شرائط البيع

من ویکي‌وحدت

شرائط البيع: والبيع مبادلة مال بمال علی وجه الإضافة أو الملكية، والدليل علی مشروعيته العمومات القرآنية کـ: «أحلّ الله البيع» و «أوفوا بالعقود» و «تجارة عن تراض». وأما شروط البيع فذُکرت بعضها تحت عنوان البيع، وبعضها الآخر سنذکرها في هذا المقال تطبیقاً علی فقه الإمامية و الشافعية و الحنفية.

شرائط البيع

إعلم أنّ مِن حكم البيع وجوبَ تسليم المعقود عليه في الحال إذا لم يشترط التأجيل بلا خلاف، فإن تشاحا وقال كل واحد منهما: لا أسلم حتى تسلم، فعلى الحاكم إجبار البايع على تسليم المبيع أولا، لأن الثمن إنما يستحق على المبيع، فوجب الإجبار على تسليمه، ليستحق الثمن[١]، ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن بعد ذلك بعد أن يحضر المبيع والثمن. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها يجبر البايع، والثاني يجبر كل واحد منهما، وهو الصحيح عندهم، والثالث: لا يجبر واحد منهما. وقال أبو حنيفة و مالك: يجبر المشتري على تسليم الثمن. [٢]
فإن امتنع البايع من التسليم فهلاكه من ماله على كل حال، ويبطل العقد لتعذر تسليمه[٣]، وفاقا لهما وقال مالك لا يبطل. [٤] وإن كان قبضه المشتري فهلاكه من ماله دون مال البائع، سواء كان قبضه أو رضي بتركه في يد البايع. والقبض فيما لا يمكن نقله كالأرضين التخلية ورفع الحظر، وكذا حكم ما يمكن فيه مما اتصل بها من الشجر والثمرة المتصلة به. [٥] وللشافعي فيه قولان أحدهما ما قلناه وهو قوله الجديد والثاني: وهو أن القبض فيها النقل مقل ما يكون على وجه الأرض وهو قوله القديم. لنا أن العادة في الشجرة أنها لا تنقل ولا تحول والثمرة ما دامت متصلة بها كانت بمنزلتها فيكون القبض فيها التخلية. [٦]
ويكره بيع المرابحة بالنسية إلى الثمن كقوله ثمن هذه السلعة كذا وقد بعتكها برأس مالي وربح درهم في كل عشرة والأولى تعليق الربح بعين المبيع. [٧] وقال أبو حنيفة و الشافعي و مالك: أنه غير مكروه، والبيع صحيح طلق وقال أحمد بيع المرابحة باطل. [٨]
ومن ابتاع شيئا بثمن مؤجل لم يجز أن يبيعه مرابحة حتى يخبر بذلك، فإن باع ولم يخبر بالأجل صح البيع بلا خلاف، إلا أن المشتري إذا علم ذلك كان بالخيار بين أن يدفع الثمن حالا وبين أن يرد المبيع بالعيب، لأن ذلك تدليس[٩]، وبه قال أصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة: يلزم البيع بما تعاقدا عليه، ويكون الثمن حالا لأنه صدق فيما أخبر في الثمن. [١٠]
ومن قال لغيره: هذه السلعة علي بمئة، بعتكها بربح درهم في كل عشرة فقال: اشتريتها، ثم قال: غلطت اشتريتها بتسعين، فالبيع صحيح، لأنه لا دليل على فساده، والمشتري بالخيار بين أن يأخذها بمأة وعشرة، لأن العقد على ذلك وقع، وبين أن يردها، لأن ما علمه من النقصان عيب، له ردها به إن شاء [١١] وافقنا في هذه المسألة أبو حنيفة والشافعي في صحة البيع، وقال مالك: البيع باطل، وبما قلناه في اختيار المشتري بين الأخذ بمئة وعشرة وبين ردها قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقوله الثاني أنه يلزمه تسعة وتسعون درهما وبه قال أبو يوسف، وقال الشيخ: وهو قوي لأنه باع مرابحة. [١٢]
ومن حط له من الثمن شيئا بعد لزوم العقد وأراد بيعه مرابحة لم يلزمه حطه، بل يخبر بما وقع العقد عليه، لأن الثمن قد استقر[١٣] بالعقد وكان الحط هبة للمشتري وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يلحق ذلك بالعقد ويكون الثمن ما بعد العقد. لنا أن الحط بعد لزوم العقد ومن ادعى أنه يلحق بالعقد فعليه الدليل. [١٤]
وهكذا إذا أراد أن يحسب أجرة القصارة مثلا أو الطراز فقال: صار علي بكذا أو جاء علي، ولم يقل: اشتريت[١٥] ولا خلاف فيه.
