انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإبتلاء»

أُضيف ٤٤ بايت ،  ٢٦ يوليو ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
(أنشأ الصفحة ب''''الابتلاء''' هو الإختبار والاختبار إنّما يكون بالمقدور الواقع في معرض إرادة المكلّف، لا الخا...')
 
لا ملخص تعديل
سطر ٣٤: سطر ٣٤:
وبعبارة بعضهم: «حيث كان الغرض من جعل التكليف التحريمي إحداث المانع للمكلّف عن فعله وإيجاد الدّاعي إلى تركه، فلو فرض عدم كونه في معرض الابتلاء وبالنتيجة عدم الداعي له إلى الفعل، كان تركه مستندا إلى عدم المقتضي، وبالتالي إحداث المانع له لغوٌ محض. فإذا كان بعض أطراف [[العلم الإجمالي]] بالتكليف التحريمي كذلك كان التكليف بالنسبة إليه منتفيا قطعا، وفي الطرف الآخر مشكوك الحدوث ومجرى لأصالة البراءة، وبالنتيجة لايكون هناك علم بالجامع الفعلي أصلاً».<ref> مصباح الأصول 2 : 394.</ref>
وبعبارة بعضهم: «حيث كان الغرض من جعل التكليف التحريمي إحداث المانع للمكلّف عن فعله وإيجاد الدّاعي إلى تركه، فلو فرض عدم كونه في معرض الابتلاء وبالنتيجة عدم الداعي له إلى الفعل، كان تركه مستندا إلى عدم المقتضي، وبالتالي إحداث المانع له لغوٌ محض. فإذا كان بعض أطراف [[العلم الإجمالي]] بالتكليف التحريمي كذلك كان التكليف بالنسبة إليه منتفيا قطعا، وفي الطرف الآخر مشكوك الحدوث ومجرى لأصالة البراءة، وبالنتيجة لايكون هناك علم بالجامع الفعلي أصلاً».<ref> مصباح الأصول 2 : 394.</ref>
ووسّع الأمر [[الآخوند الخراساني]] مدّعيا أنّ الملاك المزبور بعينه موجود في الشبهة الوجوبية أيضا. فلا يكون العلم الإجمالي فيها أيضا منجّزا إلاّ فيما كان جميع أطرافها في محلّ الابتلاء من حيث الترك؛ إذ لو كان بعض أطراف [[العلم الإجمالي]] بالتكليف الوجوبي متروكا ومنتركا في نفسه عادةً لخروجه عن محلّ الابتلاء، يكون توجه الخطاب بالنسبة إليه لغوا وساقطا، فيجري أصل البراءة بالنسبة إلى الطرف الآخر بلا معارض في البين. <ref> كفاية الأصول : 361، درر الفوائد الحائري 1 ـ 2 : 465.</ref> ووافقه على ذلك المحقّق العراقي أيضاً. <ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 51 الهامش.</ref>
ووسّع الأمر [[الآخوند الخراساني]] مدّعيا أنّ الملاك المزبور بعينه موجود في الشبهة الوجوبية أيضا. فلا يكون العلم الإجمالي فيها أيضا منجّزا إلاّ فيما كان جميع أطرافها في محلّ الابتلاء من حيث الترك؛ إذ لو كان بعض أطراف [[العلم الإجمالي]] بالتكليف الوجوبي متروكا ومنتركا في نفسه عادةً لخروجه عن محلّ الابتلاء، يكون توجه الخطاب بالنسبة إليه لغوا وساقطا، فيجري أصل البراءة بالنسبة إلى الطرف الآخر بلا معارض في البين. <ref> كفاية الأصول : 361، درر الفوائد الحائري 1 ـ 2 : 465.</ref> ووافقه على ذلك المحقّق العراقي أيضاً. <ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 51 الهامش.</ref>
