اللعان

من ویکي‌وحدت

اللعان: وهو المباهلة بين الزوجين في إزالة حد، أو نفي ولد بلفظ مخصوص عند الحاكم. وله سببان: أحدهما: رمي الزوجة المحصنة المدخول بها بالزنا قُبلاً أو دُبراً مع دعوى المشاهدة للزنا، والثاني: إنكار من ولد على فراشه. وله أحكام و شروط سنذکرها للقارئ الكريم تطبیقاً علی الفقه الإمامية و الحنفية و الشافعية. وأشار إلی اللعان القرآنُ الکريم بقوله: «والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين» (النور/6) «والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» (النور/7) «ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين» (النور/8) «والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين» (النور/9).

شروط صحة اللعان

تفتقر صحة اللعان بين الزوجين إلى أمور:
منها: أن يكونا مكلفين، سواء كانا أو أحدهما من أهل الشهادة أو الجزية أم لا. [١]، فيصح القذف واللعان في حق الزوجين المسلمين والكافرين، أو أحدهما[٢] مسلم والآخر كافر، وكذلك بين الحرين والمملوكين، أو اللذين أحدهما حر والآخر مملوك. وكذلك إذا كانا محدودين في قذف، أو أحدهما. وبه قال مالك والشافعي والثوري وأحمد.
وذهب قوم إلى أن اللعان إنما يصح بين الزوجين إذا كانا من أهل الشهادة، فلا لعان بين الكافرين ولا إذا كان أحدهما كذلك، ولا بين المملوكين ولا إذا كان أحدهما مملوكا، ولا بين المحدودين في القذف ولا إذا كان أحدهما كذلك، وبه قال الزهري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه.
لنا قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم}[٣] ولم يفرق و عموم الأخبار الواردة في ذلك يتدل على ما ذهبنا إليه.
ثم إن الخلاف في أن اللعان هل هو يمين أو شهادة. فعندنا أنه يمين. وعندهم شهادة.
لنا على أنه يمين ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما لاعن بين هلال بن أمية[٤] وزوجته قال: إن أتت به على نعت كذا [ وكذا ] فما أراه إلا وقد كذب عليها، وإن أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه إلا من شريك ابن سحماء[٥]، قال: فأتت به على النعت المكروه. فقال النبي ( عليه السلام ): لولا الأيمان لكان لي ولها شأن، فسمى اللعان يمينا، ولأنه لو كان شهادة لما جاز من الأعمى، ولما صح من الفاسق، لأن شهادة الأعمى لا تقبل عند أبي حنيفة، وشهادة الفاسق لا تقبل بلا خلاف. [٦]
ومنها: أن يكون النكاح دواما.
ومنها: أن تكون الزوجة مدخولا بها، وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة كذلك.[٧] ولا يثبت اللعان بين الزوجين قبل الدخول، خلافا لجميع الفقهاء فإنهم قالوا: يثبت. [٨]
