انعكاس العلّة

من ویکي‌وحدت

انعكاس العلّة: اصطلاحٌ أصوليٌ وهو انتفاء الحكم عند انتفاء العلّة، والمراد من الانتفاء هو انتفاء العلم أو الظن بالحكم عند انتفاء العلة لا انتفاء أصل وجود الحكم في الواقع؛ لأن عدم الدليل لايدل على عدم المدلول واقعا، ويمثَّل له بتعليل وجوب القصاص في النفس بعلّة القتل العمد العدوان، فإذا انتفت العلّة وهي القتل العمد العدوان ينتفي الحكم وهو القصاص.

تعريف الانعکاس لغةً

الانعكاس مأخوذ من العكس وهو ردّ آخر الشيء إلى أوله[١].

تعريف الانعکاس اصطلاحاً

يمكن أن يكون للانعكاس معنيان:
الأول: وهو بأن يكون كلما انتفى الحد انتفى المحدود. وهو بهذا المعنى يكون أحد شروط التعريف[٢]. ومن الاصطلاحات المنطقية التي يستخدمها الأصوليون عند نقاشاتهم للتعريفات.
الثاني: هو انتفاء الحكم عند انتفاء العلّة[٣]. وقريب منه تعريف علاء الدين البخاري[٤] والعضدي[٥] والصنعاني[٦] والديباني[٧] والخضري[٨].
والمراد من الانتفاء هو انتفاء العلم أو الظن بالحكم عند انتفاء العلة لا انتفاء أصل وجود الحكم في الواقع؛ لأن عدم الدليل لايدل على عدم المدلول واقعا[٩].
ويمثَّل له بتعليل وجوب القصاص في النفس بعلّة القتل العمد العدوان، فإذا انتفت العلّة وهي القتل العمد العدوان ينتفي الحكم وهو القصاص[١٠].
والبحث في «انعكاس العلّة» من المباحث المتعلّقة بالقياس الفقهي ويعود إلى مبحث شرائط العلّة، وهو بهذا المعنى وقع موضع البحث هنا.

حكم الانعکاس

الكلام في الانعكاس يكون في مجالين:

المجال الأول: شرطية انعكاس العلة

وقع الخلاف في شرطية انعكاس العلّة، بحيث ينتفي الحكم المعلل بها عند انتفاء علّته، والخلاف في ذلك وقع في نقطتين:

النقطة الأولى: الانعكاس في العلل العقلية

وفي هذه النقطة وقع الكلام في أنّ انتفاء العلّة في الأمور العقلية هل يدلّ على انتفاء المعلول بحيث يكون الانعكاس شرطا فيها، أو لايدلّ على الانتفاء؟ قولان في ذلك:

القول الأوّل: اشتراط الانعكاس

ونقل الإجماع عليه[١١].

القول الثاني: عدم اشتراط الانعكاس

وذهب إلى هذا القول بعض المعتزلة[١٢]، واختاره الرازي[١٣].

النقطة الثانية: الانعكاس في العلل الشرعية

إذا كان حكمٌ معلولاً لعلّة مّا وانتفت تلك العلّة فهل هذا الانتفاء يدلّ على عدم ثبوت الحكم المعلول، بحيث تكون العلّة مشروطة بذلك؟ أقوال عديدة ذكرت في ذلك:

القول الأوّل: الاشتراط

وهو اختيار الماوردي[١٤]، والشوكاني[١٥]، ونسب إلى بعض المعتزلة والشافعية[١٦]، ونقل عن أحمد قوله : «لا تكون العلّة علّة حتّى يُقبِل الحكم بإقبالها ويُدبِر بإدبارها»[١٧]. ويُمكن أن يُستدلّ على الاشتراط بعدّة أدلّة: الأوّل: أنّ العلّة هي مناط الحكم، فيجب أن يدور الحكم عليها وجودا وعدما[١٨]. الثاني: أنّ العلل الشرعية إنّما يثبت بها الحكم لكونها تفيد الظنّ به، فإذا وجد الحكم بوجودها ولم ينعدم بعدمها انتفى الظنّ بالحكم[١٩]. الثالث: أنّ العلل الشرعية كالعلل العقلية التي يجب فيها الانعكاس[٢٠].

القول الثاني: عدم الاشتراط

ويُنسب إلى الجمهور وأكثر الشافعية[٢١]، وهو اختيار الحلّي من الإمامية[٢٢]. ويمكن أن يُستدلّ على عدم الاشتراط بعدّة أدلّة: الأوّل: أنّ العلل علامات على إثبات الأحكام، ومن شأن العلامات ألاّ يدلّ عدمها على عدم ما تدلّ عليه[٢٣]. الثاني: أنّ الانعكاس لو كان شرطا في العلّة لزم ألاّ يُقتل إلاّ القاتل؛ لأنّ علّة قتل القاتل هي القتل، وهذا اللازم باطل؛ لأ نّه قد يجب القتل بالردة وبالزنا بذات البعل[٢٤]. الثالث: قياس الأمر على الأدلّة العقلية، فإنّه إذا دلّت بوجودها على وجود المدلول لايدلّ عدمها على عدم ذلك المدلول، فكذلك الأمر في الأدلّة والعلل الشرعية[٢٥]. الرابع: أنّ العلل الشرعية أمارات، ومن الممكن أن يدلّ على الحكم الواحد أمارات وعلل متعددة، وأيّها وجدت دلّت على الحكم، لكن انتفاء أحدها لايدلّ على انتفاء الحكم[٢٦].

