محرمات الإحرام

من ویکي‌وحدت

محرمات الإحرام: لايخفی أن الإحرام من أفعال الحج، وهو رکن من أرکان الحج، فمن تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف، ولا ينعقد إلا في زمان مخصوص وفي مکان مخصوص، إلا أنه يجب علی الحاج أن يترك أشياء کثيرة حين الإحرام، كما سنوضّح للقارئ الکريم تطبیقاً علی الفقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

محرمات الإحرام

وما يفعله المحرم مما بينا أنه محرم عليه على ضروب ثلاثة:
أحدها يوجب الكفارة، سواء فعله عامدا أو ساهيا.
والثاني يوجبها مع العمد دون النسيان.
والثالث فيه الإثم دون الكفارة.
فالأول: هو الصيد بلا خلاف بين الجمهور[١]، من أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وعامة أهل العلم [٢] فمن قتل صيدا له مثل، أو ذبحه، وكان حرا كامل العقل، محلا في الحرم، أو محرما في الحل، فعليه فداؤه بمثله من النعم. [٣]

الشیخ الطوسي

وقال الشيخ الطوسي في الخلاف: إذا قتل صيدا، فهو مخير بين ثلاثة أشياء، بين أن يخرج مثله من النعم، وبين أن يقوم مثله دراهم ويشتري به طعاما ويتصدق به، وبين أن يصوم عن كل مد يوما. وإن كان الصيد لا مثل له فهو مخير بين شيئين، بين أن يقوم الصيد ويشتري بثمنه طعاما ويتصدق به، وبين أن يصوم عن كل مد يوما، ولا يجوز إخراج القيمة بحال. وبه قال الشافعي. [٤]
وفي الوجيز: الواجب في الصيد مثله من النعم أو إطعام بمثل قيمة النعم، أو صيام بقدر الطعام لكل مد يوم. [٥]
وفي أصحابنا من قال على الترتيب.

أبوحنيفة

وقال أبو حنيفة: الصيد مضمون بقيمته سواء كان له مثل أو لم يكن له مثل إلا أنه إذا قومه فهو مخير بين أن يشتري بالقيمة من النعم ويخرجه وبين أن يشتري بالقيمة طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما. [٦]
لنا على ما قلنا طريقة الاحتياط وظاهر قوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } [٧] فأوجب مثلا من النعم، وذلك يبطل قول من قال: الواجب قيمة الصيد[٨]، وماله مثل، فهو منصوص على ما نفصل، وما لا نص فيه رجعنا إلى قول عدلين على ما يقتضيه ظاهر القرآن، وقال الشافعي: ما قضت عليه الصحابة بالمثل، مثل البدنة في النعامة، والبقرة في حمار الوحش، والشاة في الظبي والغزال، فإنه يرجع إلى قولهم وما لم يقضوا فيه بشئ يرجع إلى قول عدلين. [٩]
وفي صغار أولاد الصيد صغار أولاد المثل. وفاقا لهما إلا أن أبا حنيفة يوجب القيمة. [١٠]
وإن قتل صيدا أعور أو مكسورا فالأفضل أن يخرج الصحيح من الجزاء، وإن أخرج مثله جاز وفاقا للشافعي لقوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم }.
ويجوز أن يفدي الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر. [١١]
وإذا جرح صيدا، فغاب عنه لزمه الجزاء على الكمال.

الشافعي

وقال الشافعي يقوم بين كونه مجروحا، والدم جار وبين كونه صحيحا وألزم ما بينهما. [١٢]. المثل الذي يقوم هو الجزاء. وبه قال الشافعي، ويدل عليه قوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } والتقدير بمثل ما قتل. [١٣]
لحم الصيد حرام على المحرم، سواء صاده هو أو غيره، قتله هو أو غيره، أذن فيه أو لم يأذن، أعان عليه أو لم يعن. وقال الشافعي: ما قتله بنفسه أو أمر به أو أشار عليه أو دل أو أعطى سلاحا فقتله به، يحرم عليه، وكذلك ما اصطيد بعلمه، وما صاده غيره ولا أثر له فيه، فمباح له أكله.
