الصلح

من ویکي‌وحدت

الصلح: وهو التوافق والمصالحة بين الطرفين، وهو جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، وفي أنه عقد مستقل أو تابع لعقد آخر کالبيع خلافٌ بين الفقهاء. وله شروط وأحكام سنذکرها تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

الصلح

الصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، فلا يحل أن يؤخذ بالصلح ما لا يستحق ولا يمنع به المستحق، وهو جائز مع الإنكار[١]، وفاقا لأبي حنيفة، ومالك وخلافا للشافعي، وصورة المسألة عنده أن يدعي رجل على غيره عينا في يده، أو دينا في ذمته فأنكر المدعى عليه، ثم صالحه منه على مال يتفقان عليه، لم يصح الصلح، ولم يملك المدعي المال الذي قبضه من المدعى عليه، وله أن يرجع فيطالبه به، ووجب على المدعي رده عليه، وكان على دعواه كما كان قبل الصلح، وإن كان صرح بإبرائه لأنه أبرأه ليسلم له ما قبضه.
وعندنا وعند أبي حنيفة ومالك يملك المدعي وليس للمدعى عليه مطالبته لنا قوله تعالى: { والصلح خير }[٢] ولم يفرق بين الإقرار والإنكار. وقوله ( صلى الله عليه وآله ): الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا. ولم يفرق، وقوله ( عليه السلام ): كل ما وقي به الرجل عرضه فهو صدقة، فيجب أن يكون ما بذله المدعى عليه جائزا، أو يكون صدقة، لأنه قصد به وقاية عرضه. [٣]
وعند الشافعية الصلح قسمان صلح إبراء، وهو أن يقول صالحني عن ألف لك علي على خمسمئة فيقول صالحت فلا يثبت فيه خيار لأنه إبراء، وصلح معاوضة. هذا بيع في جميع الأحكام وصورته أن يقول صالحني عن ألف لك علي على هذا الشقص أو على هذا الثوب فيقول صالحت فيثبت فيه خيار المجلس وخيار الشرط والشفعة ويشترط التقابض في المجلس إذا صالح عن دراهم على دنانير لأنه صرف ولا يصح واحد منهما على الإنكار فإن جاء ثالث وصدق المدعي صح مع الثالث. [٤]
والشوارع على الإباحة يجوز لكل واحد التصرف فيها بما لا يتضرر به المارة، فإن أشرع جناحا وكان عاليا لا يضر بالمجتازين، ترك ما لم يعارض فيه أحد من المسلمين، فإن عارض وجب قلعه[٥]، وفاقا لأبي حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجب قلعه إذا لم يضر بالمارة. وبه قال مالك، وأحمد، وأبو يوسف ومحمد. لنا أن الطريق حق لجميع المسلمين، فإذا طالبه واحد منهم، كان له ذلك كسائر الحقوق، ولم يجز أن يغصب على حقه، وأيضا فلو سقط ما أشرعه على إنسان فقتله، أو على مال فأتلفه، لزمه الضمان ولو كان يملك ذلك لما لزمه. [٦]
والسكة إذا كانت غير نافذة فهي ملك لأرباب الدور الذين فيها طرقهم، فلا يجوز لبعضهم فتح باب ولا إشراع جناح فيها إلا برضى الباقين، ضر ذلك أو لم يضر، ومتى أذنوا في ذلك، كان لهم الرجوع، لأنه إعارة، ولو صالحوه على ترك الجناح بعوض لم يصح، لأن إفراد الهواء بالبيع باطل، ولا يجوز منعه من فتح كوة في حائطه، لأن ذلك تصرف في ملكه خاصة. [٧]
ومن في أسفل السكة يجوز له فتح باب جديد بدون رضى من أعلاها، لأنه تصرف فيما يخصه ولا يشترك فيه غيره لا خلاف في جميع ذلك. فإن تساوت الأيدي في التصرف في شئ وفقدت البينة، حكم بالشركة - أرضا كان ذلك، أو دارا، أو سقفا، أو حائطا أو غير ذلك - لأن التصرف دلالة الملك وقد وجد. فإن كان للحائط عقد إلى أحد الجانبين، أو فيه تصرف خاص لأحد المتنازعين، كوضع الخشبة، فالظاهر أنه لمن العقد إليه، والتصرف له، فيقدم دعواه، ويكون القول قوله مع يمينه، وإنما كلفناه اليمين، لجواز أن يكون هذا التصرف مأذونا فيه، أو مصالحا عليه، والحائط ملك لهما.
ويحكم بالخُص لمن إليه معاقد القمط، وهي مشاد الخيوط في القصب[٨]
وبه قال أبو يوسف وزاد: خوارج الحائط وأنصاف اللبن، ويقدم بهما. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقدم بشئ من ذلك. لنا ما رووه من أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): بعث حذيفة بن اليمان[٩] ليحكم بين قوم اختصموا في خص، فحكم به لمن إليه القمط، فلما رجع إليه( عليه السلام ) أخبره بذلك فقال: أصبت وأحسنت رأيا[١٠] وإذا انهدم الحائط المشترك لم يجبر أحد الشركين على عمارته والإنفاق عليه، وكذا القول في كل ملك مشترك، وكذا لا يجبر صاحب السفل على عمارته لأجل العلو. [١١]
وللشافعي في هذه المسائل قولان: أحدهما: ما قلناه، وهو قوله الجديد، وبه قال أبو حنيفة. والآخر: قوله القديم: يجبر عليه.[١٢] لنا أن الأصل براءة الذمة، ومن أوجب إجباره على النفقة في ذلك فعليه الدليل. وقوله ( صلى الله عليه وآله ): لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. وإذا أراد أحدهما الانفراد بالعمارة لم يكن للآخر منعه، وإن عمر متبرعا بالآلات القديمة، لم يكن له المطالبة لشريكه بنصف النفقة، ولا منعه من الانتفاع، وإن عمر بآلات متجددة، فالبناء له، وله نقضه إذا شاء، والمنع لشريكه من الانتفاع به، وليس له سكنى السفل ولا منع شريكه من سكناه، لأن ذلك انتفاع بالأرض لا بالبناء. [١٣]
لا يجوز لأحد الشريكين في الحائط أن يدخل فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط ضررا كثيرا إلا بإذن الآخر، وهو قول الشافعي في الجديد. وقال في القديم: يجوز ذلك. وبه قال مالك. لنا أن ذلك هو الأصل من حيث كان تصرفا فيما لا يملك على الانفراد، ومن ادعى جواز ذلك فعليه الدليل، وقوله ( عليه السلام ): لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، وهذا الحائط بينهما فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه إلا بإذن شريكه وطيب نفسه. [١٤]
ومتى أذن لشريكه في الحائط في وضع خشبة عليه، فوضعه ثم انهدم أو قلع، لم يكن له أن يعيده إلا بإذن مجدد، وهو أحد قولي الشافعي، ومالك. والقول الثاني أنه يجوز له ذلك. [١٥] لنا أن الأصل أنه لا يجوز له ذلك إلا بالإذن، والإذن في الأول ليس إذنا في الثاني. [١٦]
وإذا تنازع اثنان في دابة، أحدهما راكبها والآخر آخذ بلجامها، وفقدت البينة، فهي بينهما نصفين[١٧]، وبه قال أبو إسحاق المروزي. وقال باقي الفقهاء وأبو حنيفة: يحكم بذلك للراكب[١٨] لنا أنه لا دليل على وجوب الحکم بها للراكب وتقديمه على الآخذ، فمن ادعى ذلك فعليه الدليل.
ومن ادعى على غيره مالا مجهولا، فأقر له به، وصالحه على مال معلوم صح الصلح وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال: لا يصح. لنا قوله تعالى: { والصلح خير }[١٩] ولم يفرق وقال ( عليه السلام ): الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا. [٢٠]
إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما، وهو غير متصل ببناء أحدهما، ولأحدهما عليه جذوع فإنه لا يحكم لمن الجذع له وفاقا للشافعي، وقال أبو حنيفة: يحكم لصاحب الجذوع إذا كان أكثر من واحد، فإذا كان واحدا لا يقدم به، بلا خلاف. لنا قوله ( عليه السلام ): البينة للمدعي واليمين على من أنكر، ولم يفرق، وأيضا فإن وضع الجذع يجوز أن يكون عارية، فإن في الناس من أوجب ذلك وهو مالك فإنه قال يجبر على ذلك لقوله ( عليه السلام ): لا يمنعن أحد جاره أن يضع خشبة على جداره. [٢١]

