أمجد الزهّاوي
يعدّ الشيخ أمجد محمد سعيد الزهاوي من كبار علماء الدين وأبرز مؤسسي الحركة الإسلامية في العراق، وقد عُرف بمواقفه الجريئة واهتمامه الكبير بالقضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث ترأس جمعية إنقاذ فلسطين وجمعية الأخوة الإسلامية وغيرها.
وتمر اليوم الذكرى 53 لرحيل الزهاوي الذي توفي يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، في حي الوزيرية بالعاصمة العراقية بغداد. حياته
ولد الشيخ أمجد بن محمد بن سعيد بن الشيخ محمد بن فيضي في بغداد عام 1883، بحسب أستاذ التاريخ الحديث الدكتور محمد علي الذي يضيف أن عائلة الشيخ سكنت في محلة "جديد حسن باشا"، وهي من محلات بغداد العريقة بالقرب من جامع السراي.
وعن بدايات نشأة الشيخ الزهاوي، يقول علي للجزيرة نت إنه تربى في بيئة اجتماعية دينية، وتلقى بواكير التعليم آنذاك على يد أبرز رجال الفكر الديني في بغداد، وأكمل دراسته الأكاديمية بتخرجه من كلية القضاء في العاصمة العثمانية إسطنبول، ليصبح قاضيا من الرعيل الأول.
وينتمي الزهاوي إلى القومية الكردية من مدينة زهاو في كردستان العراق، وهي عائلة علم معروفة عند العراقيين، بحسب فليح السامرائي أحد مرافقي الشيخ الزهاوي.
وأضاف للجزيرة نت أكمل الشيخ الزهاوي دراسته العلمية في إسطنبول، وكان يحب هذه المدينة كثيرا، وتأثر بشخصية السلطان عبد الحميد الثاني الذي سبق أن التقى به.
وينبه المؤرخ والخبير القانوني طارق حرب إلى أنه ورغم تربية الشيخ الزهاوي العلمية الدينية، فإن ذلك لم يمنعه من مزاولة العمل الدنيوي حيث امتهن المحاماة، وكان من أبرز القضايا التي تولاها دفاعه عن الشيخ ضاري المحمود الذي قتل القائد الإنجليزي جيرارد ليتشمان.
ويضيف حرب للجزيرة نت أن دفاع الزهاوي عن الضاري رغم أنه لم يحقق نتيجة، فإنه كان قائما على أسس رصينة، حتى رجل القانون لا يمكن أن يصل إليها. السامرائي وصف شخصية الزهاوي بالعظيمة لعلمه وتواضعه وجرأته في الحق (الجزيرة نت) شخصيته وما يميزها
ويبدي السامرائي إعجابه الشديد وتأثره بشخصية الزهاوي التي وصفها بـ"العظيمة"، مؤكدا أنه لم يقابل رجلا مثله في تواضعه وعلمه وزهده وصراحته وجرأته في الحق. اعلان
وكما يقول الدكتور علي، فقد تمتع الزهاوي بصفات عدة قل ما تجتمع في شخصية واحدة، من أبرزها الشجاعة والفطنة والذكاء، وقدرته على استلاب العقول والنفوس بجاذبية قوية، وهذه من الصفات النادرة.
ويضيف عميد كلية الآداب في جامعة الموصل أن الزهاوي تمتع بمكانة كبيرة بين الناس وفي مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية، وحظي باحترام الشعب العراقي لعلمه وحرصه وزهده وأخلاقه، حيث جعل الناس يقفون عند رأيه ولا يتجاوزونه أدبا واحتراما.
ويتابع أن الزهاوي كان مثالا لعالم الدين المتوقد الواعي، المدرك لحاجات وطنه وشعبه وأمته، وقد امتلك روحا تواقة للعمل المخلص والتفاني في سبيل الدعوة الخالصة الصحيحة البعيدة عن كل مبتغى مادي ودنيوي.
وكانت للزهاوي مكانة كبيرة بين أعلام الأمة الإسلامية، وهذا ما يؤكده الباحث والمؤرخ المصري محمد إلهامي، حيث ينقل عن الشيخ البشير الإبراهيمي قوله "إذا بلغني أن الشيخ أمجد الزهاوي يشعر بقوّة في جسمه وفكره، ازددتُ فرحا".
