معاهدة أوسلو
معاهدة أوسلو أو إتفاقيّة المساومة المعروفة بإسم أوسلو، هي المعاهدة التي عقدت بين منظّمة التحرير الفلسطینية والکيان الصهيوني في عام 1993 م، الموقّعة علی يد یاسر عرفات رئيس منظّمة التحریر الفلسطینية آنذاك، تحت إشراف بیل کلینتون رئيس الولايات المتّحدة الأمريکية للمساومة مع إسحاق رابين رئيس وزراء الکيان الصهيوني.
تدّعي هذه المعاهدة علی حلّ الصراع الفلسطیني الإسرائيلي في إطار زمني محدّد، والاعتراف المتبادل بوجود أيّ من الطرفين فلسطين أو إسرائيل رسميّاً، وتأسيس دولة فلسطين في 1967؛ لکن للأسف الشديد لم تتحقق أحلام تأسيس دولة فلسطين وقد تزايد الاستيطان والتهويد في قدس بعد إنعقاد هذه المعاهدة. وقد أثبت هذا الإتّفاق الذي وقّع عليه یاسر عرفات وإسحاق رابين في ساحة القصر الأبيض بأنّ التفاوض مع الکيان الصهيوني ليس هو الحلّ الصحيح. وسمّيت هذه المعاهدة بأسلو لأنّ مفاوضاتها السريّة قد حدثت بين فريق منظّمة التحرير الفلسطينية تحت رئاسة أحمد قريع وفريق الکيان الصهيوني تحت إشراف شيمون برز ورابين في أوسلو عاصمة نرويج.
أحکام هذه المعاهدة
- الإعتراف المتبادل: إعترفت منظمّة التحرير الفلسطينية علی الوجود بالکيان الصهيوني رسمياً، واعترف الکيان الموقّت أيضاً علی تمثيل منظّمة التحرير الشرعي لشعب فلسطين (ولا تقبل الجماعات الفلسطينية علی هذا الإعتراف).
- إقامة السلطة الذاتية في فلسطين: تمّ الاتفاق علی إقامة حکومة فلسطين الذاتية في الظفّة الغربية وقطاع غزّة خلال فترة إنتقالية تصل إلی خمس سنوات.
- التنفيذ التدريجي: تمّ الإتّفاق علی أن يتمّ تنفيذ الاتفاقيات بشکل تدريجي، علی نحو أن تبدأ المرحلة الأولی بإنسحاب الکيان الإسرائيلي الغاصب من بلاد جنين وأريحا.
- المفاوضات حول القضايا النهائية: تمّ الإتفاق علی أن تبدأ المفاوضات بين الطرفين حول القضايا النهائية کـبیت المقدس، أو المشرّدون الفلسطينيون، أو الحدود والمستوطنات، في السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. لم يتمّ القيام بأيّ من هذه المفاوضات وتعتبر تل آبیب القدس عاصمة لها ولا تسمح للمشرّدين أبداٌ للعودة إليها.
تنظیمات فلسطين الذاتية
تأسست هذه التنظيمات وفقاً لمعاهدة أوسلو ومعاهدة غزه-أریحا في 22% من أراضي فلسطين لتکون دائرة موقتّة لإدارة شؤون الفلسطينيين الذاتية في الضفة الغربية وقطاع غزّة. وقد استثني عن هذا الإتفاق فلسطينيين داخل المناطق المحتلّة بحجّة أنّهم کوناً قضيّة من قضايا إسرائيل الداخلية.
وحصل الطرفين بعد ذلك علی إتّفاقيات تفصيلية أخری التی کانت تکملة لإتفاق أوسلو، کإتّفاق باريس الاقتصادي في يوليو 1994 الذي حدّد العلاقات الإقتصادية والماليّة بين الطرفين. أو اتفاق قاهرة التمهيدي علی نقل السلطات المدنية في الضفة الغربية (في أغسطس 1994) الذي وضع أسس نفل هذه السلطات من الجانب الإسرائيلي إلی الجانب الفلسطيني. وتفاوض الطرفین بعد ذلك فیما یتعلق بتنفیذ المرحلة الثانية من معاهدة أوسلو لإنسحاب جيوش الکيان الصهيوني من مدن فلسطين في الضفة الغربية، إطلاق سراح الأسری الفلسطينيين من سجون هذا الکيان الغاصب وتنظيم انتخابات التقنين في أراضي فلسطين. وتمّ تقسيم منطقة الضفة الغربية إلی ثلاثة أجزاء، بالاحتفاظ علی حکم النظام الموقت علی حدوده، وعلی الأمنية في الخارج، وعلی القدس، وعلی مستوطنات الصهيونية، والمسؤولية علی حفظ الأمن الشامل للإسرائيليين.
