طبقات الفقهاء
طبقات الفقهاء: المقصود من الطبقات تقسيم الفقهاء في طول الزمان منذ رحيل الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى يومنا هذا. وقد استعمل الطبقة للدلالة على الجيل، فمثلاً طبقات الصحابة يتميز عن طبقات التابعين وهما يتميزان عن طبقات تابعي التابعين وهكذا. فيمكن أنّ الطبقة تساوي ثلاثين عاما تقريبا، ولكن الطبقات تتداخل في العادة لأنها تقوم على اللقيا بين الفقهاء، بسبب طول أعمارهم بحيث يلحق المتأخر بالمتقدم في الاخذ عن نفس الشيوخ.
الفقهاء وحفظ الشريعة
الإسلام عقيدة وشريعة، فالعقيدة تعني الإيمان باللَّه وصفاته وأفعاله والتي تدور عليها رحى الإيمان والكفر، والمطلوب فيها هو الإذعان.
وإذا كان الإسلام عقيدة وشريعة فقد أخذ الفقهاء الكبار على ذِمّتهم حفظ الشريعة بدراسة الكتاب والسنة واستنطاقهما للإجابة على الحوادث التالدة والمستجدَّة حتى أغنَوا الأُمّة الإسلاميةَ عن التطفُّل على موائد الآخرين، وأثبتوا أنّ الفقه الإسلامي ذو مادة حيوية تفي بمتطلبات الأُمّة إلى يوم القيامة.
ولقد كان للجهود المكرَّسة من قِبَلِ الفقهاء الأفذاذ، والعلماء الجهابذة صدى كبيرٌ على الصعيد الفقهي، حيث ساهمتْ تلك الجهود في دفع عَجَلة الفقه نحوَ الأمام وارتقائه إلى المنزلة التي هو عليها، ومواصلة الحركة في سبيل التوسعة والتكامل.
الآثار حول طبقات الفقهاء
وقد حفل تاريخ الفقه الإسلامي بموسوعات ضخمة ومؤلفات عظيمة، زخرت بتراجمهم وسِيَرهم لتخليد ذكراهم وتثمين خدماتهم التي قدّموها إلى الشريعة الحنيفة، وقام بها غير واحد من مؤرخي الفقهاء حسب ما أتيح لهم من المنابع والمصادر، وكان لها أثر إيجابي في تاريخ الفقه.
فأُلَّفت في طبقات الشافعية من الفقهاء وغيرهم الكتب التالية:
1 - طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي (476 هـ).
2 - طبقات الشافعية للقاضي ابن شهبة ( ت / 851 ه )
كما أُلفت في تراجم الحنابلة الأسفار التالية:
1 - طبقات الحنابلة للقاضي ابن أبي يعلى الفراء ( ت / 526 ).
2 - الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ( ت / 795 ).
3 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد لمجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي ( 860 - 928 ).
كما أُلفت في تراجم المالكية الكتب التالية:
1 - ترتيب المدارك للقاضي عياض ( ت / 544 ).
2 - شجرة النور الزكية لمحمد بن محمد مخلوف ( ت / 1355 ).
3 - الديباج المذهّب في معرفة أعيان المذهب لبرهان الدين ابن فرحون المالكي ( ت / 779 ).
كما ألفت في تراجم الحنفية:
1 - الجواهر المضيئة لابن أبي الوفاء ( ت / 775 ).
2 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية لمحمد اللكنهوي الهندي ( ت / 1293 ).
هذا بعض ما ألف في تراجم أعيان المذاهب الأربعة وحيث إنّ المذاهب الفقهيّة أوسع من المذاهب الأربعة فهناك مذاهب فقهية أُخرى كـ الإمامية و الزيدية.
فقد ألف غير واحد من الإمامية والزيديّة كتباً ورسائل في تراجم علمائهم وبينوا طبقاتهم بصورة مسهبة.
ونرى ذلك الاهتمام من مؤرخي الشيعة الإمامية، فقد ألفوا في ذلك المضمار كتباً ورسائل وموسوعات أشهرها:
1 - الفهرست لأبي العباس النجاشي ( 372 - 450 ).