وقال أبو حنيفة: أنه يحرم عليه ما صاده بنفسه، وماله فيه أثر لا يستغنى عنه، بأن يدل عليه أو دفع إليه سلاحا يحتاج إليه، وأما إذا دل عليه دلالة لا يحتاج إليها، أو دفع إليه سلاحا لا يحتاج إليه، أو أشار إليه إشارة يستغني عنها فلا يحرم عليه، وكذلك ما صيد لأجله لا يحرم عليه. [١٤]
المحرم إذا ذبح صيدا فهو ميتة، لا يجوز لأحد أكله، وفاقا لأبي حنيفة والشافعي في الجديد، وقال في القديم، والإملاء: ليس بميتة، يجوز لغيره أكله. [١٥]
وإذا أكل المحرم من صيد قتله لزمه قيمته. وفاقا لأبي حنيفة، وقال الشافعي: لم يلزمه بذلك شئ. [١٦]
وإذا دل على الصيد، فقتله المدلول، لزمه الفداء، وكذلك المدلول إن كان محرما، أو في الحرم، خلافا للشافعي فإنه قال: لا يضمن، وقال أبو حنيفة: تجب عليه الجزاء إذا دل عليه دلالة باطنة، وإذا أعاره سلاحا لا يستغني عنه، فلا جزاء عليه. [١٧]
المحل إذا صاد صيدا في الحل وأدخله في الحرم، ممنوع عن قتله، فإذا قتله فلا جزاء عليه. [١٨]
إذا اشترك جماعة في قتل صيد، لزم كل واحد منهم جزاء كامل. وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه، وخلافا للشافعي فإنه قال: يلزم الكل جزاء واحد[١٩]، لنا قوله تعالى: { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } [٢٠] وكل واحد من هذه الجماعة قاتل فيجب على الكل منهم الجزاء.
وإن كان محرما في الحرم فعليه الفداء والقيمة، أو الفداء مضاعفا، خلافا لهم[٢١] في القيمة ومضاعفة الفداء.
لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط واليقين بـ برأءة الذمة، وأن الجزاء إذا لزم المحل في الحرم، والمحرم وفي الحل، وجب اجتماع الجزائين وذلك باجتماع الأمرين الإحرام والحرم.
وإن كان مملوكا فكفارته على مالكه إن كان إحرامه بإذنه، وعليه إن كان بغير إذنه بـ الصوم، لأن العبد لا يملك شيئا فيلزمه مثل أو قيمة. [٢٢]
وفي الخلاف: ولا ينعقد إحرام العبد إلا بإذن سيده، خلافا للفقهاء إلا داود، فإنهم قالوا ينعقد، وله أن يفسخ عليه حجة. [٢٣]
وإذا أفسد حجه وقد كان أحرم بإذن مولاه، لزمه ما يلزم الحر، ويجب على مولاه إذنه إلا الفدية، فإنه بالخيار فيه بين أن يفدي عنه، أو يأمره بالصوم. وإن كان بغير إذنه فإحرامه باطل، لا يتصور معه الإفساد.
وقال جميع الفقهاء: إن الإفساد صحيح في الموضعين، فقال أصحاب الشافعي: عليه القضاء، ومنهم من قال: لا قضاء عليه، ويدل على وجوب القضاء عموم الأخبار فيمن أفسد حجه أن عليه القضاء[٢٤]، ويجب على سيده إذنه في القضاء لأنه إذا أذنه في ذلك لزمه جميع ما يتعلق به، وللشافعي فيه قولان أحدهما: أن له منعه والآخر: ليس له ذلك. [٢٥]
وإن كان غير كامل العقل فكفارته على وليه، لأنه الذي أدخله في الإحرام، وليس بواجب عليه، دليله إجماع الإمامية [٢٦] وبه قال الشافعي، وفي أصحابه من قال: يلزمه في ماله[٢٧]، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد له صلاة، ولا صيام، ولا حج، فإن أذن له وليه لم ينعقد إحرامه، وإنما يفعل ذلك ليمرن عليه، ويجنب ما يجتبه المحرم استحسانا.