تقسيم المناطق
- منطقة A (ألف): فهي حیث الأمنية والإدارة تحت إشراف و سيطرة السلطة الفلسطينية کاملاً، وتشمل مساحتها 18% من الضفة الغربية.
- منطقة B (ب): فهي من حيث الإدارة تحت إشراف السلطة الفلسطينية ومن حيث الأمنية تحت سيطرة الکيان الصهيوني، وتشمل مساحتها 21% من الضفة الغربية.
- منطقة C (ج): فهي من حيث الأمنية والإدارة تحت سيطرة الکيان الصهيوني کاملاً، وتشمل مساحتها 61% من الضفة الغربية.
تبلغ مساحة الضفة الغربية 5655 کيلومتراً مربعاً، أي 21% من مساحة فلسطين التاريخية. وتبلغ مساحة منطقة «ج أوC»، نحو 3450 کيلومتراً مربعاً التي هي تحت إشراف الکيان الصهيوني حالياً وتترکّز وتستمر فیها مستوطناتهم التي تعترض علیها حتی حلفاء تل أبیب الغربيين.
يسعی مجلس وزراء الکيان الصهيوني الفعلي برئاسة نتنیاهو لإحتلال منطقة ج من الضفة الغربية کلها وإنضمامها إلی الأراضي المحتلّة استمراراً لإجراءاتهم الغيرشرعية حول ضمّ مناطق من الضفة الغربية إلی الأراضي المحتلّة. وهي المنطقة التي يدمّر فيها جنود الصهاينة منازل الفلسطينيين، متناوباً واستمراراً بحجّة البناء دون استأذان وهذه مقدّمة لضمّ تلك الأراضي إلی فلسطين المحتلّة وبناءهم الغير الشرعي للمستوطنين فيها.
بعد معاهدة أوسلو
وقد شهد التاريخ بأنّ الصهاينة لم تلتزم بأيّ من المعاهدات التي وقّعت عليها حتی الآن، سواء کانت سياسية أم إقتصادية أم میدانية، ولن تستثنی معاهدة أوسلو من هذه القاعدة. ولم تتحقّق أحلام منظمّة التحرير الفلسطينية لتشکيل دولة فلسطين التي کانت تضنّها نتيجة لهذه المعاهدة. والمناطق التي کانت تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بعد الإتفّاق، إحتلّها الصهاينة مرّة أخری في أقلّ من 8 سنوات بعد توقيع معاهدة أوسلو. وهذا الأمر کان بداية لـ إنتفاضة الأقصی في 28 سبتمبر عام 2000 لأنّ ما يسمّی بعمليّة السلام في فلسطين وصل إلی طريق مسدود.
تکثّف الإستيطانات
قد تکثّفت الإستیطانات وعدد المستوطنين بعد معاهدة أوسلو، وشاهد الشعب الفلسطيني إحداث المزيد من الطرق الإلتفافية وتأسيس المناطق الصناعية لإستيطان الصهاينة في أراضي فلسطين.
وبلغ عدد المستوطنين من 90 ألف شخص في عام 1989 إلی 100 ألف شخص في عام 1991 وإلی 154 ألف شخص في عام 1996 وقبل إنتخاب بنیامین نتنیاهو رئيساً لوزراء الکيان الصهيوني. ثمّ بلغ عددهم إلی 205 ألف شخص في عام 2000 وإلی 327 ألف في عام 2010. حتی أن وصل عددهم في الضفة الغربية في عام 2022، دون إحتساب المستوطنين الساکنين في أحياء القدس الشرقية نحو 470 ألف شخص.
وفضلاً عن هذه الإستیطانات، تزايد أيضاً تهويد القدس ومسجد الأقصی یوماً بعد يوم، واستمرّت المساومات ومفاوضات منظّمات السلطة مع الصهاينة وتنسیقاتهم الأمنية معاً حتی الآن.
وقد حدثت إختلافات بين المجموعات الفلسطينية واستمرت منذ بداية توقيع معاهدة أوسلو حتی الآن. ويعتبر هذا الأمر إحدی أهداف الکيان الصهيوني الخفية من توقيعه لهذه المعاهدة. وحسب إعتقاد الکثير من المحلّلين معاهدة أوسلو هي الفخّ التي بسطتها الصهاينة لغرض إنهاء مقاومة شعب فلسطين المسلّحة.