وأجاب عنهم [[المحقّق النائيني]] ـ وفاقا للشيخ الأنصاري في تفصيله بين [[الشبهة التحريمية والوجوبية]] ـ بأنّ متعلق التكليف الوجوبي حيث كان هو الفعل، وهو مستند إلى الإرادة والإختيار حتى فيما كان مفروض التحقق عادةً بدون أمر من المولى، فصح تعلّق التكليف به من غير استهجان، بخلاف متعلق التكليف التحريمي فإنّه الترك وهو عدمّي لايحتاج إلى علّة توجبه، بل يكفيه عدم إرادة الفعل، وهو أيضا عدمّي، فلو كان الترك حاصلاً بنفسه عادةً لأجل عدم الداعي للمكلّف إلى الفعل كان النهي عنه لغوا مستهجناً. <ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 51 ـ 52.</ref>
وأجاب عنهم [[المحقّق النائيني]] ـ وفاقا للشيخ الأنصاري في تفصيله بين [[الشبهة التحريمية والوجوبية]] ـ بأنّ متعلق التكليف الوجوبي حيث كان هو الفعل، وهو مستند إلى الإرادة والإختيار حتى فيما كان مفروض التحقق عادةً بدون أمر من المولى، فصح تعلّق التكليف به من غير استهجان، <br>
ولكن السيّد الخوئي  قدس‏سره ـ بعد الإيراد على التفصيل الذي ذكره الشيخ الأنصاري بأ نّه لو بني على أنّ التكليف بما هو حاصل عادةً كما هو مفروض الكلام لغو مستهجن، فلا فرق فيه بين التكليف الوجوبي والتحريمي، إذ كما يكون عن شيء متروكٍ في نفسه لغوا وقبيحا من الحكيم كذلك يكون البعث نحو شيء حاصل بنفسه لغوا مستهجنا، فلو قيل بالاشتراط لا فرق فيه بين التكليف الوجوبي والتحريمي ـ ذهب إلى تفصيل آخر، وهو التفصيل بين الأوامر العرفيّة والأوامر الشرعية، وحكم باشتراط الابتلاء في العرفية دون الشرعية، وهذا في الحقيقة إنكارٌ للشرط المزبور بالنسبة للتكاليف الوجوبية والتحريمية معا.
بخلاف متعلق التكليف التحريمي فإنّه الترك وهو عدمّي لايحتاج إلى علّة توجبه، بل يكفيه عدم إرادة الفعل، وهو أيضا عدمّي، فلو كان الترك حاصلاً بنفسه عادةً لأجل عدم الداعي للمكلّف إلى الفعل كان النهي عنه لغوا مستهجناً. <ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 51 ـ 52.</ref>
واستدلّ له بأنّ الغرض من [[الأوامر والنواهي]] الشرعية ليس مجرد تحقق الفعل أو الترك خارجا، بل الغرض منها صدور الفعل أو الترك استنادا إلى أمر المولى؛ ليحصل للمكلّف بهما الكمال النفساني كما أشير إليه في قوله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»<ref>سورة البینة، الآیة 5</ref> بل فُرّق بين [[التعبّدي والتوصلي]] بما ذكر في مباحث الأمر والنهي من أنّ الغرض في كليهما هو الاستناد إلى أمر المولى ونهيه، فلا يحصل غرض المولى بمجرد تحقق الفعل أو الترك حتى يقال بلغويّة الأمر أو النهي في هذا الفرض، وهذا بخلاف الأوامر والنواهي العرفيّة التي ليس الغرض منها إلاّ تحقق متعلّقها في الخارج، وفي هذا الفرض يصحّ القول بأنّ الفعل لو كان في نفسه متروكا فالغرض حاصل، ولا وجه للنهي أو الأمر التشريعي.