2 - الرجال لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي ( 385 - 460 ).
3 - الفهرست له قدّس اللَّه سرّه.
4 - الطبقات للبرقي من أعلام القرن الرابع.
5 - الرجال لأبي عمرو الكشي من أعلام القرن الرابع.
6 - معالم العلماء لابن شهرآشوب ( 488 588 ).
7 - الفهرست لمنتجب الدين الرازي ( ت بعد / 585 ).
وغيرها من الكتب والموسوعات التي يقف عليها الباحث في المكتبة الإسلامية والعربية كما وأُلفت في عصرنا هذا موسوعتان في طبقات الشيعة نذكرهما على الوجه التالي:
1 - طبقات الفقهاء لأُستاذنا المحقّق السيد حسين البروجردي ( 1292 1380 ).
2 - طبقات الشيعة لشيخنا المجيز آغا بزرگ الطهراني ( 1293 1389 ) مؤلف كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة في 25 جزءاً.
وللزيدية طبقات فقهاء نذكر منها على سبيل المثال:
1 - تراجم الرجال للشيخ أحمد بن عبد اللَّه الجنداري.
2 - الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية، لحسام الدين حميد بن أحمد المحلى.
غير انّ الذي يمكن أن نقوله هو: انّ تلك الموسوعات الضخمة التي صُنفت في التراجم اقتصرت كلّ طائفة منها على سرد أسماء فقهاء نحل معينة دون أن تتعداها إلى بقية النحل، مع انّ جلّ الفقهاء من مختلف النحل هم حماة الشريعة.
معايير الفقاهة
لما كانت الغاية من طبقات الفقهاء هي الوقوف على سيرة الفقهاء وتراجمهم منذ رحيل الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى يومنا هذا، لذا اقتضت الحاجة تعيين وبيان معايير للفقاهة ليتم على ضوئها فرز الفقيه عن غيره. فالسؤال الأصلي ههنا هو أنّ المعيار في الفقاهة ما هو؟ لقد كانت هناك معايير للفقاهة يتوجهون بها مؤلفو «الموسوعات لطبقات الفقهاء» نشير في هذا المجال إلی أهمّها:
المعيار الأول: أن يكون له تأليف في الفقه أو شرح لكتاب فقهي أو تعليقة عليه أو ما أشبه ذلك.
المعيار الثاني: إذا تولَّى منصباً فقهياً كالافتاء أو القضاء أو التدريس.
المعيار الثالث: إذا نُقِلت فتاواه في الكُتب الفقهية وإن لم نقف على كتاب له.
المعيار الرابع: إذا صرَّح المؤرخون وأهل السِيَر بفقاهته.
المعيار الخامس: إذا نُقِلَت عنه رواياتٌ فقهيةٌ في مختلف الأبواب خاصة إذا كان بصورة الاستفسار، والاستفتاء.
المعيار السادس: إذا قام بتفسير القرآن الكريم أو خصوص آيات الأحكام بشكل يعرب عن فقاهته.
المعيار السابع: إذا وصفه الأعلام بكونه جامعاً للعلوم والفنون.
المعيار الثامن: إذا قام بجمع وتدوين روايات فقهية، بتبويب خاص.
المعيار التاسع: إذا أُجيز من قِبَل الأعلام المجتهدين وصرح أُولئك الأعلام بفقاهته واجتهاده.
المعيار العاشر: إذا وُصف بكلمات معربة عن إلمامه بالفقه والاشتغال به.
الصعوبات في معرفة الفقهاء وتأليف الموسوعات حولها
هناك صعوبات جمةً في تأليف الموسوعة أهمها أنّ الركب الفقهي لم يزل سائراً نحو الأمام عند الشيعة منذ رحيل الرسول وحتى يومنا هذا، وإن توالت عليه اخفاقات ونجاحات ولكن الطابع العام الذي تميز به هو تطوره وارتقاؤه في مدارج الصعود.