من أسباب فضيحة أوسلو
- الماهيّة الموقّتة لهذه المعاهدة: تمّ تنظیم هذا العقد علی نحو يغيّر الوضع تدريجاً. لقد نظّمها مؤسّسوها علی نحو يوفّر الوقت الکافي لقادة الطرفين إلی إقناع شعبهم وبناء الثقة والاطمئنان في قلوبهم. وکان متوقّعاً أن لا تدوم هذه المعاهدة أکثر من 5 سنوات. والآن بعد مرور عدّة عقود منها تحققت کوابیس الفلسطينيين لتبدیلها من معاهدة مؤقتية إلی دائمية. ولا توجد أيّ مادّة في هذا العقد لمجابهة هذه المسألة.
- عدم وجود الإطار: لم يتبدّل هذا العقد المؤقت إلی دائمياً فحسب، بل الماهيّة المؤقتة لهذا العقد أعطت لمنظّميه إمکانية تجنّب بعض القضایا الأساسية التي کان ينبغي لهم التقيّد بها. ولا يمکن حلّ بعض القضايا مثل الحدود، والمستوطنات، واللاجئين، والأمن والقدس، خلال فترة الخمس سنوات دون أن تکون هناك قواعد واضحة يلتزم بها المفاوضون المستقبليون. وفضلاً عن هذا فقدان الإطار في هذا العقد، لم يحدد وضع المناطق المحتلّة في عام 1967 م.
- فقدان القيود للإستيطان: بينما يقال إنّ المفاوضون الفلسطينيون حاولوا تعليق بناء جميع مستوطنات الإسرائيليين خلال هذه الفترة الإنتقالية البالغة إلی 5 سنوات، لکن أنّهم قد فشلوا في الوفاء بهذا العمل. والأن بعد مرورد عدّة عقود من توقيع هذه المعاهدة، استمرّ الإسرائيليون ببناء مستوطناتهم بحريّة کاملة، أينما وفي أي وقت يريدون، دون أيّ قيود قانونية أو إطار مناسب. وفي الوقت الحالي تضاعفت المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلّة بالنسبة إلی عام 1993 م.
- بيت المقدس (أورشليم): نظراً لوجود خلافات کبيرة حول القدس، فقد اتفقت أطراف هذه المعاهدة علی تأجيل المناقشات المتعلقة بهذه المدينة المقدّسة وسکّانها، إلی حين إجراء المفاوضات لتوضيح الوضع الدائم، والتي کان ينبغي الإنتهاء منها خلال 5 سنوات. لکن في ظلّ غياب الإطار وعدم الإتّفاق علی هذه القضية في المفاوضات، یطبّق الکيان الصهيوني قوانينه في شرق أورشليم (بيت المقدس)، وينفّذ متطلّباته کیفما يريد، وقد نجح بتقسيم هذه المدينة منذ ذلك الوقت حتی الآن، خلال مدّ جدار بطول 10 أمتار، وإنشاء العشرات من حواجز التفتيش. ولم يوجد هناك أيّ إشراف علی السياسات التنفيذية التي أدّت إلی خسارة الآلاف من الفلسطينيين منازلهم في القدس. ولا تزال سياسات الکيان الصهيوني حول الأماکن المقدسة خصوصاً المسجد الأقصی مستمرّة حتی الآن.
- المناطق الثلاث A,B,C: واعتبرت أيضاً مسألة تقسيم المناطق المحتلة في فلسطين إلی مناطق مختلفة، مسألة موقّتة. وبما أنّ أکثر من 60% من هذه المناطق تعتبر منطقة C وتسیطر علیها إسرائيل أمنيّاً وتنفيذياً، فقد تمّ منع تطوّر وتوسعة المناطق الفلسطينية في هذه المنطقة بشکل کامل. وفضلاً عن هذا لم يلتزم إسرائيل بعهوده حول منطقة A التي کان قد منح للفلسطينيين فيها حقوقاً أمنية وتنفيذية وحصرية.
- الآليات التنفيذية: ومن أکبر الفجوات في معاهدة أوسلو أنه إذا أهمل أيّ من الطرفين في الوفاء بإلتزاماته، لا توجد هناك حلّ لهذه المشکلة. وعلی الرغم من توقيع هذه المعاهدة في واشنطن، إلا أنّه لم يضمن أيّ طرف ثالث فعالية هذا العقد وتنفيذه بشکل صحيح و کامل. إذا انتهك أحد أطراف هذه المعاهدة التزاماته، فلن يتمّ تطبيق أيّ عقوبة لذلك، وقد أتاح هذا الأمر للمحتلّين السيطرة علی کافة جوانب حياة الفلسطينيين وانتهاك أيّ من مبادئ هذه المعاهدة حسبما يرونه مناسباً دون دفع أيّ ثمن.