ولكن السيّد [[الخوئي]] قدس‏ سره ـ بعد الإيراد على التفصيل الذي ذكره الشيخ الأنصاري بأ نّه لو بني على أنّ التكليف بما هو حاصل عادةً كما هو مفروض الكلام لغو مستهجن، فلا فرق فيه بين التكليف الوجوبي والتحريمي، إذ كما يكون عن شيء متروكٍ في نفسه لغوا وقبيحا من الحكيم كذلك يكون البعث نحو شيء حاصل بنفسه لغوا مستهجنا، فلو قيل بالاشتراط لا فرق فيه بين التكليف الوجوبي والتحريمي ـ ذهب إلى تفصيل آخر، وهو التفصيل بين الأوامر العرفيّة والأوامر الشرعية، <br>
وحكم باشتراط الابتلاء في العرفية دون الشرعية، وهذا في الحقيقة إنكارٌ للشرط المزبور بالنسبة للتكاليف الوجوبية والتحريمية معا.
واستدلّ له بأنّ الغرض من [[الأوامر والنواهي]] الشرعية ليس مجرد تحقق الفعل أو الترك خارجا، بل الغرض منها صدور الفعل أو الترك استنادا إلى أمر المولى؛ ليحصل للمكلّف بهما الكمال النفساني كما أشير إليه في قوله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»<ref>سورة البینة، الآیة 5</ref> بل فُرّق بين [[التعبّدي والتوصلي]] بما ذكر في مباحث الأمر والنهي من أنّ الغرض في كليهما هو الاستناد إلى أمر المولى ونهيه، فلا يحصل غرض المولى بمجرد تحقق الفعل أو الترك حتى يقال بلغويّة الأمر أو النهي في هذا الفرض، وهذا بخلاف الأوامر والنواهي العرفيّة التي ليس الغرض منها إلاّ تحقق متعلّقها في الخارج، <br>
وفي هذا الفرض يصحّ القول بأنّ الفعل لو كان في نفسه متروكا فالغرض حاصل، ولا وجه للنهي أو الأمر التشريعي.
والمتحصّل أ نّه لايعتبر في تنجيز العلم الإجمالي كون الأطراف في معرض الابتلاء، لا في [[الشبهة الوجوبية]] ولا في [[الشبهة التحريمية]]، بل المعتبر كون جميع الأطراف مقدورا للمكلّف فحسب، فعلى هذا يجب الاحتياط بالنسبة للطرف الموجود في محلّ الابتلاء ولو مع خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء؛ لفرض تحقق [[القدرة العقلية]].
والمتحصّل أ نّه لايعتبر في تنجيز العلم الإجمالي كون الأطراف في معرض الابتلاء، لا في [[الشبهة الوجوبية]] ولا في [[الشبهة التحريمية]]، بل المعتبر كون جميع الأطراف مقدورا للمكلّف فحسب، فعلى هذا يجب الاحتياط بالنسبة للطرف الموجود في محلّ الابتلاء ولو مع خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء؛ لفرض تحقق [[القدرة العقلية]].
ثمّ ادّعى  قدس‏سره أنّ غالب الأمثلة التي ذكرها الشيخ للخروج عن محلّ الابتلاء أمثلة للخروج عن القدرة العقلية. <ref> انظر : مصباح الأصول 2 : 395 ـ 396.</ref>
ثمّ ادّعى  قدس‏سره أنّ غالب الأمثلة التي ذكرها الشيخ للخروج عن محلّ الابتلاء أمثلة للخروج عن القدرة العقلية. <ref> انظر : مصباح الأصول 2 : 395 ـ 396.</ref>
ثمّ إنّ [[الشهيد الصدر]] ممّن وافق [[السيد الخوئي]] في عدم اشتراط التكليف بكون متعلّقه في محلّ الابتلاء، فيكون التكليف بالمعلوم بالإجمال فيما إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء صحيحا عنده أيضا، إلاّ أ نّه خالفه ووافق المشهور في  حكمهم بعدم وجوب الاحتياط ببيان آخر، غير ما ذكروه. وحاصله أنّ دليل المشهور في حكمهم بعدم الاحتياط انتفاء العلم بجامع التكليف فيما إذا كان  بعض أطراف العلم الإجمالي خارجا عن محلّ الابتلاء، وهذا هو الذي أنكره السيدان الخوئي والصدر وحكما بوجود العلم بالتكليف في أطراف العلم الإجمالي، ولكن حكم الشهيد الصدر بانحلال هذا العلم الإجمالي حكما بجريان الأصل المؤمّن في  الطرف الواقع محلّ الابتلاء دون الطرف الآخر الخارج.
