حسنين الفضيل الورتيلاني

من ویکي‌وحدت
حسنين الفضيل الورتيلاني
الاسم حسنين الفضيل الورتيلاني‏
الاسم الکامل حسنين الفضيل بن محمّد السعيد بن فضيل الورتيلاني
تاريخ الولادة 1318ه/1900م
محل الولادة سطيف/ الجزائر
تاريخ الوفاة 1378ه/1959م
المهنة شخصية متميّزة في عالم الدعوة والإصلاح الديني في الجزائر وفي العالَمين العربي والإسلامي.
الأساتید الشيخ محمّد السعيد البهلولي، الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشيخ عبد الحميد
الآثار
المذهب سنی

حسنين الفضيل الورتيلاني هو حسنين الفضيل بن محمّد السعيد بن فضيل الورتيلاني: شخصية متميّزة في عالم الدعوة والإصلاح الديني في الجزائر وفي العالَمين العربي والإسلامي.
ولد سنة 1900 م في قرية «أنو» ببلدية بني ورتيلان بولاية سطيف الجزائرية، ونشأ في عائلة كريمة محافظة ذات علم ومجد ومكانة وفضل، فحفظ القرآن الكريم، وتعلّم المبادئ الأوّلية للعلوم العربية والدينية، وتتلمذ على يد العالم الشيخ محمّد السعيد البهلولي.
وقد وصفه حقّ الوصف الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي قائلًا: «.... ومعرفة الأُستاذ الورتيلاني لا تتمّ إلّابمعرفة نشأته وتربيته الأُولى. فقد نشأ على مقربة من الفطرة السليمة، وتربّى تربية دينية يتعاهدها المربّي من والدين ومعلّمين بالمحاسبة على الصغيرة والكبيرة، والمناقشة في الجليلة والحقيرة، فأيفع وشبّ مرتاض الطبع على المحاسبة والمناقشة والاهتمام والجدّ مع توهّج الإحساس وإشراف الروح وسمو الغاية، يعاون ذلك كلّه ذكاء متوقّد وبديهة مطاوعة في مجالات القول ولسان كالسيف المأثور إذ لاقى الضريبة صمّم، ومازالت تلوح على تفكيره ورأيه آثار من تلك التربية، يعرفها من يعرفها وينكرها من يجهلها.
وفي خريف سنة 1928 م سافر إلى قسنطينة والتحق بحلقات ودروس الشيخ عبد
الحميد بن باديس
، فتتلمذ على يديه، وبعد تخرّجه تولّى التدريس معه في مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة، فتخرّج على يديه خلق كثير من التلاميذ الذين اضطلعوا بالعمل الإسلامي والثوري في الجزائر، وأُعجب به الشيخ عبد الحميد بن بادريس أيّما إعجاب، وصار يصطحبه معه أينما ذهب، ويتباهى به في كلّ مجلس، ويستخلفه في غيابه من بعده في شؤون التربية والتعليم والإدارة، كما كان يرسله ممثّلًا ونائباً عنه في الكثير من المناسبات التربوية والتعليمية والدينية والاجتماعية.
اجتمعت جملة من العوامل الفطرية والمكتسبة لتجعل من شخصية الشيخ الفضيل الورتيلاني شخصية نابعة ومتميّزة في عصره. وأهمّ هذه العوامل هي:
1- انتسابه لأُسرة كريمة ومحافظة ومشهورة بالعلم والأدب والفضل.
2- تلقّيه تربية دينية وأخلاقية صالحة، وبقاؤه وفياً لفطرته السمحة التي فطر اللَّه الناس عليها، فلم يعرف عنه التبديل أو التغيير أو التحريف أو الانزلاق.
3- ذكاؤه وفطنته وشجاعته وجرأته في الحقّ وثراء قدراته ومواهبه الفطرية المتعدّدة.
4- حفظه للقرآن الكريم في سنّ مبكّرة، وحفظه للأحاديث والأخبار الصحاح، وتعلّمه اللغة العربية.
5- تتلمذه على يد الشيخ المرحوم عبد الحميد بن باديس بالجامع الأخضر من سنة 1928 م إلى سنة 1932 م.
6- تقريب الشيخ عبد الحميد له وتوليته بعض المهام التربوية والتعليمية والدينية والصحفية والدعوية.
7- هجرته الدعوية المبكّرة إلى فرنسا بتكليف من جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين لتولّي شؤون الجالية الإسلامية المهاجرة من سنة 1936 م إلى سنة 1940 م.