وإذا قتل صيدا فلا جزاء عليه. [٢٨]
ويجوز للأم أن تحرم عن ولدها الصغير خلافا لأصحاب الشافعي إلا أبا سعيد الإصطخري منهم. لنا ما روي أن امرأة رفعت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صبيا من محفة فقالت: يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ): نعم ولك أجراً. [٢٩]
إذا حمل الإنسان صبيا فطاف به، ونوى بحمله طواف الصبي وطواف نفسه أجزأه عنهما. وللشافعي قولان: أحدهما: أنه يقع عن الولي والآخر أنه يقع عن الصبي. [٣٠] وتكرار القتل يوجب تكرار الكفارة بغير خلاف بين أصحابنا إذا كان القاتل ناسيا، ومنهم من قال: هذا حكمه إن كان متعمدا، ومنهم من قال: إن تعمد القتل مرة ثانية لم يلزمه كفارة، بل يكون ممن ينتقم الله منه كما ذكر تعالى، والأول أحوط، وكونه ممن ينتقم الله منه إذا عاد لا ينافي وجوب الكفارة عليه[٣١] لأنه لا يمتنع أن يلزمه الجزاء وإن كان ممن ينتقم الله عليه وبه قال عامة أهل العلم. [٣٢]
والمثل في النعامة بدنة بلا خلاف، فإن لم يجد فقيمتها، فإن لم يجد فض قيمة البدنة على البر ويصدق على كل مسكين نصف صاع فإن لم يقدر على ذلك صام عن كل نصف صاع يوما[٣٣] وفي الوجيز عن كل مد يوما. [٣٤]
وفي النافع إذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه فعليه الجزاء والعامد والناسي والمبتدئ والعامد سواء لعموم قوله تعالى: { ومن قتله منكم متعمدا }، والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف قيمة الصيد يقومه ذوا عدل ثم هو مخير في القيمة إن شاء ابتاع بها هديا فذبحه إن بلغ هديا أو اشترى بقيمته طعاما فيصدق على كل مسكين نصف صاع، أو يصوم بقدر طعام كل مسكين يوما، وهو مخير في ذلك ووافقه الشافعي في التخيير.
والمثل في حمار الوحش أو بقرة الوحش بقرة، وفي الظبي شاة بلا خلاف، وفي الأرنب والثعلب عندنا شاة. [٣٥]
ولا كفارة في الضبع ولا في السمع وهو المتولد من الذئب والضبع. وعند الحنفية في الضبع شاة وفي الأرنب عناق[٣٦]، وعند الشافعية في الضبع كبش ووافقوهم في الأرنب[٣٧] وحكم من لم يجد ذلك ما قدمناه، ويجوز لمن يجد الفداء والقيمة، أن يصوم للنعامة ستين يوما وللبقرة ثلاثين يوما وللظبي وما أشبهه ثلاثة أيام.
ومن صام بالقيمة أقل مما ذكرناه من المدة أجزأه، وإن اقتضى ذلك زيادة عليها لم يلزمه أن يصوم الزيادة، ومن عجز عن صوم الستين أو الثلاثين، صام لكل عشرة أيام ثلاثة أيام[٣٨] خلافا لجميع الفقهاء فإنهم لم يعتبروا ذلك، لنا إجماع الإمامية[٣٩] وطريقة الاحتياط واليقين لـ براءة الذمة.
وفي كل حمامة من حمام الحرم، أو إخراج شئ من حمام الحرم منه، أو تنفيره منه فلا يرجع، شاة، وفي فرخها حمل، وفي كل بيضة لها درهم، وفي حمام الحل درهم، وفي فرخها نصف درهم، وفي كل بيضة لها ربع درهم. [٤٠]
وعند الشافعية في الحمام شاة[٤١] وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب.
وفي كسر بيضته قيمته، وقال الشافعي: البيض إذا كان من صيد مضمون كان فيه قيمته، قال مالك: عشر قيمة الصيد وبه قالت الحنفية. [٤٢]
وعندنا في كسر كل بيضة من بيض النعام إذا كان قد تحرك فيها الفرخ فصيل، وإن لم يتحرك فإرسال فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر، فما نتج من ذلك كان هديا، فإن لم يكن لمن فعل ذلك إبل، فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وفي بيض الدراج والحجل إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج فهو هدي.
ومن رمى صيدا فغاب عنه ولم يعلم حاله، فعليه فداؤه، فإن رآه بعد ذلك كسيرا فعليه ما بين قيمته صحيحا وكسيرا، وقد روي في كسر أحد قرني الغزال ربع قيمته، وفيهما جميعا النصف، وفي إحدى عينيه إذا فقئت نصف قيمته، وفيهما معا الكل، وفي يديه من الحكم ما في عينيه، وكذا في رجليه.
