أحكام الأصل المثبت
أحکام الأصل المثبت: هو من أقسام الأصل العملي، يراد منه إثبات مؤدّيات شرعية بواسطة أمور غير شرعية. واختلافه عن الأصل العملي غير المثبت أنّ مؤدّاه الشرعي لايثبت مباشرة، بل بواسطة عقلية أو عادية.
وهو من مستحدثات أصول الفقه ومن مختصّات علم الأصول الشيعي، ولايعلم بالضبط أوّل من استخدم وأبدع هذا الاصطلاح.
أحکام الأصل المثبت
بحث الأصوليون حكم الأصل المثبت ضمن الاستصحاب، وجل استدلالاتهم على حجّيته أو عدمها ضمن إطار الاستصحاب، لذلك نرى عمدة الاستدلالات ناظرة إلى الاستصحاب وحججه. الكثير من القدامى بنوا على صحَّة هذا الأصل[١]، وقد نقل الشيخ الأنصاري عن المتقدّمين الكثير من الأمثلة لازمها القول بحجّية الأصل المثبت. [٢] وقد يكون ذلك لأجل عدم تمييزهم بين الأصل المثبت وغيره؛ باعتباره من البحوث المستحدثة. [٣] لكنَّ محقّقيالمتأخّرين ذهبوا إلى عدم صحَّة هذا الأصل. [٤] وممّا استدلَّ به على حجّيّته كون الحكم الشرعي في مثال نبات اللحية أثرا لنبات اللحية، ونبات اللحية أثر للحياة، فيكون الحكم الشرعي أثرا للحياة أيضا، فإنَّ أثر الأثر أثر بقياس المساواة. [٥] ورُدَّ هذا بأنَّ قياس المساواة إنَّما يجري فيما إذا كانت الوسائط كلّها من سنخ واحد بأن تكون كلّها وسائط عقلية، كما في وساطة حرارة النار لكون القدر حارا، ووساطته لكون ما فيه من الماء حارا، وهكذا، أو تكون كلّها وسائط شرعية كوساطة النجس لتنجس الملاقي الأوَّل، ووساطة الملاقي الأوَّل لتنجس الملاقي الثاني، وهكذا، وأمَّا إذا لم تكن الوسائط من سنخ واحد، فلايجري قياس المساواة؛ ضرورة أنَّ الآثار الشرعية تابعة في الترتُّب لمقدار دلالة أدلَّتها. [٦]
حجية الأصل المثبت
واستدلَّ على عدم حجّية الأصل المثبت بما يلي:
أوّلاً: أنَّه فاقد لبعض أركان الاستصحاب، ففي مثال نبات اللحية تيقَّنّا بحياة شخص قبل عشرين عاما، والحياة التي هي الملزوم تستلزم لازما عاديا، وهو نبات اللحية، كما تستلزم لازما شرعيا، وهو حرمة تزويج زوجته، وعند الشكّ في حياته نستصحب بقاء الحياة لإثبات لوازمها الشرعية مثل حرمة تزويج زوجته. أمَّا استصحاب لوازمها العادية، مثل: نبات اللحية، فمختل فيه بعض الأركان، فنحن نفقد اليقين بأنَّه قد نبتت له لحية خلال هذه الفترة، واستصحاب النبات يعني استصحاب أمر لايقين لنا به، وهو يعني اختلال ركن اليقين. [٧]
ثانيا: أنَّ مفاد الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن من الناحية العملية والتعبُّد به عمليا لا حقيقة، والتنزيل دائما ينصرف عرفا إلى توسعة دائرة الآثار المجعولة من قبل المنزِّل لا غيرها من الآثار التكوينية غير المجعولة من الشارع بما هو شارع. [٨]
وبعبارة اُخرى: من غير المعقول أن يؤثر التعبُّد في اللوازم العقلية إن اُريد إثبات هذه اللوازم بذاتها، وإن اُريد إثبات ما لهذه اللوازم من آثار وأحكام شرعية فإنَّ أدلَّة الاستصحاب قاصرة عن شمولها له. [٩]
هذا كلُّه فيما إذا عُدَّ الاستصحاب أصلاً، أمَّا إذا عُدَّ أمارة واستظهر من أدلَّة الاستصحاب حجّيّته بلحاظ كاشفيته فإنَّ لوازمه العقلية حجّة عندئذٍ، كما هو حال باقي الأمارات. [١٠] فإذا قيل في الأمارات: إنَّ المجعول فيها هو الطريقية والكاشفية فمثبتاتها حجّة، بينما المجعول في الأصل هو تطبيق العمل على مؤدّى الأصل، وهو لايقتضي حجّيَّة مثبتاته. [١١]
المصادر
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن: 451.
- ↑ أنظر: فرائد الأصول 3: 238ـ242.
- ↑ مصباح الأصول 3: 161، دراسات في علم الأصول الخوئي 4: 162.
- ↑ الأصول العامة للفقه المقارن: 451.
- ↑ فوائد الأصول 4: 489، مصباح الأصول 3: 157، الأصول العامة للفقه المقارن: 451ـ452.
- ↑ فوائد الأصول 4: 489، دراسات في علم الأصول الخوئي 4: 153ـ154.
- ↑ الاستصحاب كوثراني: 63ـ64، وأنظر: منتقى الأصول 6: 211 ـ 212، الأصول العامة للفقه المقارن: 451.
- ↑ دروس في علم الأصول 1: 424، وأنظر: كفاية الأصول : 414ـ415.
- ↑ دروس في علم الأصول 2: 492.
- ↑ المصدر السابق: 493.
- ↑ أنظر: فوائد الأصول 4: 484ـ488.