الفرق بين المراجعتين لصفحة: «التقية»

من ویکي‌وحدت
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٢٠: سطر ٢٠:
<br>وأما [[عمار بن ياسر بن عامر|عمار]] فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): فإن عادوا فعد.
<br>وأما [[عمار بن ياسر بن عامر|عمار]] فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): فإن عادوا فعد.
<br>وروى منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: أول شهيدة في الإسلام أم عمار، قتلها [[أبو جهل]]، وأول شهيد من الرجل مهجع مولى عمر.
<br>وروى منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: أول شهيدة في الإسلام أم عمار، قتلها [[أبو جهل]]، وأول شهيد من الرجل مهجع مولى عمر.
<br>وروى منصور أيضا عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار، وسمية أم عمار. فأما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمنعه [[أبو طالب]]، وأما [[أبو بكر]] فمنعه قومه، وأخذوا الآخرين فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ منهم الجهد مبلغ من حر الحديد والشمس، فلما كان من العشي أتاهم [[أبو جهل]] ومعه حربة، فجعل يسبهم ويوبخهم، وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث، ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها فقتلها، ( رضي الله عنها).
<br>قال: وقال الآخرون ما سئبوا، إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله، فجعلوا يعذبونه ويقولون له: ارجع عن دينك، وهو يقول أحد أحد، حتى ملوه، ثم كتفوه وجعلوا في عنقه حبلا من ليف، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه، قال: فقال عمار: كلنا تكلم بالذي قالوا لولا أن الله تداركنا غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله، فهان على قومه حتى ملوه وتركوه والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالا فأعتقه.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ناسا من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة: أن هاجروا إلينا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة حتى أدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية. ذكر الروايتين عن مجاهد إسماعيل بن إسحاق.
<br>وروى [[الترمذي]] عن [[عائشة]] قالت: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما. هذا حديث حسن قريب. وروي عن [[أنس بن مالك]] قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان بن ربيعة. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.
<br>الثالثة: لما سمح الله ( عز وجل ) بالكفر به، وهو أصل الشريعة عند [[الإكراه]] ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم، وبه جاء الأثر المشهور عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ): ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) الحديث. والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء، قاله القاضي أبو بكر بن العربي. وذكر أبو محمد عبد الحق أن إسناده صحيح، قال: وقد ذكره أبو بكر الأصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإقناع.
الرابعة: أجمع [[أهل العلم]] على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر.<ref>القرطبي / الجامع لأحكام القرآن 10 : 119 .</ref>
<br>وهكذا يتضح لنا أن [[الکتاب|القرآن الكريم]] قد تحدث عن التقية وأوضح أنها للمكره، ولمن تلجئه الضرورة للدفاع عن النفس والمال والعرض، بعد أن نهى عن موالاة الكفار وأعداء الإسلام وأخبر بقطع العلاقة بين الله سبحانه وبين من يوالي أعداءه.
<br>وعندما عرض عمار بن ياسر وبعض [[الصحابي|الصحابة]] إلى التعذيب والأذى اضطر إلى الاستجابة إلى أعداء الله والنطق بما أرادوا من الثناء على آلهتهم وذكر الرسول بسوء، فجاء وذكر ما حدث له للرسول ( صلى الله عليه وآله ) فأقره الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على فعله، وقال له: فإن عادوا فعد.
<br>وقد قرأنا ما ذكره المفسرون فس سبب نزول الآية الكريمة: ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وعرفنا
إقرار الرسول للتقية جريا على إجازة القرآن الكريم لهذا الموقف الاضطراري.
<br>وكما تحدث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عن التقية، وأقرها للمكره والمضطر بشكل أوضح وصريح، نجد عذرا ضمنيا باستعمال التقية للمكره والمضطر في [[حديث الرفع]] المشهور بين المسلمين جميعا، فقد روي عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قوله: «رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».<ref>الشيخ الصدوق / الخصال : ص 417 ( باب 9 ) .</ref>
<br>وكما يثبت هذا الحديث الشريف قاعدة عامة برفع المسؤولية عن المضطر والمكره نجد كذلك في قول الرسول (صلى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار»، حكما في رفع الضرر عن النفس والمال والعرض، إذا كان الواقع يمكن رفعه بإظهار التوافق مع الوضع السياسي أو الفكري وأمثالهما، الذي يشكل خطرا حقيقيا على النفس والمال والعرض ما زال القلب مطمئنا بالحق، وثابتا على الإيمان والإخلاص لإرادة الله سبحانه.
على أساس كتاب الله وسنة نبيه الكريم ( صلى الله عليه وآله ) التزم أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وفقهاؤهم بمبدأ التقية في المجال السياسي والفكري عندما أصابهم الظلم والاضطهاد والتقتيل والتعذيب والتشريد الذي أخبرهم به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله: ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا. وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا... ) <ref>سنن ابن ماجة 2 : 1366 / ح 4082 .</ref> دفاعا عن النفس، وحماية لذلك الكيان الفكري والسياسي الأصيل، الذي كان يقوده أئمة [[أهل البيت]] ( عليهم السلام ) كقوة معارضة للحكمين الأموي والعباسي، اللذين عرفا بالعداء والتنكيل بأئمة أهل البيت وأتباعهم وفكرهم المعبر عن الوعي الأصيل، والفهم العميق، والموقف الرافض لتسلط الحاكم الظالم، وقد أوضح علماء أهل البيت مجال انطباق التقية وتوظيفها.
<br>روي عن [[الإمام الباقر]] ( عليه السلام ): «التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به».<ref>الكليني / الأصول من الكافي 2 : 219 .</ref>
<br>وروي عنه قوله ( عليه السلام ): «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية».<ref>المصدر السابق : ص 220 .</ref>
<br>وروي عنه قوله (عليه السلام): «التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم، فقد أحله الله له».<ref>المصدر السابق : ص 220 .</ref>
<br>وهكذا يوضح الإمام الباقر ( عليه السلام ) أن التقية هي موقف دفاعي في حالة [[الضرورة]] و [[الاضطرار]] وحفظ النفس.
<br>فالتقية كما اتضح لنا ليست من اجتهاد الفكر الشيعي، إنما هي نص إسلامي نطق به القرآن، وأقره الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومارسه [[الصحابي|الصحابة]] وأوضحه المفسرون من مختلف الاتجاهات والآراء كما قرأنا آنفا، لرفع الضرر ومعالجة الضرورة، ولحقن الدماء، كما أوضح الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ذلك.
<br>وتأسيسا على هذا المبدأ أفتى فقهاء [[الإمامية]] بوجوب التقية، فللمسلم أن يبطن الحق من عقيدة وموقف سياسي وقناعة تشريعية وعبادية ويظهر خلافا دفاعا عن النفس والمال والعرض، كما أجاز له [[الکتاب|القرآن]] و [[السنة]] ذلك.
<br>قال [[الطوسي|الشيخ الطوسي]]: «والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق عندها».<ref>الطوسي / التبيان في تفسير القرآن 2 : 435 .</ref>
وعرف [[المفيد|الشيخ المفيد]] التقية بقوله: «التقية: كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذا علم بالضرورة، أو قوي في الظن ذلك، فمتى لم يعلم ضررا بإظهار الحق، ولا قوي في الظن ذلك، لم يجب فرض التقية، وقد أمر الصادقون ( عليهم السلام ) جماعة من أشياعهم بالكف و [[الإمساك]] عن إظهار الحق والمباطنة والستر له عن أعداء الدين والمظاهرة لهم يما يزيل الريب عنهم في خلافهم وكان ذلك هو الأصلح لهم، وأمروا طائفة أخرى من شيعتهم بمكالمة الخصوم ومظاهرتهم ودعائهم إلى الحق لعلمهم بأنه لا ضرر عليهم في ذلك، والتقية تجب بحسب ما ذكرناه ويسقط فرضها في مواضع أخرى على ما قدمناه».<ref>الشيخ المفيد / شرح عقائد الصدوق : ص 241 .</ref>


