٢٬٧٩٦
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢٩: | سطر ٢٩: | ||
كان [[العرب]] في الجاهليّة وقبل الإسلام أعداءً يضرب بعضهم رقاب بعض، وتقوم بينهم الحروب لأتفه سبب وأقلّه، وهنا يمتنّ الله عليهم بنعمة الألفة ويذكّرهم كيف كانوا، ثمّ كيف آل أمرهم بعد أن جمع الإسلام هذه القلوب المتنافرة، فأصبحوا بنعمةِ الله إخواناً، وينهاهم عن أن يحدثوا ما يكون به التفرّق، ويزول معه الاجتماع والألفة، فيعودُ بهم الحال إلى ما كانوا عليه في الجاهليّة من التدابر والقطيعة. | كان [[العرب]] في الجاهليّة وقبل الإسلام أعداءً يضرب بعضهم رقاب بعض، وتقوم بينهم الحروب لأتفه سبب وأقلّه، وهنا يمتنّ الله عليهم بنعمة الألفة ويذكّرهم كيف كانوا، ثمّ كيف آل أمرهم بعد أن جمع الإسلام هذه القلوب المتنافرة، فأصبحوا بنعمةِ الله إخواناً، وينهاهم عن أن يحدثوا ما يكون به التفرّق، ويزول معه الاجتماع والألفة، فيعودُ بهم الحال إلى ما كانوا عليه في الجاهليّة من التدابر والقطيعة. | ||
إن الفرقة تؤدّي إلى الضعف، والضعف يُجرّئ أعداء | إن الفرقة تؤدّي إلى الضعف، والضعف يُجرّئ أعداء الأمّة عليها، ولا يستقيمُ حال أمّة من الأمم إلّا ب[[الاتّفاق]] و[[الائتلاف]]، ونبذ التخالف والفرقة، لذا حذّر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الفرقةِ فقال: "إِيّاكُمْ وَالفٌرْقَةِ"، وقال (عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم): "يدُ الله معَ الجَمَاعَةِ"، وحتّى عملياً حين أرادَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يؤسّسَ مجتمعاً قوياً بالمدينة فإنّ أوّل ما صنعه هو أن آخى بين المهاجرين والأنصار، ونحنُ إذ نقرأ التّاريخ تطالعنا تلك السطور المريرة، تحكي مَا حدث لمّا وقع الخلاف بين المسلمين، ودبّت الفرقة في صفوفهم. | ||
نعم، قد تطرأ على الأمّة أسباب الخلاف والفرقة، لكنّ الله أرشدهم إلى ما يحسم مادّة النزاع، وهو الاعتصام بكتاب الله وسنّة نبيه، فهذا الّذي به تتّفق الكلمة، ويتبدّد الشتات.. يقول الله تعالى: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"{سورة آل عمران:59}. وممّا يحسن إيراده أنّ الآية والأمر بالوحدة ليس فيها دليلٌُ على تحريم الاختلاف في وجهات النظر والرؤية لشئون الحياة والفهم، فإنّ ذلك لا يتعذّر معه الجمع، ومازال الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهمْ مع ذلك متآلفون.. إنّ الأمّة اليوم على مفرق طرقٍ، وهي أحوج ما تكون إلى نبذ الشقاق، وجمع الكلمة، وتوحيد الصفّ، ولا يمكن أن تجتمع القلوب إلّا على أخوّة في الله، تنطفئ بها الأحقاد التاريخيّة، والثارات القديمة، والأطماع الشخصيّة، ورايات العنصريّة: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ){ سورة الأنبياء: آية 92}. | نعم، قد تطرأ على الأمّة أسباب الخلاف والفرقة، لكنّ الله أرشدهم إلى ما يحسم مادّة النزاع، وهو الاعتصام بكتاب الله وسنّة نبيه، فهذا الّذي به تتّفق الكلمة، ويتبدّد الشتات.. يقول الله تعالى: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"{سورة آل عمران:59}. وممّا يحسن إيراده أنّ الآية والأمر بالوحدة ليس فيها دليلٌُ على تحريم الاختلاف في وجهات النظر والرؤية لشئون الحياة والفهم، فإنّ ذلك لا يتعذّر معه الجمع، ومازال [[الصحابة]] يختلفون في أحكام الحوادث، وهمْ مع ذلك متآلفون.. إنّ الأمّة اليوم على مفرق طرقٍ، وهي أحوج ما تكون إلى نبذ الشقاق، وجمع الكلمة، وتوحيد الصفّ، ولا يمكن أن تجتمع القلوب إلّا على أخوّة في الله، تنطفئ بها الأحقاد التاريخيّة، والثارات القديمة، والأطماع الشخصيّة، ورايات العنصريّة: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ){ سورة الأنبياء: آية 92}. | ||
