بيع السلم
بيع السلم: وهو بيعٌ يؤخر فيه قبض المبيع عکس النسيئة، ولهذا البيع شروط وأحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.
شرائط السلم
وأما السلم فشرائطه الزائدة التي تخصه أربعة : ذكر الأجل المعلوم ، وذكر موضع التسليم ، وأن يكون رأس المال مشاهدا ، وأن يقبض في مجلس العقد. [١]
وعند أبي حنيفة لا يجوز السلم إلا بشرائط سبعة : أن يكون في جنس معلوم ونوع معلوم وصفة معلومة ومقدار معلوم وأجل معلوم ومعرفة مقدار رأس المال وموضع التسليم. [٢]
وعند الشافعي شرائطه خمسة : تسليم رأس المال في المجلس سواء عينه أو وصفه في الذمة الثاني : أن يكون المسلم فيه دينا ويصح حالا ومؤجلا الثالث ، أن يكون مقدورا على تسليمه الرابع : أن يكون معلوم القدر بالوزن ، ولا يكفي العدد الخامس أن يذكر أوصافا يختلف بها القيمة لتعدد أركانها كالمخلوطات من الحلاوات والمعجونات. [٣]
ويدل على اعتبار الأجل المعلوم ما رووه من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : من أسلف فليسلفه في كيل معلوم إلى أجل معلوم . وظاهر الأمر يقتضي الوجوب[٤] ولا يجوز إلى الحصاد أو الدياس أو ما أشبه ذلك مما يختلف زمانه وفاقا لهما وخلافا لمالك . لنا قوله ( عليه السلام ) لا تبايعوا إلى الحصاد ولا إلى الدياس ، ولكن إلى شهر معلوم وهذا نص. [٥]
ولا يجوز السلف فيما لا ينضبط بوصف يتميز به ، كالمعجونات ، والمركبات ، والخبز ، واللحم - نيا كان أو مطبوخا - وفي روايا الماء ، ولا في المعدودات كالجوز والبيض إلا وزنا . [٦] أما اللحم ، فيجوز فيه السلم عند الشافعي ، إذا ذكر أو صافها ،[٧] ولا يجوز عنده في الجوز والبيض إلا وزنا وعند أبي حنيفة يجوز عددا ، وأما البطيخ فلا يجوز فيه السلم إجماعا. [٨]
واللحم المطبوخ بلا خلاف أنه لا يجوز السلم فيه ، وأما الني فللشافعي فيه قولان : أحدهما : يجوز والثاني لا يجوز وبه قال أبو حنيفة. [٩]
ويجوز السلم في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع في وقت المحل . وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا أن يكون جنسه موجودا في حال العقد والمحل وما بينهما. [١٠]
والسلم لا يكون إلا مؤجلا ، قصر الأجل أو طال وفاقا لأبي حنيفة وقال الشافعي : يصح أن يكون حالا إذا شرط ذلك ، أو يطلق فيكون حالا . [١١]
رأس المال إن كان معينا في حال العقد ، ونظر إليه ، فإنه لا يكفي إلا بعد أن يذكر مقداره ، سواء كان مكيلا أو موزونا أو مذروعا ، ولا يجوز جزافا ، وإن كان مثل الجوهر واللؤلؤ فإنه يغني المشاهدة عن وصفه وهو أحد قولي الشافعي والقول الآخر : لا يجب وهو الصحيح عند أصحابه . وقال أبو حنيفة : إن كان من جنس المكيل والموزون ، فلا بد من بيان مقداره ، وضبطه بصفاته ، وإن كان من جنس المذروع يكفي تعيينه ومشاهدته .
لنا على صحة ما اعتبرناه أنه لا خلاف في أنه يصح معه السلم ، ولا دليل على صحة ما قالوه ، فوجب اعتبار ما قلناه. [١٢]
ويجوز السلف في الحيوان من الرقيق والإبل والبقر ، والغنم ، والحمر ، والدواب ، وغيرها وفاقا للشافعي . وقال أبو حنيفة ، لا يجوز السلم في الحيوان . لنا ما رووه من أمره ( عليه السلام ) حين أراد تجهيز بعض الجيوش بأن يبتاع له البعير بالبعيرين وبالأبرة إلى خروج المصدق . [١٣]
ولا يجوز لمن أسلم في شئ بيعه من المسلم إليه ولا من غيره قبل حلول أجله – وقد دخل في ذلك الشركة والتولية له لأنهما بيع - فإذا حل أجله جاز بيعه من المسلم إليه بمثل ما نقد فيه وبأكثر منه من غير جنسه ومن غير المسلم إليه بمثل ذلك وأكثر منه من جنسه وغيره ، لظاهر القرآن ودلالة الأصل ، إلا أن يكون المسلم فيه طعاما فإن بيعه لا يجوز قبل قبضه إجماعا. [١٤]
