انتقل إلى المحتوى

ثقل وعواقب مسيرة ترامب (ملاحظة)

من ویکي‌وحدت


الخطوة الثانية للثورة

ثقل وعواقب مسيرة ترامب، عنوان ملاحظة تتناول التفاهم بين ثلاث دول هي أمريكا وأذربيجان وأرمينيا[١]. هذا الاتفاق الثلاثي بين أمريكا وأذربيجان وأرمينيا بشأن إنشاء مسار (Route) يربط بين أذربيجان ونخجوان، والذي يشترط عبور ما لا يقل عن 47 كيلومتراً من أراضي أرمينيا، أثار جدلاً واسعاً. بعضهم اعتبره موضوعاً منتهيًا، وبعضهم رآه مجرد «مذكرة تفاهم» تفتقر إلى التفاصيل وآلية التنفيذ. بعضهم اعتبره اتفاقاً ضمن نطاق صلاحيات البلدين أذربيجان وأرمينيا، وبعضهم الآخر رأى أنه يغير الجغرافيا السياسية (الجيوسياسية) لمنطقة القوقاز وله تبعات جوهرية على جنوب القوقاز والمناطق المحيطة به (روسيا، إيران، تركيا وغيرها). بعضهم قال إن هذا العقد يؤدي إلى احتلال جزء من الحدود الشمالية لإيران من قبل أمريكا وفرض نفوذها، وبعضهم اعتبره من الناحية الاقتصادية مجرد أحد عشر طريقاً ترانزيتياً في المنطقة يفتقر إلى الأبعاد الاستراتيجية.

دخول أمريكا

مع دخول أمريكا في موضوع المسار بين جانبي جمهورية أذربيجان، تجاوز النقاش حدود العلاقات والاتفاق بين البلدين ليأخذ طابعاً إقليمياً أوسع. منطقة القوقاز الجنوبية التي تشمل ثلاث دول أو خمس دول حسب التعريف، هي جزء من الحضارة إيران وجزء من النفوذ السياسي - الأمني لـروسيا، ولا يمكن تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة دون مشاركة هذين البلدين، خصوصاً إذا كان الطرف الثالث الذي يدخل إلى المنطقة لا يملك أي علاقة تاريخية بها، بل هو في حالة خصومة مع دول الجوار. إيران وروسيا في حالة عداء مع أمريكا منذ عقود، حيث تُذكر أمريكا في الوثائق الوطنية لكل من إيران وروسيا بوصفها عدواً، بل وقبل شهرين فقط شهدت المنطقة صراعاً عسكرياً بين أمريكا وإيران. لذلك، فإن وجود أمريكا كطرف ثالث في هذا المشروع، والذي يبدو أنه الطرف الأساسي، يعطي لهذا الاتفاق طابعاً عدائياً، رغم أن القانون الدولي يمنع أي دولة من إبرام اتفاقات على أراضيها أو مياهها تضر بطرف ثالث. ما حدث في هذا السياق هو بلا شك عمل أمريكي بطبيعته أمنية وتنظيمية، وفي المرتبة التالية هو عمل يستهدف إيران وروسيا، وله تبعات جيوسياسية، مما يلزم إيران وروسيا بالتصدي له بكل الإمكانات لمنع تنفيذه.

الاهتمام بتفاصيل المشروع

وفقاً للوثيقة المنشورة، لم تُناقش تفاصيل المشروع بعد، وهذا قد يشير إلى قلق الدول الثلاث من تبعات الإعلان عنها. لكن هذا لا يعني عدم وجود تفاصيل أو عدم إجراء محادثات بشأنها، فالتفاصيل موجودة وإن لم تُصادق بعد. هذه نقطة مهمة لنا كفرصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تنفيذها، خصوصاً تلك التي تتعارض مع مصالح وأمننا الوطني. يجب أن نعلم أن ما تم توقيعه ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة سنوات من العمل والتحضير في أذربيجان وأرمينيا، وهذا يدل على أننا لا نتعامل مع مجرد طريق ترانزيت، بل مع مؤامرة. لذا لا يجب أن نشك في أن ما تم الاتفاق عليه في واشنطن ينطوي على انتهاك لحقوق وسيادة إيران.

