حسن الترابي

من ویکي‌وحدت
حسن عبد اللَّه الترابي
الاسم حسن الترابي‏
الاسم الکامل حسن عبد اللَّه الترابي
تاريخ الولادة 1351ه/1932م
محل الولادة الإقليم الشرقي/السودان
تاريخ الوفاة 1437ه/2016م
المهنة زعيم سياسي وديني سوداني، وداعية وحدة وإصلاح.
الأساتید
الآثار له كتاب في تفسير القرآن، وكتاب في أُصول الفقه، وكتب كثيرة أُخرى في مجالات الإصلاح الإسلامي والسياسة منها: قضايا الوحدة والحرّية (عام 1980 م)، تجديد أُصول الفقه (عام 1981 م)، تجديد الفكر الإسلامي (عام 1982 م)، الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة (عام 1982 م)، تجديد الدين (عام 1984 م)، منهجية التشريع (عام 1987 م)، المصطلحات السياسية في الإسلام (عام 2000 م)، الدين والفنّ، المرأة بين تعاليم الدين‏ وتقاليد المجتمع، السياسة والحكم، التفسير التوحّدي، عبرة المسير لاثني عشر السنين، الصلاة عماد الدين، الإيمان وأثره في الحياة، الحركة الإسلامية: التطوّر والنهج والكسب، قضايا التجديد... نحو منهج أُصولي.
المذهب سنی

حسن عبد اللَّه الترابي: زعيم سياسي وديني سوداني، وداعية وحدة وإصلاح.
ولد في كسلا بالإقليم الشرقي في السودان بتاريخ 1/ فبراير/ 1932 م، وكان والده قاضياً وخبيراً في قانون الشريعة. ويعدّ الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق للسودان من أقربائه.
درس الترابي الحقوق في جامعة الخرطوم منذ عام 1951 م حتّى 1955، وحصل على الماجستير من جامعة لندن عام 1957 م، ودكتوراة الدولة في القانون المقارن من السوربون عام 1964 م. ويتقن الترابي أربع لغات بفصاحة، وهي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية.
كان الترابي أُستاذاً في جامعة الخرطوم، ثمّ عيّن عميداً لكلّية الحقوق بها، ثمّ عيّن وزيراً للعدل في السودان. وفي عام 1988 م عيّن وزيراً للخارجية. كما اختير رئيساً للبرلمان السوداني عام 1996 م.
بعدما تخرّج عاد إلى السودان، وأصبح أحد أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وهي تمثّل أوّل حزب أسّسته الحركة الإسلامية السودانية والتي تحمل فكر الإخوان المسلمين.
بعد خمس سنوات أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية دور سياسي أكثر أهمّية، فتقلّد الترابي الأمانة العامّة بها عام 1964 م.
عمل الترابي في ظرف سياسي اللاعب الأساسي فيه طائفتا الأنصار والختمية ذاتا الخلفية الصوفية واللتان تدعمان حزبي الأُمّة والاتّحادي ذوي الفكر العلماني. بقيت جبهة الميثاق الإسلامية حتّى عام 1969 م حينما قام جعفر النميري بانقلاب، وتمّ اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبع سنوات في السجن، وأُطلق سراحه بعد مصالحة الحركة الإسلامية السودانية مع النميري عام 1977 م.
وقد أعلنت حكومة النميري فرض قوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983 م، وانقلبت بعدها على جبهة الميثاق الإسلامية حليفتها في السلطة، وعارض الشعب هذا الأمر بواسطة الإجراءات القانونية مثل حلّ البرلمان السوداني، وبواسطة المظاهرات، ممّا
أدّى إلى ثورة شعبية ضدّ النميري في عام 1985 م. أسّس الترابي بعد عام الجبهة الإسلامية القومية، كما ترشّح للبرلمان، ولكنّه لم يفز. في يونيو عام 1989 م أقام حزب الترابي انقلاباً عسكرياً ضدّ حكومة المهدي المنتخبة ديمقراطياً، وعيّن عمر حسن البشير رئيساً لحكومة السودان.
