقيم الإسلامية لتوحيد العالم الإسلامي وتقريب المذاهب الإسلامية وتعزيز مكانة الإسلام في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
لكن ما حدث مع ابن تيمية والسلفية لم يكن علاجًا لأمراض الإسلام، بل نما كورم سرطاني في جسد الإسلام، وبدلًا من محاربة الأفكار الإلحادية، استهدف قلب المذاهب الإسلامية تحت مسمى «السلفية» المزيفة[١١].
الأسس الفكرية لابن تيمية
يمكن تلخيص أسس فكر ابن تيمية في أربعة محاور[١٢]:
حمل صفات الله الخبرية على المعاني اللغوية
في مصطلح علم الكلام، تُسمى بعض صفات الله «صفات خبرية»، وهي الصفات التي أخبر عنها القرآن والحديث ولم يُدرك العقل حقيقتها، مثل «وجه» و«يد» و«استواء على العرش» ونحوها، حيث ورد بعضها في القرآن وبعضها في الحديث النبوي.
لا شك أن المعاني اللغوية لهذه الصفات تدل على التجسيم، لأن «وجه» تعني «الوجه»، و«يد» تعني اليد، و«استواء» تعني الاستقرار أو الجلوس، وهذه من خصائص الموجودات الممكنة، والله الواجب الوجود منزه عن هذه المعاني. ولهذا، فإن جميع الفرق الإسلامية باستثناء فرقة «المجسمة» تفسر هذه الصفات بمعانٍ خاصة بناءً على قرائن سياق الآيات، كما يتضح من التفاسير وكتب الكلام.
لكن للأسف، شيخ الإسلام في القرن الثامن يُصر على أن ما ورد في هذا الشأن يجب أن يُحمل على المعاني اللغوية والعرفية المتداولة، ويُطلق على من يفسر هذه الصفات بمعانٍ مجازية أو كنايات «المؤولة» وينتقدهم، بل ويتجاوز ذلك قائلاً إن جميع الصحابة والتابعين كانوا على هذا الاعتقاد.
تقليل مكانة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الجزء الثاني من فكره هو إظهار المراتب العادية للأنبياء والأولياء، وأنهم بعد الموت لا يختلفون عن الناس العاديين. وفي هذا السياق يطرح مسائل تهدف جميعها إلى تقليل مكانة الأنبياء، خصوصًا النبي محمد وأولياء الدين العظام. بناءً على ذلك يقول:
- السفر لزيارة النبي حرام.
- جودة زيارة النبي لا تختلف عن زيارة قبور الأموات.
- كل مظلة أو سقف على القبور حرام.
- التوسل بالنبي بعد وفاته بدعة وشرك.
- القسم بالنبي أو القرآن، أو أن يقسم الله بهما، شرك.
- إقامة الاحتفالات بمولد النبي بدعة.
- وغيرها...
أساس آرائه في هذه المسائل هو أنه لا يضع حدًا منطقيًا بين التوحيد والشرك، ويعتبر هذه الأمور شركًا وبدعة أو على الأقل حرام بناءً على دوافع خاصة.
في هذا الجانب، طرح آراء ونظريات لم يقل بها أي من علماء الإسلام قبله، وكان عنيدًا في محاربته للجميع، مما أدى إلى ثورة الرأي العام بين أهل السنة ضده، وتم اعتقاله وسجنه مرات عديدة، وكُتبت عشرات الكتب لرد أفكاره.
إنكار فضائل أهل البيت
الجزء الثالث من أسسه الفكرية هو إنكار فضائل أهل بيت النبي المعصومين، والتي وردت في كتب الصحاح والمسانيد عند أهل السنة. في كتابه «منهاج السنة» الذي يجب أن يسمى بحق «منهاج البدعة»، ينكر أحاديث صحيحة تتعلق بمناقب علي وأهل بيته دون تقديم دليل، ويعتبرها جميعًا موضوعات، وهي فضائل نقلها وأكد صحتها عشرات الحافظين والفقهاء. على سبيل المثال يقول:
- إن نزول الآية «إنما وليكم الله ورسوله» على علي، كذب باتفاق العلماء، منهاج السنة ج1 ص1، بينما أكثر من أربعة وستين محدثًا وعالمًا أكدوا نزولها على الإمام.
- الآية «قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى» لم تنزل على أهل بيت الرسالة، منهاج السنة 2/118، بينما نقلها أكثر من خمسة وأربعين محدثًا وعالمًا.
هذه النقدات والردود، إلى جانب كونها تعبر عن إهمال في النقد، تحمل نوعًا من العداء الباطني تجاه أهل بيت النبي.
بفتح هذا الباب، أضاع جهود أحمد بن حنبل في تثبيت فضائل الإمام علي (عليه السلام).
قبل أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)، لم يكن منصب الخلافة الراشدة للإمام راسخًا بين محدثي أهل السنة، وكان هناك مؤيدون ومعارضون، لكنه هو الذي أعلن رسميًا عليًا خليفة رابعًا من الخلفاء الراشدين، وبجهود كبيرة ثبت مسألة «تربيع الخلافة»، وقاتل بشدة ضد النصبية، وكتابه «مناقب الصحابة» أفضل دليل على ذلك. انحرف ابن تيمية الحنبلي عن طريق إمام مذهبه، وبإنكاره فضائل الإمام علي (عليه السلام) غذى روح النصب والتكذيب بفضائل أهل البيت.
معارضته للمذاهب الأربعة لأهل السنة
الجزء الرابع من انحرافه الفكري هو معارضته للمذاهب الأربعة في مسائل الزواج والطلاق. وهذا يتعارض مع مبادئ أهل السنة الذين يعتبرون إجماع فقهاء عصر معين حجة، فكيف بإجماع فقهاء عدة عصور.