- اللّاجئون: لقد تضرّر اللّاجئين الفلسطينيين من معاهدة أوسلو أکثر من أيّ شخص آخر. وفي حين تطّلق منظمة التحرير الفلسطينية علی نفسها إسم الحرکة التي تم إنشاؤها من بين اللّاجئين ومن أجل مصالحهم، فإنّ هذه المعاهدة تشير إلی قضية اللّاجئين فقط باعتبارها إحدی القضايا الدائمية، والتي مثل قرار الأمم المتحدة رقم 194 ليس لها إطار ولا مرجع رئيسي.
- العلاقات الاقتصادية: لقد کانت «اتفاقية باريس» التي نشأت من معاهدة أوسلو، مفيدة جدّاً بالنسبة إلی إقتصاد إسرائيل ومهنه وأعماله. لايزال إسرائيل يسيطر علی ورود البضائع إلی فلسطين، وتفرض الرسوم الجمرکية علی السلع المتّجهة إلی فلسطين. ويتمتّع إيضاً المنتجون الإسرائيليون من الحصر الشبه الکامل في أسواق فلسطين المحتلّة.
- قيود الحرکة: وبالرغم علی أنّ معاهدة أوسلو تشمل قوانين حول حضور شرطة فلسطين الدائم في جميع المعابر الحدودية، لقد انتهك الکيان الصهيوني هذه القوانين بعد الإنتفاضة الثانية في أکتوبر عام 2000، وأحدث مئات من حواجز التفتيش التي هي لازالت باقية حتی الآن. ورغم تعهد إسرائيل بالعودة إلی ما کان عليه قبل عام 2000 إلا أنّ هذا الکيان لم ينفّذ التزاماته حتی الآن.
- قضية الماء: وقد أدّی فقدان المياه ورفض إسرائيل السماح للفلسطينيين بحفر الآبار في منطقة C الغنية بالميآه الجوفية، نقص حاد في المياه. وذلك في حين يقوم الکيان الصهيوني بتوفير کميات کبيرة من المياه الجوفية لمستوطنيه.
- تصريح العبور بين غزّة والضفة الغربية: وکانت حرکة الأشخاص والبضائع التي يحتاجون إليها جزءاً من معاهدة أوسلو، الذي لا ينفذ إلا في أيّام قليلة. وکانت آخر الجهود التي بذلتها وزيرة الخارجية الأميرکية السابقة کوندوليزا رايس حول إحياء هذه المعاهدة من قبل الکيان الصهيوني قد باءت بالفشل.
- الجدار: بما أنّ لا توجد أيّة إشارة إلی الحائط الأمني لإسرائيل في معاهدة أوسلو، وبما أنّه لم يرد إلی أي ذکر للجدار الأمني الإسرائيلي في هذه المعاهدة، فقد تمکنت إسرائيل من بناء جدار بشکل غيرقانوني خلف الأراضي الفلسطينية في غياب إتفاق حول الحدود. لقد تمّ إنشاء هذا الجدار بناءً علی المصالح الإسرائيلية ومن أجل حماية المستوطنات اليهودية وتعزيز حدود القدس الواسعة. رغم أنّ الفلسطينيين رفعوا هذه القضية إلی محکمة لاهاي، لم تقبل إسرائيل قرار هذه المحکمة بأنّ هذا الجدار ليس قانوني، ورفضت نقله.
- الحکومة المدنية: ورغم أن تتحدّث معاهدة أوسلو عن الحاجة إلى حلّ ما يسمى بالحكومة المدنية الإسرائيلية، التي تسيطر على تراخيص البناء في المنطقة (ج)، کسيطرتها علی القضايا الأخری، فإن هذا لم يحدث قط.
- عزلة غزّة: وفقاً لمعاهدة أوسلو، فإن غزة والضفة الغربية لديهما كيان واحد. وقد أعلنت السلطات الدولية مراراً أنها تدعم دولة فلسطين المستقلة. لقد أدى التراجع الإسرائيلي الأحادي من غزة وکذلك عدم تنفيذ اتفاقيات الحدود والالتزامات المتعلقة بتصريح العبور بين غزة والضفة الغربية إلى عزلة وتجزئة قطاع غزة. ولم تقدم إسرائيل أي ضمان حول استمرار هذا العمل في معاهدة أوسلو، وفي الواقع فقد دمّرت أيضًا مطار وميناء غزة.