في عام 1991 م أسّس الترابي المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي يضمّ ممثّلين من 45 دولة عربية وإسلامية، كما انتخب الأمين العامّ لهذا المؤتمر. وقف الترابي ضدّ التدخّل الأجنبي في المنطقة بحجّة تحرير الكويت إبّان الغزو العراقي عام 1990 م ممّا أدّى إلى تدهور علاقاته مع الغرب وبعض الدول العربية. اختلف مع حكومة الإنقاذ حول قضايا، أهمّها الفساد، والشورى، والحرّيات... وحلّ البشير البرلمان في أواخر عام 1999 م، وبعدها أصبح الترابي أشهر معارض للحكومة. شكّل مع عضوية حزبه المؤتمر الشعبي في 31/ يونيو/ 2001 م، وحوى معظم قيادات ورموز ثورة الإنقاذ الوطني ومسؤولين كبار في الحكومة تخلّوا عن مناصبهم.
اعتقل في 2001 م لتوقيع حزبه مذكّرة تفاهم مع الحركة الشعبية، ثمّ اعتقل مرّة أُخرى في مارس 2004 م بتهمة تنسيق حزبه لمحاولة قلب السلطة، وأخيراً اعتقل عام 2010 م.
يعدّ الترابي من أشهر قادة الإسلاميّين في العالم، ومن أشهر المجتهدين على صعيد الفكر الإسلامي المعاصر، له كتاب في تفسير القرآن، وكتاب في أُصول الفقه، وكتب كثيرة أُخرى في مجالات الإصلاح الإسلامي والسياسة، وله العديد من الرؤى الفقهية المتميّزة والمثيرة للجدل، وله دور فعّال في ترسيخ قانون الشريعة الإسلامية في الجزء الشمالي للسودان.
من مؤلّفاته: قضايا الوحدة والحرّية (عام 1980 م)، تجديد أُصول الفقه (عام 1981 م)، تجديد الفكر الإسلامي (عام 1982 م)، الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة (عام 1982 م)، تجديد الدين (عام 1984 م)، منهجية التشريع (عام 1987 م)، المصطلحات السياسية في الإسلام (عام 2000 م)، الدين والفنّ، المرأة بين تعاليم الدين‏
وتقاليد المجتمع، السياسة والحكم، التفسير التوحّدي، عبرة المسير لاثني عشر السنين، الصلاة عماد الدين، الإيمان وأثره في الحياة، الحركة الإسلامية: التطوّر والنهج والكسب، قضايا التجديد... نحو منهج أُصولي.
وقد عدّه السيّد هادي الخسروشاهي- وذلك في ورقة بعثها لكاتب السطور- من أعلام التقريب بين المذاهب الإسلامية.
ويرى الدكتور الترابي أنّ هناك أربع علل رئيسية تعدّ جذوراً للتطرّف والجمود الديني، وهي:
1- الانقطاع عن الأُصول الشرعية في الكتاب والسنّة، والرضا والاقتناع بكلّ ما هو قديم من تقليد التطبيق العملي للسلف.
2- العكوف على «الفروعية» كأحكام الطهارة والوضوء وتعداد فرائض الصلاة ومندوباتها ومكروهاتها وأحكام البيع والشراء وآداب الراعي والرعية، وفي نفس الوقت التزام الصمت المطبق إزاء النظام السياسي والاقتصادي الإسلامي.
3- الخلل في ترتيب الأولويات، فهذه النظرة أفقدت العالم الإسلامي أولويات الإسلام، فما دامت الأُمور كلّها فروعاً فهو لا يعلم أيّ الفروع أهمّ من غيره.
4- الشكلية التي تعدّ من الآفات التي أبعدت الإنسان المسلم بعض الشي‏ء عن أُصول دينه، فالألفاظ أُخذ الاهتمام بها وكأنّها ذات معنى خطير في الإسلام، وهكذا بالنسبة إلى وضع اليدين في الصلاة وقيام الإصبع عند قراءة التشهّد وغير ذلك من الشكليات.