ومنها: أن لا تكون صماء ولا خرساء. [٩] وإذا قذف زوجته وهي خرساء أو صماء فرق بينهما ولم تحل له أبدا. وقال الشافعي: إن كان للخرساء إشارة معقولة أو كناية مفهومة فهي كالناطقة سواء، وإن لم يكن لها ذلك فهي بمنزلة المجنونة. [١٠]
الأخرس إذا كانت له إشارة معقولة أو كناية مفهومة، يصح قذفه ولعانه ونكاحه وطلاقه ويمينه وساير عقوده. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يصح قذفه ولا لعانه، وإذا قذف في حال انطلاق لسانه ثم خرس لم يصح منه اللعان. ووافقنا في أنه يصح منه نكاحه وطلاقه، ويمينه وعقوده. [١١]
ومنها: أن يقذفها الزوج بزنا يضيفه إلى مشاهدته، بأن يقول: رأيتك تزنين، ولو قال: يا زانية، لم يثبت بينهما لعان، أو ينكر حملها، أو يجحد ولدها، ولا يقيم أربعة من الشهود بما قذفها به. وأن تكون منكرة لذلك يدل على هذه الشرائط المذكورة إجماع الإمامية، وأيضا فلا خلاف في صحة اللعان مع تكامل ما ذكرناه، وليس على صحته مع اختلال بعضه دليل. [١٢]
إذا قذف زوجته بزنا أضافه إلى مشاهدة، أو انتفى من حمل، كان له أن يلاعن. وإن لم يضفه إلى المشاهدة، فإن قذفها مطلقا، وليس هناك حمل، لم يجز له اللعان، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي: له أن يلاعن بالزنا المطلق. [١٣]
وإذا أخبر ثقة بأنها زنت، أو استفاضت في البلد أن فلانا زنا بفلانة زوجة الرجل، ولم ير شيئا، لا يجوز له ملاعنتها لما بيناه من أنه لا يجوز إلا بعد أن يدعي المشاهدة. وقال الشافعي يجوز لعانها في الموضعين. [١٤]
موجب القذف في حق الزوج الحد، وله إسقاطه باللعان، وموجب اللعان في حق المرأة الحد، ولها إسقاطه باللعان، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: موجب القذف في حق الزوج اللعان فإذا قذف زوجته لزمه اللعان فإن امتنع من اللعان حبس حتى يلاعن، فإذا لاعن وجب على المرأة اللعان، فإن امتنعت حبست حتى تلاعن، وقال أبو يوسف: الحد يجب بالقذف على الرجل، فأما المرأة إذا امتنعت من اللعان لم يلزمها الحد، لأنه يكون حكما بالنكول، فالحد لا يجب بالنكول.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي أن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك ابن سحماء فقال له النبي ( عليه السلام ): البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال: يا رسول الله أيجد أحدنا مع امرأته رجلا يلتمس البينة. فجعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول: البينة وإلا فحد في ظهرك. [١٥]
وإذا كان مع الزوج البينة جاز له أن يلاعن أيضا ويعدل عن البينة لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا عن بين العجلان[١٦] وزوجته، ولم يسأل عن البينة. [١٧]

