مشروع وحدة القائد
مشروع وحدة القائد حلّ سياسي لتحقيق الوحدة الإسلامية. ولهذا المشروع أنصار أقوياء في الجمهورية الإسلامية، ويُستفاد من طيّات كلام الإمام الخميني والإمام الخامنئي وعدد من قادة الثورة تأكيدهم على هذا النمط من الوحدة الإسلامية.
الداعون لوحدة القيادة - وذلك من بين دعاة الوحدة الإسلامية الذين لديهم اتّصالات بطريقة أو بأُخرى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - ليسوا قلّة، وبعضهم من أعضاء المجلس الأعلى للمجمع، ويؤكّد العديد من المفكّرين الإسلاميّين - وذلك من أمثال الدكتور كليم صدّيقي رحمه الله رئيس مؤسّسة البحوث الإسلامية في لندن والأُستاذ إبراهيم زكزكي زعيم حزب الوحدة الإسلامية في نيجيريا والأُستاذ محمّد هادي آونك الزعيم الثوري الماليزي وغيرهم - وحدة القيادة الإسلامية، ويصرّون عليها في مقالاتهم أو الكلمات التي يلقونها في مؤتمرات الوحدة الإسلامية التي يقيمها المجمع العالمي للتقريب كلّ عام في أُسبوع الوحدة.
وهذا المشروع أكثر واقعية بملاحظة خصوصيات الأوضاع الحالية للعالم الإسلامي، كما أنّه أقرب إلى طبيعة السنن التي كانت تحكم العلاقات بين السنّة والشيعة في العصر الإسلامي الأوّل، أي: سنّة الإمامة وسنّة الخلافة. يضاف إلى ذلك أنّ التجربة الناجحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بيّنت بوضوح ملموس الآثار المباركة لوحدة القيادة في حلّ المشاكل الداخلية للدولة الإسلامية وسائر المجتمعات الإسلامية قدر الإمكان، حتّى أصبح نظام وحدة القيادة الثورية في إيران منار أمل للكثير من التيّارات والحركات الإسلامية، وأصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية «أُم القرىٰ» بالنسبة للعالم الإسلامي.
يضاف لذلك أنّ عناصر هذا المشروع متوفّرة في الواقع خلافاً للمشاريع الأُخرى، وغاية الأمر أنّ تنفيذه يحتاج إلى تحديد الخطط العملية لتوحيد القيادة الإسلامية للعالم الإسلامي وجميع الشعوب الإسلامية، وهو يشتمل على بعدين عامٍّ وتفصيلي، أو تحديد القضية الكبرىٰ والصغرىٰ، أي: أنّنا نقول تارةً: إنّ توحيد القيادة الإسلامية هو طريق الوحدة الإسلامية، وتارةً أُخرى نقول إضافة إلى هذا الحكم الكلّي العامّ: إنّ اتّباع قيادة إيران الإسلامية أفضل طريق للوحدة الإسلامية.
ويمكن تأييد القول الأوّل بدليلين، هما:
1 - إنّ هذا المشروع ينسجم مع أُصول كلا الفريقين؛ إذ تؤكّد كتبهما الكلامية وحدة الإمام والخليفة في كلّ عصر، فالشيعة الإمامية يؤمنون بأنّ الإمام معصوم ومنصوب من قبل اللّٰه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله ويعتبرون أنّ من ضروريات المذهب وجود إمام في كلّ عصر. أمّا الشيعة الزيدية فلا يؤمنون بوجوب العصمة فيه والنصّ عليه، ويشترطون فيه الشجاعة والعلم والعدالة والانتماء النسبي للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله والقيام بالسيف، وثمّة خلاف بينهم في جواز تعدّد الأئمّة في عصر واحد إذا توفّرت فيهم هذه الشروط، وكان للزيدية في بعض العصور أكثر من إمام واحد في الوقت نفسه. أمّا في مذهب الخوارج وخاصّة «الإباضية» فإنّ وحدة الإمام والقيادة عندهم أصل ثابت، وهم يؤمنون بنوعين من الأئمّة: الأوّل: إمام الدعوة، ويمكن أن يكون أكثر من واحد في العصر الواحد. أمّا الثاني فهو: إمام القيام، وهذا يجب أن يكون واحداً لا أكثر في كلّ عصر.