ويضيف إلهامي للجزيرة نت أن الشيخ علي الطنطاوي يعتبر الزهاوي "بركة العصر"، ويقول عنه "لا أعرف في العلماء مثله".
ويتابع: عندما التقاه حسن البنا في القاهرة، قال فيه "إذا أردت أن تنظر إلى وجه صحابي من صحابة رسول الله، فانظر إلى وجه الشيخ أمجد الزهاوي". الدكتور محمد علي: كان الزهاوي مثالا لعالم الدين المدرك لحاجات وطنه وأمته (الجزيرة نت) علاقته بالنظام الملكي
كانت للشيخ أمجد الزهاوي علاقة متينة برئيس الوزراء خلال العهد الملكي نوري السعيد، لأن الأخير كان يدرس أيضا في إسطنبول في نفس الوقت الذي كان فيه الزهاوي هناك، فكان السعيد يحترمه كثيرا، كما يقول السامرائي.
وينبه الدكتور علي إلى أن الزهاوي ترأس لجنة التمييز الشرعي السني بطلب من نوري السعيد، وهذا يدل على علاقته الوطيدة ببعض رجالات الحكومة آنذاك.
ويستدرك أستاذ التاريخ الحديث بالقول: إن الزهاوي كانت لديه مواقف ضد العديد من السياسيين الذين اعتبروه بمثابة خصم وحجر عثرة تحول دون تمرير العديد من القضايا التي تخص بعض المسؤولين.
ويؤكد علي أن الزهاوي وقف ضد توجهات بعض حكومات العهد الملكي التي سمحت بفتح مدارس تبشيرية ومنها مدرسة كلية بغداد، وذلك لإدراكه أهداف المبشرين من فتح تلك المدارس.
ويشير الباحث والمؤرخ إلهامي إلى أن الشيخ أمجد الزهاوي كان مهابا منذ كان قاضيا، حتى إنه ليقضي ضد وصي العرش في العصر الملكي في العراق، ويتصل بالملك فيصل فيشفع في بعض المظالم ويجاب إلى ذلك. حرب اعتبر أن الزهاوي كان من شموع مدينة بغداد لفترة طويلة (الجزيرة نت) أبرز إنجازاته وجهوده
تجسد النشاط الدعوي للزهاوي بتأسيس الجمعيات الدينية، بحسب الدكتور علي الذي ذكر منها جمعية الهداية الإسلامية، وجمعية الآداب الإسلامية، ومن ثم جمعية إنقاذ فلسطين، وغيرها.
ويرى علي أن الهدف من هذه الجمعيات هو الحفاظ على هوية المجتمع العراقي، وضمان الحق الطبيعي لعلماء الدين في ممارسة الحياة السياسية.
كما عمل الزهاوي مدرسا في مسجد آيا صوفيا بإسطنبول، وكذلك في المدرسة السليمانية ببغداد، وتخرج على يده العديد من الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد قادة ومربين.
ويتابع أن الشيخ الزهاوي بذل جهدا كبيرا في توجيه سياسة وزارة المعارف العراقية آنذاك، لجعل العقيدة الإسلامية الأساس الذي تبنى عليه فلسفة التعليم في العراق.
من جانبه بيّن السامرائي -الذي كان أحد قيادات جمعية الأخوّة الإسلامية التي يرأسها الزهاوي- أن الأخير كان يحرص على حضور اجتماعات الجمعية من الصباح وحتى المساء، رغم أن عمره تجاوز 80 عاما، وكان منفتح الذهن تماما.
وبالعودة إلى إلهامي، فإنه يلفت إلى أن تلاميذ الزهاوي ورفاقه كانوا رجالا كبارا، بل هم أعلام العالم الإسلامي في عصرهم، مثل: حسن البنا والبشير الإبراهيمي ومحمد محمود الصواف وعلي الطنطاوي وعبد الكريم زيدان وغيرهم.