حد القذف من حقوق الآدميين أم من حقوق الله؟

حد القذف من حقوق الآدميين، لا يستوفى إلا بمطالبة آدمي، ويورث كما يورث حقوق الآدميين، ويدخله العفو والإبراء كما يدخل في حقوق الآدميين. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هو من حقوق الله تعالى متعلق بحق الآدمي، ولا يورث ولا يدخله العفو والإبراء، ووافق في أنه لا يستوفي إلا بمطالبة آدمي. [١٨]
إذا قذف زوجته بأن رجلا أصابها في دبرها حراما لزمه الحد، وله إسقاطه باللعان. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجب الحد بالرمي بالإصابة في هذا الموضع، بناه على أصله في أن الحد لا يجب بهذا الفعل. [١٩]

کيفية اللعان

وصفة اللعان أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة، ويوقفهما بين يديه، المرأة عن يمين الرجل، موجهين إلى القبلة، ويقول للرجل: قل: أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة من الفجور لمن الصادقين، فإذا قال ذلك أمره أن يعيده تمام أربع مرات.
فإذا شهد الرابعة قال له الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنته شديدة وعذابه أليم، فإن كان حملك على ما قلت غيرة أو غيرها فراجع التوبة، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة.
فإن رجع عن قوله، جلده حد المفتري، وإن أصر على ما ادعى قال له: قل إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فإذا قالها، أقبل على المرأة وقال لها: ما تقولين فيما رماك به.
فإن اعترفت رجمها، وإن أصرت على الإنكار، قال لها: قولي: أشهد بالله أنه فيما رماني به لمن الكاذبين، فإذا قالت طالبها بإتمام أربع شهادات كذلك، فإذا شهدت الرابعة وعظها كما وعظ الرجل، فإن اعترفت رجمها وإن أصرت على الإنكار، قال لها: قولي: إن غضب الله علي إن كان من الصادقين، فإذا قالت ذلك، فرق الحاكم بينهما، ولم تحل له أبدا على ما قدمناه.
ولفظ الشهادة وعددها والترتيب واجب في اللعان، فلو قال: أحلف بالله، أو أقسم بالله، أو نقص شيئا من العدد، أو بدأ الحاكم بالمرأة أولا، لم يعتد باللعان، ولم يحصل الفرقة، وإن حكم الحاكم بذلك، لأن ما قلناه مجمع على صحته وليس على صحة ما خالفه دليل.
ولأن ما عدا ما ذكرناه مخالف لـ ظاهر القرآن، لأن الله تعالى ذكر لفظ الشهادة والعدد والترتيب من حيث أخبر أنها تدرأ عن نفسها العذاب، بلعانها، والمراد بالعذاب عندنا الحد، وعند أبي حنيفة الحبس ولا يثبت واحد منهما إلا بلعان الزوج فصح ما قلناه. [٢٠]
يغلظ اللعان باللفظ والموضع والوقت والجمع، لأن ذلك يكون أردع وأخوف، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يغلظ بالحال ولا بالوقت ولا بالجمع. [٢١]
ألفاظ اللعان معتبرة، فإن نقص منها شيئا لم يعتد باللعان، وإن حكم الحاكم بينهما لم ينفذ الحكم. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إذا أتى بالأكثر وترك الأقل، وحكم الحاكم بينهما بالفرقة نفذ الحكم. وإن لم يحكم به حاكم لم يتعلق به حكم اللعان، ولا يجوز عنده للحاكم أن يحكم بذلك. [٢٢]
الترتيب واجب فيه بلا خلاف، يبدأ بلعان الرجل ثم بلعان المرأة، فإن خالف الحاكم ولاعن المرأة أولا وحكم بالتفرقة لم يعتد به، ولم تحصل الفرقة، لأن ذلك خلاف القرآن، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: ينفذ حكمه ويعتد به. [٢٣]

