حذيفة بن اليمان: من كبار الصحابة وهو أحد الرواة المشتركين من أهل السنة و الشيعة، وكان يروي غالباً عن النبي صلى الله عليه وآله، وأحياناً عن عمر بن الخطاب. وقد آخى‏ النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين عمّار، وهذا يعدّ من إحدى‏ مفاخره الخاصّة. كما كانت له خصائص أيضاً لم يشركه فيها أحد من المسلمين، حيث كان صاحب سرّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في المنافقين، وكان يقول: «كان الناس يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن الخير، وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني».

حُذَيْفة بن اليمان بن جابر (... ــ 36ق)

من الرواة المشتركين.[١]
كنيته: أبو عبداللَّه، أبو سَرِيحة.[٢]
نسبه: العَبْسِي.[٣]
لقبه: حليف الأنصار، صاحب السرّ.[٤]
طبقته: صحابي.[٥]
اسم أبيه حِسْل أو حُسَيْل، إلّا أنّه لقِّب باليمان، وسبب ذلك أنّه أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة فحالف بني الأشهل من الأنصار، فسمّاه قومه اليمان ؛ لأنّه حالف الأنصار وهم من اليمن.
وقد أسلم حُذَيْفة وأبوه بعد ذلك، وهاجرا إلى‏ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وشهدا جميعاً أُحداً، وقُتل أبوه يومئذٍ، قتله المسلمون خطأً، فوهب لهم دمه.[٦] وقُتل ابناه: صَفْوان وسعيد بصفّين، وكانا قد بايعا علياً بوصيّةٍ من أبيهما إيّاهما بذلك.[٧]
وقد آخى‏ النبي صلى الله عليه وآله بينه وبين عمّار[٨]، وهذا يعدّ من إحدى‏ مفاخره الخاصّة. كما كانت له خصائص أيضاً لم يشركه فيها أحد من المسلمين، حيث كان صاحب سرّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في المنافقين، وكان يقول: «كان الناس يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن الخير، وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني».[٩]
ولمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً، وبكى‏ بكاءً غزيراً، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: «ما أبكي أسفاً على‏ الدنيا، بل الموت أحبّ إليَّ، ولكنّي لا أدري على‏ ما أقدم: على‏ رضىً أم على سخطٍ».[١٠]
وشهد حُذَيْفَة الحرب بنهاوند، فلمّا قُتل النعمان بن مقرن أمير الجيش أخذ هو الراية، وكان فتح همدان والري والدينور على‏ يده، وشهد فتح الجزيرة ونُزُل نصيبين.[١١] قال البلاذري: كان حذيفة في فتح تستر، قائد جناح اليسار لجيش عمّار.[١٢]
وقال محمد بن سيرين: «كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب عهده، وفيه: وقد بعثت فلاناً وأمرته بكذا، فلمّا استعمل حُذَيفة على‏ المدائن كتب في عهده: أن اسمعوا له وأطيعوا، وأعطوه ما سألكم. فلمّا قدم المدائن استقبله الدهاقين، فلمّا قرأ عهده قالوا: سلنا ما شئت، قال: أسألكم طعاماً آكله، وعلف حماري مادمت فيكم».[١٣]
وبعد أن شاهد حُذَيْفة الاختلاف في قراءة القرآن في الجيش الحاضر في معركة «باب» أخذ ينبّه الناس على‏ ذلك، ولمّا ورد المدينة ذكر ذلك لعثمان وسائر الأصحاب، واقترح عليهم جمع القرآن، فقبلوا قوله.[١٤]
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال عمر: أتمنّى‏ أن يكون مل‏ءُ هذا البيت رجالاً، مثل: أبي عبيدة الجرّاح ومعاذ بن جبل وحُذَيْفة بن اليمان، فاستعملهم في طاعة اللَّه...، قال: ثم بعث بمالٍ مع خادمه إلى‏ حُذَيْفة، وقال: انظر ما يصنع، فلمّا آتاه إيّاه قسمه على الفقراء والمساكين، فقال عمر لما أتاه خبره: قد قلت لكم.[١٥]
وقال أبو نُعَيم الأصفهاني يصفه: «العارف بالمحن وأحوال القلوب، والمشرف على‏ الفتن والآفات والعيوب، سأل عن الشرّ فاتّقاه، وتحرّى‏ الخير فاقتناه، سكن عند الفاقة والعدم، وركن إلى‏ الأنابة والندم، وسبق رتق الأيام والأزمان...».[١٦] وأطراه الذهبي قائلاً: «من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، وهو صاحب السرّ».[١٧]
ويقول بحر العلوم: «يُستفاد من بعض الأخبار أنّ له درجة العلم بالكتاب أيضاً».[١٨]

موقف الرجاليّين منه

عدّه أصحاب التراجم في كبار وسابقي الصحابة، ووصفوه بكثرة الرواية.