ثمّ إنّ [[الشهيد الصدر]] ممّن وافق [[السيد الخوئي]] في عدم اشتراط التكليف بكون متعلّقه في محلّ الابتلاء، فيكون التكليف بالمعلوم بالإجمال فيما إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء صحيحا عنده أيضا، إلاّ أ نّه خالفه ووافق المشهور في  حكمهم بعدم وجوب الاحتياط ببيان آخر، غير ما ذكروه. وحاصله أنّ دليل المشهور في حكمهم بعدم الاحتياط انتفاء العلم بجامع التكليف فيما إذا كان  بعض أطراف العلم الإجمالي خارجا عن محلّ الابتلاء، وهذا هو الذي أنكره السيدان الخوئي والصدر وحكما بوجود العلم بالتكليف في أطراف العلم الإجمالي، ولكن حكم الشهيد الصدر بانحلال هذا العلم الإجمالي حكما بجريان الأصل المؤمّن في  الطرف الواقع محلّ الابتلاء دون الطرف الآخر الخارج.
لكنّ ما يراه  قدس‏سره إنّما يصحّ على مسلك الاقتضاء في منجزيّة العلم الإجمالي ـ كما عليه المحقّق النائيني ـ وأمّا على مسلك العليّة ـ وهو مسلك المحقّق العراقي ـ لم يفد ما ذكره الشهيد الصدر أيضا في المنع عن منجزيّة العلم الإجمالي في المقام؛ وذلك لأنّ مقتضى مسلك عليّة العلم الإجمالي للموافقة القطعيّة لزوم الاحتياط بمجرّد تحقق العلم، وأنّ نفس ذلك يمنع من جريان الأصول حتى في جملة وفي بعض الأطراف.
لكنّ ما يراه  قدس‏سره إنّما يصحّ على مسلك الاقتضاء في منجزيّة العلم الإجمالي ـ كما عليه المحقّق النائيني ـ وأمّا على مسلك العليّة ـ وهو مسلك المحقّق العراقي ـ لم يفد ما ذكره [[الشهيد الصدر]] أيضا في المنع عن منجزيّة العلم الإجمالي في المقام؛ وذلك لأنّ مقتضى مسلك عليّة العلم الإجمالي للموافقة القطعيّة لزوم الاحتياط بمجرّد تحقق العلم، وأنّ نفس ذلك يمنع من جريان الأصول حتى في جملة وفي بعض الأطراف.


===البحث الثالث: الشكّ في الابتلاء===
===البحث الثالث: الشكّ في الابتلاء===
سطر ٤٩: سطر ٥٢:
أمّا الصورة الأولى: فقد ذهب الشيخ الأنصاري فيها إلى الأول<ref> فرائد الأصول 2 : 237 ـ 238.</ref> ـ أي إطلاق دليل التكليف ـ وتبعه عليه المحقّق النائيني<ref> فوائد الأصول 4 : 55 ـ 58.</ref>، والسيد الخوئي<ref> مصباح الأصول 2 : 398.</ref>، وغيرهم<ref> درر الفوائد الحائري 1 ـ 2 : 465.</ref> وخالفهم الخراساني، فحكم بالبراءة بدعوى أنّ التمسّك بالإطلاق في مقام الإثبات إنّما يصح إذا أمكن الإطلاق بحسب مقام الثبوت؛ ليستكشف بالإطلاق في [[مقام الإثبات]] الإطلاق في [[مقام الثبوت]]، ومع الشك في إمكان الإطلاق ثبوتا ـ  لاحتمال تقيّد خطاب التكليف بكون متعلقه في محلّ الابتلاء على كلّ تقدير ـ لا مجال للتمسّك به  إثباتا.