وفي الجرادة كف من طعام[٤٣] وقيل تمرة وبه قالت الحنفية[٤٤] روي ذلك عن عثمان [٤٥]، والأول مروي عن ابن عباس، وقال الشافعي: هو مضمون بالقيمة، وفي الكثير من ذلك عندنا دم شاة[٤٦] وحكم الزنبور حكم الجراد عندنا، وفي القنفذ والضب واليربوع حمل قد فطم ورعى، كل ذلك بدليل الإجماع عند الإمامية.
وفي قتل الأسد ابتداء لا على وجه المدافعة كبش[٤٧]، وقال الشافعي لا جزاء في قتل السبع بحال، وقال أبو حنيفة: إذا صال على المحرم فقتله لم يلزمه شئ، وإن قتله من غير صول لزمه الجزاء، وعندنا لا جزاء عليه في السباع غير الأسد من الذئب وغيره سواء صال أو لم يصل [٤٨] لقوله تعالى: { ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [٤٩]
واسم الصيد يقع عليه، قال الشاعر:
ليث تردى زبية فاصطيدا.
والعرب تقول سيد الصيد الأسد، وورود الحظر لا يوجب سلب الاسم عنه. [٥٠]
ومن قتل ما لا مثل له من الصيد كالعصفور وما أشبهه، فعليه قيمته، أو عدلها صياما.
وحكم المشارك في قتل الصيد حكم المنفرد وقد ذكرنا قبل.
وحكم من دل على صيد فقتل حكم القاتل، لأنه لا خلاف أنه منهي عن الدلالة، ولا يقين لبراءة الذمة إذا دل على صيد فقتل إلا بالكفارة.
وأما الضرب الثاني الذي لا يلزم الكفارة فيه إلا مع العمد، فما عدا الصيد وقلنا بسقوطها مع النسيان، للإجماع وبما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، والمراد رفع أحكام الأفعال، ومن أحكامها لزوم الكفارة، وقولهم يختص ذلك برفع الإثم عن الخاطئ مستفاد من قوله تعالى: { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } [٥١] وحمل كلامه ( عليه السلام ) على فائدة زائدة على ما هو معلوم أولى. فمن قبّل زوجته من غير شهوة فعليه شاة، فإن قبلها أو لاعبها بشهوة فأمنى فعليه بدنة، ومن نظر إلى غير أهله فأمنى فعليه إن كان موسرا بدنة، فإن لم يقدر فبقرة، فإن لم يقدر فشاة، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام.
وفي الوطئ في الفرج في إحرام المتعة قبل طوافها أو سعيها مع فسادها بدنة[٥٢]، وفاقا لـ الشافعية، في الوجيز: مقدمات الجماع كالقبلة والمماسة، وكل ما ينتقض الطهارة منها، يوجب الفدية أنزل أو لم ينزل ولا يجب البدنة إلا بالجماع [٥٣]، وفي النافع: من قبل أو لمس بشهوة فعليه دم لقوله تعالى: { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } [٥٤] دل على أن القبلة والملامسة من محظورات الإحرام.
ومن وطأ في الفرج قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه بلا خلاف، ويلزمه المضي فيها، ويجب عليه الحج من قابل، ويلزمه بدنة[٥٥]، وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يلزمه شاة[٥٦] وحكمه كذلك عنده إذا وطأ في الدبر.
لنا بعد إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط ما روي عن ابن عمر و ابن عباس من قولهما: من وطأ قبل التحليل أفسد حجه وعليه ناقة ولا مخالف لهما.
وحكم الوطئ في الفرج بعد الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمشعر عندنا حكم الوطئ قبل عرفة [٥٧]، خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: لم يفسد حجه وعليه بدنة[٥٨]، لنا أنه قد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر، وأنه ينوب في تمام الحج عن الوقوف بعرفة لمن لم يدركه، فكل من قال بذلك قال بفساد الحج بالجماع قبله، فالتفرقة بين الأمرين يبطلها الإجماع، وما روي من قوله ( صلى الله عليه وآله ) وهو بالمزدلفة: ومن وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه. وقوله ( صلى الله عليه وآله ) الحج عرفة. تعارضه ما قدمناه، ويجوز حمله على أن المراد معظم الحج عرفة، وقوله: ( فقد تم حجه ) على أن المراد قارب التمام كما حملنا كلنا على ذلك قوله ( عليه السلام ): إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة فقد تم صلاته.
