المخالفة الالتزامية

المخالفة الالتزامية: قد تطلق المخالفة علی المخالفة الالتزامية في قبال المخالفة العملية، وهذان اصطلاحان في أصول الفقه، والسؤال الأصلی هو ما معنی المخالفة الالتزامية وما هو أثرها في الحکم؟

المخالفة الالتزامية

للمخالفة والموافقة الاعتقاديتين إطلاق آخر، وهو الالتزاميتان[١]، ويطلق على الواقعيتين منهما العمليتان كذلك، وينعتان أحياناً بالفعلية[٢].
وقد عرّفت الموافقة الالتزامية: بالالتزام بشخص الحکم الصادر وجوباً كان أو غيره. وعرّفت المخالفة الالتزامية: بعدم الالتزام بشخص الحكم[٣]. ولا بدّ أن يعني الالتزام هنا الاعتقاد والقناعة القلبية، وعندئذٍ تعني الموافقة الالتزامية الاعتقاد بالحكم، والمخالفة الالتزامية تعني عدم الاعتقاد والقناعة.
وبناءً على ذلك لا بدّ أن تعني الموافقة والمخالفة العمليتان الامتثال والعصيان من الناحية العملية؛ باعتبار التقابل بين الالتزام والعمل، والاعتقاد والواقع.
فالمخالفة الاعتقادية والموافقة الاعتقادية يحصلان على مستوى الاعتقاد والقلب لا العمل والجوارح. ويقابلهما الواقعيان، وهما اللذين يتطابقان مع الواقع، ويحصلان على مستوى العمل.
وعليه، أدرج البعض بحث التجري والانقياد هنا كذلك، واعتبرهما من مصاديق هذا البحث فمثّل للمخالفة العملية بارتكاب الإناءين المشتبه في نجاستهما (كمصداق للشبهة الموضوعية) وترك القصر والتمام في الصلاة عند اشتباه الحکم (كمصداق للشبهة الحكمية)[٤].
يرى البعض تحقّق المخالفة الاعتقادية في التجرّي، حيث يرتكب المتجرّي ما يعتقد بحرمته، لكنّ الواقع كونه غير محرّم، من قبيل: أن يقطع بأنّ السائل الموجود في الإناء المحدّد خمر فيشربه لكنّ الواقع كونه غير خمر، فالمخالفة والعصيان هنا حصلت على مستوى الاعتقاد لا الواقع.
وقد حصل نقاش في أنّ مثل هذه المخالفة هل توجب عقاباً أو لا؟
قال البعض: بأنّها كالمخالفة الواقعية؛ باعتبار أنّ في كليهما هتكاً لحرمة المولى. والعقاب يترتّب على الهتك، بدليل أنّه لو لم يترتّب عليه لترتّب على الناسي والجاهل؛ لأنّهما تركا الواقع، بينما ليس كذلك، ممّا يكشف أنّ العقاب يترتّب على الهتك لا الواقع.
وقال بعض آخر: إنّ الذي يترتّب عليه العقاب هو الواقع لا ما يظنّ كونه واقعاً. والهتك يحصل في الواقع وفي المحرم، لا في الاعتقاد بكونه كذلك، وإلاّ يلزم عقابين على كلّ ذنب...[٥].
وكما تحصل الموافقة الاعتقادية في الامتثال الذي يقترن بالموافقة الاعتقادية يحصل كذلك في الانقياد، حيث يأتي المكلّف بما يعتقد كونه إلزامياً مع كون الواقع خلافه. فالموافقة والامتثال هنا تحصل على مستوى الاعتقاد لا الواقع. رغم ذلك عدّ الانقياد أمراً مستحسناً ويترتّب عليه الثواب عقلاً، وذكر لذلك عدّة أدلّة[٦]. يرى الاُصوليون أنّه لا محذور شرعاً ولا عقلاً في المخالفة الالتزامية[٧]، ويبدو أنّ ذلك بسبب كون الالتزام بحكم ليس من الواجبات، ولعدم استلزام ذلك قبحاً عقلاً ولا شرعاً [٨].
كما أنّهم لا يرون وجوب الموافقة الالتزامية؛ لأنّ الموافقة العملية هي المهمّة إلاّ أنّهم استثنوا من ذلك حالة كون الطريقين الدالّين على الحكم متعارضين، عندئذٍ تكون هناك حاجة للالتزام والقناعة بأحد الطريقين، ومن خلال الالتزام يحصل تنجيز الحكم وإلاّ فلا [٩].
ويذكر فى المخالفة الالتزامية أنّها لا تفرض في الشبهة الحكمية؛ لعدم وجود فعل يكون واجباً في الشرع في ساعة معيّنة أو حراماً كذلك، ثُمّ يرتفع حكمه بعد تلك الساعة، فينحصر موردها في الشبهة الموضوعية، من قبيل: المرأة المرددة بين المنذور وطئها في ساعة كذا أو ترك وطئها في تلك الساعة[١٠].

المصادر

  1. . كفاية الاُصول: 262، تنقيح الاُصول: 25، حقائق الاُصول 2: 20، أجود التقريرات 3: 42.
  2. . نهاية الأفكار 3: 417 و4 ق1: 241، بداية الوصول في شرح كفاية الاُصول 6: 131.
  3. . اُنظر: مقالات الاُصول العراقي 2: 25 ـ 26، نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 80.
  4. . فرائد الاُصول 1: 93.
  5. . الكفاية: 262، كفاية الاُصول تعليق السبزواري 2: 235، تنقيح الاُصول: 25 ـ 27، حقائق الاُصول 2: 10 ـ 11، المحكم في اُصول الفقه 3 : 50، بداية الوصول في شرح الاُصول 5: 54، عناية الاُصول 3: 22.
  6. . الكفاية: 259، وقاية الأذهان: 467، نهاية الأفكار 3: 38، مصباح الاُصول 2: 25.
  7. . حاشية على كفاية الاُصول البروجردي 2: 455، نهاية الأفكار (البروجردي) 4ق2: 121، منتهى الدراية 7: 801.
  8. . فرائد الاُصول 1: 85 ـ 86، أوثق الوسائل: 50، حقائق الاُصول 2: 37 ـ 42.
  9. . مقالات الاُصول العراقي 2: 5 ـ 26.
  10. . درر الفوائد 1 ـ 2: 344 ـ 345، إفاضة العوائد 2: 35.