الحاظر والمبيح

الحاظر والمبيح: أي المنع والرخصة، فالدليل الحاظر هو الدليل الذي يدل علی المنع؛ والمبيح هو الدليل الذي يدل علی الإذن والرخصة. کالخبرَين الذَين يدل أحدهما علی خباثة بول الحيوان المأکول اللحم، والآخر يدل علی جواز شرب بول الإبل.

تعريف الحاظر والمبيح لغةً

الحاظر والمبيح أسماء فاعل من حظر وأباح.
حظر: الحاء والظاء والراء أصل واحد يدلُّ على المنع، يقال: حظرت الشيء وأحظره حظرا، والشيء محظور، قال اللّه‏ تعالى: «وَمَا كانَ عطَاءُ رَبِّكَ مَحْظورا» [١]... [٢].
الحظر: الحجر، وهو خلاف الإباحة، والمحظور: المحرّم. حظر الشيء يحظره حظرا وحظارا، وحظر عليه: منعه، وكلّ ما حال بينك وبين شيء، فقد حظره عليك [٣].
وأبحتُك الشيء: أحللته لك. وأباح الشيء: أطلقه. والمباح خلاف المحظور [٤].
... فيقال: أباحه وأباح الرجل ماله، أذن في الأخذ والترك، وجعله مطلق الطرفين [٥].

تعريف الحاظر والمبيح اصطلاحاً

استخدم الفقهاء و الاُصوليون مفردة الحظر والإباحة بنفس معناهما اللغوي، أي المنع والرخصة، لهذا استخدموهما ـ في أحيان كثيرة ـ كصفة للخبرين أو الدليلين المتعارضين اللذين يتضمّن أحدهما الحظر والمنع، فسمّوه حاظرا، والآخر يتضمّن الرخصة و الإباحة، فسمّوه مبيحا، من قبيل أن يبيح أحد الخبرين شرب عصير العنب، والآخر يحرّمه.

الألفاظ ذات الصلة

الناقل والمقرِّر

هما وصفان للخبرين أو الدليلين المتعارضين، فإذا وافق أحدهما الأصل الجاري في موردهما سمّي مقرِّرا، وإذا خالف سمّي ناقلاً [٦].
وفي التفريق بينهما وبين الحاظر والمبيح يذكر أنَّ التعارض بين الحاظر والمبيح في الحرمة والإباحة، بينما التعارض بين الناقل والمقرِّ في أنَّ أحدهما موافق للأصل الجاري والآخر مخالف، سواء كان تعارضهما في إثبات الوجوب أو إثبات الحرمة، ومثال الأخيرين هو خبر العدل بوجوب صلاة الجمعة وخبر عدل آخر بعدم وجوبها [٧]. (الناقل والمقرّر)

حكم الدليل الحاظر والمبيح

في تقدم الدليل الحاظر أو تأخره

رتّب الأصوليون على الحاظر والمبيح بحثا، وهو: إذا ورد خبران أحدهما حاظر، والآخر مبيح، وتساوا من جميع الجوانب السندية والدلالية فأيُّهما يقدَّم؟
وفي المجال رأيان:

الرأي الأوّل: البناء على الحظر، وتقديمه على الإباحة

ذهب إليه الكثير، وبخاصّة من أهل السنّة [٨]. وينقل ادّعاء الإجماع فيه، [٩] ويحكى كذلك نسبته إلى المشهور، لكن هذا خلاف ما هو مشهود سيّما عن علماء الشيعة، حيث لا يقدّمون المخالف للأصل، بل يقولون بـ التخيير أو الرجوع إلى الأصل الذي هو وجوب الاحتياط عند الأخباريين و البراءة عند الأصوليين [١٠].
استدلَّ على هذا الرأي باُمور:
1 ـ إنَّ الأصل في الاُمور هو الإباحة، فإذا ورد حاظر، لا بدَّ وأن يكون لاحقا وطارئا، ولم يثبت ورود الإباحة على الحظر [١١].
2 ـ الاحتياط، فإنَّ العمل وفق الحاظر أحوط من العمل وفق المبيح [١٢].
3 ـ بعض الروايات الواردة عن المعصوم، من قبيل قوله: «دع ما يريبك إلى ما لايريبك» [١٣] وقوله: «ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ غلب الحرام على الحلال» [١٤].
لكن وردت نقاشات على هذه الأدلّة [١٥].

الرأي الثاني: التساقط

ذهب إليه الغزالي [١٦]، ونسب إلى أبي هاشم وعيسى بن أبان [١٧]، ويبدو من الشيخ الأنصاري كذلك [١٨].
وذهب إليه الشيخ الطوسي [١٩] إلى التوقّف أو التخيير بينهما، ويبدو أنّ ذلك نتيجة للتساقط، كما أكّده السيّد المجاهد [٢٠].
واستدلَّ على رأيه بقوله: «فأمّا ترجيح أحد الخبرين على الآخر، من حيث إنَّ أحدهما يقتضي الحظر والآخر الإباحة، والأخذ بما يقتضيه الحظر أولى أو الإباحة. فلا يمكن الاعتماد عليه، على ما نذهب إليه في الوقف؛ لأنَّ الحظر والإباحة عندنا مستفادان بالشرع، فلا ترجيح بذلك، وينبغي التوقُّف فيهما جميعا، أو يكون الإنسان مخيرا في العمل بأيّهما شاء» [٢١]
ومثل هذا الاستدلال ورد عن الغزالي كذلك [٢٢].

المصادر

  1. . الإسراء: 20.
  2. . معجم مقاييس اللغة 2: 80 مادّة «حظر».
  3. . لسان العرب 1: 870 مادّة «حظر».
  4. . لسان العرب 1: 386 مادّة «بوح»، القاموس المحيط: 209، مادّة «بوح».
  5. . المصباح المنير: 65 مادّة «باح».
  6. . اُنظر: المحصول الرازي 2: 464، معالم الدين: 253 ـ 254، الفصول الغروية: 445.
  7. . اُنظر: فرائد الاُصول 2: 118 و 4: 156 ـ 157، زبدة الاُصول 4: 405، اصطلاحات الاُصول: 267.
  8. . مفاتيح الاُصول: 708.
  9. . زبدة الاُصول 4: 405.
  10. . فرائد الاُصول 2: 117 ـ 118.
  11. . أحكام القرآن الجصاص 3: 29، الفصول في الاُصول (الجصاص) 2: 298 ـ 299، مفاتيح الاُصول: 708.
  12. . بدائع الصنائع الكاساني 3: 268 ـ 269، كنز الفوائد: 285، معارج الاُصول: 157، بحار الأنوار 77: 106.
  13. . الوسائل 27: 173، باب 12، من أبواب صفات القاضي، ح 63.
  14. . مستدرك الوسائل 13: 68، ح5.
  15. . معارج الاُصول: 157.
  16. . المستصفى 2: 249 ـ 250.
  17. . الإحكام الآمدي 3 ـ 4: 478، مفاتيح الاُصول: 708.
  18. . فرائد الاُصول 2: 117 ـ 118.
  19. . العدّة الطوسي 1: 152.
  20. . مفاتيح الاُصول: 708.
  21. . العدّة الطوسي 1: 152.
  22. . المستصفى 2: 249 ـ 250.