وفي الوطئ بعد الوقوف بالمشعر وقبل التحلل بدنة، ولا يفسد الحج[٥٩]، وقال الشافعي: إن وطأ بعد الوقوف بعرفة قبل التحلل أفسد حجه وعليه بدنة، مثل الوطئ قبل الوقوف. وقال أبو حنيفة: لا يفسد حجه الواطئ بعد الوقوف بعرفة وعليه بدنة. [٦٠] لنا أن إفساد الحج يفتقر إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
فأما وطأ المرأة في دبرها، وإتيان الغلام والبهيمة، فلا خلاف بين أصحابنا أنه فيه بدنة، واختلفوا في أنه هل يفسد الحج إذا وقع قبل عرفة أو قبل المشعر الحرام أم لا فمن قال: يفسد[٦١]- وبه قال الشافعي وأبو حنيفة في الروايتين عنه[٦٢] - دليله طريقة الاحتياط، ومن قال: لا يفسد دليله أن الأصل الصحة و براءة الذمة من القضاء. [٦٣]
وإذا وطأ المحرم ناسيا، لا يفسد حجه. وفاقا للشافعي في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة: يفسد حجه. [٦٤]
وتكرار الوطئ يوجب الكفارة وهي بدنة، سواء كان في مجلس واحد أم لا، وسواء كفر عن الأول أم لا، [٦٥] وقال الشافعي: إن وطأ بعد أن كفر عن الأول وجب عليه الكفارة، وهي شاة أو بدنة. وإن كان قبل أن كفر عن الأول ففيها ثلاثة أقوال: أحدها: لا شئ عليه والثاني: شاة، والثالثة: بدنة. [٦٦]
لنا ما قدمنا من الإجماع وطريقة الاحتياط، وليس للمخالف أن يقول: إن الحج قد فسد بالوطئ الأول، والثاني لم يفسد، فلا يجب به كفارة، لأنه وإن أفسد بالأول حرمته باقية بدليل وجوب المضي فيه، فتعلقت الكفارة بالمستأنف عنه.
ومن وطأ زوجته أو أمته وطئا يفسد الحج فرق بينهما، ولم يجتمعا حين يعودا إلى الموضع الذي وطأها فيه من الطريق وإذا جاءا من قابل وبلغا ذلك المكان الذي واقعها فيه فرق بينهما[٦٧]، وفاقا للشافعي واختلف أصحابه على وجهين: أحدهما: هي واجبة والآخر مستحبة[٦٨]، وفي النافع: وليس عليه أن يفارق زوجته إذا حج في سنة أخرى لأنه تعريض لها عن الزنا.
لنا ما روي عن عمر وابن عباس من قولهما: إذا وطأ الرجل زوجته فقضيا من قابل، وبلغا الموضع الذي وطأها فيه فرق بينهما. ولم يعرف راد لقولهما.
وفي أكل شئ من الصيد، أو بيضة، أو شم أحد ما ذكرناه ومن أجناس الطيب، أو أكل طعام فيه شئ من ذلك، دم شاة، وكذا في تظليل المحمل، وتغطية رأس الرجل، ووجه المرأة مع الاختيار، عن كل يوم دم شاة، ومع الاضطرار لجملة الأيام دم شاة. [٦٩]
وفي الخلاف إذا أكل المحرم من صيد قتله لزمه قيمته. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي لم يلزمه بذلك شئ. [٧٠]
ومن طيب كل العضو أو بعضه وكذا إن ستر بعض رأسه.
وإن وجد نعلين بعد لبس الخفين المقطوعين وجب عليه نزعها ولبس النعلين فإن لم يفعل فعليه الفداء. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن طيب جميع العضو، أو لبس في العضو كله كاليد والرجل ففيه الفدية، وإن لبس في بعضه أو طيب بعضه فلا فدية وتجب فيه الصدقة إلا في الرأس فإنه إن ستر بعضه ففيه الفدية. [٧١]
وفي قص كل ظفر من أظفار يديه مدمن طعام ما لم يكملها، فإن كملهما فدم شاة [٧٢]، وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: مثل ما قلناه. والثاني: درهم والثالث، ثلاث، شياة[٧٣]، وفي النافع للحنفية من قول أبي حنيفة: وإن قص أظفار يديه ورجليه فعليه دم وإن قص يدا ورجلا فعليه دم وإن قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة وإن قص خمسة أظافير منفردة من يديه ورجليه فعليه صدقة. [٧٤]. وهذا حكم أظفار رجليه إن قصها في مجلس آخر، وإن قص الجميع في مجلس واحد لم يلزمه إلا دم.