... يدوم هذا المقال
... يدوم هذا المقال

مراجعة ١٣:٤١، ٢٩ أبريل ٢٠٢٢

التقية: هذه دراسة تعريفية في مفهوم التقية في الفكر الإسلامي لإزالة الغموض الذي اكتنف هذه المفردة الفكرية، وتوضيح الرؤية والفهم العملي في مدرسة أئمة أهل البيت لمفهوم التقية، وقطع الطريق على من يتربصون بوحدة المسلمين الدوائر ويكرسون جهدهم في إثارة الشبهات، وتفريق الصف.

آيات القرآن حول التقية

إن من المفاهيم العقيدية التي اتفق المسلمون جميعا على ورودها في القرآن الكريم والسنة المطهرة هو مفهوم التقية، كما يتبين لنا ذلك من قول تعالى: ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) وقوله ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وقوله: ( يكتم إيمانه ). وإليك بعض النصوص القرآنية:
الآية الاولی:«لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير».[١]
الآية الثانية:«وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه...».[٢]
الآية الثالثة:«من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم».[٣]

التقية في اللغة

الوقاية: حفظ الشئ مما يؤذيه ويضره، يقال وقيت الشئ أقيه وقاية ووقاء.[٤] ووقى الشئ وقيا ووقاية وواقية: صانه عن الأذى وحماه... والتقية الخشية والخوف. والتقية عند بعض الفرق الإسلامية: إخفاء الحق ومصانعة الناس في غير دولتهم تحرزا من التلف.[٥]
تقاة: أصله وقاة، فأبدلت الواو المضمومة تاء استثقالا لها، لأنهم يفرون منها إلى الهمزة تارة، وإلى التاء تارة أخرى... ووزن تقاة فعلة، مثل تؤدة، وتخمة ونكأة وهي مصدر اتقى تقاة، وتقية، وتقوى، واتقاء[٦] وهكذا يتضح لنا معنى التقية في اللغة: وهو حفظ الشئ ووقايته من الضرر.