وقد تناول الدكتور حسن الترابي العلاقة بين التجديد في الكون والتجديد في نمط التديّن، فأشار إلى أنّ الكون مذ خلقه اللَّه تعالى ما فتئ يتحوّل ويتغيّر ويتجدّد، فالحيوان والنبات يولد ثمّ ينمو ويموت، فينتشي من بقيتها مولودات أُخرى، والوجود الكوني كلّه حادثات تزول وتتحوّل. فالتجديد لا يعني فناء القديم بجوهره، بل تدخّل مادّته وصيرورتها في شكل ووعاء جديد. والتديّن هو محاولة لعبادة اللَّه من خلال التفاعل مع الحادثات، فلا بدّ للمتديّن إذن حتّى يثبت مع المعنى الديني الأزلي (معنى عبادة اللَّه) أن‏
يتقلّب مع تلك الحادثات، وأن يتطوّر حتّى يضمن دائماً استقامة على القبلة والوجهة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، ليكون على صراط مستقيم، مهما تقلّبت به صروف الدهر وأحواله. أمّا إذا ثبت المرء على حالة واحدة من التديّن فإنّ الدهر بتقلّبه سيجرفه أو يقطعه عن وجه اللَّه من حيث يحسب هو ويتوهّم أنّه ثابت على التوجّه القديم.
وذلك هو مغزى الطبيعة الابتلائية في الحياة الدنيا، فاللَّه قد شاء أن يبتلينا بالتفاعل مع الكون، وقد كان للَّه‏لو شاء أن يبقينا في مسرح الجنّة نعبده على وجه واحد مطلق، ولكنّه أنزلنا إلى الأرض وحياتها الدنيا وابتلانا بمختلف صروفها وظروفها، يمتحننا أحياناً على الصعيد الاجتماعي بالرخاء، ولكنّه لا يديم علينا رخاءه، وإنّما يسلمنا إلى الشدّة أحياناً أُخرى؛ لينظر كيف نعمل في كلّ حال، وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ‏ (سورة الأنبياء: 35)، ويمتحننا اللَّه على الصعيد الحضاري بتحدّ يرد علينا من الخارج عدواناً وغزواً، كما يمتحننا بتحدّ يقع علينا من الداخل مرضاً وانخذالًا في وحدتنا أو نهضتنا.
إنّ الجمود والتمسّك الحرفي بالقديم، واستعادته بصورته ومحتواه بتمامه، يعني محاولة قسرية للعودة بالزمان إلى الوراء، فإنّه مهما جمد الفكر فإنّ الحياة لا تتوقّف، بل تجتاح الحياة أطوار وأحوال مختلفة بمرور الزمان، فكيف يفي الفكر الذي أفرزته أطوار ماضية بمتطلّبات الأيّام المتغيّرة؟! إذن ينبغي عدم الخلط بين العناصر الثابتة والمتغيّرة في الدين؛ كيما نضمن استمرار رسالة الدين وخلودها.
ويثير الدكتور حسن الترابي مجموعة اعتراضات طالما تردّدت بين بعض الذين يريدون استعادة الماضي كما هو، منها: أنّ الدين من حيث تعلّقه باللَّه القديم الباقي لا يخضع في شي‏ء لأحوال الزمن وأطواره، ولا نتصوّر فيه مفارقة بين قديم وجديد ممّا نعالجه بالتجديد، في حين ردّد الدهريّون أنّ الدين بل الوجود كلّه متقادم بائد.
ثمّ يجيب الشيخ الترابي على مثل هذه الاعتراضات ببيان العناصر الثابتة والعناصر المتحرّكة في الدين، وكيف أنّ الدين مثلما استطاع أن يوحّد بين الدنيا والآخرة وحظّ
الأزلي والقدر الزمني، يعالجها الدين عبر التزام التكليف الشرعي بمجاهدة تلك المفارقة حيثما طرأت ومحاولة تحقيق التوحيد في كلّ حال، ومن ثمّ يوصل الدين بين الأزل والزمن أو ما بين الثابت والمتحوّل.
