مردودات الاتحاد

من ویکي‌وحدت

مردودات الاتّحاد: هي الثمار المرجوّة من ظاهرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ومن الوحدة الإسلامية لدفع عجلة التقريب والوحدة إلى الأمام. وتتناول هذه المقالة هذا الموضوع الحيوي.

صورة تعبيرية

الاتّحاد لغةً واصطلاحاً

الاتّحاد لغةً هو صيرورة الشيئين شيئاً واحداً، أو اقتران شيء بشيء، أو الاتّفاق. ولا يختلف المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي في المقام. والاتّحاد: ما ينشأ بموجب اتّفاق بين عدد من الأشخاص أو الولايات أو الحكومات لغرض تنسيق المصالح بما يكفل المصالح الذاتية لكلّ طرف في ذلك الاتّحاد. وهو غاية وهدف من أهداف التقريب البارزة.

استهلال

إنّ اتّحاد الأمّة الإسلامية وتضامنها على أساس النظام الإسلامي العقائدي والأخلاقي يعيد لأبنائها العزّة بدينهم ومنهجه القويم، ويمكّنهم من بناء حياة أفضل، ويجعلهم يعيشون في ظلّه حياة مستقرّة بعيدين عن التقليد في جوٍّ يسوده الأمن والمحبّة والمساواة.

ومن ثمّ تستطيع الأُمّة الإسلامية أن تدافع عن كيانها، وتقضي على معوّقات اتّحادها وتضامنها، وتنمّي عوامل قوّتها؛ لتتمكّن من مواجهة التجمّعات الدولية المعادية للإسلام، وبناء حضارة متكاملة ترتبط الناس بخالق الكون. ولن تصلح هذه الأُمّة إلّا بما صلح به الأوّلون، ألا وهو العودة إلى حضيرة الدين.

ثمار الاتّحاد

من الأمور التي تنتج من ظاهرة الاتّحاد، والتي هي من ثمراتها:

1ـ الممانعة من الاضمحلال الداخلي.

منذ بداية البعثة النبوية ظهر الحقد والعداء ضدّ هذا الدين الجديد بأنماط مختلفة، فالمشركون لم يخفوا حقدهم وغضبهم نتيجة نسخ دينهم السالف، والاستهزاء به لما يحمل من أفكار خرافية، وإلّا لم تكن بينهم وبين صاحب الرسالة وأتباعه أيّة نزاعات شخصية من قبل، فكانوا على استعداد للمصالحة والاتّفاق بكلّ ما يرغب صاحب الدعوة الجديدة في ثروة أو مكانة اجتماعية شريطة التخلّي عن دعوته الجديدة ودينه. فسعى المشركون للإطاحة بهذا الدين العظيم والوقوف أمامه بكلّ ما أُوتوا من قوّة وثروات ومناصب، واستخدموا كلّ السبل المؤدّية إلى تحقيق غرضهم الواهي من التطميع والتهديد والتعذيب والحصار الاقتصادي والحرب النفسية والهجوم العسكري، ولكن لم يوفّقوا في ذلك.

فالحرب النفسية والداخلية تعتبر أسهل وأسرع طريق يوصل إلى الهدف، لكن القيادة الواعية للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعقد المؤاخاة بين المسلمين سدّت كلّ الطرق الممكنة الاستغلال بواسطة طغاة قريش لإيقاع العداء بين أبناء الأمّة الإسلامية، وآخت بين الأنصار والمهاجرين، والأسود والأبيض، والحرّ والعبد.

فسياسة زرع الفرقة بين المسلمين بأدنى شبهة وحيلة كانت متّبعة دائماً من قبل أعداء الإسلام.. لذا فقد كانوا يرصدون كلّ تحرّكات النبي (صلى الله عليه وآله) وعائلته وعلاقاته مع الآخرين وإعطائه المناصب وتقسيمه للغنائم وقرارات السلم والحرب، وكلّ حركة من الرسول (صلى الله عليه وآله) كانت مرصودة كي تستغلّ لصالح الأعداء وبثّ الفرقة بين المسلمين، وتحريك عواطفهم، وإعادة الخلافات القبلية القديمة من جديد.