حُذَيْفة وأهل البيت ‏عليهم السلام

يقول المسعودي: «كان حُذَيفة عليلاً بالكوفة في سنة ست وثلاثين، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعليٍّ، فخطب الناس فقال: أيها الناس، إنّ الناس قد بايعوا علياً، فعليكم بتقوى‏ اللَّه، وانصروا علياً ووازروه، فواللَّه إنّه لعلى‏ الحقّ آخراً وأوّلاً...، ثم أطبق يمينه على‏ يساره، ثم قال: اللّهم اشهد، إنّي قد بايعت علياً، وقال: الحمد للَّه الذي أبقاني إلى‏ هذا اليوم، وقال لابنيه صفوان وسعد: كونا مع علي عليه السلام، فستكون له حروب كثيرة، فيهلك فيها خلق من الناس، فاجتهدا أن تستشهدا معه، فإنّه واللَّه على‏ الحقّ، ومن خالفه على‏ الباطل».[١٩]
ونقل الكشّي عن الإمام الباقر عليه السلام: أنّ علياً عليه السلام قال: «ضاقت الأرض بسبعة، بهم تُرزقون، وبهم تُنصرون، وبهم تُمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبوذر وعمّار وحُذَيفة، وأنا إمامهم».[٢٠]
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: «لمّا حضرته - أي حذيفة - الوفاة، قال لابنته: أيّة ساعةٍ هذه؟ قالت: آخر الليل، قال: الحمد للَّه الذي بلغني هذا المبلغ ولم أُوالِ ظالماً على‏ صاحب حقّ، ولم أُعادِ صاحب حقّ».[٢١]

من روى عنهم ومن رووا عنه

كان يروي غالباً عن النبي صلى الله عليه وآله، وأحياناً عن عمر بن الخطاب. وعدّه الطوسي من رواة وأصحاب النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام.[٢٢]1524):
وروى‏ عنه جماعة من الصحابة، منهم: علي عليه السلام، عمر بن الخطاب، عمّار بن ياسر، جُنْدب بن عبداللَّه البَجَلي، عبداللَّه بن يزيد الخُطَمي، أبو الطُفَيل.
وكذلك جماعة من التابعين، منهم: أبوعبيدة بن حذيفة، ربْعي بن خراش العَبْسي، زيد بن وهب الجُهَني، زرّ بن حُبَيْش، شقيق بن سلمة الأسدي.

من رواياته

روى‏ أحمد بسنده عن حُذَيفة قال: «صلّى النبي صلى الله عليه وآله العشاء ثم انفتل، فتبعته، فعرض له عارض فناجاه، ثم ذهب فاتّبعته، فسمع صوتي، فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة، قال: مالك؟ فحدّثته بالأمر، فقال: غفراللَّه لك ولأُمّك، ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قُبيل؟ قال: قلت: بلى‏، قال: فهو ملك من الملائكة، لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة، فاستأذن ربّه أن يسلّم عليّ، ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة».[٢٣]

وفاته

توفّي حُذَيفة في الكوفة، بعد مقتل عثمان، أوائل خلافة علي عليه السلام، سنة 36 هـ.[٢٤]

المصادر

  1. تهذيب التهذيب 2: 193. وفي رجال الطوسي: 37: «حُذَيْفة بن اليماني».
  2. حلية الأولياء 1: 270.
  3. أُسد الغابة 1: 390، رجال الطوسي: 37.
  4. سير أعلام النبلاء 2: 361.
  5. تقريب التهذيب 1: 156.
  6. تهذيب الأسماء واللغات 1: 153 - 154، تهذيب التهذيب 2: 193.
  7. الاستيعاب 1: 335.
  8. سير أعلام النبلاء 2: 362.
  9. أعيان الشيعة 5: 600، سير أعلام النبلاء 2: 365، تهذيب تاريخ دمشق 4: 97، أُسد الغابة 1: 391.
  10. أُسد الغابة 1: 392.
  11. المصدر السابق: 391، تهذيب الكمال 5: 506 - 507، أعيان الشيعة 4: 596.
  12. فتوح البلدان: 373.
  13. أُسد الغابة 1: 931، تهذيب الكمال 5: 506.
  14. الكامل في التاريخ 3: 111.
  15. تهذيب الكمال 5: 505.
  16. حلية الأولياء 1: 270.
  17. سير أعلام النبلاء 2: 361.
  18. رجال السيد بحر العلوم 2: 172.
  19. مروج الذهب 2: 384.
  20. رجال الكشّي: رقم (13).
  21. الدرجات الرفيعة: 288.
  22. تهذيب التهذيب 2: 193، تهذيب الكمال 5: 497.
  23. مسند أحمد 5: 391، تهذيب تاريخ دمشق 4: 98. وانظر روايات حُذَيفة في مسند أحمد 5: 382-408.
  24. تهذيب التهذيب 2: 193، الطبقات الكبرى‏ 6: 15، أُسد الغابة 1: 392.