أمّا كيف يوصل الدين بين الثابت والمتحوّل، فإنّه مادام الدين من حيث هو خطاب للإنسان ثمّ كسب منه واقعاً في الإطار الظرفي، فلا بدّ أن يعتريه شي‏ء من أحوال الحركة الكونية، ولكنّه من حيث هو صلة باللَّه وسبب للآخرة متعلّق بالأزل المطلق الثابت، إنّما يؤسّس على أُصول وسنن ثابتة لا تتحوّل ولا تتبدّل... وهو بهذا وذاك قائم على ردّ الشأن الظرفي المتحوّل إلى محور الحقّ الثابت، وردّ الفعل الزماني إلى المقصد اللا نهائي. فحركة التحوّل الدائبة في ظروف الحياة توشك أن تحوّل الإنسان عن الحقّ المطلق، فيلزم أن تقع له أو منه حركة دائبة مجاوبة تصحّح وجهته وتقوّم سيره؛ لئلّا ينحرف بتديّنه الواقع عن سنّة اللَّه الواجبة.
ويورد الترابي نماذج لما يراعي معنى الثبات ويحفظ للحياة الدينية مستقرّها من الدين، مثل ما يشتمل عليه الوحي من أخبار وتقريرات لحقائق من عالم الغيب أو وقائع تاريخ عالم الشهادة.
ومن ذلك أيضاً وصايا الوحي بمواقف العبادة الكلّية ليكون الإنسان متديّناً، فيلقى ربّه يوم الدين، فذلك كلّه من أصل الدين والملّة الذي لا ينسخ؛ لأنّه يتعلّق بثوابت الوجود ويتّصل باللَّه الباقي أزلًا.
أمّا صورة التعبير عن أخبار الشرع فإنّها تتكيّف طبقاً لواقع الابتلاء الظرفي المعيّن الذي تخاطبه الرسالة الدينية المعيّنة، فيأتي خطاب كلّ رسالة على نحو ما يستجيب لحاجة تجاوز الباطل المعيّن الذي يقابلها، للانتقال إلى الحقّ الثابت الواحد. ولمّا كانت الابتلاءات الظرفية تتنوّع فإنّ الخطاب الديني قد يتنوّع في مداه وصوره، حسب حاجة كلّ رسالة، مهما كان مغزاه في آخر التقدير واحداً، وهو توجيه العباد إلى اللَّه.
ومن ثمّ تتباين الرسالات أو الشرائع المنزلة في مدى إخبارها عن حقائق الوجود، حسب ما هو أوقع على المخاطبين المعيّنين وألزم لهم، وتتباين فيما تتناوله من دحض باطل المعبودات الواقعة والعقائد السائدة والمذاهب الوضعية، لتقارن الحقّ مع تلك الضلالات الماثلة وتهدي إلى النور وراء الظلمات القائمة، وتتباين أساليب المخاطبة والمعادلة حسب البيئة الثقافية والتراث الخاصّ بالأُمّة المخاطبة وظروف الرسالة.