- الاتصالات: أحد بنود معاهدة أوسلو هو إنشاء لجنة فنية مشتركة لحل القضايا المتعلّقة بالاتصالات. وقلّ ما تتشکّل هذه اللجنة المشتركة، وإذا تم تشكيلها، فلا يوجد إتفاق كبير على هذه القضايا. لقد احتفظ الإسرائيليون فعلياً بحق النقض (الفيتو) على كافة الاتصالات وتطوراتها. على سبيل المثال، تمنع إسرائيل تطوير أنظمة الاتصالات الخلوية من الجيل الثالث.
إنجازات أوسلو المريرة لفلسطين
وأظهرت هذه المعاهدة بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، بأنّ جميع وعودها کاذبة ومن أهم نتائجها هو تهويد القدس وانتشار مستوطنات الصهيونية کالغدد السرطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ والنقطة هنا هي أنه کان الإجراء الوحيد الذي اتخذته السلطة الفلسطينية في مواجهة كل الخيانات التي ارتکبتها إسرائيل، هو تقديم شكوى إلى الولايات المتحدة، التي لم تسمع قط.
والنقطة الأخرى هي أن هذه المعاهدة تنص على أنه لا یقدر أي من الطرفين علی تغيير الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل إعلان نتائج المفاوضات حول تعیین الوضع النهائي. لم يكن هذا البند من هذه المعاهدة بالنسبة لإسرائيل سوى بضعة أسطر على الورق، وأدى إلى تسريع بناء المستوطنات خلال فترة المفاوضات.
وهذا العمل الذي قام به الصهاينة أنهى أحلام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة قبل تحقّقها، لكن لا تزال السلطة الفلسطينية ترغب في التفاوض لتحقيق هذا الأمر؛ ولو لا تبقی أرض للتفاوض بعد.
حسب الإحصائيات التي نشرتها المراكز الفلسطينية وحتى المراكز التابعة للكيان الصهيوني، فإن عدد المستوطنين لم يتجاوز من 150 ألف شخص عند توقيع معاهدة أوسلو عام 1993، وکانو قد استقرّوا في 144 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. لكن تضاعف عدد المستوطنات بعد المعاهدة ووصل اليوم إلى أكثر من 550 مستوطنة.
وفي المجموع، بالنسبة إلی قبل توقيع معاهدة أوسلو و إقامة السلطة الفلسطينية في عام 1994، زاد بناء المستوطنات بمیزانية تبلغ على 240 في المائة. ووصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلی أکثر من 700 ألف شخص حالياً.
ويبلغ عدد الصهاينة في القدس الشرقية إلی أكثر من 300 ألف شخص، وهو ما يكشف خطة تل أبيب لتحويل القدس المحتلة إلى عاصمة لإسرائيل.
إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة یدلّ على أنّ استيطان الكيان الصهيوني، خلافاً لما تذيعه وسائل الإعلام الأمريكية، يحظى بدعم وتشجيع صريح من قبل واشنطن.
ورغماً لمؤامرة أوسلو لنسيان النضال، نشهد اليوم في فلسطين جيلاً لم يتخلى عن المقاومة فحسب، بل فرض معادلة جديدة على المحتلين الصهاينة. ولزم الشباب الفلسطيني سلاحه لمواجهة العدو لأنهم يعلمون جيداً أنه لا تفيد لغة التفاوض مع المحتلّین الذين لا يفهمون إلا لغة القوّة والضغط.
لقد اقتنع الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، الذي هزّ الأرض تحت أقدام المحتلين، بأن المفاوضات ليست سوی أكثر من وهم زرعه الأميركيون في أذهان بعض الفلسطينيين، حتی لا يروا کيف تغصب أراضيهم، ويغضون النظر عن أكثر من 360 مستوطنة صهيونية في الأراضي المحتلة والفلسطينيين المحاصرين فيها.
ولقد سئم هذا الجيل من الطعم المر لثمار معاهدة أوسلو، وقد أدرك أنّ النظام الذي فرضه عليهم المستعمرون البريطانيون بفضل القوة التي منحتها له أمريكا، ولا يزال قائما حتى اليوم، لا يريدون أن يعودن للفلسطينيين بحقوقهم أبداً، والسبيل الوحيد المتبقي لدی الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، هو استخدام سلاح المقاومة.