قول اللغوي

من ویکي‌وحدت

قول اللغوي: اللغوي هو عالم اللغة والمتضلّع فيها، ممّن يعتد برأيه في اللغة والنحو والصرف وما له شأن باللغة. والبحث هنا في حجية قول اللغوي، وذهب المشهور إلی عدم حجيته.

حكم قول اللغوي

ناقش الاُصوليون موضوع حجّيّة قول اللغوي وانقسموا إلى رأيين، أحدهما: حجّيّته، والآخر: عدم حجّيّته. ويبدو أنّ الأغلبية قائلة بعدم الحجّيّة.
وما نسب إلى المشهور من حجّيّة قوله ففي خصوص تشخيص أوضاع اللفظ ومعانيه واُمور من هذا القبيل، وليس تحديد الحقيقة أو المجاز من الألفاظ، الذي هو موضع نقاش الاُصوليين[١].
ومجمل الاستدلالات على حجّيّته والنقاشات التي الواردة على عدم حجّيّته والتي دارت حول هذا الموضوع عبارة عمّا يلي:

الاستدلات علی حجية قول اللغوي والمناقشة فيها

أ ـ سيرة و بناء العقلاء جرت على كون اللغوي من أهل الخبرة، وقد اتّفق العلماء والعقلاء على حجّيّة هذه السيرة عملياً، ولم يرد ردع عن الشريعة. وشأنه من هذه الناحية شأن أصحاب باقي الصناعات والفنون الذين يرجع إليهم في مجال تخصّصهم[٢].
ورُدّ هذا الدليل بعدّة ردود:
1 ـ كون اللغوي ليس من أهل الخبرة؛ لأنّ شأن أهل الخبرة حدس الاُمور ذات الصلة بخبرتهم فيما اللغوي يضبط موارد استعمال المفردات فقط، وهو أمر حسي لا حدسي[٣].
2 ـ كون قول اللغوي لا يفيد تحديد الحقيقة أو المجاز، فهو لا يعرف الحقيقة أو المجاز، بل يحدّد معاني المفردات لا كون المعنى حقيقة أو مجازاً [٤]، بل لم يدّع اللغوي كون هذا المعنى حقيقياً أو مجازياً، ولم يحدّد أحدهما بعلامة ما، وحال اللغوي من هذه الناحية حال أيٍّ منّا في أنّا نحتاج لتعيين أيٍّ منهما إلى العلامات أو القرائن القطعية مثل: صحّة السلب و الاطّراد[٥]، لكن قد تستثنى بعض الكتب التي حدّدت الحقيقي والمجازي من المعاني[٦]. وقد أورد على هذا البعض بإمكانية الرجوع إلى اللغوي لتحديد الاستعمال، ويرجع إلى أصالة عدم القرينة ليحرز كون المستعمل فيه حقيقياً.
وردّ بأنّ أصالة عدم القرينة حجّة فيما إذا أحرز المعنى وشكّ في المراد لا فيما أحرز المراد وشكّ في المعنى، كما هو الحال في المقام[٧].
3 ـ إنّ المتيقّن من حجّيّة أقوال أهل الخبرة هو فيما إذا اجتمعت فيها شرائط الشهادة من العدد والعدالة لا مطلقاً.
4 ـ هناك مانع من استكشاف إمضاء الشارع لهذه السيرة؛ باعتبار عدم اتّحاد مسلك الشارع مع هذه السيرة، فإنّه ليس بحاجة إلى أهل الخبرة، وهو غير متّحد المسلك مع العقلاء في هذا المجال.
5 ـ لم يعلم ثبوت سيرة رجوع العقلاء إلى أقوال اللغويين في خصوص الاُمور الشرعية.
6 ـ أقصى ما يفيد قول اللغوي هو الظن، ولم يرد دليل خاصّ قطعي على حجّيّة هكذا ظنّ، مع أنّ الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ عموماً كافيه في الردع عنه[٨].
ويستثنى من ذلك فيما إذا أفاد قوله الاطمئنان، فإنّه لا إشكال في حجّيّته كما يظهر ذلك من كلمات العلماء[٩].
وهناك مناقشات اُخرى كذلك وردت في هذا المضمار[١٠].
ب ـ ادّعاء أو حكاية إجماع الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً على الرجوع إلى كتب اللغويين لتحديد معاني الألفاظ وقطع النقاش فيها والاحتجاج بها [١١]. ونوقش في هذا باُمور:
1 ـ يصعب تحصيل هذا الإجماع العملي بالنسبة إلى جميع الفقهاء مع أنّ المسألة مستحدثة، والكثير لم يتعرّض‏لها [١٢].
2 ـ إنّما الإجماع حجّة لكشفه عن رأي المعصوم، وكاشفيته خاصّة بالاُمور الشرعية، ولا يكون حجّة فيما يخصّ الشؤون اللغوية، فإنّ المورد لغوي، وليس على المعصوم بيانه ليكون الإجماع كاشفاً عنه.
3 ـ الإجماع الحجّة، هو المنعقد زمن المعصوم أو أنّه ثابت في ذلك الزمن، وهذا الشرط منتفٍ هنا؛ لأنّ العمل بقول أهل اللغة حادثاً ومتأخّراً عن زمن المعصومين. على أنّ هذه المناقشة لا تخلو من مناقشة كذلك[١٣].
4 ـ قد يكون ذلك من جهة المسامحة فيما إذا لم يكن متعلّقاً بما له أثر شرعي أو من جهة حصول الاطمئنان من قول اللغويين في بعض الأحيان لا من باب حجّيّة قولهم[١٤].
ج ـ حجّيّة قول اللغوي من باب حصول انسداد صغير، أي برغم أنّ كلامه أقصى ما يفيد هو الظنّ، لكن الظن هنا حجّة باعتبار انسداد باب العلم وعدم إمكانية حصول العلم هنا. وردّ هذا بما يلي: انسداد باب العلم في بعض الموضوعات التي يتوقّف عليها العلم بـ الحکم لا يوجب حجّيّة الظنّ المطلق ما لم يرجع إلى انسداد باب العلم بمعظم الأحكام، بحيث يلزم من إعمال الاُصول النافية أو الرجوع إلى الاحتياط محذور الخروج من الدين أو العسر والحرج الشديد، واستلزامه لذلك محلّ نظر، بل منع لانفتاح باب العلم بمعظم الألفاظ المستعملة في الكتاب و السنة ولو بمعونة القرائن الخارجية[١٥]. ونقاشات اُخرى[١٦].
د ـ حجّيّته من باب حجّيّة خبر الواحد؛ باعتبار أنّ قول اللغوي من مصاديق خبر الواحد. وأورد عليه: أنّه على فرض شمول أدلّة حجّيّة خبر الواحد للموضوعات وعدم اختصاصها بالأحكام مقيّدة إطلاقها برواية مسعدة بن صدقة «الأشياء كلّها على ذلك حتّى تستبين أو تقوم بها البيّنة» فيشترط في قبول الخبر البينة، أي العدالة والتعدّد[١٧].
كما أنّ غاية ما يثبته خبر اللغوي هو ثبوت الاستعمال، وهو أعمّ من الحقيقة، وإن أخبر عن كون اللفظ موضوعاً لمعنى خاصّ، فالإخبار يكون عندئذٍ حدسياً، ولا دليل على حجّيّة خبر الواحد في الاُمور الحدسية[١٨].
هـ ـ حكم العقل، وذلك من باب حكمه بلزوم رجوع الجاهل إلى العالم، وحكم العقل يستدعي حكم الشرع كذلك، فهي من الآراء المحمودة والمتطابق عليها.
واعتبر الشيخ المظفر هذا الوجه أقرب الوجوه لإثبات حجّيّة قول اللغوي، ولا يوجد ما يقدح به، وهو نفسه الذي استدعى لزوم تقليد العامي المجتهد، إلاّ أنّ الفرق بين الموردين هو عدم وجود دليل على اشتراط العدالة في قول اللغوي بينما يوجد دليل على اشتراطها في المجتهد[١٩].