أخطاء الأطراف الثلاثة


الخطوة الثانية للثورة

أمريكا وأذربيجان وأرمينيا إذا ظنوا أن تنفيذ مشروع لا يراعي حقوق إيران وروسيا هو أمر بسيط ككتابة الاتفاق على الورق، فهم مخطئون بشدة. الخطأ الأول وقع فيه أذربيجان وأرمينيا حين ظنا أن ربط هذا الممر بأمريكا سيجلب السلام والطمأنينة وآفاقاً واعدة. في هذا السياق، يعتقد رئيس وزراء أرمينيا، باشينيان، الذي فقد شعبيته بسبب ضعف قيادته وتهديدات أمنية متكررة، أن هذا الاتفاق سيؤمن الاستقرار لأرمينيا ويجلب فوائد اقتصادية فورية. لكن يجب أن يعرف أن وجود الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة سيؤدي إلى الفوضى، كما تظهر تجارب التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق وسوريا، حيث زادت الوجودات العسكرية الأمريكية من عدم الاستقرار. يجب أن تدرك أرمينيا أن العداء بين أمريكا وإيران ليس مجرد خلاف سياسي حول قضايا محددة، بل هو عداء على مستوى السيادة، حيث تعتبر إيران تدخلات أمريكا المدمرة ودعمها لإسرائيل غير شرعية وتسعى لإزالتها، بينما تعتبر أمريكا إيران عدواً لا يمكن تحمله وتسعى لإسقاط نظامها السياسي. ما فعله الاتفاق الأخير هو خلق ساحة صراع في أرمينيا ومنطقة القوقاز لهذين العدوين الخطيرين. لذلك، فإن الاتفاق الثلاثي يشوه الأمن في منطقة القوقاز، والضرر الأول يقع على شعبي أذربيجان وأرمينيا.

الفشل العسكري الأمريكي

من المهم أن نذكر أن الأمريكيين لم يمض وقت طويل على تجربة فشلهم العسكري في المنطقة. فقد احتلت أمريكا مع بريطانيا وعدة دول غربية العراق في أواخر عام 2002 وبداية 2003 بقوة عسكرية تقارب 300 ألف جندي، لكنها وصلت إلى طريق مسدود خلال أقل من ثلاث سنوات، وفي 2007 اضطرت حكومة بوش إلى توقيع اتفاق انسحاب. خلال فترة الاحتلال، لم تتمكن أمريكا من توفير الأمن للعراق، بل لم تستطع حتى حماية قواتها. العراق الذي حارب إيران لمدة ثماني سنوات، أصبح بعد الاحتلال مركز مقاومة ضد أمريكا. على أرمينيا وأذربيجان أن تعرفا أن مصيرهما لن يختلف عن العراق، وأن مواجهة الأمريكيين في القوقاز ستبدأ منذ اليوم الأول.

القوقاز، منطقة السلام والازدهار

من وجهة نظر إيران وروسيا، يجب أن تكون منطقة القوقاز منطقة سلام وازدهار، وهذا السلام يتطلب أولاً اتفاقاً بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، وثانياً آلية إقليمية قائمة على حسن النية تشمل تعاون إيران وروسيا وتركيا. هذه الآلية التي كانت نشطة لفترة وعقدت اجتماعات يمكنها أن تحقق الاستقرار. لكن وجود عوامل تتعارض مع بيئة القوقاز لا يمكن أن يحقق الاستقرار. لا شك أن عدم الاستقرار في القوقاز يتعارض مع مصالح إيران وروسيا، كما أن السلام والاستقرار يتوافقان تماماً مع مصالحهما. لكن لا يمكن تحقيق الاستقرار بتجاهل حقوق إيران وروسيا. يمكن لشعوب البلدين اختيار ممثليها بحرية ونحن نحترم ذلك، وملتزمون بإقامة علاقات مع الحكومات المنتخبة، لكن لا يمكننا دعم سياسات تتجاوز صلاحيات الدولتين وتتعارض معنا. نخبر السلطات في البلدين بشكل ودي أننا لا نريد أن تصبح القوقاز منطقة صراع أمني بين إيران وأمريكا أو روسيا وأمريكا.

التصريحات الداخلية غير المحسوبة

في إيران، يجب أن يفهم الجميع أن ما جرى في الاتفاق الثلاثي الأخير ليس أمراً تافهاً أو بلا حل. بعض التصريحات غير المحسوبة، التي للأسف صدرت أحياناً من مسؤولين ذوي خبرة، مدهشة. إذا تم تنفيذ هذا الاتفاق على الأرض، فإنه سيشعل النزاعات في المنطقة. إيران مضطرة أن تتدخل بحزم لمنع حدوث آثار أمنية سلبية تدوم لعقود. هذا الاتفاق يضع علاقات إيران مع أذربيجان وأرمينيا في حالة شك وسوء ظن دائم. لذلك يجب أن تتصرف إيران بقوة منذ البداية، وهذا لا يعني بالضرورة استخدام القوة العسكرية فقط، بل يمكن أن يكون عبر الدبلوماسية. علينا تقديم حجج قوية في المحادثات مع البلدين، وأن نعرض بدائل مقبولة للطرفين، وأن نوضح طرق تحقيقها. يمكن لعملية دبلوماسية إقليمية متعددة الأطراف أن توفر السلام والاستقرار والازدهار المهدد في هذه المنطقة.

انظر أيضاً

الهوامش

  1. بقلم: سعدالله زارعي.

مصادر