انسداد باب الاجتهاد عند أهل السنّة

من ویکي‌وحدت

انسداد باب الاجتهاد عند أهل السنّة: الانسداد اصطلاحٌ أصولیٌ يراد به سدّ باب الاجتهاد، وهذا قول كثير من الحنفية. وقال بكر بن العلاء القشيري المالكي: ليس لأحد أن يختار بعد المائتين من الهجرة. وقال آخرون: ليس لأحد أن يختار بعد الأوزاعي وسفيان الثوري ووكيع بن الجراح وعبد الله بن المبارك. وقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد الشافعي». وباعتبار أنّ الانسداد ممّا لم يفرد له بحث خاصّ في الكتب الأصولية من أهل السنّة القائلين بهذه الفكرة، نجد أنَّ من الصعب تدوين موجبات هذه الفكرة بالنحو الدقيق الذي ألفناه عن علماء الأصول، كما أنّ المتقدّمين القائلين بالانفتاح لم يتعرّضوا للموضوع بنحو مفصّل، باستثناء السيوطي. ولا يبعد وجود هواجس آنذاك منعتهم عن التعرّض له بالردّ أو الإثبات.

القائلون بالانسداد من أهل السنّة

ورد عن ابن قيّم الجوزية: «فقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر بن الهذيل ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد اللؤلؤي. وهذا قول كثير من الحنفية. وقال بكر بن العلاء القشيري المالكي: ليس لأحد أن يختار بعد المائتين من الهجرة. وقال آخرون: ليس لأحد أن يختار بعد الأوزاعي وسفيان الثوري ووكيع بن الجراح وعبد الله بن المبارك. وقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد الشافعي»[١].
ويرى البعض أنَّ الإجماع منعقد على عدم وجود هذا النوع بعد الأئمة الأربعة[٢].
ابن الصلاح (من أعلام القرن السادس) من القائلين بالانسداد، حيث يقول: «الخامس: ممّا لا ينفذ القضاء به ما إذا قضى بشيء مخالف للاجماع وهو ظاهر، وما خالف الائمة الأربعة مخالف للاجماع، وإن كان منه خلاف لغيره فقد صرّح في التحرير أنّ الاجماع انعقد على عدم العمل بمذهب مخالف للأربعة؛ لانضباط مذاهبهم وكثرة أتباعهم»[٣].
المولوي شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (1110 ـ 1176هـ) من المتأخرين الذين شيّدوا لانسداد باب الاجتهاد. وذلك من خلال كتابه: (الإنصاف في بيان سبب الاختلاف في الأحكام الفقهيّة). وفي هذا الكتاب بعد ما يقسم المجتهد إلى مطلق منتسب لأحد المذاهب، ومجتهد في المذهب، يذكر الصنف الثالث، وهو المجتهد المطلق ويراه غير متيسّر حصوله حالياً [٤].
وينسب هذا القول إلى الشيخ محمد عبد الفتاح العناني، وهو من المتأخرين أيضاً [٥].

موجبات فکرة الانسداد عند أهل السنّة

باعتبار أنّ الانسداد ممّا لم يفرد له بحث خاصّ في الكتب الأصولية من أهل السنّة القائلين بهذه الفكرة، والقائلون به لم يكتبوا في الموضوع بنحو منهجي نجد أنَّ من الصعب تدوين موجبات هذه الفكرة بالنحو الدقيق الذي ألفناه عن علماء الأصول، كما أنّ المتقدّمين القائلين بالانفتاح لم يتعرّضوا للموضوع بنحو مفصّل، باستثناء القلائل مثل السيوطي. ولا يبعد وجود هواجس آنذاك منعتهم عن التعرّض له بالردّ أو الإثبات.
والأمران الآتيان ممّا يمكن اعتبارهما من الأدلّة على الانسداد عند القائلين به:
الأوّل: كون الاجتهاد المطلق غير متيسّر حالياً لأحد من العلماء بعد الأئمة الأربعة المعروفين، لتفرّع العلوم وكثرتها والحاجة إلى معرفة علوم كثيرة ذات صلة مثل الدراية والرجال وغيرها، وهو أمر غير متيسِّر للإنسان حالياً؛ باعتبار تشعُّب العلوم[٦].
الثاني: القائلون بوجوب التقليد، قالوا: بأنَّ أساليب الاستنباط قد استوعبها الأئمة الأربعة ولم يبق اُسلوب وآلية لم تستوعب، ولذلك عندما أحدث الظاهرية أساليب جديدة تخالف أساليب المتقدّمين ذهب الآخرون إلى أنّها بُدع[٧].
كما ورد عن الشهرستاني قوله: «وبالجملة نعلم قطعاً ويقيناً أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات ممّا لا يقبل الحصر والعدّ، ونعلم قطعاً أيضاً أنّه لم يرد في كلّ حادثة نصّ ولا يتصوّر ذلك أيضاً والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى علم قطعاً أنّ الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتّى يكون بصدد كلّ حادثة اجتهاد»[٨].
وقد أصَّل محمّد أبو زهرة قضية فتح باب الاجتهاد، وأرجعها إلى المذاهب الدارجة، ونقد القول بالانسداد[٩].
وممّا يمكن أن يردَّ به القول بالانسداد هو مجموعة النصوص والأقوال الواردة في ذمِّ التقليد، فإنّها صالحة لئن تكون رادعاً عن فكرة الانسداد.

المصادر

  1. . أعلام الموّقعين 2: 275 ـ 276.
  2. . ايقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن، للامام محمد بن علي السنوسي: 79، عن الاجتهاد في الشريعة الاسلامية الوافي المهدي: 454.
  3. . الأصول العامة للفقه المقارن: 581.
  4. . الانصاف في بيان سبب الاختلاف: 42 ـ 44.
  5. . من أين نبدأ عبدالمتعالي الصعيدي: 114.
  6. . الإنصاف في بيان سبب الاختلاف: 42 ـ 44.
  7. . البحر المحيط 6: 291.
  8. . الملل والنحل 1: 180.
  9. . تاريخ المذاهب الإسلامية: 315 ـ 323.