أمّا متى تقع الحركة في شرع اللَّه ويتحوّل الحكم الشرعي؟ فهو حين يكون الحكم الأوّل مختصّاً بزمان معيّن وظرف بعينه، ولا تنسخ الشريعة الإلهية إلّابوحي جديد، فإذا جاء أجلها بعث اللَّه رسولًا جديداً؛ لتبديل ما أحلّ اللَّه أو حرّم لظرف محدّد في أُمّة خالية، وقد تتوالى الشرائع متحرّكة مع تقادم الزمن بوحي جديد لا ينسخ القديم، وإنّما يبعثه بعد نسيان، ويظهره بعد خفاء إصابة بعد تطاول العهد وتضييع المتسحفظين أو تحريفهم، فتأتي الرسالة مصدّقة لما بين يديها لتحيي موات الدين، أو مصدّقة ومهيمنة لتحيي شرع اللَّه وتكيّفه لتطوير جديد يقتضي تعبيراً عن حقّ الملّة الثابت بصورة تديّن ظرفية تكون هي الحقّ الزماني النسبي، بعد أن غدت الصور التي كانت مشروعة غير وافية بمقصد العبادة للَّه بسبب تحوّل قاعدتها الظرفية، ففي مجال الشعائر التعبّدية الخالصة تثبت مشروعية الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحجّ في الرسالات المتواترة، ولكن صورها قد تتبدّل، من حيث قبلة الصلاة وشرائطها وهيئتها، وميقات الصيام ونظمه، وقبلة الحجّ ومناسكه، وأقدار الزكاة ومصارفها... فمن الشريعة كلّيات ثابتة هي تراث الرسالات الدينية الباقي أبداً، ومنها أحكام قطعية ثبّتها اللَّه في وجه صروف الزمان والمكان؛ لأنّها أُمّ الكتاب، ومحاور الحياة الدينية التي تضبط حركتها على الدوام، ومنها مبادئ عامّة، ومجملات مرنة، وظنّيات واسعة يمكن أن تنزّل على الواقع بوجوه شتّى تبعاً لتطوّر ظروف الحياة وعلاقاتها وعلم الإنسان وتجاربه.
هذا، ويميّز الشيخ الترابي بين نحوين من تجديد الدين يصطلح على الأوّل «الإحياء» فيما يصطلح على الثاني «التطوير»، ويعتبر الأوّل ممّا يمثّل الدرجة الأدنى من التجديد، في حين يمثّل التطوير الدرجة القصوى؛ لأنّ الإحياء كما يقول يهدف إلى بعث شعاب‏
الإيمان الميّتة في النفوس، بتطاول الآماد وقسوة القلوب، من خلال التذكير بأُصول الدين والموعظة بوازعه ودافعه، ويهدف الفكر الخامل والعلم الضائع بثّ أُصول الشريعة وعلوم التراث، وإثارة لطاقات الحركة، لتصحيح الواقع الديني المجانب لمعايير الدين، ولمّا كان دين اللَّه الحقّ محفوظاً في أُصوله الباقية، فإنّما يطرأ الموت والخمول والفتور على كسب المؤمنين وتديّنهم، فحركة الإحياء بعث للروح، ويقظة للعلم، ونهضة للعمل، تتصوّب بنحو التديّن لترتفع به نحو كمالات الدين.
أمّا التطوير فإنّه يهدف إلى ما هو أعظم من مجرّد الإحياء بالبعث والإيقاظ والإثارة؛ لأنّه يكيّف أحوال التديّن التاريخية لطور جديد في ظروف الحياة، وينهض بالدين نحو كسب يثري معانيه ويؤكّد وقعه بوجه جديد. ولا يتأتّى ذلك بالخروج من أُطر الدين الحقّ، بل عبر تصريف للمعاني والأحكام والنظم المركّبة في سياق نصوص الشريعة ذاتها، ممّا يتيح إنشاء أو يكون إعمالًا لمعان علقت بعلل ظرفية دائرة ورتّبت لتدور معها وتحوّل بحولانها، أو يكون التجديد إتماماً لما شرّعه الدين من مقاصد بتنزيل مجملاته وحمل توجيهاته على الواقع المعيّن، أو يكون التجديد نسخاً لما أُلحق بأُصول الشريعة من فقه السلف الاجتهادي وكسبهم، استدراكاً يعطّل ما ثبت خطؤه بمزيد تدبّر نظري أو تجربة تاريخ تكشف الحقّ وتعمّ الخلق، أو تبديلًا يهمل ما كان صواباً لزمانه، ولكن حالت الظروف التي ناسبته ونصبته صواباً، وغدا لزاماً أن نبحث عن الحقّ النسبي الجديد، فحركة التطوير لا تغشى أُصول الشرع ولا تنسخها، وإنّما ترد على وجوه التديّن بها والاجتهاد لفهمها وتحقيقها، فما أحاله الشرع للظروف يصرف بحسبها، وما جعله لرأينا وكسبنا رهين بأحوال النقص والاستدراك البشري.