وإذا أسلف فلا يجوز أن يشرك فيه غيره ، ولا أن يوليه ، والشركة أن يقول له رجل : شاركني في نصفه بنصف الثمن ، والتولية أن يقول : ولني جميعه بجميع الثمن ، أو نصفه بنصفه ، وذلك لا يجوز وفاقا لهما وخلافا لمالك . لنا أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل ولا دليل على أنهما بيع كما قلنا ، وقد قال ( عليه السلام ) : من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ، وأنه نهي عن بيع ما لم يقبض وروى أبو سعيد الخدري [١٥] أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره[١٦] وأما بيع المسلم من المسلم إليه بعد حلول أجله ، فقد قال بعض أصحابنا : أنه يجوز بمثل ما باعه ، أو أكثر أو أقل إذا عين الثمن وقبضه قبل التفرق من المجلس سواء كان الثمن من جنس الأول ، أو من غير جنسه وهو اختيار الشيخ المفيد في مقنعته[١٧] واختاره ابن إدريس في سرائره وقال هو الصحيح. [١٨]
وإذا جئ بالمسلم فيه قبل محله لم يلزم المشتري قبوله ولا يجر عليه[١٩]، وقال الشافعي : يجبر عليه ، إن لم يكن له غرض سوى براءة الذمة ، وإن كان له أي للممتنع غرض بأن كان زمان نهب أو غارة لا يجبر عليه . لنا أنه لا يمتنع أن يكون له في تأخيره غرض لا يظهر لغيره وأن إجباره على ذلك مطلقا يحتاج إلى دليل. [٢٠]
ويجوز التراضي على تقديم الحق عن أجله بشرط النقص منه ، لأنه لا مانع من ذلك لقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما ، فأما تأخير الحق عن أجله بشرط الزيادة فيه فلا يجوز بلا خلاف ، لأنه ربا . [٢١] يجوز بيع الشيرج بعضه ببعض ، تماثلا يدا بيد ، وبه قال جميع أصحاب الشافعي إلا ابن أبي هريرة. لنا ظاهر الآية و دلالة الأصل وهما يدلان على جوازه. [٢٢]
وإذا شرط عليه مكان التسليم ، وأعطاه في غيره ، وبذل له أجرة الحمل ، وتراضيا به ، كان جائزا لأنه لا مانع منه وقال الشافعي : لا يجوز أن يأخذ العوض عن ذلك. [٢٣]
وتجوز الإقالة على كل حال لأنها فسخ[٢٤] في حق المتعاقدين ، سواء كان قبل القبض أو بعده ، وفي حق غيرهما . وفاقا للشافعي وليست ببيع خلافا لمالك وقال أبو حنيفة : في حق المتعاقدين فسخ ، وفي حق غيرهما بيع . وفائدته وجوب الشفعة بالإقالة ، فعند أبي حنيفة يجب الشفعة وعندنا لا يجب وعند أبي يوسف الإقالة فسخ قبل القبض ، وبيع بعده ، إلا في العقار ، فإنها بيع سوا كان قبل القبض أو بعده . لنا ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من أقال نادما بيعته أقاله الله نفسه يوم القيامة وإقالة نفسه هي العفو و الترک ، فوجب أن يكون الإقالة في البيع هي العفو و الترک وأيضا فلو كانت الإقالة بيعا ، لم تصح في السلم لأن البيع في المسلم فيه لا يجوز قبل القبض ، فلما صحت الإقالة فيه إجماعا دل على أنها ليست ببيع. [٢٥]
ولا يجوز الإقالة بأكثر من الثمن ، أو بأقل ، أو بجنس غيره ، فإذا أقاله بذلك كانت الإقالة فاسدة ، والمبيع على ملك المشتري كما كان ، وقال أبو حنيفة : يصح الإقالة ، ويبطل الشرط. [٢٦]
وإذا أقاله جاز أن يأخذ بدل ما أعطاه من غير جنسه مثل أن يكون أعطاه دنانير ، فأخذ دراهم ، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يأخذ بدله شيئا آخر استحسانا. لنا قوله تعالى : { وأحل الله البيع } [٢٧] وقوله ( عليه السلام ) : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم. [٢٨]
الهوامش
- ↑ الغنية 227 .
- ↑ الهداية في شرح البداية : 3 / 73 .
- ↑ الوجيز : 1 / 155 .
- ↑ الغنية 227 .
- ↑ الخلاف : 3 / 201 مسألة 7 .
- ↑ الغنية 227 .
- ↑ الخلاف : 3 / 204 مسألة 12 .
- ↑ الخلاف : 3 / 209 مسألة 19 .
- ↑ الخلاف : 3 / 209 مسألة 20 .
- ↑ الخلاف : 3 / 195 مسألة 1 .
- ↑ الخلاف : 3 / 196 مسألة 3 .
- ↑ الخلاف : 3 / 198 مسألة 4 .
- ↑ الخلاف : 3 / 199 مسألة 5 .
- ↑ الغنية 228 .
- ↑ اسمه سعد بن مالك الأنصاري ، روى عن : النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن أسيد بن حضير ، وجابر بن عبد الله ، وروى عنه : إبراهيم النخعي ، وإسماعيل بن أبي إدريس وغيرهما مات بالمدينة سنة ( 74 ) . تهذيب الكمال : 10 / 294 رقم 2224 .
- ↑ الخلاف : 3 / 208 مسألة 17 .
- ↑ المقنعة 596 .
- ↑ السرائر : 2 / 310 .
- ↑ الغنية 228 .
- ↑ الخلاف : 3 / 213 مسألة 28 .
- ↑ الغنية 228 .
- ↑ الخلاف : 3 / 56 مسألة 81 .
- ↑ الخلاف : 3 / 214 مسألة 29 .
- ↑ الغنية 228 .
- ↑ الخلاف : 3 / 205 مسألة 13 .
- ↑ الخلاف : 3 / 206 مسألة 14 .
- ↑ البقرة : 275 .
- ↑ الخلاف : 3 / 207 مسألة 229 .