صراع المذاهب الكلامية والفقهية

من ویکي‌وحدت

صراع المذاهب الكلامية والفقهية: أحد أبرز تحدّيات وموانع الوحدة، وهو من المشاكل التي تواجه الأمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية. وتسلّط هذه المقالة الضوء على هذا المبحث.

إنّ المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلى طوائف، مثل: الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والشيعة، والشيعة تنقسم بدورها إلى الزيدية والإسماعيلية والاثني عشرية، فكيف يمكن توحيد الكلمة مع سيادة هذه المناهج الكلامية عليهم؟!

والحقّ أنّ هذه المذاهب تتراءى في بادئ النظر سدّاً منيعاً بوجه الوحدة، ولكن بالنظر إلى أواصر الوحدة تبدو وكأنّها موانع ضعيفة لا تصدّ المسلمين عن التمسّك بأهداب الوحدة على كافّة الأصعدة.

أمّا المناهج الكلامية فجوهر الاختلاف فيها يرجع إلى مسائل كلامية لا عقائدية.. مثلاً: إنّ الأشاعرة والمعتزلة يختلفون في المسائل التالية: هل صفاته تعالى عين ذاته أو زائدة عليها؟ هل القرآن الكريم قديم أو حادث؟ هل أفعال العباد مخلوقة لله أو للعباد؟ هل يمكن رؤية الله في الآخرة أو هي ممتنعة؟ إلى غير ذلك من أمثال هذه المسائل.. ومع تثمين جهود الطائفتين فالاختلاف فيها اختلاف في مسائل عقلية لا يناط بها الإسلام ولا الكفر، فالمطلوب من المسلم اعتقاده بكونه سبحانه عالماً وقادراً، وأمّا كيفية العلم والقدرة بالزيادة أو العينية فليس من صميم الإسلام، فلكلّ مجتهد دليله ومذهبه، كذلك القرآن هو معجزة النبي (صلّى الله عليه وآله) وكتابه سبحانه، فليس الحدوث والقدم من صميم العقيدة، وقس على ذلك ما تلوناه عليك من المسائل.

وأمّا المناهج الفقهية فالمشهور هي المذاهب الأربعة مضافاً إلى الزيدية والجعفرية، فهذه المذاهب الستّة مذاهب فقهية، والاختلاف يرجع إلى الاختلاف في فهم الآية والرواية، فلو اختلفوا فإنّما يختلفون في فهم الكتاب والسنّة، وهذا إنّ دلّ على شيء فإنّما يدلّ على اهتمامهم بهما وإمعانهم في فهمهما، والاختلاف أمر طبيعي، خصوصاً بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرناً من عصر الإسلام.

ولكن اختلافهم في المناهج الفقهية لا يمسّ بصميم الفقه الإسلامي، فهل هناك مَن يرى صلاة الفجر ثلاث ركعات أو يرى صلاة الظهر والعصر غير أربع ركعات؟! وليس الاختلاف وليد اليوم، بل بدأ الاختلاف بعد رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أبسط المسائل الفقهية، كعدد التكبيرات على الميّت، إلى أعمقها، فالاختلاف الموروث إنّما هو اختلاف في فهم النصوص لا في رفض النصوص وردّها.

ولا شكّ أنّ الشيعة ترى جواز الجمع بين الصلاتين مع القول بأنّ التفريق هو الأفضل، والسنّة النبوية تخصّ جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصّة، ولكلّ دليله.. وقس على ذلك سائر الاختلافات الفقهية، حتّى الاختلاف في متعة النكاح، فذهب جمهور السنّة إلى النسخ، وذهب الشيعة إلى بقاء الجواز، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه.

المصدر

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 78.

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف : محمّد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.