قم
قم من أهم المدن الثقافية في الجمهورية الإسلامية إيران كما أنها تعتبر من أحد أهم مراكز الشيعة في العالم، والعاصمة الدينية لإيران وإحدى أكثر المدن ازدحامًا، تُعد هذه المدينة أحد أهم مراكز الجذب السياحي في إيران، حيث تستقبل سنويًا أعدادًا كبيرة من الزوار، تقع مدينة قم على أحد الطرق الرئيسية في إيران، وقد اكتسبت شهرة واسعة بفضل معالمها التاريخية وأماكنها الدينية المتعددة. يُعتبر حرم السيدة فاطمة المعصومة ومسجد جمكران من أهم معالم الجذب في مدينة قم، وفي القرون الإسلامية الأولى، تعرض العلويون والشيعة لأبشع أنواع الملاحقة والاضطهاد من قبل حكام بني أمية وبني العباس، مما أجبرهم على الهجرة إلى المناطق النائية من الأراضي الإسلامية آنذاك. كانت إيران ومدينة قم من المناطق المهمة التي هاجر إليها العلويون باستمرار، مع وجود العلويين في قم، تحولت هذه المدينة إلى مركز معارضة وثورة ضد بغداد. وفي إحدى هذه الثورات انفصلت قم عن أصفهان. كما ثار أهل قم ضد المأمون بعد استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) وامتنعوا عن دفع الخراج لمدة سبع سنوات تقريبًا. وكانوا في صراع دائم مع عملاء الخليفة في قم وطردوهم من المدينة مرارًا.
الخلفية التاريخية قم
يعتقد البعض أن هذه المدينة كانت موجودة قبل العصر الإسلامي، بينما يقول آخرون إن مدينة قم بُنيت بعد الإسلام، ذكر كبار الكتّاب الإسلاميين القدامى مثل "أبو دلف الخزرجي" (من كتاب القرن الرابع الهجري) في رحلته: "قم مدينة جديدة إسلامية لا يوجد فيها أثر للفرس [١]. وقال كاتب آخر وهو "عبد الكريم السمعاني" (من كتاب القرن السادس الهجري) عن قدم قم: "قُم مدينة مُستحدَثة لا أثر للعجم فيها"[٢].وياقوت الحموي، وأبو الفداء، كرروا نفس هذا الادعاء، لكن في مقابل هؤلاء، يعتبر كتّاب آخرون أن تاريخ قم يعود إلى ما قبل الإسلام، وهناك أدلة تثبت صحة ادعائهم، وسنشير إلى بعضها: البلاذري (من كتّاب القرن الثالث الموثوقين) كتب: "وأَصحُّ الأخبار أن أبا موسى فتح قم وقاشان". (سنة 23 هـ)، مما يعني أن مدينة قم كانت موجودة حتى فتحها أبو موسى الأشعري، واليعقوبي (من كبار كتّاب القرن الثالث) ذكر قم ضمن مدن العصر الساساني [٣]. سرو برويز سأل الريّدك: "أخبرني عن رائحة الجنة"، فذكر الريّدك عدة روائح طيبة، منها "زعفران قم" [٤]، و كذلك يقول الدينوري: "قسّم أنوشيروان البلاد إلى أربعة أقسام، وكانت قم من مدن القسم الثاني". ويُقال إن الأشعريين عندما جاءوا إلى قم أواخر القرن الأول الهجري، هدموا معبد النار فيها وبنوا مكانه مسجدًا، مما يدل على وجود سكان في هذه المنطقة قبل الإسلام كانوا يذهبون إلى معبد النار [٥]. ويعتبر علماء الآثار مثل "غريشمان" أن المناطق الغربية من إيران (قم، كاشان، ساوة) من أقدم المناطق التي استقرت فيها المجتمعات البشرية الأولى وأسست حضاراتها، وبالتالي، فإن تاريخ قم والمناطق المحيطة بها يعود إلى آلاف السنين.
سبب تسمية قم
أقدم ذكر لاسم قم في المصادر الإسلامية هو روايتان عن الإمام علي (عليه السلام)، نقلهما ابن الفقيه وعبد الجليل الرازي القزويني [٦].
الرواية الأولى
أسلَمُ المواضِعِ يومئذٍ قصبةُ قُم، تلك التي يخرج أنصار خير الناس..."