كما يرى الشيخ الترابي أنّ الصلة عميقة جدّاً بين الفكر والواقع، فحين انقطع فكرنا عن الواقع حرم من كلّ مدد يصله بأُصول الحياة، وغدا محفوظات نقلية، والفكر الإسلامي الذي نشأ في سياق حركة الانحطاط التي لازمتنا دهراً طويلًا كان فكراً منحطّاً؛ لأنّه إذا انحطّ الواقع انحطّ الفكر، وإذا تحرّك الفكر تحرّك الواقع، فهما متلازمان تماماً... فمع حركة
الانحطاط أصبحنا نرى أرض الإسلام تنقص من أطرافها، ومظاهره تتلاشى، وخيره يتضاءل، وتحيط به الشرور المقتحمة، وكانت علّة ذلك وعاقبته مواقف في العقيدة قنوعة غير طموحة تجنح للمحافظة، وتخاف من الشرّ، فلا تقتحم المخاطرات، بل تؤثر الفرار والنجاة، ولا ترى ارتياد المخاطر إلّاتهلكة، ولا في الحركة إلّاتردّداً إلى الأرذل، والفكر الإسلامي الذي أنتجته هذه المواقف العقدية في عهود الانحطاط فكر يدبّر عن واقعه الحاضر ويتشبّث بتراث الفكر الذي نشأ عن واقع سالف، وذلك من فرط تعلّقه بالماضي وارتيابه بالحاضر وخوفه من المستقبل، وحين يؤخذ فكر كان ثمرة تفاعل مع واقع معيّن مأخذاً مطلقاً وينقطع عن إطاره الواقعي يصبح تراثاً مجرّداً تنسدّ طرق الاجتهاد فيه والتجديد؛ لأنّ التفاعل مع الواقع الحي هو الذي يعرّض الفكر لتحدّيات الظروف المتجدّدة كلّ يوم، ويستفزّه إلى أن يستجيب لها فيتجدّد وينمو اضطراداً، وبغير هذه الصلة تموت دواعي التجديد وعناصر الحركة والتوالد.
هذا، ويدور جدال واسع حول الصلة بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية وسائر العلوم الحديثة الأُخرى، فهل يمكن الإفادة من معطيات هذه العلوم وتوظيفها في حقل الدراسات الإسلامية؟ وقد يذهب البعض إلى ما هو أبعد مدى من ذلك، فيدعو إلى اصطباغ العلوم الحديثة كلّها بصبغة إسلامية، وبالتالي أسلمتها بأسرها... غير أنّ الشيخ حسن الترابي يقدّم حلّاً بديلًا يقوم على تحديد وظيفة تبادلية يمكن أن ينهض بها ما يسمّيه بعلم الطبيعة للعلم الشرعي وبالعكس، وعلم الطبيعة لديه يعني ما يشمل العلوم الاجتماعية وعلوم الطبيعة كالفيزياء والكيمياء وغيرها، بل أنّ الدكتور الترابي يعتبر كلّاً منهما مصدراً للعلم الإسلامي؛ لأنّ العلم الإسلامي في نظره له مصدران: أحدهما عقلي، والثاني نقلي، وهذان المصدران يتّحدان في الإسلام ويتناصران، ولا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر، فلا يمكن أن تقرأ القرآن غير متدبّر ومتفكّر، كذلك لا يمكن للفكر أن ينظر في الطبيعة، ولا ينبغي له أن ينحصر بين الأشياء المشهودة، بل لا بدّ للإنسان كذلك أن ينفعل بعلم الوحي والغيب حتّى ينفذ إلى أعماق الطبيعة ويهتدي بالعلم كلّه إلى خالق الطبيعة، فالعلم الطبيعي‏
والعلم الشرعي فرعان من علم الدين ينبغي أن يتناصرا وأن يتّحدا؛ ليوحّد العلم كلّه، ويوجّه إلى اللَّه تعالى، ويسخّر لعبادته فوق الأرض.