القول الثالث: اشتراط الانعكاس في العلّة المستنبطة دون المنصوصة

ذكره السبكي[٢٧] ونسبه إلى جماعة، وذكره الزركشي[٢٨] ولم ينسبه إلى أحد.

القول الرابع: التفصيل بين ما إذا تعددت العلّة

فلايشترط الانعكاس وبين ما إذا اتّحدت فيشترط، وهو اختيار الغزالي[٢٩]، والآمدي[٣٠]. واستدلّ عليه بأنَّ انعكاس العلّة يتبع طبيعة الحكم الذي استكشف من العلّة، فإنّه هناك بعض الأحكام عللت بعلّة واحدة، كما في تعليل جنس وجوب القصاص في النفس، فإنّ القصاص هنا لا علّة له إلاّ القتل العمد العدواني، وفي مثل ذلك يكون انتفاء العلّة دليلاً على انتفاء الحكم وهو وجوب القصاص. وأمّا مثل تعليل إباحة الدم بعلّة القتل العدوان تارة وبالردة عن الإسلام تارة أخرى، أو مثل تعليل نقض الوضوء بالمسّ واللمس والبول والغائط، فإنّه في مثل هذه الأحكام التي لا تكون علّتها منحصرة بالواحدة لايدلّ انتفاء إحداها على انتفاء ذلك الحكم[٣١].

المجال الثاني: الترجيح بانعكاس العلّة

يذكر الأصوليون أنّه إذا وجد لدينا قياسان أحدهما علّته منعكسة والآخر علّته غير منعكسة ووقع التعارض بينهما، فإنّه يقدّم القياس صاحب العلّة المنعكسة؛ لأنّه أغلب في إفادته الظنّ وأبعد عن الخلاف[٣٢]. والملاحظ أنّهم يطلقون الترجيح بانعكاس العلّة سواء قيل باشتراطه أو لا، إلاّ أنّ الطوفي يذكر أنّ الترجيح لايكون إلاّ مع القول باشتراط الانعكاس في العلّة[٣٣].

الهوامش

  1. . لسان العرب 3: 2720، تاج العروس 8: 371 مادة «عكس».
  2. . أنظر: منتهى الوصول: 6.
  3. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 207.
  4. . كشف الأسرار 4: 77.
  5. . شرح مختصر المنتهى 3: 437.
  6. . اجابة السائل: 186.
  7. . المنهاج الواضح 2: 195.
  8. . أصول الفقه: 322.
  9. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 208، البحر المحيط 5: 143، اجابة السائل: 186، المنهاج الواضح 2: 195.
  10. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 207.
  11. . أنظر: المحصول 2: 375، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 116، البحر المحيط 5: 143.
  12. . أنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 3: 116، البحر المحيط 5: 143.
  13. . المحصول 2: 375.
  14. . الحاوي الكبير 6: 110 ـ 111.
  15. . إرشاد الفحول 2: 139.
  16. . قواطع الأدلّة 4: 249.
  17. . البحر المحيط 5: 143.
  18. . أنظر: المنخول: 412.
  19. . أنظر: قواطع الأدلّة 4: 250.
  20. . أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 47، قواطع الأدلّة 4: 249.
  21. . أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 47، قواطع الأدلّة 4: 249، المحصول 2: 375، الإحكام الآمدي 3: 206، كشف الأسرار (النسفي) 2: 340، الإبهاج في شرح المنهاج 3: 116، البحر المحيط 5: 143.
  22. . تهذيب الوصول: 261، نهاية الوصول 4: 207.
  23. . أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 48، قواطع الأدلّة 4: 250.
  24. . أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 48، قواطع الأدلّة 4: 251.
  25. . أنظر: البرهان في أصول الفقه 2: 48 ـ 49، قواطع الأدلّة 4: 251.
  26. . أنظر: قواطع الأدلّة 4: 252، المحصول 2: 375.
  27. . الإبهاج في شرح المنهاج 3: 116.
  28. . البحر المحيط 5: 143.
  29. . المستصفى 2: 189، المنخول: 412.
  30. . الإحكام الآمدي 3ـ4: 207.
  31. . أنظر: الإحكام الآمدي 3ـ4: 207.
  32. . أنظر: التلخيص في أصول الفقه 3: 323، الإحكام الآمدي 3ـ4: 492، كشف الأسرار (النسفي): 2: 340.
  33. . شرح مختصر الروضة 3: 719.