الرواية الثانية
سلام الله على أهل قم ورحمة الله وبركاته على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث... من هذه الروايات نستنتج أمرين رئيسيين:اولا: بعد فتح قم (سنة 23 هـ)، اعتنق معظم سكانها الإسلام وحظوا بشرف محبة أهل البيت (عليهم السلام).ثانياً: اسم "قم" ورد بهذا الشكل في كلام الأئمة. أما بالنسبة لسبب التسمية، فقد ذكروا عدة تفسيرات، وأصحها وأكثرها منطقية هو أن أرض قم كانت في القديم مكان تجمع لمياه نهر أنار (نفس النهر الحالي)، وكان الماء محصورًا من جميع الجهات، وحولها تكثر المراعي بسبب وفرة المياه، فنصب الرعاة حولها الخيام وبنوا البيوت وسموها "كومة"، ثم خفف الاسم إلى "كُم"، ثم عُرّب إلى "قم"[٧].
سيطرة الأشعريين على قم
في سنة ٢٣ أو ٢٤ هجري، أرسل أبو موسى الأشعري جزءًا من الجيش تحت قيادته بقيادة "الأحنف بن قيس" إلى منطقة قم، وهكذا وقعت قم في أيدي المسلمين في عهد الخليفة الثاني وتم فتحها بالتزامن مع فتح أصفهان [٨].واستقبل السكان المحليون الزرادشتيون دخول العرب الأشعريين إلى قم بترحاب، مع قدوم أفراد قبيلة الأشعري من الكوفة إلى قم واستقرارهم في هذه المنطقة، ثم تحولت قم تدريجياً إلى مدينة وسيطر العرب الأشعريون على هذه المدينة وبعد سيطرة الأشعريين، أصبحت قم ملاذًا آمنًا نسبيًا للطالبيين والعلويين. استقرار الأشعريين بسبب ميولهم كان من عوامل اهتمام وهجرة العلويين إلى هذه المدينة [٩].
قم في عهد الخلفاء العباسيين
في القرون الإسلامية الأولى، تعرض العلويون والشيعة لأبشع أنواع الملاحقة والاضطهاد من قبل حكام بني أمية وبني العباس، مما أجبرهم على الهجرة إلى المناطق النائية من الأراضي الإسلامية آنذاك. كانت إيران ومدينة قم من المناطق المهمة التي هاجر إليها العلويون باستمرار.
- مع وجود العلويين في قم، تحولت هذه المدينة إلى مركز معارضة وثورة ضد بغداد. وفي إحدى هذه الثورات انفصلت قم عن أصفهان.
- كما ثار أهل قم ضد المأمون بعد استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) وامتنعوا عن دفع الخراج لمدة سبع سنوات تقريبًا، وكانوا في صراع دائم مع عملاء الخليفة في قم وطردوهم من المدينة مرارًا [١٠].
- وبعد وفاة المأمون، تولى المعتصم الخلافة وأرسل جيشًا بقيادة "وصف الترك" لقمع ثورة قم، فنهب هذا الجيش المدينة وحولها إلى ركام من الرماد. وبقيت قم في هدوء نسبي حتى سنة ٢٥٤ هـ.
- ومع صعود المتوكل العباسي، الذي كان من أشد أعداء أهل البيت (عليهم السلام) والعلويين، حيث اتبع سياسة سب علي (عليه السلام) وأمر بغمر الأماكن المقدسة في كربلاء بالماء، مما أثار رد فعل عنيف لدى أهل قم الذين كانوا في حرب وصراع دائم مع جهاز الخلافة. وكانوا يثورون ويتم قمعهم كل مرة. استمرت هذه الثورات وقمع أهل قم بشكل مستمر حتى صعود آل بويه الذين أولوا اهتمامًا خاصًا لقم وسعوا إلى تطويرها. وفي هذه الفترة كتب "محمد القمي" أول كتاب مستقل عن تاريخ قم [١١].
- وفي عهد السلاجقة، أصبح القميون نشطين جدًا في الساحة السياسية وتولوا مناصب مهمة في الدولة، ومع غزو جيش المغول، دمرت قم بالكامل، ومع ذلك أبدى بعض الحكام المغول المسلمين اهتمامًا بقم،
- لكن بعد حوالي قرن ونصف من غزو جيش المغول، تعرضت المدينة مرة أخرى لغزو "تيمورلنك" وتم إبادة سكانها.
احتلال قم من قبل الشاه إسماعيل الصفوي
في سنة ٩٠٩ هـ، احتل جيش الشاه إسماعيل الصفوي قم. أولى الصفويون اهتمامًا خاصًا بقم، حيث تطورت المدينة في مختلف الجوانب وتقدمت، وأصبحت من المراكز المهمة للثقافة والفقه الشيعي، وتمتعت في ذلك العصر بازدهار ونشاط خاص، وعندما غزا الأفغان إيران واحتلوا أصفهان وأسقطوا السلالة الصفوية، تعرضت قم أيضًا لأضرار جسيمة وأصبحت المدينة بمثابة ثكنة لجنود الأفغان.