أحکام اللعان

فرقة اللعان على مذهبنا فسخ، وليس بطلاق. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: هي طلقة بائنة. فعلى قولنا يتعلق به تحريم مؤبد، ولا يرتفع بحال، وعلى قول أبي حنيفة يحرم العقد في الحال فإذا أكذب نفسه، أو جلد في حد، زال التحريم. [٢٤]
إذا أخل بترتيب الشهادة، فأتى بلفظ اللعن في خلال الشهادات أو قبلها، لم يصح ذلك، رجلا كان أو امرأة. لأن الله تعالى شرط أن يأتي باللعن في الخامسة فإذا أتى به قبل ذلك لا يعتد به. وللشافعي فيه وجهان. [٢٥]
وإذا بدل لفظ الشهادة بلفظ اليمين فقال: أحلف بالله، أو أقسم بالله، أو أولى بالله، لم يجزء لأنه لا دلالة على ذلك. وللشافعي فيه وجهان. [٢٦]
إذا قذف زوجته برجل بعينه وجب عليه حدان فإذا لاعن سقط حق الزوجة ولم يسقط حق الأجنبي لأنه لا دلالة على سقوطه وقد انعقد الإجماع على ثبوت حقه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يسقط الحدان. [٢٧]
إذا حد للأجنبي، كان له أن يلاعن في حق الزوجة عندنا بدلالة عموم الآية وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يلاعن لأن المحدود في القذف لا يلاعن. [٢٨]
إذا حصلت البينونة بينهما باللعان لم يجب لها السكنى والنفقة. وقال الشافعي: لها السكنى. [٢٩]
وإذا قال الرجل لامرأته: يا زان - بلا هاء التأنيث - كان قاذفا لها عند جميعهم إلا داود. وإذا قالت المرأة للرجل: يا زانية. كانت قاذفة عند محمد والشافعي، وغير قاذفة عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
والذي يقتضيه مذهبنا أن نقول إن علم من قصدهما القذف كانا قاذفين، وإن لم يعلم يرجع إليهما في ذلك لأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب حكم القذف عليهما يحتاج إلى دليل. [٣٠]
إذا قال رجل لرجل: زنأت في الجبل. فظاهر هذا أنه أراد صعدت في الجبل، ولا يكون صريحا في القذف، فإن ادعي عليه القذف كان القول قوله مع اليمين، فإن نكل ردت على المقذوف، فإن حلف حد. وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: هو قذف وبظاهره يجب الحد. [٣١]
يعتبر في باب لحوق الأولاد إمكان الوطء ء، ولا يكفي التمكين فقط وقدرته. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المعتبر قدرته وتمكينه من الوطء وإمكان الوطء ء، وعلى هذا حكى الشافعي عنه ثلاث مسائل في القديم أحدها: إذا نكح رجل امرأته بحضرة القاضي فطلقها في الحال ثلاثا، ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر فإن الولد يلحقه، ولا يمكنه نفيه باللعان. والثانية: لو تزوج مغربي بمشرقية ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر، فإنه يلحقه، وإن كان العلم حاصلا أنه لا يمكن وطؤها بعد العقد بحال. والثالثة إذا تزوج رجل امرأة، ثم غاب عنها وانقطع خبره، فقيل لامرأته: أنه مات، فاعتدت وانقضت عدتها، وتزوجت برجل فأولدها أولادا، ثم عاد الزوج الأول، فإن هؤلاء الأولاد كلهم للأول، ولا شئ للثاني.
يدل على مذهب الإمامية أنا ننفي عنه الولد بوجود اللعان من جهته، وإن جوزنا أن يكون منه فمع حصول بالعلم أن الولد ليس منه أولى أن ننفيه عنه. [٣٢]

المصادر

  1. الغنية 378.
  2. في الخلاف: وأحدهما مسلم... وأحدهما حر.
  3. النور: 6.
  4. بن عامر، شهد بدرا وأحدا، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهو الذي لاعن امرأته بشريك... أسد الغابة: 4 / 630 رقم 5381.
  5. هي أمه، وأبوه عبدة بن معتب، وهو صاحب اللعان، نسب في ذلك الحديث إلى أمه. أسد الغابة: 2 / 270 رقم 2434.
  6. الخلاف: 5 / 6 مسألة 2.
  7. الغنية 378.
  8. الخلاف: 5 / 49 مسألة 69.
  9. الغنية: 378.
  10. الخلاف: 5 / 13 مسألة 9.
  11. الخلاف: 5 / 12 مسألة 8.
  12. الغنية 378.
  13. الخلاف: 5 / 10 مسألة 5.
  14. الخلاف: 5 / 11 مسألة 6.
  15. الخلاف 5 / 7 مسألة 1.
  16. في الخلاف: العجلاني. وهو عويمر بن الحارث بن زيد بن جابر الجد بن العجلاني.
  17. الخلاف: 5 / 8 مسألة 3.
  18. الخلاف: 5 / 9 مسألة 4.
  19. الخلاف: 5 / 19 مسألة 18.
  20. الغنية 379 - 380.
  21. الخلاف: 5 / 21 مسألة 21.
  22. الخلاف: 5 / 21 مسألة 22.
  23. الخلاف: 5 / 22 مسألة 23.
  24. الخلاف: 5 / 25 مسألة 26.
  25. الخلاف: 5 / 26 مسألة 27.
  26. الخلاف: 5 / 26 مسألة 28.
  27. الخلاف: 5 / 27 مسألة 29.
  28. الخلاف: 5 / 27 مسألة 30.
  29. الخلاف: 5 / 33 مسألة 38.
  30. الخلاف: 5 / 34 مسألة 41.
  31. الخلاف: 35 مسألة 42.
  32. الخلاف: 5 / 49 مسألة 70.