التقية في الاصطلاح

إن مصطلح التقية، هو مصطلح إسلامي قد نطق به الوحي لفظا ومعنى، مقترنا بتحدثه مفسرة. قال تعالى: «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير».[٧] عند تفسير الشيخ الطوسي لهذه الآية قال: روى الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال لأحدهما أتشهد أن محمد رسول الله ؟ قال: نعم، قال: أفتشهد أني رسول الله ؟ قال: نعم، ثم دعا بالآخر فقال له: أفتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال: نعم، فقال له: أفتشهد أني رسول الله ؟ قال: إني أصم قالها ثلاثا، كل ذلك تقية فتقول ذلك، فضرب عنقه فبلغ ذلك[٨] فقال: أما هذا المقتول فمضى على صدقه وتقيته، وأخذ بفضلها فهنيئا له، وأما الآخر فقبل رخصة الله، فلا تبعة عليه.[٩]
ثم علق الشيخ الطوسي على هذه الرواية قائلا: فعلى هذا، التقية رخصة، والإفصاح بالحق فضيلة. وظاهر أخبارنا يدل على أنها واجبة، وخلافها خطأ.[١٠]
أما القرطبي فقد فسر آية التقية بقوله: إلا أن تتقوا منهم تقاة. قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم. قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثما. وقال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل. وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك: «إلا أن تتقوا منهم تقية» وقيل: إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان. والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم. ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر، بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في النحل.[١١] حيث فسر قوله تعالى: «إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»[١٢] بقوله: هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر في قول أهل التفسير لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه.
قال ابن عباس: أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم، وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة، وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال، فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين في الإسلام.
وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فشكا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): فإن عادوا فعد.
وروى منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: أول شهيدة في الإسلام أم عمار، قتلها أبو جهل، وأول شهيد من الرجل مهجع مولى عمر.
وروى منصور أيضا عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار، وسمية أم عمار. فأما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمنعه أبو طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأخذوا الآخرين فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ منهم الجهد مبلغ من حر الحديد والشمس، فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل ومعه حربة، فجعل يسبهم ويوبخهم، وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث، ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها فقتلها، ( رضي الله عنها).
قال: وقال الآخرون ما سئبوا، إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله، فجعلوا يعذبونه ويقولون له: ارجع عن دينك، وهو يقول أحد أحد، حتى ملوه، ثم كتفوه وجعلوا في عنقه حبلا من ليف، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه، قال: فقال عمار: كلنا تكلم بالذي قالوا لولا أن الله تداركنا غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله، فهان على قومه حتى ملوه وتركوه والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالا فأعتقه. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ناسا من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة: أن هاجروا إلينا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة حتى أدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية. ذكر الروايتين عن مجاهد إسماعيل بن إسحاق.
وروى الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما. هذا حديث حسن قريب. وروي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان بن ربيعة. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.
الثالثة: لما سمح الله ( عز وجل ) بالكفر به، وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم، وبه جاء الأثر المشهور عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ): ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) الحديث. والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء، قاله القاضي أبو بكر بن العربي. وذكر أبو محمد عبد الحق أن إسناده صحيح، قال: وقد ذكره أبو بكر الأصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإقناع. الرابعة: أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر.[١٣]
