٢٬٧٩٦
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٣٩: | سطر ٣٩: | ||
هذه الآية الشريفة من الآيات التي يدعو إليها دعاة الوحدة الإسلامية من كلّ المذاهب والفرق، مع هذا نجد المسلمين لا زالوا متفتّتين ومتشتّتين، ولا زال الاختلاف والافتراق قائم على قدم وساق، وكأنّهم عجزوا عن العمل بها، وكأنّ تكليفها ممّـا لا يطاق، والحال: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها). | هذه الآية الشريفة من الآيات التي يدعو إليها دعاة الوحدة الإسلامية من كلّ المذاهب والفرق، مع هذا نجد المسلمين لا زالوا متفتّتين ومتشتّتين، ولا زال الاختلاف والافتراق قائم على قدم وساق، وكأنّهم عجزوا عن العمل بها، وكأنّ تكليفها ممّـا لا يطاق، والحال: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها). | ||
فالاعتصام بحبل الله جميعاً ممّـا في وسع الإنسان، فإنّه قد كلّفنا الله جلّ جلاله به، وحثّنا الإسلام ورسوله الأكرم على | فالاعتصام بحبل الله جميعاً ممّـا في وسع الإنسان، فإنّه قد كلّفنا الله جلّ جلاله به، وحثّنا الإسلام ورسوله الأكرم على ذلك، فلماذا نجح الاستعمار والاستكبار العالمي في سياسته البغيضة (فرّق تسد)؟! ولماذا تمزّق المسلمون ولا زال التناحر بينهم والاختلاف؟! ومتى نعمل بهذه الآية الكريمة لتعود لنا عزّتنا وكرامتنا، ويسود ديننا ربوع الأرض؟ ذلك الدين القويم الإسلام العظيم الذي به ختمت الأديان السماويّة قد أنزل الله سبحانه لسعادة الإنسان وإنقاذ البشرية من حضيض الجهل والشقاء إلى قمّة العزّ والشرف والسعادة، بكلّ أبعادها في الحياة الدنيوية والاُخروية. | ||
فهل في الآية المقدّسة من حكمةٍ وسرٍّ خاصّ ورمزٍ | فهل في الآية المقدّسة من حكمةٍ وسرٍّ خاصّ ورمزٍ مخصوص؟! | ||
والقرآن الكريم يفسّر بعضه | والقرآن الكريم يفسّر بعضه بعضاً، فهل فسّر لنا آية الاعتصام؟ أو ترك الاُمّة سدىً تتصارع بعضها مع بعض، وهيهات لمثل القرآن الكريم أن يفعل ذلك، وهو كتاب هداية وإرشاد وفرقان بين الحقّ والباطل ونور في الظلمات، وهو كتاب الله الذي يريد بعباده خيراً، فهو اللطيف الودود الشفيق، وكتابه المقدّس كتاب صنع الإنسان وكماله. | ||
فلا بدّ من سرّ في الآية قد غفل المسلمون عن مغزاها، فلاكتها ألسنهم متجاهلين معناها، وغرّتهم الدنيا فأعرضوا عن محتواها. | فلا بدّ من سرّ في الآية قد غفل المسلمون عن مغزاها، فلاكتها ألسنهم متجاهلين معناها، وغرّتهم الدنيا فأعرضوا عن محتواها. | ||
سطر ٤٩: | سطر ٤٩: | ||
فما هو السرّ؟ | فما هو السرّ؟ | ||
يحدو بنا المقام | يحدو بنا المقام أوّلاً أن نفسّر الآية في الظاهر ونكشف القناع عن مفرداتها ليتسنّى لنا الوصول إلى مرادها. | ||
فقوله تعالى : ( | فقوله تعالى: (وَاعْتَصِموا) فعل أمر يدلّ بظاهره على الوجوب، والخطاب للمؤمنين والمسلمين، ولا يختصّ بمن حضر حين نزول الآية، بل عامّة إلى يوم القيامة للاشتراك في التكليف. | ||
القيامة | |||
والعصمة لغةً | والعصمة لغةً: بمعنى المنع ، ومنه الماء المعتصم الذي لا يتنجّس بمجرّد ملاقاة النجس، بل طاهر في نفسه ومطهّر لغيره، كماء المطر والكرّ، وتأتي بمعنى الامتناع والاستمساك وما يعتصم به من عقد وسبب. وقوله تعالى: (لا عاصِمَ اليَوْمَ )، أي: لا مانع. | ||