أمّا الصورة الأولى: فقد ذهب الشيخ الأنصاري فيها إلى الأول<ref> فرائد الأصول 2 : 237 ـ 238.</ref> ـ أي إطلاق دليل التكليف ـ وتبعه عليه المحقّق النائيني<ref> فوائد الأصول 4 : 55 ـ 58.</ref>، والسيد الخوئي<ref> مصباح الأصول 2 : 398.</ref>، وغيرهم<ref> درر الفوائد الحائري 1 ـ 2 : 465.</ref> وخالفهم الخراساني، فحكم بالبراءة بدعوى أنّ التمسّك بالإطلاق في مقام الإثبات إنّما يصح إذا أمكن الإطلاق بحسب مقام الثبوت؛ ليستكشف بالإطلاق في [[مقام الإثبات]] الإطلاق في [[مقام الثبوت]]، ومع الشك في إمكان الإطلاق ثبوتا ـ  لاحتمال تقيّد خطاب التكليف بكون متعلقه في محلّ الابتلاء على كلّ تقدير ـ لا مجال للتمسّك به  إثباتا.
وكذلك الكلام مع افتراض إبهام في مفهوم الابتلاء، لحصول الشك في صحة الإطلاق وعدمه؛ لاحتمال تقيّده بما ذكر، فالمرجع بعد عدم دلالة الخطاب البراءة.<ref> كفاية الأصول : 361.</ref> ووافقه على ذلك الإمام الخميني، بناءً على مبنى المشهور في الابتلاء.<ref> تهذيب الأصول 2 : 307 ـ 309.</ref>
وكذلك الكلام مع افتراض إبهام في مفهوم الابتلاء، لحصول الشك في صحة الإطلاق وعدمه؛ لاحتمال تقيّده بما ذكر، فالمرجع بعد عدم دلالة الخطاب البراءة.<ref> كفاية الأصول : 361.</ref> ووافقه على ذلك الإمام الخميني، بناءً على مبنى المشهور في الابتلاء.<ref> تهذيب الأصول 2 : 307 ـ 309.</ref>
ولكن أجيب عن ذلك: بأنّ بناء العقلاء ثابت في التمسّك بالإطلاق ونحوه في باب الألفاظ ما لم تثبت القرينة العقليّة أو النقليّة على إرادة الخلاف، ومجرّد احتمال استحالة التكليف لايعدّ عذرا مانعا عن بناء العقلاء، مثلاً إذا أمر المولى باتباع خبر العادل وترتيب الأثر عليه، واحتملنا استحالة حجّية خبر العادل ـ لما ذكر في محلّه من استلزام تحليل الحرام وتحريم الحلال وتفويت المصلحة أو غير ذلك ممّا ذكروه ـ فإنّ ذلك لايوجب عذرا في مخالفة ظاهر كلام المولى، فالمرجع مع الشك إطلاق خطاب التكليف، لا أصل البراءة.<ref> مصباح الأصول 2 : 398.</ref>
ولكن أجيب عن ذلك: بأنّ بناء العقلاء ثابت في التمسّك بالإطلاق ونحوه في باب الألفاظ ما لم تثبت القرينة العقليّة أو النقليّة على إرادة الخلاف، ومجرّد احتمال استحالة التكليف لايعدّ عذرا مانعا عن بناء العقلاء، مثلاً إذا أمر المولى باتباع خبر العادل وترتيب الأثر عليه، <br>