ومن باع بشرط حكم البايع أو المشتري في الثمن، فالبيع فاسد، لما قدمناه من الجهالة بالثمن، فإن تراضيا بإنفاذه فحكم المشتري بالقيمة فما فوقها، أو حكم البايع بالقيمة فما دونها، مضى ما حكما به، وإن حكم البايع بأكثر والمشتري بأقل لم يمض. وقد قدمنا أيضا أن تعليق المبيع بأجلين وثمنين كقوله: بعت إلى مدة كذا بكذا، وإلي ما زاد عليها بكذا، يفسده فإن تراضيا بإنفاذه كان للبايع أقل الثمنين في أبعد الأجلين. وقد قدمنا أيضا أن من جمع في صفقة واحدة بين شيئين يصح بيع أحدهما دون الآخر، نفذ البيع فيما يصح فيه، وبطل فيما لا ينفذ، وإذا ثبت ذلك فالمشتري بالخيار بين أن يرد الجميع أو يمسك ما يصح فيه البيع بما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه، لأن جميع الثمن إنما كان في مقابلتهما، ويتقسط عليهما معا، فإذا بطل بيع أحدهما سقط من الثمن بحسابه ومن أوجب الجميع فعليه الدليل، ولا خيار للبايع على المشتري، في ذلك لأن البيع ثبت من جهته، فمن جوز له الخيار فعليه الدليل. [١٦]
وقد وافق الشافعي في بطلان ما لا ينفذ فيه البيع وهل يبطل في الآخر ؟ فعلى قولين: أصحهما عندهم أن البيع يصح وقال، أبو حنيفة: إن كان أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا في حكم المال بطل في المال، وإن كان أحدهما مالا والآخر في حكم المال صح في المال، وإن كان أحدهما مالا والآخر مال غيره نفذ في ماله وكان في مال الغير موقوفا، وقال مالك بطل فيهما. [١٧]
وإذا اختار المشتري إمساكه بكل الثمن فلا خيار للبايع وإذا اختار بما يخصه من الثمن فلا خيار له أيضا لما قلناه، وللشافعي فيه وجهان. [١٨] وإذا اشترى سلعتين بثمن واحد لا يجوز أن يبيع أحدهما مرابحة، ويقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما وفاقا لأبي حنيفة فيهما وأجاز في النقدين، وقال الشافعي يجوز في الكل. [١٩]
ولا يدخل في بيع الشجر ما عليه من الثمرة إلا بـ الشرط، وكذا حكم الزرع مع الأرض، والحمل مع الحيوان، وما يصاحبه من أداة أو دثار ومال يكون مع العبد والأمة. [٢٠]
والنخل إذا كانت مؤبرة، فثمرتها للبايع إلا أن يشترط المشتري وإذا لم تكن مؤبرة فللمشتري إلا أن يشترط البايع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: للبايع سواء أبرها أو لم يؤبرها. [٢١] وكذا إذا باع أرضا وفيها زرع فالزرع للبايع، ويلزم المشتري تبقيته في الأرض إلى وقت الحصاد وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه نقله وتفريغ الأرض. لنا قوله ( عليه السلام ): لا ضرر ولا إضرار[٢٢] وفي نقله إضرار للبايع فيكون منفيا. وكذا إذا باع حيوانا حاملا، فالحمل للبايع خلافا لأبي حنيفة فإنه قال للمشتري. [٢٣]
وكذا إذا باع عبدا وله مال فالمال للبايع لقوله ( عليه السلام ): من باع عبدا وله مال فماله للبايع وإذا ملك السيد للعبد شيئا، ملك التصرف فيه، ولا يملكه. وبه قال الشافعي في الجديد وأكثر أهل العراق وقال في القديم: يملكه. لنا قوله تعالى: { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ } [٢٤] وقوله: { هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم } [٢٥] فنفى عنه القدرة في الآية الأولى عموما إلا ما أخرجه الدليل، ونفى في الآية الأخرى أن يشاركه أحد في ملكه، وجعل الأصل العبد مع مولاه، فقال: إذا لم يشارك عبد أحدكم مولاه في ملكه متساويا، فكذلك لا يشاركني في ملكي أحد فيساويني فيه فثبت أن العبد لا يملك أبدا.