=تحليل الآية= | =تحليل الآية= | ||
قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه:( | قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه:(وَاعْتَصِموا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا). | ||
هذه الآية الشريفة من الآيات التي يدعو إليها دعاة الوحدة الإسلامية من كلّ المذاهب | هذه الآية الشريفة من الآيات التي يدعو إليها [[دعاة الوحدة الإسلامية]] من كلّ [[المذاهب]] و[[الفرق]]، مع هذا نجد المسلمين لا زالوا متفتّتين ومتشتّتين، ولا زال الاختلاف والافتراق قائم على قدم وساق، وكأنّهم عجزوا عن العمل بها، وكأنّ تكليفها ممّـا لا يطاق، والحال: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها). | ||
فالاعتصام بحبل الله جميعاً ممّـا في وسع الإنسان، فإنّه قد كلّفنا الله جلّ جلاله به، وحثّنا الإسلام ورسوله الأكرم على ذلك، فلماذا نجح الاستعمار | فالاعتصام بحبل الله جميعاً ممّـا في وسع الإنسان، فإنّه قد كلّفنا الله جلّ جلاله به، وحثّنا الإسلام ورسوله الأكرم على ذلك، فلماذا نجح [[الاستعمار]] و[[الاستكبار العالمي]] في سياسته البغيضة ([[فرّق تسد]])؟! ولماذا تمزّق المسلمون ولا زال التناحر بينهم والاختلاف؟! ومتى نعمل بهذه الآية الكريمة لتعود لنا عزّتنا وكرامتنا، ويسود ديننا ربوع الأرض؟ ذلك الدين القويم الإسلام العظيم الذي به ختمت [[الأديان السماوية]] قد أنزل الله سبحانه لسعادة الإنسان وإنقاذ البشرية من حضيض الجهل والشقاء إلى قمّة العزّ والشرف والسعادة، بكلّ أبعادها في الحياة الدنيوية والاُخروية. | ||
فهل في الآية المقدّسة من حكمةٍ وسرٍّ خاصّ ورمزٍ مخصوص؟! | فهل في الآية المقدّسة من حكمةٍ وسرٍّ خاصّ ورمزٍ مخصوص؟! | ||
سطر ٥٩: | سطر ٥٩: | ||
(بِحَبْلِ اللهِ): الحبل: خيوط مفتولة ومبرمة وآلة معروفة، تستخدم للصعود والخروج والسحب والشدّ وما شابه ذلك، واستعير هنا لمناسبة الصعود المعنوي به إلى الحقّ المتعال، والخروج من آبار الظلم والفساد والمعاصي والآثام، والانجذاب والسحب نحو الفضائل والمكارم، والشدّ على أواصر القرب إلى الله سبحانه، وغير ذلك. | (بِحَبْلِ اللهِ): الحبل: خيوط مفتولة ومبرمة وآلة معروفة، تستخدم للصعود والخروج والسحب والشدّ وما شابه ذلك، واستعير هنا لمناسبة الصعود المعنوي به إلى الحقّ المتعال، والخروج من آبار الظلم والفساد والمعاصي والآثام، والانجذاب والسحب نحو الفضائل والمكارم، والشدّ على أواصر القرب إلى الله سبحانه، وغير ذلك. | ||
(جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا)، أي: كلّ واحد حال كونهم بشكل جماعي لا منفردين، ومن ثمّ لا | (جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا)، أي: كلّ واحد حال كونهم بشكل جماعي لا منفردين، ومن ثمّ لا يتفرّقون بعد جمع شملهم ووحدة كيانهم. | ||
هذا واستعارة الحبل في الآية الشريفة للدلالة على أنّ عدم الاعتصام به يوجب الهوادة والسقوط في وادي الضلال والهلاك، وهذا أمر واضح. | هذا واستعارة الحبل في الآية الشريفة للدلالة على أنّ عدم الاعتصام به يوجب الهوادة والسقوط في وادي الضلال والهلاك، وهذا أمر واضح. | ||
