حجية السنة وشبهاتها
حجية السنة وشبهاتها: السنة في اصطلاح الفقهاء يختلف معنىً عن اصطلاح الأصوليين أحياناً؛ اما عند الفقهاء فهي ما يقابل البدعة أو ما يقابل الواجب؛ وأما عند الأصوليين فهي ما سنّها النبي قولاً و فعلاً و تقريراً. والسنة حجة عند الفقهاء بالإتفاق ولکن هناک شبهات حول حجية السنة لابدّ من الإجابة عنها.
شبهات حول حجّية السنّة
ظهرت في العقود الأخيرة تيارات طرحت شبهات حول السنّة، يعرفون بالقرآنيين أو أهل القرآن، كما أنّ بعضا ممّن لا يُصنّف ضمنهم طرح بعض الشبهات حول السنّة، ويُضاف إليهم المستشرقون الذين وردت عنهم الكثير من الشبهات.
إلاّ أنّ الواضح هنا كون هؤلاء لم يلقوا إقبالاً من عموم المسلمين، ولم يشكّلوا طائفة ذات امتدادات واسعة بحيث تُضاف إلى طوائف المسلمين، وانحسرت أفكارهم في الكتب والمقالات [١].
نعرض عن التعرّض لشبهات المستشرقين ونسرد بعض أهمّ شبهات طرحها غيرهم من التيارات المزبورة:
الشبهة الاُولى والجواب عنها
في الكتاب ما يكفي من الشرائع ولا نحتاج إلى السنة في هذا المجال، وقد ورد في الكتاب قول اللّه تعالى: «...مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ...» [٢] وكذلك: «...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ...» [٣].
واُجيب عن هذه الشبهة باُمور:
أ ـ المراد من الكتاب هو اللوح المحفوظ وليس القرآن، فاللوح هو الذي يحوي كلّ شيء لا القرآن.
ب ـ سورة الأنعام مكّية ومعظم الشرائع نزلت في المدينة، فلا يمكن أن يكون القرآن تبيانا لكلّ شيء بمعنى فيه بيان جميع الشرائع.
ج ـ من الخطأ الاستدلال بآية سورة النحل؛ لأنّه من الواضح أنّ الكثير من التشريعات لم تأتِ في القرآن من قبيل: عدد ركعات الصلاة، وتفاصيل الزكاة، فلا بدّ أنّ المراد ما هو أخصّ من الظاهر منها.
الشبهة الثانية والجواب عنها
السنة ليست بمأمن من التحريف والوضع والتغيير بينما يقول اللّه في القرآن: «إنّا نحنُ نزّلنا الذكر وإنّا لهُ لَحافِظون» [٤].
واُجيب عن هذه الشبهة باُمور:
أ ـ إنّ السنّة وحي كذلك وإذا ضمن الإله حفظ الوحي في القرآن ضمنه في السنّة كذلك.
ب ـ لم يؤخذ بكلّ ما يوصف بكونه سنّة، بل يؤخذ بالذي تأكّد كونه كذلك مثل: المتواتر، أو الممحّص من خبر الآحاد.
الشبهة الثالثة والجواب عنها
تأخّر تدوين السنة، والذي دوِّن ووصل إلينا كان اعتمادا على ما حفظه الأصحاب و التابعون، ولا يخلو حفظهم من مشاكل باعتبار كون الإنسان عرضة للنسيان والغفلة.
واُجيب عن هذه الشبهة باُمور:
أ ـ الحجية لا تثبت من خلال الكتابة فقط، بل قد تثبت بـ التواتر وما شابه ذلك، ولا تقتصر على الكتابة لكي تكون قطعية.
ب ـ الحفظ ليس أقلّ صحّة وضبطا من الكتابة وخاصّة من قبل العرب الذين اشتهروا بالحفظ.
ج ـ الكثير من السنّة كتبت عهد الرسول على جلود وجرائد النخل و... لكن التصنيف بنحو الجوامع المتعارفة حصل بعد عهد الرسول بعقود. والتدوين يكفي في حصول المراد.
الشبهة الرابعة والجواب عنها
لو كانت السنة حجّة لأمر النبي بكتابتها ولعمل الصحابة و التابعين على كتابتها.
وتجاب الشبهة: بأنّ عدم أمر النبي بالكتابة ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ لا يدلّ على عدم الحجّية، بل كان لمصلحة، وهي قلّة الكاتبين ولزوم تخصيص نشاطهم في كتابة القرآن لأهمّيته القصوى.
الشبهة الخامسة: ورد عن النبي(ص) مثل قوله: «إنّ الحديث سيفشو عنّي فما أتاكم يوافق القرآن فهو عنّي، وما أتاكم عنّي يخالف القرآن فليس منّي» [٥].
فإذا ورد في السنّة حكم جديد كان غير موافق للقرآن وإذا كان موافقا له كان مؤكّدا للقرآن ونحن مكتفون بالقرآن.