8- تلقّيه تعليماً جامعياً عالياً في الأزهر الشريف من سنة 1942 م إلى سنة 1949 م، وحصوله على شهادة العالمية في الشريعة وأُصول الدين.
9- إقامته الطويلة والمثمرة فيالمشرق العربي منذ سنة 1942 م إلى وفاته سنة
1959 م.
10- علاقاته وصداقاته العديدة مع رجال الدعوة والإصلاح الديني، أمثال: الشيخ المرحوم الشهيد حسن البنّا، والشيخ محمّد محمّد رمضان، وسائر رجال جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الشبّان المسلمين، وجماعة عبّاد الرحمان، ومع رجال الأدب والفكر والثقافة والفنّ، ومع رجال السياسة ومن الرؤساء والقادة والزعماء، ومع رجالالإصلاح الإسلامي.
11- رحلاته الكثيرة في الشرق والغرب.
12- انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين وتبوؤه منصباً دعوياً وقيادياً وإرشادياً فيها.
13- سرعة بديهته، وقوّة حافظته، وبيان عارضته، وذرابة لسانه، وبلاغة خطبه وبيانه.
14- عظيم إخلاصه وتضحيته وتفانيه في سبيل خدمة أُمّته ودينه ولغته وتأريخه العربي الإسلامي.
15- نشاطاته السياسية المتعدّدة المحلّية والإقليمية والعربية والعالمية وغشيانه النوادي والمجامع والمحافل خطيباً وداعياً.
وبعد أن أمضى سنوات يدرس على يد الشيخ عبد الحميد في قسنطينة ألحقه بسلك المدرّسين التابعين لمدارس جمعية التربية والتعليم، وعهد له الشيخ سنة 1923 م بمتابعة ومراقبة وإخراج وتطوير مجلّة «الشهاب»، وظلّ كذلك إلى أن كلّفته جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين بمهمّة الوعظ والإرشاد وهداية المهاجرين الجزائريّين في فرنسا خاصّة وأوروبّا عامّة، فهاجر منتدباً من قبل الجمعية إلى فرنسا سنة 1936 م، وظلّ بها أربع سنوات يدعو إلى الإسلام واللغة العربية بين صفوف المهاجرين، ويستحثّ همّتهم لطلب الاستقلال عن فرنسا، فخشيت الإدارة الاستعمارية من نشاطاته الدعوية والدينية، فقرّرت الخلاص منه، ولكنّه استغلّ أحداث الحرب العالمية الثانية وسقوط فرنسا بيد الألمان سنة 1940 م، فهرب إلى مصر.
وفي مصر كان له تاريخ حافل بالمآثر والأمجاد، كما كان سجلّه الدعوي والحركي والديني والعلمي عظيماً في تلك الفترة، والتي بدأها بمتابعة دراسته في جامع الأزهر، إلى حصوله منه على شهادة العالمية الأزهرية، ثمّ تعيينه رئيساً ممثّلًا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريّين في مصر إلى غاية التحاق الشيخ البشير الإبراهيمي سنة 1952 م، ثمّ تعيينه عضواً فاعلًا في جماعة الإخوان المسلمين. وكثيراً ما كان الشيخ حسن البنّا ينيبه في الخطابة عنه في الكثير من المناسبات، ولا سيّما دروسه ومحاضراته الإرشادية الأُسبوعية. كما كانت له العديد من التدخّلات والمشاركات النضالية السياسية والفكرية والأدبية والدينية في جماعة الإخوان والمسلمين وجمعية الشبّان المسلمين بمصر وفي بعض الأقطار العربية الأُخرى، وكذلك علاقته الإصلاحية والدعوية الوطيدة بجماعة «عبّاد الرحمان» ببيروت، والتي اعترفت بجميله في خدمة الدعوة الإسلامية، فطبعت مقالاته النارية الثائرة التي كان يعرّف فيها بعدالة القضية الجزائرية الرازحة تحت نير الاستعمار الفرنسي سنة 1956 م، ثمّ أعادت طباعتها سنة 1963 م، ثمّ شارك في ثورة اليمن ضدّ السلطان يحيى حميد الدين سنة 1948 م، وحكم عليه بالإعدام، ممّا اضطرّه للهرب إلى سورية ولبنان.