فوحدة القيادة أمر ثابت لدىٰ أغلب الفرق الإسلامية، وخاصّة في عهود الإسلام الأُولى، وهذه العقيدة مازالت راسخة في أذهان معظم الإسلاميّين الثوريّين.
2 - إنّ شرط نجاح كلّ نهضة سياسية هو وجود القيادة الموحّدة صاحبة الكلمة الفصل، وهذا هو سرّ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في حين أنّ تعدّد القيادات هو السبب الرئيسي لإخفاق الحركات الإسلامية في بلدان المسلمين الأُخرى.
أمّا القول الثاني فيمكن ترجيحه على النحو التالي: بعد انتصار الثورة الإسلامية في
إيران بقيادة الإمام الخميني قدس سره حدّدت في دستور الجمهورية الإسلامية شروط وضوابط خاصّة بانتخاب القائد، تنسجم تقريباً مع الشروط والضوابط التي تعتقد أغلب الفرق الإسلامية بلزوم توفّرها في الإمام أو الخليفة أو ولي الأمر، كما توخّيت الدقّة الكاملة في تحديد ضوابط طريقة انتخابه ومسؤولياته وصلاحياته. وممّا لا شكّ فيه أنّه لا يوجد في العالم الإسلامي لا في الماضي ولا في العصر الحاضر مثل هذه الأُصول القانونية المدوّنة بشأن ولي أمر المسلمين، خاصّة بعد إعادة النظر فيها وإصلاحها استناداً إلى معطيات تجربتها في الواقع العملي.
وبعبارة أُخرى: فإنّ نظام القيادة الإسلامية تمّ تطبيقه في إيران عمليّاً،
ولا نظير له في البدان الأُخرى، كما أنّ من المستبعد إيجاد مثل هذا النظام خاصّة مع ملاحظة الأوضاع السائدة فيها.
يضاف إلى ذلك أنّ الجميع شاهدوا خلال الأعوام الأخيرة أنّ إيران الإسلامية كانت من بين الدول القليلة التي التزمت الموقف الرسالي الإسلامي من قضايا العالم الإسلامي، وعرِّضت بسبب ذلك لمختلف الأخطار والهجمات المعادية، وهذه الظاهرة هي ثمرة لاستقلالها السياسي والثقافي وعدم ارتباطها بالقوىٰ الدولية السلطوية، في حين أنّ معظم حكومات البلدان الإسلامية ترتبط بصورة أو بأُخرى بهذه القوى، ولا تستطيع الوقوف بصلابة وصراحة بوجه أعداء الإسلام.
فمادام الآخرون لا يحظون بمثل هذه القيادة السياسية الدينية القوية والمخلصة والصريحة فإنّ عليهم كحدّ أدنى أن يقتدوا بقائد الثورة الإيرانية بشأن مواقفه من القضايا المهمّة التي ترتبط بالمسلمين كافّة ويدعموا مواقفه لكي يعلن بصراحة المواقف التي لا يستطيعون هم التصريح بها، فيتحدّث ويتحرّك عنهم جميعاً. وهذا يخفّف مسؤوليتهم وواجبهم، ويزيد من خطورة مسؤولية وواجبات قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الذي ينهض بهذه المسؤولية الجسيمة شريطة أن تقف إلى جانبه حكومات البلدان الإسلامية الأُخرى وتدعم مواقفه.
وواضح أنّ هذا الأمر لا يمسّ استقلال أيٍّ منها، فهي تحتفظ بحرّيتها واستقلالها في جميع شؤونها السياسية والاقتصادية والدينية والوطنية، دون أن يتدخّل أحد فيها، ولكن بحكم انتمائها الإسلامي عليها أن تقف في صفّ واحد: (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ) (سورة الصفّ: 4)، في ظلّ القيادة الإسلامية، وتدعمها عند اللزوم دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.