اهتمام فتح علي شاه بقم
بعد قمع المعارضين، قام فتح علي شاه بتنفيذ بعض الإجراءات في مجال تعمير المدينة بسبب نذره لعمران حرم السيدة المعصومة (سلام الله عليها). وبغض النظر عن أساليب بعض سلاطين القاجاريين، فقد أبدى ملوك هذه السلالة اهتمامًا مناسبًا بهذه المدينة وحرم السيدة المعصومة (سلام الله عليها).
قم أثناء الحرب العالمية الأولى
خلال الحرب العالمية الأولى، مع اقتراب القوات الروسية من كرج لاحتلال طهران، هاجر العديد من زعماء الأحزاب وعدد كبير من نواب المجلس والشخصيات السياسية والدينية والعديد من طبقات الشعب إلى قم. ومع تشكيل "لجنة الدفاع الوطني"، تحولت هذه المدينة إلى مركز سياسي وعسكري ضد روسيا وبريطانيا. وفي ١٤ دي سنة ١٢٩٤ شمسي، احتلت القوات الروسية قم.
أهمية مدينة قم
في العقود التالية، كانت قم من بين المناطق التي حظيت باهتمام خاص من قبل الشعب وأهل القصر، حتى الآن، لا تزال قم واحدة من أهم مراكز التشيع في إيران والعالم.
تواجد الفقهاء ورواة الحديث
تواجد الفقهاء التلامذة وأصحاب الائمة وعلماء الشيعة هم أحد أسباب نشر التشيّع في قم، منهم:
أبو اسحاق القمي
وبحسب ناصر الشريعة أنّ أبو اسحاق القمي وهو كوفي الأصل وكان من تلامذة يونس بن عبد الرحمن، هو أول من قام بنشر أحاديث الكوفيين في قم.
زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي
أورد ناصر الشريعة: أنّ النجاشي في رجاله والعلامة في خلاصته قالا: إنّه كان من الثقات الأجلاء قدراً ومنزلةً وذا مقام رفيع وكان وجيهاً لدى الامام الرضاعليه السلام وقال الامام عليه السلام في شأنه: أغدقه الله جل وعلا بواسع رحمته؛ يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً[١٢].
أحمد بن اسحاق
عرّفه بعض أنّه من طليعة قوافل القميين وقيل أنه روى عن الامامين الجواد والهادي عليهما السلام ومن خواصّ الامام الحسن العسكري وأنّه شيخ القميين. عدّه النجاشي ممن مدحه الامام الحجة (عج) في توقيعه المبارك [١٣].
الشيخ الصدوق
علي بن بابويه القمي المعروف بالصّدوق (المتوفى 381 هـ) هو من ضمن علماء الشيعة وكبارها الذين أقاموا في قم.
الموقع الجغرافي لمدينة قم
تقع قم بالقرب من طهران في منطقة صحراوية، وتتضمن أجزاء متعددة مثل سلفچگان وجعفرآباد والجزء المركزي وخلجستان. من الناحية الجغرافية، تقع المدينة في الجزء الجنوبي من طهران، بمساحة تبلغ حوالي 11,000 كيلومتر مربع، وتضم كثافة سكانية عالية جدًا.
مناخ مدينة قم
لفهم الظروف المناخية لمدينة قم، يجب أولًا التعرف على موقعها الجغرافي لانها تقع في منطقة صحراوية، ولذلك فإن مناخها شبه صحراوي. قم قريبة من الصحراء المركزية الإيرانية، مما يؤثر على مناخها. تتميز الصيف في قم بالحرارة الشديدة والجفاف، بينما تكون الشتاء باردة وجافة نسبيًا. يتمتع قم بتنوع مناخي في فصول السنة المختلفة، ويمكن الاستمتاع بمناخ أكثر اعتدالًا في المناطق المحيطة بالمدينة[١٤].
