مسالك العلة: والمراد بها هي الطرق التي انکشف بها علة الحکم مثل النص و الإجماع وغيرهما. وقسّمها بعض الأصوليين إلى نقلية وعقلية سنستعرضها فيما يلي:

مسالك العلّة

قد يدرج بحث مسالك العلّة تحت عنوان: «الطرق المفضية إلى العلّة أو الكاشفة عنها»[١] أو «الطرق الدالّة على العلّة»[٢]. ويراد منه الطرق التي يثبت من خلالها كون الوصف علّة لـ الحکم.
وقد اختلفوا في عددها فأورد الأسنوي تسعة مسالك[٣]، وعدّها الرازي عشرة[٤]، وأورد الزركشي عشرة كذلك[٥]، وعدّها الشوكاني إحدى عشرة[٦]. ويبدو أنّ الاختلاف ناشئ عن إدغام بعضها ببعض من قبل بعض الاُصوليين وتفريق بعض المتقاربات في المعنى من قبل بعض آخر، ممّا يزيد في عددها. وذلك من قبيل: التأثير فبعض عدّه طريقاً مستقلاًّ وآخر عدّه من أقسام المناسب[٧]. وبعض آخر نفى بعض الطرق ولم يعتبرها من مسالك العلّة مثل: الاطّراد أو الإخالة[٨].
من جانب آخر، قسّم البعض مثل الغزالي المسالك إلى صحيحة وفاسدة، وقسّم الصحيحة إلى ثلاثة أقسام[٩]. وقسّمها بعض آخر إلى مسالك متّفق عليها ومسالك مختلف فيها، والمتّفق عليها، هي: النص، و الإجماع، والمختلف فيها هي : السبر والتقسيم، و الدوران، و الطرد و تنقيح المناط، و الشبه ، واستثنى المناسبة عن التقسيم [١٠].
وقسّمها آخر إلى قسمين: نقلية، وهي: الإجماع، و النص، و فعل الرسول. وعقلية أو اجتهادية[١١].
والمسالك هي عبارة عمّا يلي:
الأوّل: النصّ من الكتاب و السنة، ويقسّم النصّ إلى قسمين: نصّ قاطع لا يحتمل غير العلّية، ونصّ ظاهر يحتمل غير العلّية احتمالاً مرجوحاً.
من جانب آخر، فإنّ للقاطع ألفاظاً، مثل: «كي»، كما في قوله تعالى: «كَىْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِـياءِ مِنْكُمْ»[١٢].
و«من أجل» أو «لأجل»، كما في قوله: «إنّما جعل الاستئذان من أجل البصر»[١٣].
كما لغير القاطع أو الظاهر ألفاظ، مثل الموارد التالية:
«اللام» في قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّـمْسِ»[١٤]. فاللام للتعليل ويحتمل للملكية والتخصيص.
و«إنّ»، كما في قوله(ص) في حقّ المحرم الذي أعقصته راحلته: «لا تقرّبوه طيباً فإنّه يبعث يوم القيام ملبياً»[١٥].
و«الباء» كقوله تعالى: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ»[١٦]. أي بسبب الرحمة، وفيها احتمالات مرجوحة اُخرى.
والألفاظ ذات الصلة بالموضوع غير قليلة وسّع بعض الاُصوليين الكلام في هذا المجال[١٧].
الثاني: الإيماء.
الثالث: الإجماع، ويمثّل لهذا بتعليل تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب في الإرث بامتزاج النسبين، أو أنّ الغصب علّة ضمان الأموال، فيقاس عليه السارق وجميع الأيدي الغاصبة[١٨]. لكن بعض الاُصوليين حتّى من أهل السنة، مثل الظاهريين، لا يعتبرون الإجماع من مسالك العلّة لأسباب منها: أنّه ليس اجماعاً حقيقياً ولا يعكس في واقعه رأي المسلمين جميعاً [١٩].
الرابع: المناسبة.
الخامس: الشبه.
السادس: الدوران.
السابع: اطّراد العلة.
الثامن: السبر والتقسيم.
التاسع: تنقيح المناط.
العاشر: أفعال الرسول(ص)، بأن يشاهد فعله، ثُمّ يعلم بعد ذلك أنّ فعله كان لأجل وقوع شيء ما، فيستفاد كون الواقع هو سبب في فعل الرسول. ذكره البعض مثل أبي إسحاق الشيرازي[٢٠]، لكن أهمله أكثر الاُصوليين هذا المسلك ولم يذكره كأحد مسالك العلّة[٢١]. وقد يكون ذلك لإلحاق الفعل بـ النصّ الشرعي و السنة.

المصادر

  1. . البحر المحيط 4: 165، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 302.
  2. . إرشاد الفحول 2: 143.
  3. . نهاية السول 4: 59 ـ 138.
  4. . المحصول 2: 311.
  5. . البحر المحيط 5: 184 ـ 255.
  6. . إرشاد الفحول 2: 144 ـ 157.
  7. . ميزان الاُصول 2: 846.
  8. . المصدر السابق: 860 ـ 864.
  9. . المستصفى 2: 150 ـ 158.
  10. . التعليل بالشبه: 71.
  11. . مباحث العلّة في القياس: 337.
  12. . الحشر: 7.
  13. . عمدة القارئ العيني 22: 239.
  14. . الإسراء: 78.
  15. . سنن ابن ماجة 2: 1030.
  16. . آل عمران: 159.
  17. . اُنظر: المعتمد 2: 448، نهاية السول 4: 59 ـ 62، نبراس العقول: 242 ـ 248، التعليل بالشبه: 127 ـ 132، مباحث العلّة: 347 ـ 366.
  18. . البحر المحيط 5: 184.
  19. . التعليل بالشبه: 154 ـ 155.
  20. . اللمع: 227 ـ 228.
  21. . البحر المحيط 5: 205 ـ 206، مباحث العلّة في القياس: 367.