وإن جادل ثلاث مرات فما زاد صادقا، أو مرة كاذبا، فعليه دم شاة، وفي مرتين كاذبا دم بقرة، وفي ثلاث مرات فما زاد بدنة.
وفي لبس المخيط إن كان ثوبا واحدا أو ثيابا جماعة في مجلس واحد، دم شاة، فإن لبس في كل مجلس ثوبا، فعليه من الشياه بعدد الثياب، ونزع الثوب من قبل رجليه[٧٥]، وبه قال الشافعي وفي أصحابه من قال: لا فدية وقال ينزعه من رأسه. [٧٦]
إذا لبس المحرم، ثم صبر ساعة، ثم لبس شيئا آخر فعليه من كل لبسة كفارة، سواء كفر عن الأول أو لم يكفر وكذا الحكم في الطيب.
وقال الشافعي: إن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية وإن لم يكفر قال في القديم: يتداخل، وبه قال أبو حنيفة. [٧٧]
وفي حلق الرأس دم شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف. [٧٨]
ولا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه كله ولا بعضه مع الاختيار بلا خلاف، فإن حلقه لعذر جاز وعليه الفدية لقوله تعالى: { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } [٧٩] ومعناه فحلق ففدية، وحد ما يلزم به الفدية ما يقع عليه اسم الحلق. وحد الشافعي ذلك بثلاث شعرات فصاعدا. وحده أبو حنيفة بحلق ربع الرأس فصاعدا، فإن كان أقل من الربع فعليه الصدقة. [٨٠]
وإذا حلق أقل من ثلاث شعرات، لا يلزمه الفدية. ويتصدق بما استطاع وفاقا للشافعي في أحد أقواله وربما قال: مد من طعام من كل شعرة وربما قال: درهم وهكذا في الأظفار الثلاثة قال: دم، وفي ما دونه قال مثل ما في أقل من ثلاث شعرات، لنا أن الأصل براءة الذمة، وأن اسم الحلق لا يتناوله، وأما الصدقة فطريق وجوبها الاحتياط. [٨١]
وفي قص الشارب، أو حلق العانة أو الإبطين، دم شاة، وفي حلق أحد إبطيه إطعام ثلاثة مساكين، وفي إسقاط شئ من شعر رأسه أو لحيته - إذا مسهما في غير طهارة - كف من طعام، وكذلك في إزالة القمل عنه أو قتله، وفي حك الجسد حتى يدمي مد من طعام.
وفي قطع الشجرة الكبيرة من أصلها من الشجر الذي عيناه في الحرم بقرة، وفي الصغيرة شاة، وفي قطع البعض من ذلك، أو قطع حشيشه ما تيسر من الصدقة.
ومن عقد على امرأة وهو محرم نكاحا لمحرم فدخل بها، فعلي العاقد بدنة. [٨٢]
دليل جميع ما قلنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط و اليقين لبراءة الذمة. وأما الضرب الثالث الذي فيه الإثم دون الكفارة فما عدا ما ذكرنا لزوم الكفارة فيه، وذلك لأن لزوم الكفارة يفتقر إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل عليه.
ويكره للمحرم من الطيب ما خالف الأجناس المذكورة وليس ذلك بمحظور، لأن الحظر يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه.
ويكره الاكتحال والخضاب للزينة [٨٣] وللشافعي قولان. [٨٤]
وكذا يكره النظر في المرآة لقوله ( صلى الله عليه وآله ) الحاج أشعث أغبر وذلك ينافي هذه الأشياء. [٨٥]
ويكره أن يغسل رأسه بالخطمي والسدر، فإن فعل لم يلزمه الفداء، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة عليه الفدية، لنا أن الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل. [٨٦]

المصدر

  1. الغنية: 160 - 161.
  2. الخلاف: 2 / 396 مسألة 258.