ومع حلول سنة 1949 م قام الشيخ الفضيل بإنشاء مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين بالقاهرة، وعمل به ممثّلًا للجمعية. وقد قام بعدها بالاتّصال بقادة دول المشرق العربي والإسلامي بهدف استقبال الطلبة الجزائريّين للدراسة فيها، فلبّت دعوته الكثير من الدول التي توافد عليها طلّاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين لإتمام دراستهم العليا فيها.
ثمّ انضمّ إلى صفوف الثورة التحريرية من أوّل يوم، وقدّم هو والشيخ البشير الإبراهيمي بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين من مصر المؤيّد والمناصر للثورة التحريرية، وقدّم الكثير من أجل التعريف ونصرة القضية الجزائرية، كما أكثر من الترحال في سبيل الجزائر، إلى أن انتقل إلى تركيا ممثّلًا للثورة الجزائرية فيها، وقد استطاع أن يبدّل الموقف‏
الرسمي والشعبي التركي فيها ليصبح مؤيّداً للقضية الجزائرية العادلة.
وقد اشتهر بعذوبة لسانه وخطبه الرنّانة، ولا سيّما خطبه السياسية منها، وكان عنيفاً في خطبه ومقالات وحواراته، ونارياً في مهاجمة الطغاة والمستعمرين، وقاتلًا في الإغارة على أعوانهم وخدمتهم وأذيالهم الكثيرين يومها في العالمين العربي والإسلامي وفي الجزائر خاصّة. كما كان مندفعاً فيما يدعو إليه، ومتحمسّاً فيما يعمل من أجله. وقد ترك كتابه الشهير «الجزائر الثائرة» المطبوع في بيروت سنة 1956 م والذي أُعيد طبعه ثانية سنة 1963 م، وقد ضمّ بعضاً من مقالاته المنشورة في الصحف العربية والجزائرية.
اضطلع الشيخ الفضيل الورتيلاني بنشاط سياسي ملفت للانتباه، ولم تكد تمرّ مناسبة سياسية عربية وإسلامية إلّاوكان له توقيع المشاركة فيها... فعندما أمضت مصر اتّفاقية الجلاء مع بريطانيا سنة 1954 م سارع إلى تأكيد موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين منها... وممّا جاء في البرقية المرسلة إلى مكتب رئاسة الجمهورية المصرية بتوقيعه والشيخ البشير الإبراهيمي قوله: «إنّ مكتب جمعية العلماء الجزائريّين بالقاهرة ليسرّه أن يبعث إلى سيادتكم بالتهنئة الحارّة على إرسائكم الحجر الأساسي لتحرير مصر من المعتدين الغاصبين. وإنّ اعتقادنا في همّتكم وعزيمتكم واتّساع أُفقكم، مع ما يتجدّد في كلّ مناسبة من أقوالكم المتّحدة ذات الطابع العسكري البسيط، كلّ ذلك يجعلنا نأمل كلّ الأمل في أن يكون تحرير مصر على أيديكم وأيدي زملائكم الكرام.
إنّما هو بداية لتحرير جميع العرب وجميع المسلمين، وطريق معبّد لجمع كلمتهم على الحقّ والخير؛ ليعيدوا تاريخ أسلافهم الأبرار في إسعاد الإنسانية جمعاء....».
كما أصدر بالقاهرة برفقة الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي بيان الجمعية التأريخي المندّد بسياسة وموقف فرنسا الاستعمارية والمؤيّد للثورة التحريرية منذ انطلاقتها الأُولى.
وعندما حلّ الزلزال الكبير بمدينة الأصنام (الشفّ حالياً) الجزائرية شهر سبتمبر سنة 1954 م سارع إلى إرسال برقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر يستعطفه فيها للتبرّع لمنكوبي الجزائر ومذكّراً إيّاه بحالة التعليم السيّئة في الجزائر، فبادر عبد الناصر بالردّ
عليه، وبتخصيص مبلغ عشرة آلاف جنيه لمساعدة منكوبي الأصنام.
كما كانت له علاقات وطيدة مع زعماء العالم وأحراره، فقد قابل مرّة الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، والزعيم الباكستاني محمّد علي جناح، والزعيم الأندونيسي أحمد سكارنو، وزعيم الجماعة الإسلامية السيّد أبا الأعلى‏ المودودي، وزعيم مسلمي الهند الشيخ أبا الحسن الرابع الندوي، وغيرهم من الزعماء السياسيّين والدينيّين.