والعصمة اصطلاحاً : لطف خفي أودعه الله في خاصّة أوليائه، تمنعهم من الذنوب والمعاصي، وكلّ ما يشين بالمرء من الخطأ والنسيان لا على نحو الإلجاء والقهر. | |||
(بِحَبْلِ اللهِ): الحبل: خيوط مفتولة ومبرمة وآلة معروفة، تستخدم للصعود والخروج والسحب والشدّ وما شابه ذلك، واستعير هنا لمناسبة الصعود المعنوي به إلى الحقّ المتعال، والخروج من آبار الظلم والفساد والمعاصي والآثام، والانجذاب والسحب نحو الفضائل والمكارم، والشدّ على أواصر القرب إلى الله سبحانه، وغير ذلك. | |||
( | (جَميعاً وَلا تَفَرَّقوا)، أي: كلّ واحد حال كونهم بشكل جماعي لا منفردين، ومن ثمّ لا يتفرّقوا بعد جمع شملهم ووحدة كيانهم. | ||
هذا واستعارة الحبل في الآية الشريفة للدلالة على أنّ عدم الاعتصام به يوجب الهوادة والسقوط في وادي الضلال والهلاك، وهذا أمر واضح. | |||
ثمّ (حَبْلُ اللهِ) غير الله، وما سواه فهو مخلوق له سبحانه، وهذا المخلوق لا بدّ أن يكون معصوماً (فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه)، وقد أمرنا أن نعتصم بهذا الحبل، فيعطينا العصمة، فكيف يكون ذلك لولا أن يكون معصوماً في نفسه، حتّى يعطي العصمة لمن اعتصم به. | |||
ثمّ | ثمّ من أهمّ وظائف هذا الحبل الإلهي هو الصعود إلى قمّة الكمال وسماء الجمال ولقاء الله سبحانه في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، وذلك بعد الخروج من الهيولى الظلمانية ومن شوائب المادّة وبئر الظلم والمنكرات، ومن الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها، والتسلّق نحو المعالي والكمالات، نحو الكمال المطلق ومطلق الكمال، وإنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه، وإلى الله ترجع الاُمور، وأنّ إلى ربّك المنتهى، وإنّا إليه راجعون. | ||
ولا بدّ من الاعتصام بقوّة وحزم في كلّ الآنات، وإلّا فمن يغفل- ولو لحظة- فإنّه يسقط ويهوى باتّباع الهوى والغفلة عن حبل الله. | |||
وكلّما أراد الإنسان المتمسّك بالحبل الصعود فإنّه يزداد حذراً وحزماً وحنكة، فلا يكثر الخطر ويزيد الخطب ويصعب الأمر، فإنّه لا يتحمّله إلّا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. | |||
والحبل وسيلة وليست غاية، فإنّه يعدّ من آلات السفر من الخلق إلى الحقّ ومن الحقّ إلى الخلق ومن الخلق إلى الخلق ومن الحقّ إلى الحقّ، كلّ ذلك بالحقّ، فالإنسان المؤمن المتمسّك مهاجر من النقص إلى الكمال، ومن السفل إلى العلوّ، ومن الجهل إلى العلم، ومن الشرّ إلى الخير، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية. | |||
فالحبل طريق الله وصراطه المستقيم ومنهاجه القويم وشريعته السمحاء وكتابه الكريم.. ومن لم يعتصم بحبل الله فهو في هاوية وضلال وسحق وعذاب، فكلّ واحد مكلّف بفطرته السليمة وعقله النيّر وضميره الواعي ووجدانه المتيقّظ ودينه الكامل أن يتمسّكبحبل الله عزّ وجلّ. | |||
=المصدر= | |||
المقال مقتبس مع تعديلات من المواقع التالية: | |||
www.alittihad.ae/www.gate.ahram.org/www.alawy.net |
تعديل