الهاتف

من ویکي‌وحدت

الهاتف: وهو الصوت الجافي العالي، وهذا الصوت قد وقع الخلاف في حجيته، فـ الصوفية قائلون بحجيته ويقولون: الهاتف من اُصول الأحكام الذي يُعلم أنّه حقّ، مثل: الذي سمعوه يأمرهم بغسل النبي(ص) في قميصه. يقول الشاطبي: «فالصوفية يعتمدون في كثير من الأحكام على الكشف والمعاينة وخرق العادة ونبض العرق عند الإنسان أو سماع هاتف فيحكمون بالحلّ و الحرمة ويثبتون على ذلك الإقدام والأحجام.

تعريف الهاتف لغةً

يقول سمعت هاتفا يهتف إذا كنت تسمع الصوت ولا تبصر أحدا. وقيل: الصوت الشديد، والهتف والهتاف الصوت الجافي العالي. ففي حديث حنين قال: «اهتف بالأنصار، أي نادهم وأدعهم» [١].

تعريف الهاتف اصطلاحاً

لم نعثر على تعريف اصطلاحي لمصطلح هاتف حسب تتبعنا، ويبدو أنّ مرادهم من استخدام هذه المفردة هو نفس المعنى اللغوي دون اختلاف.
وعدّه بعضهم من أسباب المكاشفة قائلاً: «إنّ الكشف يحصل بأسباب وبواسطة هذه الأسباب يكون سبب الكشف بل القلب إذا صفا تمثّل له الحقّ في صورة مشاهدة أو في لفظ منظوم يقرع سمعهُ يعبر عنه بصوت الهاتف إذا كان في اليقظة وبالرؤيا إذا كان في المنام» [٢].
والهواتف عديدة وقد ألّف بن أبي الدنيا كتابا خاصّا سمّاه الهواتف يحتوي على هواتف الجن وهواتف الملائكة وهواتف القبور وهواتف الدعاء.

نبذة عن تاريخ الهاتف

قال المسعودي وهو يتحدّث عن الهاتف: فقد كثرت في العرب واتّصلت بديارهم، وكان أكثرها أيّام مولد النبي(ص) وفي أولية مبعثه، ومن حكم الهواتف أن تهتف بصوت مسموع وجسم غير مرئي.
وقال: قد تنازع الناس في الهواتف والجان فذكر فريق منهم أنّ ما تذكره العرب وتنبئ به من ذلك إنّما يعرض لها من قبل التوحّد في القفار والتفرّد في الأودية، والسلوك في المهامة الموحشة؛ لأنّ الإنسان إذا صار في مثل هذه الأماكن وتوحّد تفكّر، وإذا هو تفكّر وجِلَ وجَبُنَ ـ وإذا هو جبن داخلته الظنون الكاذبة. والأوهام المؤذية فصورت له الأصوات، ومثلت له الأشخاص. وأوهمتهُ المحال ـ بنحو ما يعرض لذوي الوسواس ـ وقُطبُ ذلك وأساسهُ سوء التفكير وخروجه على غير نظام قوي، أو طريق مستقيم سليم ـ لأنّ المتفرّد في القفار والمتوحّد في المهام مستشعر للمخاوف متوهّم للمتالف متوقّع للحُتُوف، لقوّة الظنون الفاسدة على فكره وانفراسها في نفسه، فيتوهّم ما يحكيه من هتف الهواتف به [٣].
وهذا يعكس أنَّ الهاتف ظاهرة كانت دارجة يدّعيها الكثير من العرب.

حجية الهاتف

اختلفت كلمات الاُصوليين والفقهاء في حجّيّة الهاتف إلى فرقتين:

القول الأول: حجية الهاتف

ذهب صاحب (المسودة) إلى أنّه من اُصول الأحكام، حيث قال: الهاتف من اُصول الأحكام الذي يُعلم أنّه حقّ ومثل له قائلاً مثل: الذي سمعوه يأمرهم بغسل النبي(ص) في قميصه [٤].
وحكي عن الصوفيه الاعتماد كثيرا على الهاتف، وهذا يستلزم قولهم بحجّيّته. يقول الشاطبي: «فالصوفية يعتمدون في كثير من الأحكام على الكشف والمعاينة وخرق العادة ونبض العرق عند الإنسان أو سماع هاتف فيحكمون بالحلّ والحرمة ويثبتون على ذلك الإقدام والأحجام [٥].
وينسب هذا القول إلى بعض غير محدّد من الصحابة حيث قال الشرواني في حديث: لما اختلفت الصحابة في غسل الرسول(ص) هل نجرّده أم نغسله في ثيابه فغشيهم النعاس و سمعوا هاتفا يقول: لا تجرّدوا رسول اللّه‏(ص)[٦] وفي رواية غسلوه في قميصه الذي مات فيه [٧].
فإن قلت: الهاتف بمجرّده لا يثبت به حكم شرعي.
قلتُ: يجوز أن يكون انضم إلى ذلك اجتهادهم بعد سماع الهاتف فاستحسنوا هذا الفعل وأجمعوا عليه. فالاستدلال إنّما بإجماعهم لا سماع الهاتف [٨].

القول الثاني: عدم حجية الهاتف

وهو عدم قبول حجّيّة الهاتف، وعليه أكثر الاُصوليين لعدم ذكره ضمن الأدلّة الشرعية، وهذا يدلّ على عدم قولهم بحجّيّته.
وقد تعرّض الشاطبي لهذا الموضوع وقال: «إنّ هذه الأشياء إذا عرضت على قواعد الشريعة ظهر عدم البناء عليها إذ المكاشفة أو الهاتف المجهول أو تحرك بعض العروق لا يدلّ على التحليل ولا التحريم. فمثلاً لو هتف هاتف بأنّ فلان قتل المقتول الفلاني أو أنّ فلان أخذ مال فلان أو سرق أكان يجب عليه العمل بقوله؟ أو يكون شاهدا عليه في بعض الأحكام؟ بل لو تكلّمت شجرة أو حجر بذلك أكان يحكم الحاكم به أو يبني عليه حكم شرعي؟ هذا ممّا لا يعهد له في الشريعة مثله»[٩].
وينطوي تحت هذا الرأي الشيعة الإمامية، حيث لم يوردوا الهاتف ضمن مصادر تشريعهم، بل ولم يتعرّضوا إلى هذا الموضوع أصلاً. راجع= مصادر التشريع

المصادر

  1. . كتاب العين 4: 24، مادّة: «هتف»، الصحاح 4: 1442، مادّة: «هتف»، لسان العرب 4: 4083، مادّة: «هتف»، تاج العروس 12: 534، مادّة: «هتف».
  2. . نهاية الأرب في فنون الأدب 1: 453.
  3. . مروج الذهب المسعودي 2: 160.
  4. . المسودة: 511، واُنظر: البحر المحيط 6: 106، البحر الرائق ابن نجيم 2: 301، المغني (ابن قدامة) 2: 315، دعائم الإسلام 1: 227، مستند الشيعة (النراقي) 2: 150، تذكرة الفقهاء 1: 247.
  5. . الاعتصام الشاطبي 1: 212 ـ 213.
  6. . السيرة الحلبية 3: 475.
  7. . المصدر السابق.
  8. . حواشي الشرواني 3: 100.
  9. . الاعتصام الشاطبي 1: 212 ـ 213.