وهكذا يتضح لنا أن القرآن الكريم قد تحدث عن التقية وأوضح أنها للمكره، ولمن تلجئه الضرورة للدفاع عن النفس والمال والعرض، بعد أن نهى عن موالاة الكفار وأعداء الإسلام وأخبر بقطع العلاقة بين الله سبحانه وبين من يوالي أعداءه.
وعندما عرض عمار بن ياسر وبعض الصحابة إلى التعذيب والأذى اضطر إلى الاستجابة إلى أعداء الله والنطق بما أرادوا من الثناء على آلهتهم وذكر الرسول بسوء، فجاء وذكر ما حدث له للرسول ( صلى الله عليه وآله ) فأقره الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على فعله، وقال له: فإن عادوا فعد.
وقد قرأنا ما ذكره المفسرون فس سبب نزول الآية الكريمة: ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وعرفنا إقرار الرسول للتقية جريا على إجازة القرآن الكريم لهذا الموقف الاضطراري.
وكما تحدث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عن التقية، وأقرها للمكره والمضطر بشكل أوضح وصريح، نجد عذرا ضمنيا باستعمال التقية للمكره والمضطر في حديث الرفع المشهور بين المسلمين جميعا، فقد روي عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قوله: «رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».[١٤]
وكما يثبت هذا الحديث الشريف قاعدة عامة برفع المسؤولية عن المضطر والمكره نجد كذلك في قول الرسول (صلى الله عليه وآله): «لا ضرر ولا ضرار»، حكما في رفع الضرر عن النفس والمال والعرض، إذا كان الواقع يمكن رفعه بإظهار التوافق مع الوضع السياسي أو الفكري وأمثالهما، الذي يشكل خطرا حقيقيا على النفس والمال والعرض ما زال القلب مطمئنا بالحق، وثابتا على الإيمان والإخلاص لإرادة الله سبحانه. على أساس كتاب الله وسنة نبيه الكريم ( صلى الله عليه وآله ) التزم أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وفقهاؤهم بمبدأ التقية في المجال السياسي والفكري عندما أصابهم الظلم والاضطهاد والتقتيل والتعذيب والتشريد الذي أخبرهم به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقوله: ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا. وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا... ) [١٥] دفاعا عن النفس، وحماية لذلك الكيان الفكري والسياسي الأصيل، الذي كان يقوده أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) كقوة معارضة للحكمين الأموي والعباسي، اللذين عرفا بالعداء والتنكيل بأئمة أهل البيت وأتباعهم وفكرهم المعبر عن الوعي الأصيل، والفهم العميق، والموقف الرافض لتسلط الحاكم الظالم، وقد أوضح علماء أهل البيت مجال انطباق التقية وتوظيفها.
روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): «التقية في كل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به».[١٦]
وروي عنه قوله ( عليه السلام ): «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية».[١٧]
وروي عنه قوله (عليه السلام): «التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم، فقد أحله الله له».[١٨]
وهكذا يوضح الإمام الباقر ( عليه السلام ) أن التقية هي موقف دفاعي في حالة الضرورة و الاضطرار وحفظ النفس.
فالتقية كما اتضح لنا ليست من اجتهاد الفكر الشيعي، إنما هي نص إسلامي نطق به القرآن، وأقره الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومارسه الصحابة وأوضحه المفسرون من مختلف الاتجاهات والآراء كما قرأنا آنفا، لرفع الضرر ومعالجة الضرورة، ولحقن الدماء، كما أوضح الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ذلك.
وتأسيسا على هذا المبدأ أفتى فقهاء الإمامية بوجوب التقية، فللمسلم أن يبطن الحق من عقيدة وموقف سياسي وقناعة تشريعية وعبادية ويظهر خلافا دفاعا عن النفس والمال والعرض، كما أجاز له القرآن و السنة ذلك.
قال الشيخ الطوسي: «والتقية عندنا واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق عندها».[١٩] وعرف الشيخ المفيد التقية بقوله: «التقية: كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا، وفرض ذلك إذا علم بالضرورة، أو قوي في الظن ذلك، فمتى لم يعلم ضررا بإظهار الحق، ولا قوي في الظن ذلك، لم يجب فرض التقية، وقد أمر الصادقون ( عليهم السلام ) جماعة من أشياعهم بالكف و الإمساك عن إظهار الحق والمباطنة والستر له عن أعداء الدين والمظاهرة لهم يما يزيل الريب عنهم في خلافهم وكان ذلك هو الأصلح لهم، وأمروا طائفة أخرى من شيعتهم بمكالمة الخصوم ومظاهرتهم ودعائهم إلى الحق لعلمهم بأنه لا ضرر عليهم في ذلك، والتقية تجب بحسب ما ذكرناه ويسقط فرضها في مواضع أخرى على ما قدمناه».[٢٠]