اُجيب عن هذه الشبهة باُمور:
أ ـ ضعف هذه الرواية سندا بانقطاع السند أو ما شابه.
ب ـ قد تتضمّن السنة إيضاحا أو تفاصيل للأحكام، وهذا لا يعني المخالفة.
وعلى غرار هذا التأويل تجاب باقي الأحاديث التي تحمل مضامين قريبة له واستدلّ بها على عدم حجّية السنّة [٦].
وهناك تيارات حديثة اُخرى أوردت بعض الشبهات على السنّة. وقد فصّل البعض بين ما أورده الشيعة من نقود وإشكالات على السنّة وبين ما أورده أهل السنة. ولخّص مجمل الإشكالات التي أوردها المعاصرون من أهل السنة على السنة بما يلي:
1 ـ ظنيّة السنّة.
2 ـ مشكلة التدوين والتناقل الشفاهي في القرن الأوّل.
3 ـ عدم تدوين النبي للسنّة وأنّ ذلك يكشف عن عدم إرادتها مرجعا.
4 ـ الوضع والدسّ في الحديث.
5 ـ تاريخية السنّة وزمانية أحكامها.
6 ـ اختلاف النُسخ الحاكية للسنّة وتعدّدها.
7 ـ الجمود على نقد السند وضرورة التحوّل منه إلى نقد المتن.
8 ـ ركاكة وهشاشة معايير علماء الجرح والتعديل.
9 ـ مسؤولية الحديث عن الفرقة والعصبية والجمود والتحجّر.
10 ـ نقد نظرية عدالة الصحابة سيّما بعض رجالاتهم كـ أبي هريرة.
11 ـ رفض أخبار الآحاد إمّا مطلقا أو في مجال العقائد فحسب.
12 ـ استحالة وجود المتواتر في ظلّ ظروف الانتقال من الشفاهية إلى الكتابة.
13 ـ التمييز بين السنّة العملية، وهي متواترة، والقولية وهي آحاد مرفوضة.
14 ـ التفصيل بين الصادر عن النبي بوصفه نبيّا والصادر عنه بوصفه بشرا خبيرا في الطبّ وغيره.
15 ـ انعدام الدليل القرآني على كون السنّة وحيا، فهي من الأفعال البشرية للرسول.
16 ـ الإلزام في السنّة ينشأ من إعلانها على الملأ العام كـ المسجد وغيره.
17 ـ مؤسّس فكرة السنّة في الثقافة الإسلامية هو الشافعي، ولا معرفة للمسلمين قبله بها.
18 ـ إطاعة النبي تعني إطاعة القرآن لا غير، والعلاقة بينهما طولية لا عرضية.
19 ـ آية «...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا...» [٧] وردت في سياق أخذ الغنائم وعدم الاعتراض على النبي في تقسيمها لا مطلقا.
20 ـ كون النبي أسوة إنّما في تطبيق القرآن لا مطلقا.
21 ـ الدعوة لقراءة مصادر الحديث قراءة شاملة دفعة واحدة على اختلافها المذهبي، وتعريتها وفق اُسس النقد التاريخي لا غير [٨].
كما أورد الملاحظات النقدية لبعض الشيعة من المتأخّرين والمعاصرين تجاه السنّة، والتي قد تشترك أحيانا مع ملاحظات أهل السنّة في هذا المجال لكنّها لا ترقى إلى نفي أصل السنّة [٩].
وعند المقارنة بين النقود الشيعية ونقود أهل السنة في هذا المجال يذهب إلى اتّحادهما في مجالات النقد بنسب متفاوتة إلاّ في الموارد التالية:
1 ـ لا نقد للسنّة الواقعية لدى الشيعة باستثناء تاريخانيتها التي قال بها بعض المعاصرين.
2 ـ لم يتناول الشيعة قضية تدوين السنّة بالنقد إلاّ بنحو محدود؛ وذلك لامتداد عهد النص لديهم إلى ما بعد الرسول وحتّى نهاية القرن الثالث.
3 ـ لم يعر الشيعة أهمّية لنظرية عدالة الصحابة عكس نقّاد أهل السنة الذين تناولوها بالنقد.
4 ـ حركة النقد الشيعية ضعيفة جدّا عكس ما عليه أهل السنة [١٠].
المصادر
- ↑ . نظرية السنّة في الفكر الإمامي: 300 ـ 509.
- ↑ . الأنعام: 38.
- ↑ . النحل: 89.
- ↑ . الحجر: 9.
- ↑ . معرفة السنن والآثار 6: 523.
- ↑ . السنّة ومكانتها في التشريع الاسلامي: 237 ـ 255، مصادر التشريع ومنهج الاستدلال: 143 ـ 146.
- ↑ . الحشر: 7.
- ↑ . نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي: 518 ـ 519.
- ↑ . نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي: 520 ـ 670.
- ↑ . نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي: 671 ـ 675.