الهوامش

  1. الغنية: 254.
  2. النساء: 128.
  3. الخلاف: 3 / 293 مسألة 1.
  4. المجموع: 13 / 63 والوجيز: 1 / 177.
  5. الغنية: 254.
  6. الخلاف: 3 / 294 مسألة 2.
  7. الغنية: 254 - 255.
  8. الغنية: 255. والخص بضم الخاء: البيت من القصب، والقمط جمع قماط. حبل يشد به الأخصاص.
  9. هو حذيفة بن حسيل، أبو عبد الله العبسي. روى عن: النبي ( صلى الله عليه وآله ) وروى عنه: الأسود بن يزيد النخعي، وبلال بن يحيى العبسي، وثعلبة بن زهدم التميمي، توفي سنة ( 36 ). تهذيب الكمال: 5 / 495 رقم 1147.
  10. الخلاف 3: 295 مسألة 3 والغنية: 255. وكان في النسخة والمصدران: عبد الله بن اليمان وليس فيهما لفظة " رأيا ". لاحظ الحديث في سنن ابن ماجة 2 / 285: 2343 وسنن البيهقي 6 / 67 وأسد الغابة 1 / 262.
  11. الغنية: 255.
  12. الخلاف: 3 / 298 مسألة 9.
  13. الغنية: 256.
  14. الخلاف: 3 / 297 مسألة 6، والغنية: 256.
  15. الخلاف: 3 / 297 مسألة 7.
  16. الغنية: 256.
  17. الغنية: 256.
  18. الخلاف: 3 / 296 مسألة 5.
  19. النساء: 128.
  20. الخلاف: 3 / 300 مسألة 11، والغنية: 256.
  21. الخلاف: 3 / 295 مسألة 4.