فقد أنقذ النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) سفينة الإسلام من كلّ العواصف التي واجهتها، وقادها إلى ساحل النجاة بكلّ أمان، ودافع عن حكومته الإسلامية الفتية بكلّ حكمة ودراية أمام كلّ الأخطار حتّى في آخر لحظات حياته.

فهل من العقل أن يظنّ الإنسان أنّ بارتحال النبي (صلى الله عليه وآله) وسيّد الموحّدين ترحل كلّ المؤامرات والتهديدات ضدّ العالم الإسلامي، وأنّ الأعداء قد ندموا على ما فعلوا وتخلّوا عن عدائهم لصالح الإسلام، وتركوا المآذن ينطلق منها ذكر اسم الله ورسوله، واتّخذوا نهج الحوار الإيجابي نحو المسلمين؟! بل لا بدّ من معرفة أنّ يوم ارتحال الرسول (صلى الله عليه وآله) هو يوم استعادة الأعداء قواهم لزرع النفاق والفرقة في أوساط المجتمع الإسلامي، والإطاحة بهذه الحكومة الإسلامية الفتية.

لقد تصدّى الإمام علي (عليه السلام) إمام التقريب لكلّ المؤامرات التي دعت إلى سقوط ما بناه النبي (صلى الله عليه وآله) بصلابة وكياسة قلّ نظيرها.

إنّ خطر الإسلام على الاستكبار العالمي لا يقلّ عن خطر الإسلام في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) ضدّ المشركين. فالعالم الإسلامي بما يمتلك من الثروات ومصادر القوّة وعدد النفوس مهدّد من قبل القوى العظمى؛ لمعرفتهم بمنهجية الإسلام المعارضة للظلم والاضطهاد والداعية للعدل والوسطية. فالطريق الوحيد هو التماسك والوحدة واتّباع السبل المؤدّية إلى عدم النزاع والسقوط من الداخل، والتقريب يحقّق الهدف المنشود لمواجهة التفرقة ومؤامرات أعداء الإسلام القديمة والجديدة.

2ـ الحفاظ على كيان المسلمين.

مع أنّ عدد نفوس المسلمين يبلغ ربع العالم ويتجاوز المليار إنسان، لكنّهم مع الأسف غير قادرين على حماية فلسطين في مواجهة قلّة قليلة من الصهاينة، وهذا يدلّل على ضعف المسلمين نتيجة الاختلافات الواهية، وابتعادهم عن أُسس العزّة والعظمة، فهل استطاع المسلمون أن يرصدوا الطعن والردّ المتقابل على منابر المسلمين وفي كتبهم وبياناتهم؟! وكم أثمرت هذه الجهود لتحقيق عظمة الاسلام وشوكته؟! فهل توجد أوضح من هذه القضية بأنّ التفرّق والتشتّت وانفصال أعضاء الجمع الواحد يعطي الفرصة المناسبة للعدوّ لإسقاط شوكتهم والسيطرة على جمعهم؟ وهل من الجائز أن يتعاطف المسلمون مع أعدائهم في ضرب شوكة المسلمين، وتمزيق الجسد الواحد، وتفكيك المجتمع الإسلامي الموحّد؟!

إنّ التقريب يحافظ على عظمة المسلمين ووحدتهم، ويوجد الرهبة في القلوب المريضة التي تفكّر في التعرّض والعداء للإسلام. فالمجتمع الذي يحمل شعار الإسلام وعنوانه الذي يغطّي الفجوات لا يمكن للعدوّ أن يرسخ فيه ويشقّ الصفّ ويتّخذ من الانشقاق مأمناً لتوجيه ضرباته المتتالية.

3ـ بتر الأطماع.