ويقتبس قول الزهاوي للدعاة: "إنكم اليوم تقومون بعمل كبير جدا ربما يوازي ما قام به الأئمة الأربعة -أبو حنيفة ومالك وابن حنبل والشافعي- لأنهم عملوا للإسلام واجتهدوا وكان الإسلام دولة وقوة ومنعة.. أما أنتم اليوم فتعملون للإسلام وليس للإسلام دولة ولا قوة، وأزيد على ذلك بأنني لو كنت قاضيا وأتاني شاهد وعلمت بأنه يقطع الليل والنهار بالعبادة ولا يعمل للإسلام، لرددت شهادته".
من جانبه اعتبر طارق حرب أن الشيخ أمجد الزهاوي كان أحد شموع مدينة بغداد لفترة زمنية طويلة، إذ كان لا يخلو مجلس ثقافي أو حلقة معرفية أو مجمع فلسفي علمي من وجود أمجد الزهاوي، لذا كان كل من يكتب في الفقه والدين أو القانون لا بد أن يرجع إليه. اهتمامه بالقضايا العربية والإسلامية
ويوضح السامرائي كيف أن الزهاوي ذاع صيته كثيرا عام 1947 مع بدايات القضية الفلسطينية، حيث ظهر على الساحة السياسية بفضل الشيخ محمد محمود الصواف الذي أقنعه بالعمل السياسي وتأسيس جمعية إنقاذ فلسطين، وكان ذلك قبل نكبة 1948. وقد نجح الزهاوي ورفاقه في تجميع الشباب وإرسالهم ضمن الجيوش العربية إلى فلسطين ليسطروا بطولات كبيرة.
ويروي السامرائي مشاهداته لتوافد النساء العراقيات إلى جمعية إنقاذ فلسطين للتبرع بالذهب والأموال، حيث نجح الزهاوي في جمع تبرعات كبيرة لنصرة القضية الفلسطينية آنذاك.
ويضيف، أن الشيخ الزهاوي كان له دور مهم في مساعدة الثورة الجزائرية، وقد استطاع إقناع الدولة العراقية بالوقوف مع الجزائريين.
ويؤكد السامرائي أن الزهاوي تصدى للفتنة الطائفية التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي، وكان يرفض إثارة المسائل الطائفية في مجالسه، وأرسل الوفود إلى النجف للتعاون في إيقاف المد الشيوعي ورفض الاستبداد والدكتاتورية.
وفي هذا الشأن يؤكد حرب قائلا: رغم أن الزهاوي من المكون السني، لكنه انبرى للدفاع عن حقوق الشيعة في ذلك الوقت.
من جانبه يبيّن الدكتور علي أن للزهاوي مواقف سياسية تجاه قضايا العراق والعالمين العربي والإسلامي، مثل الانتفاضات العسكرية التي شهدها العراق، وقد أسهم في مناصرة الكفاح في مراكش والجزائر وليبيا والعديد من الدول الإسلامية. خرج في تشييع الزهاوي أعلام بغداد ووزراؤها ووفود من مختلف طبقات المجتمع (الصحافة العراقية) وفاته
توفي الشيخ الزهاوي في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، الموافق ليوم الجمعة، ودفن في مقبرة الخيزران بالأعظمية، بعد تشييع مهيب حضره أعلام بغداد ووزراؤها ووفود من مختلف طبقات المجتمع العراقي، كما يفيد الدكتور علي.
ويبدي حرب استغرابه لغياب الاهتمام المناسب بالزهاوي بعد وفاته رغم مكانته وموقعه وعلمه وثقافته، لكنه -مثل الكثير من علية القوم- طواه النسيان.
ويُرجع حرب ذلك إلى جهل الصحافة بأهميته، حيث إنه شغل الدنيا في الثلث الأول من القرن العشرين، فهو عالم فقه ودين وقانون، خدم المجتمع العراقي وقدم له الكثير.
بينما تأسف إلهامي لكون الزهاوي صار من الأسماء المغمورة التي لا يعرفها أكثر الناس، مع أنه رجل عجيب، ترك أثرا عظيما في تلاميذه ورفاقه.
ويختتم إلهامي حديثه بمقولة للزهاوي جاء فيها: "إن العمل للإسلام يجب أن يتوّج بالنجاح، فإذا رأيت عملك ليس كذلك فهذا يعني أن طريقة العمل خاطئة، مع صحة الهدف، وهناك خطأ في العمل وليس في الهدف".
