المقارنة بين جمع القرآن والأناجيل
الْمقارنَةِ بَيْنَ جمعِ الْقُرآنِ وَالأناجِيلِ هو عنوان مدخل يدرس قضية جمع القرآن في العالم الاسلامي وجمع الاناجيل في العالم المسيحي. فالكتب السماوية أنزلها الله عز وجل لتكون هداية للناس، فإنها تدل الخلق على ما يحبه الخالق ويرضاه،
كما تدلهم على ما يصلح حياتهم في الدنيا والآخرة، وإذا علم هذا علم أهمية هذه الكتب، وأن سعادة البشرية في الدارين مرتبطة باتباعها لهذه الكتب المنزلة ما لم تنسخ، وما نسخ منها ترك العمل به واتبع الناسخ له. وإذا كانت هذه هي منزلة الكتب السماوية فإنّه لابدّ من التيقّن بأنّ كتاباً ما من الكتب التي يدعى أنها من كتب الله لابدّ من التيقن أنّ هذا الكتاب هو الكتاب الذي أنزله عز وجل،
وهذا اليقين لن يحصل إلا إذا نقلت إلينا هذه الكتب بأسانيد صحيحة ثابتة إلى الأنبياء الذين نزلت عليهم هذه الكتب، وإلاّ فإنّ هذه الكتب ستتعرض لأنواعٍ من التَّحريفِ والتبديلِ بدوافعَ متعددةً، فمرةً بدافعِ الهوى فيغير الناس ويبدلون فيها بما يتوافق مع أهوائهم،
ومرة بدافع العوارض البشرية كالنسيان والغفلة وسوء الحفظ، وما شابه ذلك من العوارض؛ فيدخل ما ليس منها أو يسقط منها ما هو جزء منه. فكان لا بد وأن تروى لنا هذه الكتب بأسانيد صحيحة ثابتة إلى أنبيائها. وعلى هذا الأساس نناقش ثبوت الأناجيل التي بين يدي النصارى، هل هذه الأناجيل هي الإنجيل الذي أنزله الله عز وجل على عيسى (عليه السلام)،
والجواب: بطبيعة الحال لا، فإنّه لم يدَّعِ أحدٌ أنَّ هذه الأناجيل هي إنجيل عيسى (عليه السلام)، بل هي أناجيل منسوبة إلى أصحابها، وأما إنجيل عيسى (عليه السلام) فإنَّنا لا نجده بين هذه الأناجيل، وإن وجد ذكره في بعضها فأين هذا الإنجيل؟
على النصارى أن يجيبوا عن هذا السؤال أو يعترفوا بأن الإنجيل قد فقد، وهذه الأناجيل بدل عنه. وهذه الأناجيل الأربعة منسوبة إلى متى ومرقص ولوقا ويوحنا ويدَّعِي النَّصارى أنَّ اثنين منهم من الحواريين وهما متى ويوحنا، وأما مرقص فهو تلميذ لبطرس الحواري،
ولوقا تلميذ بولس فأين الأسانيد التي تصل هذه الكتب بهؤلاء الرجال الذين نسبت إليهم؟ والجواب أنه لا يوجد شيء من ذلك ألبتة. بل إنّ الأدلة قائمة على أنّ هذه الكتب لم تعرف إلاّ بعد موت من نسبت إليه بعشرات السنين، وهذا باعتراف النصارى أنفسهم فرسائل بولس وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها الإشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة مما يعني أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطلع عليها أحد منهم، ويعترف النصارى أن تاريخ اعتبار هذه الكتب كتباً مقدسة لا يزال مجهولاً.
ولو سلمنا جدلاً أنّ لهؤلاء الأربعة أناجيلُ فَلَيُبَيَّنْ لنا النصارى أسانيدَهُمُ التي توصلهم إلى أصحاب هذه الأناجيل، بل إن بعض أصحاب الأناجيل أنفسهم كمرقص ولوقا لا تزال شخصياتهم في عداد المجهولين فإن المعلومات عنهم قليلة جداً،
فغاية ما يعرف عن الاثنين أنهما يسميان بهذين الاسمين وأنهما صحبا بولس.
ولم تذكر المعلومات علم هذين الرجلين ولا دينهما ولا أمانتهما مما لا بد منه فيمن ينقل كتاباً مقدساً. وبعد هذا كله نقول للمنصف: أين وجه المقارنة بين كتابة القرآن وجمعه وبين أناجيل النصارى؟
فالقرآن جمعه الصحابة بأنفسهم،
ولم يقع بينهم اختلاف فيه ثم نقل إلينا القرآن نقلاً متواتراً تنقله أمة الإسلام جيلاً عن جيل يحفظونه في صدورهم ويتناقلون المصحف مكتوباً، ولهم أسانيدهم الصحيحة المتصلة التي تصلهم بأصحاب النبي (صلى الله عليه و آله وسلم)، ولهذا سلم من التغيير والتبديل، ولا أدل على ذلك من أنك اليوم بعد أربعة عشر قرناً تقرأ المصحف في أقصى بلاد الشرق ثم تنتقل إلى أقصى بلاد الغرب فتجد المصحف هو هو بلا تغيير.