واستدل من قال أنه يملك بما رواه سالم[٢٦] عن أبيه أن النبي ( عليه السلام ) قال: من باع عبدا وله مال، فماله للبايع إلا أن يشترط المبتاع، وبقوله تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } [٢٧] فبين أنه يغنيهم بعد فقر، فلو لم يملك العبد لما تصور فيه الغنى.
والجواب عن الآية أن معناه يغنيهم بالعتق والجواب عن الخبر أن إضافة المال إلى العبد إضافة محل، لا إضافة ملك، أو إضافة جواز التصرف فيه لأنا نجيز ذلك بدلالة أنه أضاف المال إلى العبد بعد البيع، فقال: من باع عبدا وله مال. وأيضا فإنه قال: فماله للبايع، ولا يجوز أن يكون هذا المال لكل واحد منهما، فثبت أنه أضاف إلى العبد مجازا لا حقيقة. [٢٨]
ومن قال: بعت هذه الأرض بحقوقها، دخل فيها الشجر[٢٩] والبناء وغيرهما وإذا لم يقل بحقوقها لم يدخل خلافا للحنفية في البداية قال: دخل ما فيها من الشجر وإن لم يسمه[٣٠]، وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: يدخل في البيع لا في الرهن إلا إذا قال: بحقوقها والثاني: قال بعض أصحابه: لا فرق بين البيع والرهن، لا يدخل إلا أن يقول بحقوقها ومنهم من قال: لا يدخلان في الرهن، ويدخلان في البيع بمطلق العقد.
لنا أنه إذا أطلق البيع، فإنه يتناول الأرض دون البناء والشجر،[٣١] فإن قال: بعت هذه الدار بحقوقها، دخل في ذلك كل شئ ثابت بثبوت البناء كالشجر، والرفوف، والأوتاد، والأغلاق المنصوبة، والفرد التحتاني من الرحى المبنية بلا خلاف، وعندنا الرحى الفوقاني والمفتاح أيضا لأنهما من حقوقها المنتفع بهما وللشافعي فيه وجهان. [٣٢]
ومن اشترى من يحرم عليه مناكحته من ذوي نسبه، عتق عليه عقيب العقد. وإذا اختلف المتبايعان في جنس المبيع أو في عينه وفقدت البينة، لزم كل واحد منهما أن يحلف على ما أنكره، لأنه مدعي عليه، ويحلف البايع أنه لم يبع ما ادعاه المشتري، ويحلف المشتري أنه لم يشتر ما ادعاه البايع.