  3. الغينة 161.
  4. الخلاف: 2 / 397 مسألة 260.
  5. الوجيز: 1 / 128.
  6. الخلاف: 2 / 397 مسألة 260.
  7. المائدة: 95.
  8. الغنية 161.
  9. الخلاف: 2 / 399 مسألة 261.
  10. الخلاف: 2 / 399 مسألة 262.
  11. الخلاف: 2 / 400 مسألة 263.
  12. 401 مسألة 267.
  13. الخلاف: 2 / 403 مسألة 269.
  14. الخلاف: 2 / 403 مسألة 271.
  15. الخلاف: 2 / 403 مسألة 272.
  16. الخلاف: 2 / 405 مسألة 274.
  17. الخلاف: 2 / 405 مسألة 275.
  18. الخلاف: 2 / 407 مسألة 279.
  19. الخلاف: 2 / 410 مسألة 285.
  20. المائدة: 95.
  21. اللباب في شرح الكتاب: 1 / 211، المبسوط للسرخسي: 4 / 97، الإنتصار: 249.
  22. الغنية 162.
  23. الخلاف: 2 / 380 مسألة 229.
  24. الخلاف: 2 / 381 مسألة 230.
  25. الخلاف: 2 / 381 مسألة 231.
  26. الغنية 162.
  27. الخلاف: 2 / 360 مسألة 193.
  28. الخلاف: 2 / 359 مسألة 192.
  29. الخلاف: 2 / 360 مسألة 194.
  30. الخلاف: 2 / 361 مسألة 196.
  31. الغنية 162.
  32. الخلاف: 2 / 397 مسألة 259.
  33. الغنية 162.
  34. الوجيز: 1 / 128.
  35. الغنية 162.
  36. اللباب في شرح الكتاب: 1 / 213.
  37. الوجيز: 1 / 128.
  38. الغنية: 162.
  39. الخلاف: 2 / 422 مسألة 310.
  40. الغنية 163.
  41. الخلاف: 2 / 411 مسألة 287، المغني لابن قدامة: 3 / 556.
  42. الوجيز: 1 / 127، المجموع: 7 / 339، بداية المجتهد: 1 / 676.
  43. الغنية 163.
  44. الهداية في شرح البداية: 1 / 168.
  45. ابن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عبد الله وقيل: أبو عمرو، بويع بالخلافة سنة ( 24 ) وقتل سنة ( 35 ه‍ ) ودفن في حش كوكب بالبقيع. أسد الغابة: 3 / 480 رقم 3583.
  46. الخلاف: 2 / 414 مسألة 294.
  47. الغنية 163.
  48. الخلاف: 2 / 417 مسألة 299.
  49. المائدة: 95.
  50. الغنية: 163 - 164.
  51. الأحزاب: 5.
  52. الغنية 163 - 165.
  53. الوجيز: 1 / 126.
  54. البقرة: 197.
  55. الغنية 165.
  56. الخلاف: 2 / 363 مسألة 200.
  57. الغنية 165.
  58. الخلاف: 2 / 364 مسألة 201.
  59. الغنية 166.
  60. الخلاف: 2 / 364 مسألة 201.
  61. الغنية 166.
  62. الخلاف: 2 / 370 مسألة 210.
  63. الغنية 166.
  64. الخلاف: 2 / 369 مسألة 208.
  65. الغنية 166 - 167.
  66. الخلاف: 2 / 366 مسألة 204.
  67. الغنية 167.
  68. الخلاف: 2 / 368 مسألة 207.
  69. الغنية 167.
  70. الخلاف: 2 / 405 مسألة 274.
  71. الخلاف: 2 / 302 مسألة 87.
  72. الغنية 167.
  73. الخلاف: 2 / 310 مسألة 101.
  74. النافع، ص؟؟.
  75. الغنية 167 - 168.
  76. أنظر الخلاف: 2 / 300 مسألة 86.
  77. الخلاف: 2 / 299 مسألة 83.
  78. الغنية 168.
  79. البقرة: 196.
  80. الخلاف: 2 / 308 مسألة 98.
  81. الخلاف: 2 / 308 مسألة 99.
  82. الغنية: 168.
  83. الغنية 168.
  84. الخلاف: 2 / 313 مسألة 106.
  85. الغنية 168.
  86. الخلاف: 2 / 314 مسألة 109.