وأمّا الصورة الثانية: وهي صورة الشك في الدخول والخروج عن محلّ الابتلاء لشبهة مصداقية ـ بناءً على شرطية الابتلاء ـ فالظاهر من الشيخ الأنصاري والمحقّق النائيني لزوم الرجوع إلى إطلاق دليل التكليف أيضا، إمّا لما ذكره الشيخ من أنّ الخطابات الواردة بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلّقة، والمعلوم تقييدها بالابتلاء إنما هو موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعليق بالابتلاء، وأمّا مع الشكّ في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات<ref> فرائد الأصول 2 : 237 ـ 238.</ref>، وإمّا لما ذكره النائيني من أنّ [[المقيدات اللُبيّة]] ـ كما في المقام ـ يجوز فيها التمسّك بالعامّ حتى في [[الشبهة المصداقية]] إذا كان الترديد فيها بالأقل والأكثر كما في المقام.<ref> فوائد الأصول 4 : 54 ـ 58.</ref>
واحتملنا استحالة حجّية خبر العادل ـ لما ذكر في محلّه من استلزام تحليل الحرام وتحريم الحلال وتفويت المصلحة أو غير ذلك ممّا ذكروه ـ فإنّ ذلك لايوجب عذرا في مخالفة ظاهر كلام المولى، فالمرجع مع الشك إطلاق خطاب التكليف، لا أصل البراءة.<ref> مصباح الأصول 2 : 398.</ref>
وأمّا الصورة الثانية: وهي صورة الشك في الدخول والخروج عن محلّ الابتلاء لشبهة مصداقية ـ بناءً على شرطية الابتلاء ـ فالظاهر من الشيخ الأنصاري والمحقّق النائيني لزوم الرجوع إلى إطلاق دليل التكليف أيضا، <br>
إمّا لما ذكره الشيخ من أنّ الخطابات الواردة بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلّقة، والمعلوم تقييدها بالابتلاء إنما هو موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعليق بالابتلاء، وأمّا مع الشكّ في قبح التنجيز فيرجع إلى الإطلاقات<ref> فرائد الأصول 2 : 237 ـ 238.</ref>، وإمّا لما ذكره النائيني من أنّ [[المقيدات اللُبيّة]] ـ كما في المقام ـ يجوز فيها التمسّك بالعامّ حتى في [[الشبهة المصداقية]] إذا كان الترديد فيها بالأقل والأكثر كما في المقام.<ref> فوائد الأصول 4 : 54 ـ 58.</ref>
ووافقهم الإمام الخميني أيضا ـ  على ما سلكه من المبنى في [[الخطابات القانونية]]  ـ من أنّ لها الإطلاق حتى بالنسبة للعاجز والخارج عن محلّ الابتلاء ـ وليس هنا محلّ ذكره ـ وعلى مبناه ليس الخطاب مقيّدا بالقدرة، ولا بدخول متعلقه في محلّ الابتلاء، حتى يجري فيه ما مرّ عن الشك في التكليف، بل يجب الاحتياط امتثالاً للتكليف الفعلي المعلوم.<ref> تهذيب الأصول 2 : 176 ـ 177.</ref>
