وحدة البعد الحضاري

من ویکي‌وحدت

وحدة البعد الحضاري: إنّ من الأركان والأُسس الكفيلة بتحقيق الوحدة- والتي تبتني عليها أواصر الأخوّة- هي وحدة البعد الحضاري، مضافاً إلى وحدة: العقيدة، والعمل والاتّباع، والقيادة، والهدف المشترك، والخصال الحميدة المشتركة، والوحدة الثقافية، وغيرها. وسنتناول في هذه المقالة وحدة البعد الحضاري.

الإسلام ليس دين طقوس تعبّدية جامدة، إنّه دين للحياة بكلّ أبعادها. والأمّة الإسلامية أُمّة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية في هذا العالم، ومن هنا كان وصفها بأنّها خير أُمّة أُخرجت للناس.

وقد رسم القرآن الكريم للإنسان الإطار العامّ في كلّ أُموره الدينية والدنيوية، واستخلف الله الإنسان في الأرض، وكلّفه بعمارتها وصنع الحضارة فيها، ووعد المؤمنين العاملين بالتمكين لهم في الأرض، وكتب لهم العزّة والنصر. وتحقيق ذلك كلّه أمر منوط بالإنسان وبتأييد من الله تعالى.

وقد أدرك المسلمون الأوائل ذلك كلّه، وعملوا على تحقيقه، وقد تحقّق لهم بالفعل ما أرادوا وما أراده الله منهم. وبذلك أقاموا صرحاً شامخاً لحضارة عريقة كانت من أطول الحضارات عمراً في التاريخ. وقد اشترك علماء الأُمّة الإسلامية من كلّ جنس ولون في إقامة هذا الصرح الحضاري بدافع من الإسلام الذي رفع من شأن العلم والعلماء واعتبر مداد العلماء مساوياً لدماء الشهداء أو أفضل، وجعل العلماء أخشى الناس لله تعالى.

وسارت جهود علماء المسلمين في مجالات العلوم الدينية والدنيوية جنباً إلى جنب في تكامل رائع، فقد أدركوا أنّ الحضارة تعني تقدّماً مادّياً وروحياً وأخلاقياً، وبذلك قدّموا للإنسانية خدمة كبرى في الوقت الذي كان فيه العالم غير الإسلامي لايزال يعيش في جهالة جهلاء. وترك لنا الأسلاف تراثاً ضخماً يعدّ أغنى تراث في العالم يعبّر عن وحدة جهود علماء الأُمّة الإسلامية بصورة رائعة، ويشترك المسلمون اليوم في كلّ مكان في العالم الإسلامي في الاعتزاز بهذا التراث.

وقد آن الأوان للأُمّة الإسلامية أن تتوحّد جهودها مرّة أُخرى في سبيل النهوض بالأُمّة والارتقاء بها حضارياً بما يؤكّد شخصيتها المتميّزة ويحافظ على ذاتيتها مسترشدة في ذلك بتعاليم الإسلام الشاملة وبالجوانب الإيجابية المشرقة في تراثنا.

فلا يليق بالأُمّة الإسلامية أن تظلّ في عالمنا المعاصر قابعة في مقاعد المتفرّجين الذين لا يشاركون في صنع الحضارة، ويكتفون بدور المستهلك لما تنتجه الحضارة التي يصنعها غيرنا، في الوقت الذي لا تعرف البشرية فيه ديناً آخر غير الإسلام يشتمل على كلّ المقوّمات والأُسس التي تحقّق للبشرية أفضل المستويات الحضارية مادّياً وروحياً وأخلاقياً.

والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأُمّة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقّها إلّا إذا توحّدت جهود الأُمّة دينياً وفكرياً وحضارياً. وواجبها يفرض عليها في هذا الصدد أن تقدّم للعالم هذه الرسالة الدينية الحضارية في صورة أُنموذج متحقّق في عالم الواقع، فليس بالأقوال تؤدّى الرسالات الكبرى، ولكن بترجمة الأقوال إلى برامج عمل. ومن هنا جاء اللوم والمقت في القرآن الكريم للمؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (سورة الصفّ: 2 ـ3).

المصدر

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 77.

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف: محمّد جاسم الساعدي\نشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.