فإن اختلف في مقدار المبيع، فالقول قول البايع مع يمينه، لأنه المنكر، وإن اختلفا في مقدار الثمن، فالقول قول المشتري مع يمينه، ويعتبر أصحابنا هاهنا أن تكون السلعة تالفة، فإن كانت سالمة، فالقول عندهم قول البايع مع يمينه. [٣٣]
وقال الشافعي: يتحالفان وينفسخ البيع بينهما سواء كانت السلعة سالمة أو تالفة، وإنما يتصور الخلاف إذا هلكت في يد المشتري، وأما إذا هلكت في يد البايع بطل البيع بلا خلاف.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة تحالفا، وإن كانت تالفة فالقول قول المشتري لأنه غارم. [٣٤]
وإذا اختلفا في شرط يلحق بالعقد يختلف لأجله الثمن مثل أن قال: بعتك نقدا، فقال: بل إلى سنة، أو اختلفا في أصل الأجل أو في قدره أو في أصل الخيار أو في قدره وكذا في العين أو في ضمان العهدة، وهو أن يضمن عن البايع الثمن، فمتى وقع الاختلاف في شئ من هذا، فالقول قول البايع مع يمينه بدلالة عموم الأخبار الواردة في أنه متى اختلف المتبايعان فالقول قول البايع والمبتاع بالخيار وهو على عمومه في كل شئ.
وقال الشافعي: يتحالفان.
وقال أبو حنيفة: لا يتحالفان. والقول قول من ينفي الشرط [٣٥] فإذا اختلفا في شرط يفسد البيع، مثل أن يقول بعتك بدنانير فقال بل اشتريته بخمر أو خنزير فالقول قول من يدعي الصحة، وفاقا للشافعي، وقال ابن أبي هريرة من أصحابه: فيه وجهان. لنا أن الأصل في العقد الصحة، ومن ادعى الفساد فعليه الدليل. [٣٦]
ولا يجوز الاحتكار في الأقوات مع الحاجة الظاهرة ولا يجوز إكراه الناس على سعر مخصوص. [٣٧] ولا احتكار فيما سوى الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن وحده ثلاثة إيام في الضيق وأربعون في الرخص، في البداية: يكره الاحتكار في أقوات الآدمين والبهائم، إذا كان ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله. [٣٨]

الهوامش

  1. الغنية ص 229.
  2. الخلاف: 3 / 134 مسألة 223.
  3. الغنية 229.
  4. المغني لابن قدامة: 4 / 270، والسراج الوهاج: 194، انظر المصادر في الخلاف: 3 / 151 مسألة 240.
  5. الغنية 229.
  6. الخلاف: 3 / 93 مسألة 151.
  7. الغنية ص 229 .
  8. الخلاف : 3 / 134 مسألة 223 .
  9. الغنية 229 .
  10. الخلاف : 3 / 135 مسألة 224 .
  11. الغنية 229 - 230 .
  12. الخلاف : 3 / 137 مسألة 226 .
  13. الغنية 230 .
  14. الخلاف: 3 / 138 مسألة 228.
  15. الغنية ص 230.
  16. الغنية 230.
  17. الخلاف: 3 / 144 مسألة 232.
  18. الخلاف: 3 / 146 مسألة 235.
  19. الخلاف: 3 / 144 مسألة 231.
  20. الغنية 231.
  21. الخلاف: 3 / 78 مسألة 129.
  22. الخلاف: 3 / 83 مسألة 136.
  23. أنظر السراج الوهاج: 189.
  24. النحل: 75.
  25. الروم: 28.
  26. بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عمرو، ويقال أبو عبد الله، أحد فقهاء المدينة روى عن أبيه وغيره وروى عنه الزهري ونافع توفي سنة ( 106 ) وفيات الأعيان: 2 / 349 رقم 252.
  27. النور: 32.
  28. الخلاف: 3 / 121 مسألة 207.
  29. الغنية 231.
  30. الهداية في شرح البداية: 3 / 26.
  31. الخلاف: 3 / 81 مسألة 132.
  32. الخلاف: 3 / 82 مسألة 133.
  33. الغنية 231.
  34. الخلاف: 3 / 147 مسألة 236.
  35. الخلاف: 3 / 149 مسألة 237.
  36. الخلاف: 3 / 150 مسألة 238.
  37. الغنية 231.
  38. الهداية في شرح البداية: 4 / 377.