ووافقهم الإمام الخميني أيضا ـ  على ما سلكه من المبنى في [[الخطابات القانونية]]  ـ من أنّ لها الإطلاق حتى بالنسبة للعاجز والخارج عن محلّ الابتلاء ـ وليس هنا محلّ ذكره ـ وعلى مبناه ليس الخطاب مقيّدا بالقدرة، ولا بدخول متعلقه في محلّ الابتلاء، حتى يجري فيه ما مرّ عن الشك في التكليف، بل يجب الاحتياط امتثالاً للتكليف الفعلي المعلوم.<ref> تهذيب الأصول 2 : 176 ـ 177.</ref>
ولكن الظاهر من المحقّق الخراساني جريان البراءة بتقريب: أنّ التمسّك بالإطلاق في مقام الإثبات إنما يتمّ فيما إذا صحّ الإطلاق في مقام الثبوت أيضا، ومع الشكّ في الإطلاق ثبوتا لاحتمال تقيّده بالابتلاء لا أثر للإطلاق إثباتاً.<ref> كفاية الأصول : 361.</ref>
ولكن الظاهر من المحقّق الخراساني جريان البراءة بتقريب: أنّ التمسّك بالإطلاق في مقام الإثبات إنما يتمّ فيما إذا صحّ الإطلاق في مقام الثبوت أيضا، ومع الشكّ في الإطلاق ثبوتا لاحتمال تقيّده بالابتلاء لا أثر للإطلاق إثباتاً.<ref> كفاية الأصول : 361.</ref>
سطر ٥٦: سطر ٦١:


===البحث الرابع: الخروج عن محلّ الابتلاء بعد العلم الإجمالي===
===البحث الرابع: الخروج عن محلّ الابتلاء بعد العلم الإجمالي===
ثمّ من الواضح ـ  الذي صرّح به غير واحد من الأصوليين<ref> نهاية الأفكار 3 : 340 ـ 341، مستمسك العروة الوثقى 3 : 32، إفاضة العوائد 2 : 182.</ref>  ـ أنّ اشتراط تنجيز العلم الإجمالي بعدم كون بعض أطرافه خارجا عن محلّ الابتلاء ـ على القول به ـ إنما هو فيما إذا كان الخروج قبل حصول العلم الإجمالي، إذ يجري ما مرّ من البيانات من عدم العلم بالجامع، أو جريان الأصل بلا معارض وغيرها. وأمّا إذا كان الخروج عن محلّ الابتلاء بعد حصول العلم الإجمالي وتنجزه وحكم العقل بلزوم الاحتياط في أطرافه، فلايجري فيه البيانات السابقة؛ لمكان العلم بالتكليف الفعلي فينجز، ولأنّ الأصول المؤمّنة في الأطراف قد تساقطت بالتعارض قبل خروج بعضها عن محلّ الابتلاء فلا تعود.
ثمّ من الواضح ـ  الذي صرّح به غير واحد من الأصوليين<ref> نهاية الأفكار 3 : 340 ـ 341، مستمسك العروة الوثقى 3 : 32، إفاضة العوائد 2 : 182.</ref>  ـ أنّ اشتراط تنجيز العلم الإجمالي بعدم كون بعض أطرافه خارجا عن محلّ الابتلاء ـ على القول به ـ إنما هو فيما إذا كان الخروج قبل حصول العلم الإجمالي، إذ يجري ما مرّ من البيانات من عدم العلم بالجامع، أو جريان الأصل بلا معارض وغيرها. <br>
وأمّا إذا كان الخروج عن محلّ الابتلاء بعد حصول العلم الإجمالي وتنجزه وحكم العقل بلزوم الاحتياط في أطرافه، فلايجري فيه البيانات السابقة؛ لمكان العلم بالتكليف الفعلي فينجز، ولأنّ الأصول المؤمّنة في الأطراف قد تساقطت بالتعارض قبل خروج بعضها عن محلّ الابتلاء فلا تعود.