ولا يمكن أن نجتهد إلّاإذا تعلّمنا علوم الطبيعة كما نتعلّم علوم الشريعة؛ ذلك أنّ علم الطبيعة هو الذي يعرّفك بالواقع وأدواته. ومهما حصل لك من العلم الديني بمعالجات الشريعة فلا بدّ لك من تشخيص المجتمع لتعلم الداء ثمّ تقدّر ما هو الدواء الشرعي المعيّن الذي يناسب ذلك المجتمع، وذلك يستدعي دراسة المجتمع دراسة فيزيائية وكيميائية حتّى تستطيع أن تحقّق الدين بأكمل ما يتيسّر لك... ولا يسعنا اليوم أبداً أن نحقّق الدين بمنأى عن هذه العلوم الطبيعية؛ لأنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد سخّر لنا من العقل ما أحاط بهذ العلوم وإنّه لسائلنا عنها... لا بدّ من دراسة العلوم الطبيعية التي تمكّننا من إعداد القوّة بأقصى ما نستطيع في تنفيذ حكم اللَّه سبحانه وتعالى.
ويتساءل الشيخ الترابي عن مبرّرات بناء فقه جديد، ثمّ يسوق عدّة مبرّرات يشدّد فيها على عدم قدرة التراث الفقهي على الوفاء بمقتضيات الزمان؛ لأنّ العلم البشري اتّسع اتّساعاً كيبراً، وكان الفقه القديم مؤسّساً على علم محدود بطبائع الأشياء وحقائق الكون وقوانين الاجتماع، ممّا كان متاحاً للمسلمين في زمن نشأة الفقه وازدهاره، أمّا العلم العقلي الذي كان متاحاً في تلك الفترة فقد كان محدوداً أيضاً مع عسر في وسائل الاطّلاع والبحث والنشر، بينما تزايد المتداول في العلوم العقلية المعاصرة بأقدار عظيمة، وأصبح لزاماً علينا أن نقف في فقه الإسلام وقفة جديدة لنسخّر العلم كلّه لعبادة اللَّه، ولعقد تركيب جديد يوحّد ما بين علوم النقل التي نتلقّاها كتابة ورواية قرآناً أو سنّة يديمها الوحي، وعلوم العقل التي تتجدّد كلّ يوم وتتكامل بالتجربة والنظر، وبذلك العلم الموحّد نجدّد فقهنا.
إنّ قراءة تراثنا الفقهي بتبصّر تكشف عن قصور كبير في رصيدنا الفقهي إذا طالبناه للوفاء بواقعنا المتجدّد، فعلى ما فيه من ذخائر شاهدة على رقيه البعيد بالمناظرة إلى ما كان يوازيه تاريخاً من التراث الوضعي، وعلى ما فيه من باقيات صالحات لهذا الزمان أو هاديات لما يصلح، فإنّه قد كان استجابةً للبيئة التي نشأ فيها، وتنزل عليها من أُصول‏
الشرع، كسباً اجتهادياً ينفعل بالبيئة أيضاً ويخاطبها مباشرة، وقد حدثت منذئذٍ تحوّلات مادّية وثقافية كبيرة، لا تطوّراً وتراكماً من تقدّم المسلمين، بل طفرة جرّتهم إليها هجمة الحضارة الأجنبية الغربية، هكذا نشأت قطاعات واسعة من الحياة لا يشملها الفقه التقليدي ولا يغطّيها.