المعالم السياحية في قم
تعد قم واحدة من المدن القديمة والتاريخية في إيران، والتي شهدت العديد من الأحداث على مر العصور، مما أدى إلى وجود العديد من الآثار التاريخية فيها. تشمل أهم المعالم السياحية في قم:
حرم السيدة فاطمة المعصومة (ع)
السيدة فاطمة المعصومة (ع) ابنة الإمام السابع، التي توفيت في سن 18 عامًا بعد رحلتها إلى قم. دُفنت في منطقة تسمى "باغ بابلان"، والتي أصبحت اليوم معروفة بحرم السيدة المعصومة، وتستقبل زوارًا كثرًا من داخل إيران وخارجها. يقع الضريح بالقرب من معالم أخرى مثل مدرسة فيضية ومسجد الأعظم.
بحيرة حوض سلطان
تُعرف أيضًا ببحيرة ساوة أو البحيرة الملكية، وتبلغ مساحتها حوالي 330 كيلومترًا مربعًا. هناك العديد من الروايات حول هذه البحيرة، ويعتبرها البعض جزءًا من بحر ساوة الكبير.
مسجد جمكران
من أشهر الأماكن الدينية لدى الشيعة، بُني بأمر من الإمام المهدي (عج) على يد حسن بن مثل الجمكراني. يقع المسجد بالقرب من قرية جمكران، ويُعد من أهم المزارات الدينية في قم، حيث يستقبل آلاف الزوار سنويًا، خاصة ليلَة الأربعاء. بُني المسجد عام 373 هجريًا بناءً على رؤيا غيبية.
مدينة كهك
من المناطق المهمة في قم، وتطل على مرتفعات عديدة، مما يجعل مناخها معتدلًا. تضم المدينة معالم تاريخية مثل منزل الملا صدرا، ومزار السيدة زينب، وأحد الكهوف المشهورة. عاش الملا صدرا في هذه المدينة لسنوات طويلة وألف فيها أعمالًا خالدة[١٥].
مدرسة فيضية قم
من المعالم الشهيرة في قم، وتقع بالقرب من حرم السيدة المعصومة. كانت تُعرف سابقًا بمدرسة آستانه، ثم اشتهرت باسم مدرسة فيضية. بناها فتح علي شاه، وتتكون من طابقين وأربعة إيوانات. تضم 40 غرفة في الطابق السفلي تعود للعصر القاجاري، و40 غرفة في الطابق العلوي تعود للقرن 14 الهجري. أقدم جزء فيها هو الإيوان الجنوبي، المزين ببلاطات معرق جميلة من العصر الصفوي.
هدايا مدينة قم
من أكثر الأمور تشويقًا عند الحديث عن قم هو التعرف على هداياها التقليدية وحرفها اليدوية. أشهرها:
- السوهان القمي: حلوى مشهورة عالميًا.
- الحرف اليدوية: مثل صناعة السروج (پالاندوزي)، والنقش على الخشب (منبت كاري)، وحياكة السجاد، والصناعات النحاسية (سفيدگري)، وصناعة الطحينة (ارده گيري)، والنسيج (شعربافي).
- السجاد الحريري: تُعد قم من أهم المدن في إنتاج السجاد الحريري الفاخر، إلى جانب السوهان [١٦].
الهوامش
- ↑ الثعالبی، تتمه الدهر، ج۳، ص۱۷۶
- ↑ عبدالکریم سمعانی، الانساب، ج۱، ص۴۶۱
- ↑ احمد بن ابی یعقوب، تاریخ یعقوبی، ج۱، ص۱۴۴
- ↑ الثعالبی، غرز ملوک الفرس، ج۱، ص۷۰۹،
- ↑ علی اصغر فقیهی، تاریخ مذهبی قم، ج۱، ص۱۱۷
- ↑ ابنفقیه، مختصر البلدان، ج۱، ص۲۶۴.،عبدالجلیل رازی، النقض، ج۱، ص۱۶۶،
- ↑ تاریخ قم، ج۱، ص۱۲
- ↑ اعثم کوفی، الفتوح، ج۱، ص۴۳_۱۰۵،
- ↑ خلیفه بن خیاط، تاریخ، ج۱، ص۳۷۲،
- ↑ ابناثیر، الکامل فی التاریخ، ج۵، ص۲۱۲،
- ↑ المدرسی طباطبایی، قم نامه، ج۱، ص۱۵
- ↑ ناصر الشريعة، ص 195.
- ↑ ناصر الشريعة، ص 168.
- ↑ مدينة قم، مقتبس من موقع دل تابان
- ↑ مدينة قم، مقتبس من موقع دل تابان
- ↑ مدينة قم، مقتبس من موقع دل تابان
المصادر
- مدينة قم، مقتبس من موقع دل تابان، تاريخ الشر: 13 يناير 2013م تاريخ المشاهدة: 16 ابريل 2025م.