===البحث الخامس: الخروج عن محلّ الابتلاء بالتحريم الشرعي===
===البحث الخامس: الخروج عن محلّ الابتلاء بالتحريم الشرعي===
ذهب المحقّق النائيني إلى أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء كما يكون بعدم [[القدرة العادية]] على التصرف في الشيء ـ كما مرّ تفصيله ـ كذلك يكون بعدم القدرة الشرعية عليه، كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين مع العلم تفصيلاً بغصبية أحدهما المعيّن، فالمغصوب خارج عن محلّ الابتلاء شرعا، فيبقى الطرف الآخر مؤمّنا عنه بقاعدة الطهارة ونحوها<ref> فوائد الأصول 4 : 65.</ref>
ذهب المحقّق النائيني إلى أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء كما يكون بعدم [[القدرة العادية]] على التصرف في الشيء ـ كما مرّ تفصيله ـ كذلك يكون بعدم القدرة الشرعية عليه، كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين مع العلم تفصيلاً بغصبية أحدهما المعيّن، فالمغصوب خارج عن محلّ الابتلاء شرعا، فيبقى الطرف الآخر مؤمّنا عنه بقاعدة الطهارة ونحوها<ref> فوائد الأصول 4 : 65.</ref>
وأُورد عليه بأنّ العلم التفصيلي بحرمة شرب أحد الطرفين بالخصوص لغصبيته تكليف آخر وضيق جديد على عهدة المكلّف، ولايمنع ذلك من جريان الأصل المؤمّن بالنسبة للتكليف المحتمل الآخر بالنسبة للأطراف حتى هذا الطرف المعلوم يغصبيته، لأ نّه بذلك يؤمّن عن الضيق والعقاب الزائد، فيقع التعارض بين الأصلين لا محالة، وبتعبير آخر: يكفي لصحة الخطاب مجرد القدرة العادية على الاستيلاء خارجاً.<ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 66 الهامش، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 5 : 298 ـ 299.</ref>
وأُورد عليه بأنّ العلم التفصيلي بحرمة شرب أحد الطرفين بالخصوص لغصبيته تكليف آخر وضيق جديد على عهدة المكلّف، ولايمنع ذلك من جريان الأصل المؤمّن بالنسبة للتكليف المحتمل الآخر بالنسبة للأطراف حتى هذا الطرف المعلوم يغصبيته، لأ نّه بذلك يؤمّن عن الضيق والعقاب الزائد، فيقع التعارض بين الأصلين لا محالة، وبتعبير آخر: يكفي لصحة الخطاب مجرد القدرة العادية على الاستيلاء خارجاً.<ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 66 الهامش، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 5 : 298 ـ 299.</ref>
نعم، بناءً على مسلك الشهيد الصدر في تفسيره لعدم جريان الأصل في الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء ب[[الارتكاز العرفي]] قد يقال: إنّ دليل الأصل منصرف عن الإناء المغصوب كما كان منصرفا عن الإناء الخارج عن محلّ الابتلاء تكوينا؛ لكونه بحسب الدقة وإن كان يوجد هنا أيضا تزاحم بين ملاك ترخيص شرب الطاهر وملاك إلزامي في حرمة شرب النجس، إلاّ أ نّه حيث لايجوز شربه على كلّ حال لكونه مغصوبا فكأنّ العرف لايتعقل مثل هذا التزاحم الحيثي، فلا يرى شمول دليل الأصل الترخيصي له بلحاظ حرمة شرب النجس، ولكن أجيب عنه أيضا بما ليس هنا محلّ ذكره.<ref> انظر : بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 299.</ref>
نعم، بناءً على مسلك الشهيد الصدر في تفسيره لعدم جريان الأصل في الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء ب[[الارتكاز العرفي]] قد يقال: إنّ دليل الأصل منصرف عن الإناء المغصوب كما كان منصرفا عن الإناء الخارج عن محلّ الابتلاء تكوينا؛ لكونه بحسب الدقة وإن كان يوجد هنا أيضا تزاحم بين ملاك ترخيص شرب الطاهر وملاك إلزامي في حرمة شرب النجس، <br>
إلاّ أ نّه حيث لايجوز شربه على كلّ حال لكونه مغصوبا فكأنّ العرف لايتعقل مثل هذا التزاحم الحيثي، فلا يرى شمول دليل الأصل الترخيصي له بلحاظ حرمة شرب النجس، ولكن أجيب عنه أيضا بما ليس هنا محلّ ذكره.<ref> انظر : بحوث في علم الأصول الهاشمي 5 : 299.</ref>


===البحث السادس: كثرة الابتلاءات وكشفها عن عدم حجّية الخبر الواحد أو عدم صدوره===
===البحث السادس: كثرة الابتلاءات وكشفها عن عدم حجّية الخبر الواحد أو عدم صدوره===
Write، confirmed، steward، إداريون
٣٬٣٠٦

تعديل