وأمّا الركب الفقهي عند أهل السنة فقد كان نَشِطاً ودؤوبا في سيره نحو الأمام إلى أواسط القرن السابع حتى انتابه الجمود والركود نتيجة اغلاق باب الاجتهاد وساد على أثرها الفكر التقليدي المغلق، وانصرفت الأفكار عن تلمّس العلل و المقاصد الشرعية في فقه الأحكام إلى الحفظ الجاف، والاكتفاء بتقبّل كلّ ما في الكتب المذهبية دون مناقشة، وأُلزِمَ الفقهاء على اتباع أحد المذاهب الأربعة فقط وإن يروا الحقَ على خلافه، وطفق يتضاءل ويغيب ذلك النشاط الذي كان في القرون السابقة وأصبح مريد الفقه يدرس كتاب فقيه معيَّن من رجال مذهبه فلا ينظر إلى الشريعة وفقهها إلَّا من خلال سطوره بعد أن كان مريدُ الفقه يدرس القرآن و السنة وأُصول الشرع ومقاصده.
وقد أصبحت المؤلفات الفقهية إلَّا القليل بعد اغلاق باب الاجتهاد اختصاراً لما وُجِد من المؤلفات السابقة أو شرحاً له فانحصر العملُ الفقهي في ترديد ما سَبَق، ودراسة الألفاظ وحفظها كما صرح بذلك الأُستاذ مصطفى الزرقاء أحمد. [١]
فإذا كان حال الفقه والفقهاء بعد منتصَف القَرن السابع على ما وَصَفه ذلك المحقّق لم تجد اللجنةُ محيصاً من اتباع أُسلوب آخر في معرفة الفقهاء في تلك الفترة الزمانية وهو الاقتصار على المشهورين من الفقهاء والأُصوليّين الذين لهم كتب قيمة في الفقه، أو اشتهروا بالفقاهة، وهذه الثلة وإن كانت قليلةً إلَّا أنّها تركت بصمات واضحة على الصعيد الفقهي.
قال المقريزي: استمرت ولاية الفقهاء الأربعة من سنة 665 حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهبٌ يُعرفُ من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة وعُودي من تمذهب بغيرها، وأُنكر عليه ولم يُوَلّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ما لم يكن مقلِّداً لأحد هذه المذاهب وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب، وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم. [٢]
الحاجة إلى معرفة طبقات الفقهاء
انّ الحاجة من وراء تدوين هذه الموسوعة عبارة من الأُمور التالية:
أوّلًا: انّ الفقه الإسلامي ذو وحدة مترابطة من عصر الرسول إلى يومنا هذا، بمعنى انّ المسلمين حفظوا ذلك التراث واستثمروه.
ثانياً: الوقوف على سيرة الفقهاء العظام، والعلماء الجهابذة عبْر التأريخ لغاية الاطلاع على جهودهم التي بذلوها في سبيل إرساء هذا الصرح الشامخ.
ثالثاً: تمييز الفقيه عن المتفقه الذي صنعته أيدي السياسة وعدّته من الفقهاء وهو ليس بفقيه.
رابعاً: انّ استعراض سيرتهم والنشاط الذي قاموا به في إبداء بعض القواعد والمسائل الفقهية، يؤدِّى إلى الوقوف على جذور الكثير من المسائل والقواعد، والاستعانة بها على فهم تلك المسائل عن كَثب.
خامساً: الوقوف من خلال تراجمهم على مكانتهم ومدى نبوغهم في الفقه، وبذلك يستقطب الفقيه ثقة الفقيه الآخر بفكره وفقهه.
هذه الفوائد ترتجى من دراسة طبقات الفقهاء بشكل عام، كما وأنّ الذي دعي المشرفَ واللجنة إلى القيام بهذا العمل وراء تلك الفوائد أُمور:
أوّلًا: الحاجة الماسة إلى مثل هذا التأليف، ولم يكن هناك ما يقوم مقامه.
ثانياً: تقريب الخُطى بين المسلمين، وإراءة جهود جميع الفقهاء دون فرق بين السني و الشيعي لانّ الجميع خدموا الدين الحنيف شكر اللَّه مساعيهم.
ثالثاً: إزالة الأخطاء المتفشية من قِبَلِ الكُتّاب المعاصرين حول تاريخ الفقه الشيعي وفقهائهم.