كما التقى الورتيلاني في بيروت بآية اللَّه الكاشاني قائد النهضة الإسلامية الإيرانية حينذاك بعد الهجرة الجبرية من بلادهما إلى بلاد الشام. وقد تكرّرت هذه اللقاءات التقريبية الداعية إلى البحث عن سبل التقريب بين المذاهب الإسلامية وتقوية المناهج الوحدوية في الوسط الإسلامي، وكانت الحوارات في غاية الأهمّية، وقد تمخّض عنها ولادة إقامة مؤتمر وحدوي إسلامي، يقام هذا المؤتمر إمّا في لبنان وإمّا في طهران، ويتطرّق فيه إلى مواضيع تهمّ العالم الإسلامي وتؤدّي إلى الوحدة والمحبّة والأُخوّة الإسلامية، وتقدّم الدعوة إلى كبار العلماء والمثقّفين المسلمين لمناقشة العناوين المشار إليها.
وقد تنوّعت أساليب الشيخ الفضيل الورتيلاني الدعوية والإصلاحية والتربوية والتغييرية، بحيث لم يترك وسيلة ناجعة يستطيع أن يوصل بها رسائله التوعوية إلّا واستثمرها أيّما استثمار. ويمكن حصر وسائله وأساليبه الدعوية والإصلاحية في الوسائل التالية:
1- التربية والتعليم والتدريس في المدارس.
2- الخطب والدروس الدينية والمواعظ المسجدية.
3- الانخراط وتأسيس الجمعيات الوطنية والمحلّية والعربية والإسلامية العالمية.
4- الكتابة في الصحف والمجلّات الجزائرية والعربية والإسلامية.
5- حضور المؤتمرات والندوات والتجمّعات الخاصّة والعامّة.
6- ربط الصلة بالمشرق العربي لغةً وروحاً وانتماءً.
7- إحياء قيم وماضي وتاريخ وأمجاد الجزائر في نفوس الشعب الجزائري.
8- محاربة الطرقية والبدعية وكلّ أشكال الخرافة.
9- مقابلة الملوك والقادة والرؤساء العرب والمسلمين وزعماء أحرار العالم.
10- الرحلات الإصلاحية الكثيفة في شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه.
وقد ضعفت قواه، وتراجعت فتوّته، وأُصيب بالعديد من الأمراض، فاعتلّت صحّته، فلقد أصابه مرضا الربو وضيق التنفّس والسكّري نتيجة الإرهاق، وتوجّب عليه العلاج والسفر إلى أوروبّا لإجراء عملية جراحية، ولكن اندلاع ثورة الجزائر أنساه كلّ شي‏ء، فظلّ في حركة دائبة، ولمّا استحكمت العلل فيه والأمراض نصحه بعض الإخوان بالسفر إلى أوروبّا أو إلى تركيا للاستطباب فيها، وبحكم كونه ممثّلًا لجبهة التحرير الوطني الجزائرية بتركيا فقد اتّجه إليها مباشرة أواخر سنة 1958 م، ولكنّه لم يكد يبدأ العلاج فيها حتّى حمل إلى المستشفى الكبير بأنقرة، وفيها توفّي يوم 12/ مارس/ 1959 م من ثقل الأمراض المزمنة التي استشرت في جسده المجاهد والتي كان يعاني منها، وبها دفن، ثمّ نقل رفاته إلى الجزائر يوم 12/ مارس/ 1987 م.
وقد كتب عن مجهوداته وتأثيراته تلميذه الشيخ محمّد الأكحل شرفاء يصفها ويعدّدها، فقال: «إنّ نفس الورتيلاني العظيم من تلك الفئة الأُولى الأصيلة، تلك التي تشبه المعدن الذهبي، ذلك الذي يصهر بالنار، ولكنّه يخرج منها ألمع ما يكون بريقاً، وأنقى ما يكون من الشوائب. وهذا نفس ما حدث للفضيل، فلقد مرّت عليه كما تمرّ على الأفذاذ العباقرة ظروف عابسة حسبها الناس حجباً صفيقاً بين ماضيه ومستقبله، ولكنّها سرعان ما انقشعت كما تنقشع السحب الثقال عن وجه الشمس، فأشرف الورتيلاني من جديد على دنيا الإسلام والعروبة بالأضواء الكاشفة، فأنار طريق الكفاح من جديد، وفتح جبهة الجهاد من جديد، وتبوّأ مركزه العظيم بين أساطين النهضة الإسلامية في العالم الإسلامي».

المراجع

(انظر ترجمته في: مجلّة رسالة التقريب/ العدد: 75/ صفحة: 151- 170).