لو تصفّحنا كتاب تاريخ الإسلام المليء بالحوادث لشاهدنا آثار أنياب الذئاب الضارية التي افترست جسد أتباع الدولة المحمّدية.. يقول الإمام الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء: «وقد عرف اليوم الأبكم والأصمّ من المسلمين أنّ لكلّ قطر من الأقطار الإسلامية حوتاً من حيتان الغرب وإفعى من أفاعي الاستعمار فاغراً فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه، أفلا يكفي هذا جامعاً للمسلمين ومؤجّجاً لنار الغيرة والحماس في عزائمهم؟! أفلا تكون شدّة هذه الآلام وآلام تلك الشدّة باعثة لهم على الاتّحاد وإماتة ما بينهم من الأضغان والأحقاد؟! وقد قيل: عند الشدائد تذهب الأحقاد».

فالوطن الإسلامي يزخر بالثروات الطبيعية المتنوّعة، وكان ـ ولازال ـ هدفاً لأطماع القوى المستعمرة. فالشرق الأوسط يحتوي على الكثير من مصادر الطاقة والمصادر الجوفية، وكثير من البقاع الأفريقية بما تحمل من ثروات طبيعية هي جزء من الجسد الإسلامي، وهناك الكثير من المسلمين في بلاد الغرب، فالوحدة هي العامل الأساس للوقوف أمام أطماع عصابات السطو الدولية المسلّحة التي تدخل البلاد الإسلامية باسم الدفاع عن الأمن وحقوق الإنسان، وتسلب المسلمين أمنهم وحقوقهم.

فالاتّحاد عنصر مهمّ ومؤثّر في فضح المؤامرات وإطفاء نارها وإبطال مفعولها. أليس من العجب انتصار المسلمين الأوائل بالعدد والعدّة القليلة على أكبر إمبراطوريتين آنذاك بما لهما من قدرات وإمكانات؟! واليوم تنتهك حرمات المسلمين وتغصب ثرواتهم وأراضيهم الواحدة تلو الأُخرى، وهم على عدد وعدّة كثيرة!

4ـ تحقّق هدف الرسالة المحمّدية.

ممّا لا ينبغي الشكّ فيه أنّ حبّ المسلمين لنبي الإسلام يفوق حبّهم لأولادهم وأعراضهم وكلّ شيء لديهم، فهو أبو الأُمّة ونبي الرحمة وصاحب الخلق العظيم. فالاختلاف في العائلة أو القبيلة الواحدة يؤذي كبيرها، ويلقي غبار الأسى على قلبه، أما حان وقت الاتّحاد والتكاتف لإفراح قلب رسول الرحمة، والذي سعى جاهداً لإعلاء كلمة الله وعزّ المجتمع الإسلامي؟! فالنبي (صلى الله عليه وآله) لا يرضى لنا العداوة والشقاق، فهما من عمل الشيطان:(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) (سورة المائدة: 91)، فالشيطان هو المنتصر عن طريق الشقاق والنفاق والنزاع والعداوة، والذي أمرنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) كراراً هو الاتّفاق: (واعْتَصِموا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقوا) (سورة آل عمران: 103)، (وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (سورة الأنفال: 46)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِمَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة آل عمران: 105).

فليس من الإنصاف أن نقابل بالاختلاف جهود النبي (صلى الله عليه وآله) على مدى 23 سنة خدمة للأُمّة وتوحيدها، بل العكس هو الصحيح، بأن نتجنّب الخلافات والنزاعات المقيتة، ونعيد البسمة لشفاه النبي، والاتّحاد هو أقلّ الواجب على كلّ مسلم في المجتمع الإسلامي. يقول الدكتور المصري محمّد الدسوقي: «الوحدة الإسلامية بحكم الفقه واجب شرعي، وليس مجرّد عمل ترغيبي تبرّعي، فهو عمل واجب على كلّ مسلم معتقد بوحدانية الله ونبوّة خاتم الأنبياء» .

المصدر

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح 1: 70.

موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح\تأليف : محمّد جاسم الساعدي\نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية-طهران\الطبعة الأولى-2010 م.