الحسن بن علي بن أبي طالب
الحسن المجتبى: هو ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو محمد القرشي الهاشمي، المدني، ثاني أئمّة أهل البيت الطاهر، سبط الرسول الأكرم - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم، وريحانته، وسيد شباب أهل الجنّة. [١]
الإمام الثاني الحسن المجتبى (3 ــ 50ق)
ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجئ به إلى النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وعقّ عنه بكبش، وسمّاه حسناً، وكنّاه أبا محمّد. وكان شبيه جدّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم -. [٢]
خصّه النبي - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وأخاه الحسين بحبٍ وحنان غامر، ورويت في حقِّه أحاديث كثيرة، منها: قال - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - للحسن: اللَّهم إنّي أُحبُّه، فأَحِبَّه وأحِبَّ من يُحبُّه « 1 » وقال في الحسن والحسين « عليهما السلام »: هما ريحانتاي من الدنيا[٣]، وقال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة[٤]، وقد مرّت في ترجمة أبيه علي، وأُمّه الزهراء « عليهما السلام » أحاديث تضمّنت ذكر الحسن - عليه السّلام.
من روی عنهم و من رووا عنه
روى الإمام الحسن - عليه السّلام عن: جدِّه المصطفى - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم، وعن أبيه، وأُمّه « عليهما السلام ».
روى عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غَفَلة، وأبو الحوراء السعدي، والشَّعبي، و الأصبغ بن نباته، و المسيب بن نجبة، و جابر بن عبد الله الأنصاري، و محمد بن سيرين، وجماعة.
وكان يجلس في مجلس رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يحدّث فيه، ويجتمع الناس حوله، وكان إذا تكلَّم أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وودّوا أن لا يسكت، وكان معاوية يقول لمن يريد أن يخاصم الحسن - عليه السّلام: لا تفعل فإنّهم قوم ألهموا الكلام. [٥]
وقد نُقلت عنه خطب وكلمات وحكم ووصايا ورسائل، وله احتجاجات ومناظرات تدلّ على بعد نظره وثاقب فكره، وعمق وعيه للأمور والقضايا.
فضائله و سجاياه
وكان معتَمداً عند أبيه - عليه السّلام -، حائزاً على محبّته وثقته، متفانياً في سبيل قضيته[٦]، وكان أمير المؤمنين - عليه السّلام يحيل إليه بعض المسائل التي ترد عليه، ويبتدره هو بالأسئلة أحياناً، ليُظهرَ فضله وعلمه وعلوَّ مقامه[٧] وكان يُرسله في المهام الجليلة، فينجزها على أحسن وجه، فقد بعثه مراراً إلى عثمان بن عفان لما اشتكى الناس إلى عليّ - عليه السّلام أمره[٨]، وبعثه إلى الكوفة، وبعث معه عمار بن ياسر، فعزل أبا موسى الأشعري الذي كان يثبّط الناس عن أمير المؤمنين في قتال أصحاب الجمل، واستنفر الناس للجهاد، فنفروا، وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل.
وكان الإمام الحسن - عليه السّلام من أوسع الناس صدراً وأسجحهم خلقاً، زاهداً، عابداً، عظيم الخشوع، وكان أحد الأجواد المشهورين، حجّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، والنجائب تُقاد معه، وخرج من ماله مرتين، وقاسم اللَّه تعالى مالَه ثلاث مرات، وكان إذا توضأ ارتعدت فرائصه، واصفرّ لونه.
وكان شجاعاً، مقداماً، خاض مع أبيه حروب الجمل و صفين و النهروان، واقتحم بنفسه الاخطار، حتى قال أمير المؤمنين - عليه السّلام وقد رآه يتسرّع إلى الحرب في بعض أيام صفين: أملكوا عني هذا الغلام لا يهدّني، فإني أنفس بهذين يعني الحسن والحسين « عليهما السلام » على الموت، لئلَّا ينقطع نسل رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم.
صلح الإمام حسن مع معاوية
ولما استشهد الإمام علی - عليه السّلام في شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، صعد الإمام الحسن - عليه السّلام المنبر، وخطب الناس، وتحدّث عن فضائل أبيه، ثم قام ابن عباس بين يديه، فقال: معاشر الناس، هذا ابن نبيّكم، ووصيّ إمامكم، فبايعوه، فاستجاب الناس، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة، ثم نزل من المنبر، فرتّب العمال وأمّر الأُمراء، وزاد المقاتلة مائة مائة، ثم كتب إلى معاوية بالشام يدعوه إلى الدخول في البيعة، وترك البغي والشقاق، من أجل صلاح المسلمين، وحقن دمائهم، فلم يُجب معاوية إلى ذلك، بل أصرّ على المجابهة، وقاد جيشاً عظيماً، وقصد العراق، فلما بلغ ذلك الإمام الحسن - عليه السّلام، حثّ الناس على الجهاد، وسار بجيشه لملاقاة معاوية، ثم جرت أحداث بعد ذلك، لا يسع المجال ذكرها، وآل الامر بالامام الحسن - عليه السّلام إلى عقد الصلح مع معاوية اضطراراً، وقد بسط العلماء والكتّاب البحث في تحليل أسباب الصلح وأهدافه، ونتائجه، فلتراجع في مظانها.
ولكون هذا الصلح من القضايا المهمة في تاريخ المسلمين، وبسبب ما أُثير حوله من شبهات من بعض المغرضين، يحسن بنا أن نُشير إلى ما ذكره ابن الأثير في الكامل، لعله يكشف جانباً من الواقع السيئ الذي أكره الامام - عليه السّلام - على قبول الصلح.