الاسم | أمجد الزهّاوي |
---|---|
الاسم الکامل | أمجد محمّد سعيدالزهّاوي |
تاريخ الولادة | 1300ه/1882م |
محلّ الولادة | بغداد/ العراق |
تاريخ الوفاة | 1387ه/1967م |
المهنة | عالم، داعية معروف |
الأساتذة | محمود شكري الآلوسي، عبد الوهاب النائب، عبّاس حلمي أفندي، غلام رسول الهندي |
الآثار | |
المذهب | سنّي |
أمجد بن محمّد سعيد الزهّاوي: عالم، داعية معروف.
ولد في بغداد سنة 1300 ه، ونشأ في أُسرة علمية ثرية ذات مكانة اجتماعية مرموقة، ودرس على يد والده وبعض المشايخ، والتحق بالمدارس الرشدية والابتدائية والإعدادية في بغداد، ثمّ سافر إلى إسطنبول حيث درس هناك ستّ سنوات في كلّية القضاء، وتخرّج فيها، وكان ترتيبه الأوّل، ومنحه السلطان عبد الحميد الثاني وسام الشرف تقديراً لنبوغه وتفوّقه.
عاد إلى بغداد حيث تقلّد مناصب القضاء، ورأس مجلس التمييز الشرعي ببغداد، واشتغل في المحاماة فترة من الزمن، ثمّ تفرّغ للدعوة إلى اللَّه سنة 1946 م.
اشترك في تأسيس الكثير من الجمعيات الإسلامية ورأسها جميعاً في وقت واحد، وكان منها: جمعية «التربية الإسلامية»، وجمعية «إنقاذ فلسطين»، و «اللجنة العليا لنصرة الجزائر»، وغيرها.
كان يوجّه الشباب نحو نصرة الإسلام والتمسّك بعقيدته والالتزام بمنهجه.
اتّصل بالمجاهد المغربي عبد الكريم الخطّابي، وبالحاجّ أمين الحسيني الفلسطيني، وبالبشير الإبراهيمي الجزائري. كما جاء إلى مصر والتقى بالإمام البنّا سنة 1948 م، وأُعجب بجماعة الإخوان المسلمين.
كان ينصح عبد الكريم قاسم، وأسمعه كلاماً قوياً في مقابلتين معه بديوان الرئاسة، ولكنّه كان يراوغ الشيخ ولا يلتفت لكلامه.
كانت ليهودي قطعة أرض مجاورة لأرض الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله، فاغتصبها الوصي منه، فاشتكى اليهودي وصدر الحكم في مصلحة الوصي، فميّز اليهودي الدعوى، وعرضت على الشيخ الزهّاوي باعتباره رئيس مجلس التمييز يومذاك، وتوسّط بعض معارف الشيخ لجعله يصادق على قرار الحكم إرضاءً للوصي، فردّهم الشيخ الزهّاوي قائلًا: «لا يهمنّي رضاء الوصي، ولكن يهمّني رضاء ربّ الوصي»، ودرس القضية جيّداً ووجد الحقّ في جانب اليهودي، فنقض قرار الحكم وأعاد الأرض لليهودي.
اهتمّ بقضية فلسطين، وجاب البلاد من أجلها، ولازم أوّل فوج من مجاهدي العراق إلى فلسطين، وكان رئيس المؤتمر الإسلامي لنصرة فلسطين.
كان رجلًا ربّانياً ورعاً شديد الورع، وكان كبير القلب ذكياً.
قال عنه الإمام البنّا: «إذا أردت أن تنظر إلى وجه رجل من صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فانظر إلى وجه الشيخ أمجد الزهّاوي».
وقال عنه الشيخ عبد العزيز البدري: «إنّ الشيخ أمجد إسلام يمشي على الأرض! فكلّ مَن يراه يذكر اللَّه تعالى؛ لما منّ عليه من فضل وجلال وهيبة ووقار».
توفّي في العراق سنة 1967 م.
وكان هو الشخص الذي اتّصل بعبد السلام عارف سنة 1964 م طالباً منه أن يتوسّط عند جمال عبد الناصر كي يطلق سراح المفكّر سيّد قطب من السجن، وفعلًا أُطلق سراحه آنذاك.
المراجع
(انظر ترجمته في: عظماء الإسلام: 309- 310، سيّد قطب... آية الجهاد: 106).