ويتبدّى أحد أبعاد قصور الفقه بقصور منهج الاجتهاد التقليدي الذي يبتني على أُصول الفقه القديم، فعلم أُصول الفقه القديم منسوب إلى البيئة الثقافية التي نشأ فيها أو التي تكاملت فيها أبنيته وصياغاتها الأخيرة، ولذلك تلبّس بمفهومات المنطق الصوري التقليدي بأشكاله ومصطلحاته، ومن ذلك غدا علماً نظرياً مجرّداً للتأمّل، ولكنّه جاء عميقاً منبتاً عن الواقع الخصب بالحياة، ولا يكاد يؤهّل الماهر فيه لأن يولّد فقهاً أو يمارس اجتهاداً، هكذا كان مصيره في التاريخ، لم يؤذن تمام صياغته بنهضة للفقه، وتحجّر من بعدها، إلّافي أحوال أفلت المجتهدون فيها من المعهود الأُصولي، ولا يمكن أن تغشانا الغارة الفكرية الغربية بخيرها وشرّها ومناهجها المنطقية الوضعية والنسبية والتجربية دون أن تبدّل المعطيات الفكرية الأساسية التي أثمرت الفقه الأُصولي القديم... إنّ بعض أُطروحات علم الأُصول أو منهج الفقه والتشريع الإسلامي التقليدي وبعض مصطلحاته، لا تشفي حاجات النهضة الفقهية، ولا تناسب البيئة المادّية الاجتماعية والثقافية الحاضرة، ولا تلبّي دواعي تجديد الفقه.
وأخيراً يؤكّد الدكتور الترابي أنّ المجدّدين إذا سلموا من الاتّهام في نياتهم فإنّ فقههم لا يسلم لغرابته من الاتّهام بالمروق على الدين وحركتهم من الاتّهام بالتطرّف والتهوّر، ويدخل الهوى أحياناً في الصراع تنافساً على الوجاهة والقيادة لدى العامّة المسلمة، أو فرقاً من تبعات التجديد ومجاهداته المضنية، وقد وئدت كثير من حركات التجديد؛ لأنّها اصطدمت بطبقة الشيوخ التقليديّين الذين كانوا يمثّلون الشرعية الدينية لدى السواد الأعظم من المسلمين، بثقافتهم وهيئتهم وسمعتهم الخاصّة، ويشكّل هؤلاء في كثير من البلاد طبقة متمكّنة تعوق التجديد كلّه، أو تضطرّه إلى مدخل رفيق بطي‏ء.
وهناك طبقة تحسب أن لا سبيل لتجديد في أمر الدين؛ لأنّ كلّ الإمكانات العقلية والعلمية في بيانه قد استنفدت، ولا بأس عندهم بحركات التجديد التي تقتصر على تطرية ذكريات الماضي، وإحياء حمية الإيمان بتلقين ذات المقولات المنقولة، أمّا تصويب الإيمان نحو ابتلاءات الواقع، وإلقاء ضوء جديد من فقه الدين عليها، والتعبير العملي عن ذلك بالأفعال والنظم المناسبة، فذلك أمر لا يعنيهم، كأنّ تقدّم الدين قد جمد على كسب الأسلاف، وحرّية الاجتهاد نسخت من بعدهم، وكأنّ الدين بطلاقته الأزلية قد حوصر في ظرف معيّن من المكان والزمان في الماضي.
وطبقة أُخرى تسمّى بالسلفية ترى أنّ الدين متمثّلًا في تاريخ المتديّنين، فهم بحسن نية يتعصّبون لذلك التاريخ، وينسون أنّ مغزاه في وجهته لا في صورته، ويقلّدون السلف في مسالكهم من التديّن اجتهاداً وجهاداً، بل يحاكمون حرف أقوالهم وأعمالهم، ويرون الاتّباع لا في المضي على المنهج السالك قدماً إلى اللَّه، بل في الوقوف عند حدّ الأوّلين ومبلغهم... والغالب في الذين يرجعون إلى الصور السالفة في تطبيق الشريعة لا إلى مغزى أحكامها أنّهم أهل ثقافة صاغها الانغلاق على القديم، ولا يعلمون كثيراً عن الواقع الحاضر.
وهناك من يدرك ضرورة الاجتهاد غير أنّه يصاب بالذعر إذا صدمه موقف اجتهادي جديد لم يقل به أحد من قبل، بل يتبرّم حتّى من الصياغة والعبارة الجديدة التي لم يألفها في كتب التراث.

المراجع

(انظر ترجمته في: الموسوعة العربية العالمية 6: 177- 178، ملحق موسوعة السياسة: 248- 249، أزمة الخلافة والإمامة: 327).