... يدوم هذا المقال

المصادر

  1. سورة آل عمران: آية 28 .
  2. سورة المؤمن ( غافر ): آية 28 .
  3. سورة النحل: آية 106 .
  4. الراغب الأصفهاني / المفردات في غريب القرآن .
  5. المعجم الوسيط
  6. الطوسي / التبيان في تفسير القرآن 2 : 434 .
  7. سورة آل عمران : آية 28 .
  8. يعني بلغ النبي محمدا (صلى الله عليه وآله) .
  9. الطوسي / التبيان في تفسير القرآن 2 : 435 .
  10. المصدر السابق
  11. القرطبي / الجامع لأحكام القرآن 4 : 38 .
  12. سورة النحل : آية 106 .
  13. القرطبي / الجامع لأحكام القرآن 10 : 119 .
  14. الشيخ الصدوق / الخصال : ص 417 ( باب 9 ) .
  15. سنن ابن ماجة 2 : 1366 / ح 4082 .
  16. الكليني / الأصول من الكافي 2 : 219 .
  17. المصدر السابق : ص 220 .
  18. المصدر السابق : ص 220 .
  19. الطوسي / التبيان في تفسير القرآن 2 : 435 .
  20. الشيخ المفيد / شرح عقائد الصدوق : ص 241 .