المصادر

  1. . كفاية الاُصول: 286، أجود التقريرات 3: 163، زبدة الاُصول الروحاني 3: 109.
  2. . فرائد الاُصول 1: 174، وقاية الأذهان: 508 و 510.
  3. . منتقى الاُصول 4: 231.
  4. . فرائد الاُصول 1: 174 ـ 175، كفاية الاُصول: 287، درر الفرائد 2: 368، نهاية الأفكار البروجردي 3: 95 ـ 96، حقائق الاُصول 2: 94 ـ 98.
  5. . وسيلة الوصول السبزواري: 488، أنوار الهداية 1: 250.
  6. . اُنظر: اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 147.
  7. . زبدة الاُصول الروحاني 3: 111.
  8. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 148 ـ 149.
  9. . تحريرات في الاُصول 6: 345.
  10. . منتهى الاُصول 2: 84 ـ 85، زبدة الاُصول الروحاني 3: 110.
  11. . مفاتيح الاُصول: 61، اُنظر: الذريعة 1: 13.
  12. . تحريرات في الاُصول 6: 346 ـ 347، اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 147.
  13. . تعليقة على معالم الاُصول 2: 23 ـ 24، وقاية الأذهان: 509 ـ 511.
  14. . منتهى الاُصول 2: 84.
  15. . نهاية الأفكار البروجردي 3: 95 ـ 96، فوائد الاُصول 3: 143 ـ 144، مصباح الاُصول 2: 132 ـ 133.
  16. . منتهى الاُصول 2 : 85 ـ 86 ، زبدة الاُصول الروحاني 3 : 111 ـ 112.
  17. . منتهى الاُصول 2: 84 ـ 85.
  18. . زبدة الاُصول الروحاني 3: 111.
  19. . اُصول الفقه المظفر 3 ـ 4: 150.