قال: لما راسل معاوية الحسن في تسليم الامر إليه، خطب فقال: إنّا واللَّه ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنّما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع.. ألا إنّ معاوية دعانا لَامر ليس فيه عز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى اللَّه عزّ وجلّ بضبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضى، فناداه الناس من كل جانب: البقية البقية. [٩] أقول: ومع هذه الروحية المهزومة، والرغبة عن الجهاد، والاخلاد إلى الدنيا، كيف يتأتى للقائد أن يقتحم بهم الميادين، ويخوض غمرات الجهاد.
ولما تم الصلح أقام الحسن - عليه السّلام، بالكوفة أياماً، ثم خرج إلى المدينة، فأقام بها إلى أن توفي، وكانت مدة خلافته ستة أشهر وأياماً.
مواعظه و حِکمه
ومما أُثر عن الامام - عليه السّلام - من المواعظ والحِكم: قال وقد دعا بنيه وبني أخيه: يا بَنيّ وبني أخي، إنّكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويَه أو يحفظه، فليكتبه، ويجعله في بيته. [١٠] وقال: من اتكل على حسن اختيار اللَّه له لم يتمنّ أنّه في غير الحالة التي اختارها اللَّه تعالى له[١١]، وقال: مَن أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّ على الهدى، أو تردّه عن ردى، وترك الذنوب حياءً، وخشية[١٢]
وفاته
توفّي - عليه السّلام - مسموماً سنة خمسين، وقيل: تسع وأربعين، وقيل غير ذلك، ودفن بـ البقيع. قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع لو طرحت إبرة ما وقعت إلَّا على إنسان. [١٣] روي أنّ معاوية لما أراد البيعة لابنه يزيد، لم يكن شيء أثقل من أمر الحسن ابن علي و سعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه. وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس.
المصادر
- ↑ الطبقات الكبرى لابن سعد 1 - 475 و 4 - 62 ، فضائل الصحابة لَاحمد بن حنبل 2 - 776 779 ، مسند أحمد بن حنبل 1 - 199 و 5 - 44 ، التأريخ الكبير 2 - 286 ، صحيح البخاري 4 - 24 ) باب الصلح ) ، تاريخ المدينة المنورة لابن شبة النميري 1 - 107 ، سنن ابن ماجة 1 ، 52 - 51 ، الإمامة والسياسة 1 ، 159 ، 160 - 150 ، تاريخ اليعقوبي 2 215 - 213 ، و 225 228 ، تاريخ الطبري 4 124 - 121 ، العقد الفريد 2 - 67 و 3 - 155 و 4 - 264 ، الكافي 7 - 207 ، التنبيه والأَشراف 360 ، مروج الذهب 3 - 19 ، مقاتل الطالبيين 29 50 ، تحف العقول 225 236 ، المستدرك للحاكم 3 176 - 168 ، الإرشاد 191 199 ، رجال الطوسي 66 ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 2 140 - 18 ، تاريخ بغداد 1 - 138 140 ، مختصر تاريخ دمشق 7 - 5 برقم 1 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 4 46 - 2 ، الكامل في التأريخ 3 ، 404 ، 406 ، 460 - 402 ، أُسد الغابة 2 15 - 9 ، جامع الأُصول من أحاديث الرسول - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - 10 - 19 ، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي 176 194 ، وفيات الأعيان 2 69 - 65 ، كشف الغمة في معرفة الأَئمّة « عليهم السلام « 2 211 - 136 ، ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى 118 143 ، تهذيب الكمال 6 275 - 220 برقم 1248 ، سير أعلام النبلاء 3 279 - 245 ، الوافي بالوفيات 12 110 - 107 ، البداية والنهاية 8 46 - 34 ، و 16 20 ، الإصابة 1 - 327 330 ، تهذيب التهذيب 2 301 - 259 ، الفصول المهمة 151 166 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 71 ، بحار الأنوار 43 - 237 و 44 - 173 ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة 3 - 205 ، مشهد من حياة أئمّة الإسلام 14 22 ، بحوث في الملل والنحل 6 - 443 .
- ↑ تهذيب تاريخ دمشق : 4 - 205 ، سير أعلام النبلاء : 3 - 250 وفيه : صححه الترمذي .
- ↑ صحيح البخاري : 5 - 27 باب مناقب الحسن والحسين ، سنن الترمذي ( 3770 ) .
- ↑ تاريخ بغداد : 11 - 90 ، وحلية الأولياء : 5 - 71 ، وسير أعلام النبلاء : 3 - 251 وفيه : ( صححه الترمذي ) وغيرها .
- ↑ وفيات الأعيان : 2 - 68 .
- ↑ قال الإمام علي - عليه السّلام - في وصيته للِامام الحسن - عليه السّلام - : « ووجدتك بعضي ، بل وجدتك كلَّي ، حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني ) .
- ↑ جعفر مرتضى العاملي : الحياة السياسية للِامام الحسن - عليه السّلام - : 101 106 ، وتهذيب الكمال : 6 - 238 وفيه أسئلة علي - عليه السّلام - .
- ↑ قال ابن عبد ربه : كان علي كلما اشتكى الناس عثمان أرسل ابنه الحسن إليه ، فلما أكثر عليه قال له : إنّ أباك يرى أنّ أحداً لا يعلم ما يعلم ، ونحن أعلم بما نفعل ، فكُفّ عنّا ، فلم يبعث عليّ ابنه في شيء بعد ذلك . العقد الفريد : 4 - 308 ما نقم الناس على عثمان .
- ↑ الكامل في التأريخ : 3 - 406 ) سنة 41 هـ) .
- ↑ تهذيب تاريخ دمشق : 4 - 222 .
- ↑ تحف العقول : 236 ، مختصر تاريخ دمشق : 7 - 29 .
- ↑ تحف العقول : 238 .
- ↑ تهذيب الكمال : 6 - 256 .