سطر ٦٥: | سطر ٦٥: | ||
ثمّ (حَبْلُ اللهِ) غير الله، وما سواه فهو مخلوق له سبحانه، وهذا المخلوق لا بدّ أن يكون معصوماً (فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه)، وقد أمرنا أن نعتصم بهذا الحبل، فيعطينا العصمة، فكيف يكون ذلك لولا أن يكون معصوماً في نفسه، حتّى يعطي العصمة لمن اعتصم به. | ثمّ (حَبْلُ اللهِ) غير الله، وما سواه فهو مخلوق له سبحانه، وهذا المخلوق لا بدّ أن يكون معصوماً (فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه)، وقد أمرنا أن نعتصم بهذا الحبل، فيعطينا العصمة، فكيف يكون ذلك لولا أن يكون معصوماً في نفسه، حتّى يعطي العصمة لمن اعتصم به. | ||
ثمّ من أهمّ وظائف هذا الحبل الإلهي هو الصعود إلى قمّة الكمال وسماء الجمال ولقاء الله سبحانه في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، وذلك بعد الخروج من الهيولى الظلمانية ومن شوائب المادّة وبئر الظلم والمنكرات، ومن الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها، والتسلّق نحو المعالي والكمالات، نحو الكمال المطلق ومطلق الكمال، وإنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه، وإلى الله ترجع الاُمور، | ثمّ من أهمّ وظائف هذا الحبل الإلهي هو الصعود إلى قمّة الكمال وسماء الجمال ولقاء الله سبحانه في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، وذلك بعد الخروج من الهيولى الظلمانية ومن شوائب المادّة وبئر الظلم والمنكرات، ومن الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها، والتسلّق نحو المعالي والكمالات، نحو الكمال المطلق ومطلق الكمال، وإنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه، وإلى الله ترجع الاُمور، وإنّ إلى ربّك المنتهى، وإنّا إليه راجعون. | ||
ولا بدّ من الاعتصام بقوّة وحزم في كلّ الآنات، وإلّا فمن يغفل- ولو لحظة- فإنّه يسقط ويهوى باتّباع الهوى والغفلة عن حبل الله. | ولا بدّ من الاعتصام بقوّة وحزم في كلّ الآنات، وإلّا فمن يغفل- ولو لحظة- فإنّه يسقط ويهوى باتّباع الهوى والغفلة عن حبل الله. | ||
سطر ٧٥: | سطر ٧٥: | ||
فالحبل طريق الله وصراطه المستقيم ومنهاجه القويم وشريعته السمحاء وكتابه الكريم.. ومن لم يعتصم بحبل الله فهو في هاوية وضلال وسحق وعذاب، فكلّ واحد مكلّف بفطرته السليمة وعقله النيّر وضميره الواعي ووجدانه المتيقّظ ودينه الكامل أن يتمسّكبحبل الله عزّ وجلّ. | فالحبل طريق الله وصراطه المستقيم ومنهاجه القويم وشريعته السمحاء وكتابه الكريم.. ومن لم يعتصم بحبل الله فهو في هاوية وضلال وسحق وعذاب، فكلّ واحد مكلّف بفطرته السليمة وعقله النيّر وضميره الواعي ووجدانه المتيقّظ ودينه الكامل أن يتمسّكبحبل الله عزّ وجلّ. | ||
والنتيجة: أنّ الاعتصام بحبل الله تعالى هو التمسّك بسبيل اللّه تعالى وصراطه المستقيم، وهو شرط للحفاظ على سلامة المجتمع | والنتيجة: أنّ الاعتصام بحبل الله تعالى هو التمسّك بسبيل اللّه تعالى وصراطه المستقيم، وهو شرط للحفاظ على سلامة [[المجتمع الإسلامي]]، وهو المضمون الإسلامي للوحدة الإسلامية المتوخّاة، ووحدة الأُمّة الإسلامية هي المدلول العملي للاعتصام بحبل اللّه، وهذا الاعتصام نداء إلهي وجّهه الباري إلى عباده المؤمنين، فهو نداء خالد موجّه للمسلمين في كلّ زمان ومكان. | ||
=المصدر= | =المصدر= |
تعديل